من الغريب أن شيئًا هشًا مثل الزجاج الرقيق يمكن أن يحافظ على العلاقة متماسكة عبر الكثير من المصاعب.
لهذا السبب، رؤية ثيودور يشك بي الآن يشبه المرور بكابوس مريع.
“لقد أسأت الفهم، الأمر ليس كما يبدو.” قلت بذعر.
“لا بأس، فقط تأكدي من أن الأمور تبقى سرية ولا تخرج عن السيطرة.” رد بوجه خالٍ من المشاعر كما لو أنه يناقش أمور عمل.
“لا بأس؟” قلت ثم توقفت للحظة. “هل حقاً لا تهتم بما حدث؟” رددت بالكاد قادرة على إنهاء جملتي.
“أنا بخير، بعد كل شيء لم نكن زوجين حقيقيين…”
**صفعة**
لم أستطع الاستماع لكلماته أكثر لذا صفعته بأقصى ما أستطيع.
“طلبت منك ألا تنقذني إذا واجهت مشكلة، طلبت منك ألا تربكني بكلماتك وأفعالك، لكنك استمريت في فعل ذلك وحتى أنك ناديتني بخطيبتك.
كيف يمكنك أن تكون بلا قلب إلى هذا الحد!” صرخت ثم بدأت دموعي تنهمر.
كنت أحاول قمع الدموع بقدر ما أستطيع لأنه لا يزال لدي أشياء أريد قولها.
“أنت تعرف أن لدي مشاعر تجاهك…
أنت تعرف كم أريد بشدة أن أكون بجانبك، أنت فقط…
حقيقة أو لا أردت أن أكون خطيبتك.
أردت فقط أن أعيش الحلم لوقت أطول…” بعد ذلك لم أستطع قول أي شيء، لأن قلبي كان يؤلمني كثيراً.
“أنا آسف…” قال وهو ينظر للأسفل.
“اخرج… من فضلك…” توسلت إليه بكل القوة المتبقية لدي. كان مترددا قليلاً، لكنه في النهاية فعل ما طلبته.
شعرت بالخجل والحماقة لتوقعي أي شيء منه.
صرخت في وجه ثيودور وحتى صفعته، لكن رغم ذلك كنت أنا من يبكي دون توقف.
ولأول مرة في حياتي لم أكن متفائلة بشأن المستقبل، لأنه يبدو أنه مهما فعلت لا يمكنني جعله يحبني.
في اليوم التالي لم أذهب للعمل لأنني كنت لا أزال حزينة بشأن ما حدث بالأمس.
لم تكن لدي طاقة لفعل أي شيء، وبقيت في غرفتي مستلقية على سريري فقط.
خادمتي الشخصية لينا ساعدتني على ارتداء ملابسي والذهاب لتناول الغداء حتى لا أقلق عائلتي.
بعد أن انتهيت من ارتداء ملابسي، نظرت إلى انعكاسي في المرآة وبدوت فظيعة، كانت عيناي منتفختين من البكاء الليلة الماضية، وشعري كان دهنياً لأنني لم أستحم بعد، لكن من يهتم؟ سأرى عائلتي فقط، أليس كذلك؟
بالطبع لا، كان على ثيودور أن يزورني في اليوم الذي أبدو فيه بأسوأ حال.
عندما فتحت باب غرفة الطعام، رأيت ثيودور جالساً بالقرب من أبي يتحدث عن شيء ما.
عندما رأيته والتقت أعيننا شعرت بالحرج الشديد من مظهري وحاولت تغطية وجهي بشعري.
“لا تخجلي يا ابنتي العزيزة، صهري وصل للتو منذ 10 دقائق وبما أننا كنا سنتناول الغداء على أي حال لم أطلب من الخدم إخبارك بوصوله.” قال أبي وابتسم لأنه كان في مزاج جيد.
حتى أن عائلتي أبقت المقعد بجانبه لي، يا لها من مراعاة، في المناسبة الوحيدة التي لم أرد فيها أن يرى ثيودور وجهي العاري بدون مكياج وشعري الدهني علينا أن نجلس بجانب بعضنا البعض.
جلست محرجة تماماً وبدأت بالتعرق.
“كيف حالك اليوم؟” قال ثيودور بنبرة لطيفة.
“أنا أفضل، شكراً لك.”
كان الجو غريباً وأبقيت نظري على طبقي لتجنب التواصل البصري أو المحادثات معه.
على الرغم من أني كنت جائعة، لم تكن لدي أي شهية، لأنني كنت متوترة بشأن زيارة ثيودور.
هل هو هنا لإلغاء زواجنا؟ أم أنه هنا للاطمئان علي حقاً؟
كان ذهني مشوشا، وفجأة رأيت ثيودور يضع بعض السمك على طبقي.
أظن أنه يشعر بالذنب حيال ما حدث الليلة الماضية، أو حيال ما سيقوله لاحقاً، لكن لماذا بحق الجحيم من بين كل هذا الطعام اللذيذ على الطاولة أعطاني سمكاً.
