في تلك اللحظة التي انحرف فيها الوضع تمامًا عن أي توقعات سابقة، وجد الكونت شولين نفسه عاجزًا عن النطق، كأن الكلمات قد هربت منه تمامًا إلى أعماق الفراغ، تاركة إياه في حيرة عميقة تجعله يشعر بأنه في متاهة لا نهاية لها، حيث كان يتوقع سيناريوهات مختلفة تمامًا عن هذا الذي يتكشف أمامه الآن ببطء مخيف. لم يكن يعرف كيف يرد أو ماذا يقول، إذ كانت كل الإجابات الممكنة تتلاشى في ذهنه المتعب، محاطًا بجدران الغرفة الضيقة التي تبدو كأنها تضيق أكثر مع كل ثانية تمر، مما يزيد من ضغط الجو الثقيل الذي يخنق أنفاسه.
كان قد رسم في ذهنه سيرًا متوقعًا للأحداث: يتم استجوابه عن جريمة اقتحامه قصر الإمبراطورة، ويُسأل عن أسباب لجوئه إلى طرق غير شرعية للتفاوض، ربما مع بعض التهديدات أو العقوبات التي تتناسب مع خطورة فعلته، لكن الإمبراطور بدا غير مهتم إطلاقًا بموضوع مورفيوس أو أي شأن وطني كبير، كأن هذه الأمور تافهة بالنسبة له، وبدلاً من ذلك، كان يركز على الإهانة الشخصية التي ألحقتها فعلة الكونت بمشاعر الإمبراطورة، كأن ذلك الإزعاج العاطفي أهم من أي قضية سياسية أو اقتصادية تهز أركان الإمبراطورية بأكملها.
“ماذا؟ يا كونت.” أيقظ سيزار الكونت من غفوته الذهنية الجامدة، بصوت هادئ ومستقر يحمل سلطة غير مباشرة تجعل الآخر يشعر بأنه يجب أن يرد فورًا، كأن تلك الكلمات البسيطة تحمل وزنًا يثقل الكاهل.
“إذا بقيت صامتًا هكذا، قد يبدو الأمر كأنك تكن مشاعر تجاه زوجتي.”
اندهش الكونت شولين اندهاشًا شديدًا، كأن صاعقة ضربت روحه مباشرة، مما جعله يفقد السيطرة على نفسه للحظة، فأطلق الكلمات التي دارت في ذهنه دون تصفية أو تفكير، كأنها انفجرت من فمه تلقائيًا تحت ضغط الرعب والدهشة المختلطين: “كيف أجرؤ أنا، مجرد بشر عادي، على النظر إلى شخصية تشبه الجنيات في جمالها… حتى مجرد التفكير فيها يُعتبر إهانة وتعديًا على قدسيتها.”
استعاد الكونت وعيه بعد أن نطق بهذه الكلمات الغبية، مدركًا فجأة حجم الخطأ الذي ارتكبه، كأن الأرض انشقت تحت قدميه وهو يسقط في هاوية لا قعر لها.
‘انتهى أمري.’
لكن الجو بدا يتغير بشكل غريب وغير متوقع، إذ أصبح التوتر أقل حدة بعد كلماته تلك، كأنها لمست وترًا حساسًا في قلب الإمبراطور بشكل إيجابي غير متعمد. أطلق سيزار ضحكة منخفضة، مليئة بالرضا الخفي، وعلى الرغم من أن عينيه الحمراوين كانتا مخيفتين كالكوابيس التي قد تطارد الإنسان لياليًا طويلة، إلا أن ابتسامته في تلك اللحظة جعلته يبدو كملاك يتجلى في جمال سماوي، يجمع بين الرهبة والجاذبية في تناغم غامض.
بينما كان نظر الكونت مشدودًا إليه مذهولاً، أشار سيزار إلى روتان بإيماءة خفيفة من يده، فاقترب روتان ورفع الكونت بلطف نسبي هذه المرة، مساعدًا إياه على الوقوف بثبات، مما جعل الكونت يشعر بالحيرة الشديدة أثناء اعتماده على مساعدة الرجل الضخم.
“سأمنحك مورفيوس. الإمبراطورة تريده ذلك أيضًا.”
جاء الإذن فجأة كالصاعقة، غير متوقع وغير مفهوم، مما جعل الكونت يشك في أنها ربما فخ مخفي ينتظره في الظلال، إذ كان الإمبراطور يبدو كأنه يلعب لعبة نفسية معقدة. قبل أن يتمكن الكونت من التعبير عن شكره، حدد سيزار المقابل بدقة: “المقابل سيكون معلومات عائلتك، بما في ذلك تلك المتعلقة بمملكة إيرث.”
“ماذا…؟”.
