لا أستطيع النوم وأنا أعلم أن ثيودور سيقاتل زيرون حتى الموت غداً.
والأسوأ من ذلك أنني لا أعرف حتى إذا كان ثيودور سينتصر أم لا.
اليوم رأيت زيرون يتدرب مع تنينه والآن أفهم لماذا يخافه الجميع.
تنين زيرون عمره على الأقل 150 عاماً وحجمه أكبر بأربع مرات من التنانين الأخرى.
سمعت أن الملوك السابقين لم يتمكنوا من ترويضه، لذا نسوا أمره لعقود معتقدين أنه مجرد تنين عجوز عديم الفائدة حتى جاء زيرون.
تنينه بارس كان أحد الأسباب التي جعلته يصبح ملكاً في مثل هذا السن الصغير، فقد تمكن من هزيمة جميع المرشحين للعرش.
في كل مرة يرفرف فيها بارس بجناحيه، كانت الرياح تتحرك بعنف وتبدأ في دفع الأشياء من حولها.
وعندما حلق فوق رأسي، اختفت الشمس للحظة وغطى ظله المنطقة بأكملها بالظلام.
لهذا السبب لم أستطع أن أغمض عيني طوال الليل.
كنت قلقة جداً لدرجة أنني أسقطت كأس الماء أثناء تناول الإفطار.
أصبحت نبضات قلبي غير منتظمة ويداي كانتا ترتجفان عندما كانت الخادمات يُجهزنني للحدث.
أحضرت الخادمات صندوق مجوهرات جديد وبدأن في وضعها عليّ واحدة تلو الأخرى، ولأنهن أخذن وقتاً طويلاً بدأت أنظر حولي ورأيت أن آخر قطعة مجوهرات كانت تاجاً، فأصابني الذعر.
“لا أريد التاج”، قلت للخادمات.
نظرن إلى بعضهن البعض بارتباك في البداية، لكنهن استمررن في فعل ما يفعلنه، متجاهلات إياي بوضوح.
من الغضب أمسكت بالتاج ورميته بعيداً قدر استطاعتي ، لكن لدهشتي سقط عند قدمي زيرون.
لا أعرف متى وصل إلى الغرفة، لكنه رأى ما حدث.
بدلاً من أن يغضب، التقط التاج فقط ومشى نحوي ببطء ثم وضع التاج مرة أخرى على رأسي.
“إنه يليق بك”، قال بابتسامة.
الآن وأنا أنظر إليه أدركت أنه تعمّد جعل ملابسنا متطابقة، حتى المجوهرات التي اختارها كانت من الماس الأصفر بنفس لون شعره وعينيه.
ومع التاج، الأمر يبدو وكأنه يعلنني كملكته.
“إذا أردتِ رؤية زوجك للمرة الأخيرة، أقترح عليك أن تبقي هادئة”، قال زيرون وهو يمسح الدمعة التي سقطت من عيني.
بمجرد أن خرجت من غرفتي رأيت منار وزوجات زيرون الأخريات في انتظاري.
انحنين برؤوسهن لي لإظهار احترامهن.
“ارفعن رؤوسكن من فضلكن”، قلت لمنار وأنا أمسك يدها، لكنها أبقت رأسها منخفضاً حتى أعطاهن زيرون الإذن.
بينما كنا نقترب من حلبة القتال، كنت أسمع الناس يهتفون ويصرخون ضد فاليريا.
بعد سماع ما كانوا يهتفون له، أصبحت كل خطوة أثقل من الأخرى.
تمنيت لو أستطيع الهرب، لكنني كنت أفتقد ثيودور وأريد رؤيته لذا دفعت نفسي مرة أخرى.
خرجنا من الممر وبدأ الناس يهتفون لنا.
وسط كل الفوضى والصراخ رأيته…
ثيودور…
كان ينظر إليّ مباشرة أيضاً، لكن بطريقة ما بدا مختلفاً.
ثيودور البارد الذي كان دائماً يخفي مشاعره الحقيقية خلف وجهه ذو الملامح الصارمة ينظر إليّ الآن بالكثير من الشوق.
قبل أن أدرك، كانت الدموع الدافئة تنهمر من عيني دون توقف.
مسحت تلك الدموع بسرعة وحاولت الابتسام وأنا ألوح له، لأنني لم أرد أن يتأثر ثيودور بي قبل المباراة.
‘اشتقت إليك’، حركت شفتيّ ببطء ليفهم دون أن أصدر صوتاً.
لحسن الحظ يبدو أنه فهم، لأنه ابتسم لي ثم قال شيئاً بالمقابل.
بسبب الاستاد الصاخب لم أستطع سماع ما قاله، ثم طلبت مني خادمة العودة إلى مقعدي لأن القتال كان على وشك البدء.
عندما خرج زيرون إلى الحلبة ورفع يده للحشد، بدأوا يهتفون باسمه بصوت عالٍ.
ثم صفّر وفجأة حلّق تنينه بارس فوق الحلبة وزأر.