استمريت في التحديق بشريحة السمك ولم أستطع إجبار نفسي على أكلها.
عندما كنت في السادسة ركض أخي ورائي مرة وبيده سمكة، ولا أزال أتذكر وجهها القبيح.
“أناستازيا لا تحب السمك.” قال أبي الذي أشار للخادم ليبدل طبقي بآخر جديد.
“أنا آسف، لا يزال هناك الكثير مما لا أعرفه عنك…” قال ثيودور بتعبير حزين.
“لا بأس، أمامكما حياة كاملة لتتعرفا على بعضكما.” قال أبي وضحك بصوت عالٍ.
“نعم.” رد ثيودور.
ماذا؟ ماذا سمعت للتو؟
وضعت شوكتي ونظرت إليه مباشرة.
“أخيراً نظرت إلي.” قال ثيودور بابتسامة ثم نظر إلى أبي. “لقد طلبت من الملك لقباً نبيلاً صغيراً حتى أتمكن من الزواج من الآنسة أناستازيا.”
“حقاً؟ تهانينا.” قال أبي بينما يربت على كتف ثيودور.
بقية عائلتي هنأوه باستثنائي أنا التي كنت لا أزال في حالة صدمة بشأن ما قاله، هل سنتزوج حقاً؟
بعد ذلك أخبر أبي أن لديه لقب بارون الآن، وأبلغه أن الزواج سيقام في 28 مارس، أي بعد أسبوع من مهرجان الصيد السنوي.
هل أحلم؟ قرصت يدي.
واستمررت في التحديق به، دون قول أي شيء.
بعد تناول الحلوى أعطتنا عائلتي بعض الخصوصية، لأنهم عرفوا أن لدينا الكثير لنتحدث عنه.
بمجرد أن غادروا كانت الغرفة هادئة جداً وكنت أفكر فيما أقوله أو أسأله أولاً، لكنه سبقني وقال شيئاً صادماً.
“كنت محقة، لقد استمريت في تجاوز الحدود معك وأعطيتك أملاً كاذباً لذا سأتحمل المسؤولية.” توقف للحظة ثم تابع. “لا أستطيع أن أعدك بأننا سنكون مثل الأزواج العاديين الآخرين، لكنني سأبذل قصارى جهدي كخطيبك وزوجك المستقبلي لبضع سنوات أو حتى تتلاشى مشاعرك تجاهي.”
‘إذاً، سيتزوجني لأنه يشفق علي.’ بدأت أقبض على طرف فستاني.
“لدي سؤال.” قلت ناظرة إلى ثيودور.
“تفضلي.”
“هل حقاً لا تشعر بأي شيء تجاهي؟ ولا حتى قليلاً؟” سألته دون تجنب نظره.
“أنا آسف، لا أستطيع أن أحب أي أحد… ليس خطأك لكن لدي أسبابي لعدم الرغبة في إنشاء عائلة حقيقية.
لذا سألعب دور خطيبك وحتى زوجك حتى يتزوج ولي العهد أو يفقد اهتمامه بك.
وأعدك بأن أعاملك باحترام خلال تلك الفترة.” قال بابتسامة دافئة.
كيف يمكن لابتسامته أن تكون قاسية إلى هذا الحد؟ فكرت بينما أنظر إلى وجهه.
ذات مرة قلت له بفخر أنني لن أقبل شفقته، لكنه الآن أكد لي للمرة الثالثة أن هذا كل ما يستطيع إعطائي إياه.
الآن السؤال الوحيد المتبقي هو هل يجب أن أقبل بعرض للزواج البائس هذا.
إذا قلت نعم، سأجبره على البقاء بجانبي لبضع سنوات على الأقل.
لكن إذا قلت لا…
لا أريد حتى أن أفكر في ذلك…
لذا، سأكون أنانية لأول مرة في حياتي، أريد فقط قليلاً من الوقت الإضافي معه…
ربما حينها، حينها فقط يمكنني أن أتركه بثقة عالمة أنني فعلت كل ما بوسعي.
“حسناً، لنفعل ذلك.” ابتسمت له، لكن من الداخل كنت محطمة القلب.
لنحبس كلينا في هذه العلاقة البائسة.
لنستنزف مشاعر بعضنا البعض، حتى عندما ينتهي الأمر أخيراً نكون قد سئمنا من بعضنا تماماً.
ومن يدري ربما يأتي يوم وأكرهك فيه…
وحتى ذلك الحين سأستمر في إعطائك كل ما لدي.
“آنا، من فضلك نادني بذلك من الآن فصاعداً يا خطيبي العزيز.” قلت بسخرية وأمددت يدي إليه لإتمام الصفقة.
“حسناً… لكن فقط عندما نكون وحدنا.” أجاب ثيودور ومد يده ليمسك يدي.
كانت تلك المصافحة بداية أشياء كثيرة في حياتنا، وظننت أنني كنت مستعدة لمواجهتها، لاكنني كنت مخطئة…
التعليقات لهذا الفصل " 24"