الفصل السابع عشر: اول قبلة

“من فضلك ابقوا هنا حتى يتم تحضير عربتكم”، قالت الخادمة ثم أغلقت الباب علينا.

بمجرد أن سمعت صوت إغلاق الباب، أحذت نفساً عميقاً.

أخيراً انتهى كل شيء.

نظرت حولي وكان ثيودور قد جلس بالفعل.

بدا أنه ضائع في أفكاره.

لم ينطق بكلمة ولم ينظر في اتجاهي.

‘إذن أنت عدت إلى ذاتك الباردة المعتادة مرة أخرى…’ فكرت في نفسي بينما بدأت أبحث في الغرفة عن منشفة يد.

يفعل هذا لي دائماً.

في لحظة يكون بارداً معي، وفي أخرى يشعل النار في قلبي.

يجب أن يتوقف عن اللعب بقلبي المسكين، تنهدت بينما وجدت ما كنت أبحث عنه.

وجدت وعاءً كبيراً وملأته بالماء وحملته مع المنشفة وجلست بجانب ثيودور.

جلست عن قصد بالقرب منه ونظرت إليه مباشرة.

أخيراً لاحظني ونظر في اتجاهي.

نعم تلك العيون الزرقاء هي أحد الأسباب التي جعلتني أقع في حبه، فكرت بينما استمررت في النظر اليه.

دون تفسير، أمسكت يده وبدأت أمسحها بمنشفة مبللة.

هذه ليست المرة الأولى التي ألمس فيها يده، لكن قلبي لا يزال ينبض بجنون بينما أمسك يده الكبيرة.

حاولت مسح السم الجاف من أصابعه.

“أخبرتك أن السموم لا تؤثر علي”، قال بنبرة هادئة.

لم أستمع إليه واستمررت في إزالة البقع من يده.

“الآنسة أناستازيا، هل تستمعين؟” سأل مرة أخرى.

“توقف عن إرباكي”، أجبت بينما ظغطت على يده بلطف. “أنت تستمر في هز قلبي بينما ترفض الخروج من جدرانك الحديدية”.

ثم نهضت لأزيل الوعاء والمنشفة بما أنني انتهيت من تنظيف يده.

“لو كنتِ قد استمعت لي في المقام الأول، لما كان يجب علي التدخل”، قال ثيودور ببرود.

شددت قبضتي بغضب واستدرت لأصرخ عليه وأفرغ غضبي، لكن عندما رأيت وجهه صمت.

هو محق إلى حد ما، لكن كيف كان بإمكاني التنبؤ بما حدث.

لحسن الحظ عادت الخادمة لتخبرنا أنه يمكننا المغادرة.

مشيت أمام ثيودور وجلست في العربة لأنني كنت غاضبة منه.

لابد ان هذه العربة ملعونه، لم أحظى برحلة مريحة فيها أبدا.

بعد بضع دقائق وصلنا إلى وسط المدينة، وتحديداً منطقة السوق.

“هذا ليس الطريق إلى برج السحر…”، قال ثيودور بأرتباك.

“اتبعني…”، قلت ونزلت من العربة.

مشينا معاً في السوق.

“الآنسة أناستازيا، من فضلك تعالي وألقي نظرة على مجوهراتي الجديدة”، قال صاحب أحد المحلات.

“الآنسة أناستازيا، ما الذي يجلبك هنا…”، قال صاحب متجر آخر بابتسامة كبيرة.

رحب الجميع بي وتبعني ثيودور كما طلبت، دون أن ينطق بكلمة.

قدت الطريق حتى وصلنا إلى مخبز السيد هينشمان الشهير.

تعرف علي الموظفون على الفور وأخذونا إلى أفضل مكان.

إنها الشرفة التي عادة ما تكون محجوزة لصاحب المتجر وعائلته، لكنني استثناء.

جلسنا وأحضروا أشهر أطباقهم.

“الآنسة أناستازيا، لماذا نحن هنا؟” سأل ثيودور بارتباك.

“أنا بالغة وأنا من عائلة ثرية جداً.

أنا ذكية، وقادرة، وجيدة جداً في عملي.

حتى أنني ساعدت السيد هينشمان وأنقذت عمله الفاشل، بتقديمه إلى طاهٍ شهير والتوقيع على صفقة مع تاجر قمح…

والآن يملك أشهر مخبز في العاصمة.

ليس هو فقط، ساعدت العديد من أصحاب الأعمال الآخرين بمعرفتي الحسابية.” استمررت في التحدث بينما وضعت صحن فيه كعكة شوكولاتة أمام ثيودور.

“الآنسة أناستازيا، ما علاقة هذا بسؤالي؟”

“يمكنني حماية نفسي…”، قلت تلك الكلمات بينما أنظر إليه مباشرة. “لا تحتاج إلى إنقاذي في كل مرة، كما لو أنني سأنكسر بأدنى ضغط.

قد لا أملك قوى سحرية قوية، لكن لدي عائلة محبة، وأصدقاء.

ما أريده منك ليس حمايتك، بل حبك.

لذا في المرة القادمة التي تراني فيها في مشكلة، فقط ثق بي للتعامل معها بشكل صحيح.”

“حسناً”، رد على وكان مطيعاً على عكس عادته.

لأكون صادقة، شعرت بشعور جيد لأني صرخت على ثيودور للمرة الأولى.