كان يعرض قوته بوضوح للجميع، لكن لحسن الحظ لم يتأثر ثيودور بذلك، فقط نظر إلى السماء ثم إلى زيرون وكان مستعداً للقتال.
رد فعل ثيودور جعل زيرون أكثر غضبًا.
ثم سمعت الجرس يدق ثلاث مرات معلناً بدء المباراة.
طار زيرون على ظهر بارس، وبمجرد أن ارتفع بما يكفي صرخ
“نار”!!!
تجمد الجميع في المدرجات عندما فتح التنين فمه وأطلق كرة نار ضخمة في اتجاه ثيودور.
بمجرد أن وصلت النار إلى الأرض، صنع ثيودور نوعاً من الدرع السحري، التصادم بين النار والدرع أحدث شرارة ثم انفجر في المنتصف.
بسبب الغبار والدخان لم يرَ أحد ما حدث فعلاً.
وقفت مذعورة لمعرفة ما حدث.
ثم وسط الدخان الكثيف رأيت سهماً سحرياً أخضر اللون ينطلق نحو اتجاه زيرون وتنينه.
بالكاد استطاع بارس التنين تجنبه، وسرعان ما تلاشى الدخان ورأيت ثيودور واقفاً في مكانه مع قوس صنعه من السحر.
“نار يا بارس! نار!”، صرخ زيرون بذعر، واستمر التنين في إطلاق كرات النار مرة تلو الأخرى دون توقف.
أوقف ثيودور كل هجوم لكن الحرارة الناتجة من كرات النار جعلت الحلبة بأكملها حارة بشكل لا يُحتمل.
رأيت بعض الناس يبتعدون عن الصفوق الأولى، لأن القتال كاد يخرج عن السيطرة.
كلا من ثيودور وزيرون كانا يهاجمان بعضهما البعض دون توقف.
كان بارس منزعجاً بوضوح من الأسهم السحرية، ولم يستطع التركيز بشكل صحيح لذلك أطلق كرة نار نحو منطقة كان فيها الناس يشاهدون المباراة.
الهجوم أصاب بعض الناس، لذا بدأ الحشد بالصراخ و مغادرة الاستاد بذعر.
لأن المكان لم يكن آمناً.
“لنغادر!”، قالت منار وهي تسحب يدي.
كان المكان في حالة فوضى وكان زيرون غاضباً جداً لدرجة أنه لم يهتم بما يحدث حوله.
هززت رأسي ووضعت يدي على يد منار لأعلمها أنني لن أغادر.
“لا أستطيع ترك زوجي”، أجبت منار بابتسامة.
عرفت أنها لا تستطيع تغيير رأيي لذا عانقتني بأقصى ما تستطيع ثم غادرت.
في طريقها للخروج استمرت في النظر عدة مرات آملة أن أعيد النظر في قراري وأتبعها، لكنني فقط لوحت لها بابتسامة.
بمجرد أن غادرت منار سمعت صرخة عالية، يبدو أن أحد أسهم ثيودور جرح جناح بارس وكان يصرخ من الألم.
الجرح في جناح بارس أفسد توازنه وبدأ يصرخ ويطير في دوائر.
كان واضحاً أن حتى زيرون كان يواجه مشكلة في السيطرة عليه.
“عينيه!! أطلق على عيني التنين!!”، صرخت لثيودور.
بما أن بارس كان تنيناً عجوزاً، كان تصويبه سيئاً من البداية لكن الآن لدى ثيودور الفرصة المثالية لإيذائه بطريقة لن يتعافى منها.
“إلى هنا أيها التنين الغبي!!”، صرخت واستمررت في تلويح ذراعي في الهواء لجذب انتباهه.
لم يستطع ثيودور التصويب بشكل صحيح لأن بارس كان يطير بنمط غير منتظم، وهذه كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنني مساعدته بها.
“أناستازيا، هذا خطير!”، صرخ ثيودور محاولاً إيقافي.
نظرت إليه مرة واحدة وبدأت بالصراخ مرة أخرى “بارس أيها التنين العجوز عديم الفائدة! انظر إلى هنا!!!”
أخيراً! يبدو أنه لاحظني ونظر في اتجاهي.
فتح فمه ليرمي كرة نار أخرى، رغم محاولة زيرون إيقافه.
عندها حصل ثيودور على الفرصة المثالية وأطلق سهماً على بارس مباشرة في عينه اليمنى، وسقط كطائر جريح، مع زيرون.
سُحِقَت ساق زيرون اليمنى تحت جسد بارس الكبير ولم يتمكن من التحرك.
“لقد خسرت”، قال ثيودور وهو يضع سيفه على رقبة زيرون.
نظر زيرون إلى ثيودور بكراهية ومد يده العارية نحو سيف ثيودور.
“اقتلني، ودعني أموت بكرامة”، صرخ وهو يدفع السيف بالقرب من رقبته حتى بدأت تنزف.
التعليقات لهذا الفصل " 35"