أتمنى لو أنه استمع لجميع طلباتي مثلما فعل هذه المرة، ألا يمكنه الاستسلام فقط والموافقة على مواعدتي؟

بعد ذلك سمعنا البرج الكبير في وسط المدينة يصدر ضجيجاً عالياً يعلن أنها الساعة 6 مساءً.

الضجيج العالي أزعج الطيور وبدأت تطير في السماء.

كان ثيودور ينظر إلى منظر الغروب بينما استمر صوت الساعة في الرنين مراراً وتكراراً كما لو كان يخبرنا أن الوقت قد انتهى ويجب علينا العودة إلى المنزل.

لماذا يجب أن ينتهي موعدنا الجميل هنا؟ سندريلا كان لديها حتى منتصف الليل على الأقل.

قصتي لديها جميع عناصر رواية رومانسية، لكن لسبب ما مازلت عالقة عند هذه النقطة.

أنا هنا، أميري الساحر ثيودور أمامي مباشرة، هزمت الشريرة ماري، أنقذني ثيودور من كرة نار سحرية عملاقة، ماذا يجب أن نمر به قبل أن نصبح عشاقاً؟

كنت أعد بأصابعي كل الصراعات التي مررنا بها حتى الآن، ووفقاً لجميع الروايات الرومانسية التي قرأتها، كان يجب أن نحصل على قبلتنا الأولى بحلول الآن، لكن لا تغييرات بعد.

كان عقلي مشغولاً وعدت إلى رشدي عندما سمعت ثيودور يناديني.

“آنسة، أناستازيا! حان وقت المغادرة”، قال بينما يقف.

“أوه… حسناً”، أجبت على الفور ونهضت.

بعد ذلك ذهب في طريقه الخاص حتى أنه رفض أن أعيده إلى منزله بالعربة، هل يخاف أن أخطفه أو شيء من هذا القبيل؟ أنا لست يائسة إلى هذا الحد.

على الأقل ليس بعد…

الأسابيع القليلة التالية بعد ذلك كانت هادئة بشكل مزعج، لم يحدث شيء مميز بيني وبين ثيودور.

وما يجعل الأمر أسوأ هو أن احتفالات العام الجديد ستبدأ غداً وسيكون لدي إجازة لمدة أسبوعين.

خلال الأسبوعين سيتعين علي الاحتفال مع عائلتي وحضور حفلة نهاية العام الملكية.

بينما كان الجميع في البرج متحمسين للعطلة، استمررت في التنهد طوال الوقت.

مر اليوم بسرعة كبيرة، وودعت دينا وأليكس، وبمجرد أن غادروا أخرجت الصندوق الذي أخفيته في حقيبتي وتوجهت نحو مكتب ثيودور في الطابق الأول.

أردت أن أعطيه هدية مبكرة، لكنني كنت متوترة قليلاً بشأن ما اشتريته له.

“ادخلي”، قال بمجرد أن طرقت الباب.

“ما الذي يجلبك هنا الآنسة أناستازيا”، قال بينما يغلق ملف الوثائق أمامه.

“جئت لأعطيك شيئاً…”، قلت بتوتر بينما قدمت له الصندوق.

“لا أعتقد أنه من الضروري فعل هذا…”، قال كما توقعت لكنني وضعت الصندوق في يده وتراجعت خطوة.

“من فضلك اقبلها”، قلت بصوت عال مرتجف بينما أتصبب عرقاً.

“حسناً، آمل فقط ألا تكون خصلة من شعرك أو جرعة حب”، قال بينما يفك الشريط.

“لا، لا تقلق”، أجبت بابتسامة.

اللعنة! لماذا لم أفكر في ذلك! فكرت في نفسي على الأقل كان يمكنني رش عطري على الصندوق لتحديد منطقتي.

“بروش على شكل الشمس؟”

“نعم، بدى أنك تحب منظر الغروب في ذلك اليوم و لذالك اشتريته لك”

“شكراً، لكنني لا أعتقد أنني أستطيع ارتداءه”

“يقولون إذا أعدت هدية، ستجلب سوء الحظ على نفسك.” كذبت عليه.

“لا أؤمن بسوء الحظ”.

“أنا أؤمن به، دعني أساعدك في وضعه، بمجرد أن ترى كيف يبدو ستحبه أيضاً”، قلت بينما اقتربت وانتزعت البروش من يده لوضعه على جيب قميصه.

كان جالساً على الكرسي وكنت واقفة أحاول وضع البروش عليه.

“ها هو، انظر كم يبدو جيداً”، قلت بابتسامة ثم أدركت أننا كنا قريبين جداً من بعضنا البعض.

“هل يمكنني أخذ شيء في المقابل للبروش؟” سألت بينما استمر نبض قلبي في الارتفاع والارتفاع.

“حسناً، خذي ما تريدين باستثناء قلمي المفضل”، تنهد.

مِلت ببطء وأعطيته قبلة على خده.

لا أعرف كيف حصلت على الشجاعة لفعل ذلك، لكنني لم أستطع إيقاف نفسي.

شعرت و كأنها اللحظة المناسبة.

عندما أبعدت وجهي عنه، أدركت أن وجهه كان أحمر بالكامل أيضاً.

كانت المرة الأولى التي أرى فيها ثيودور يصنع هذا التعبير.

كان تعبيراً جميلاً أتمنى ألا يراه أحد سواي.

*****

Instagram: Cinna.mon2025