كان هذا الطلب يتجاوز الحدود التي سمح بها الملك، ويُعتبر خيانة مباشرة لوطنه، مما يجعله اقتراحًا جنونيًا لا يمكن قبوله لأي نبيل مخلص. لكن الإمبراطور بدا هادئًا تمامًا، كأن هذا الطلب أمر عادي يومي لا يستحق الجدل.
“من يعرف إذا خان شولين، الذي يدير أعلى مستويات المعلومات في القارة، وطنه؟ طالما حافظت على سرك، لن يعرف أحد.”
لم يكن تهديدًا مباشرًا، بل عرضًا يمكن رفضه دون عواقب فورية، إذ كان يبدو مستعدًا للتراجع إذا رفض الكونت، لكن ذلك كان يخفي قوة نفسية تجعل الرفض مستحيلاً. ترددت نظرة الكونت، ومر في ذهنه وجه أخيه الشاحب الذي يعاني الآلام في فراش الموت، كصورة حية تجعله يدرك أن خياراته محدودة منذ البداية. ابتلع غصة في حلقه، مدركًا أنه ليس أمامه سوى خيار واحد، ثم انحنى أمام إمبراطور تراون، قائلاً بصوت خافت: “…سأفعل.”
***
كانت إيلين تغوص في أبحاثها بجد واجتهاد استثنائي، كأن كل لحظة تمر تكون فرصة ذهبية لا تُعوض، رغم أنها دائمًا ما تكون ملتزمة بعملها، إلا أن يومها هذا كان مليئًا بحماس إضافي يدفعها لإنهاء أهدافها قبل الوقت المعتاد، مما يجعلها تشعر بإنجاز سريع يملأ قلبها بالرضا. وكان السبب في ذلك واضحًا: أمر سيزار لها بالعودة مبكرًا، الذي يحمل في طياته وعدًا بحميمية تجمع بينهما بعد فترة من الانشغال، مما يجعلها تتسارع في إكمال مهامها كأن الوقت يسابقها نحو تلك اللحظة المنتظرة.
بعد إنجازها للأهداف بسرعة قياسية تفوق توقعاتها، توجهت إيلين إلى قصر الإمبراطور قبل الوقت المعتاد، مستمتعة بكل خطوة تخطوها في الأروقة الواسعة التي تفوح منها رائحة التاريخ والفخامة. رغم أنها وسيزار يمتلكان قصرين منفصلين وفقًا للآداب الإمبراطورية، إلا أنهما كانا يزوران بعضهما البعض باستمرار يجعل الفصل بين القصرين مجرد شكلية لا معنى لها، كأنهما يعيشان في منزل واحد يمتد عبر جدران متعددة.
ومع ذلك، كانا دائمًا ينامان في غرفة النوم الخاصة بقصر الإمبراطور، والسبب بسيط وجميل: المنظر الخلاب للحديقة المطلة منها، التي تمنح شعورًا بالسلام والجمال يغمر الروح في كل ليلة. عرض سيزار بناء حديقة أجمل في قصر الإمبراطورة، لكن إيلين رفضت بقوة، إذ كانت تعتقد أن ما لديها الآن كافٍ وأكثر، ولا تريد إهدار المال العام على رفاهية شخصية، رغم أن الحديقة الحالية كانت بالفعل تحفة فنية تبهر الزوار.
الحقيقة الخفية وراء تفضيل غرفة نوم الإمبراطور كانت أعمق: عندما تذهب إيلين إلى هناك، يمنح ذلك سيزار المنشغل بعض الراحة الإضافية، مما يسمح له بقضاء وقت أطول معها دون عناء التنقل. بسبب إصرارها، أصبحت الليلة في قصر الإمبراطور روتينًا، لكن سيزار كان يزور قصرها في أوقات فراغه ليقضيا وقتًا معًا، كما حدث اليوم في زيارته المفاجئة التي أضفت لمسة من الإثارة على يومها.
‘سيستغرق وصوله بعض الوقت بعد.’
جلست إيلين على السرير تقرأ كتابًا، ثم وضعت شالاً على كتفيها وخرجت إلى الحديقة، رغم أن ملابسها كانت بسيطة جدًا لإمبراطورة، إلا أن الحديقة الملحقة بالغرفة كانت محظورة على الجميع إلا لها وسيزار، حتى الخدم لا يدخلون إلا للصيانة.
كانت الحديقة غارقة في هدوء الليل، مع رائحة الأزهار الطازجة تملأ الهواء، فتجولت إيلين مستمتعة بالنسيم البارد الذي يداعب بشرتها، ثم رفعت بصرها إلى السماء.
كانت السماء صافية تمامًا دون غيوم، مع قمر مكتمل يلمع بضوء نقي يغمر كل شيء، مما جعل إيلين تشعر بأنها في حلم ساحر يحيط بها من كل جانب، مليء بالسلام الداخلي الذي ينعش روحها المتعبة من يوم عمل طويل.
كانت تعيش واقعًا سعيدًا مع سيزار، لكن ذكريات الزمن الذي قضته في الحلم كانت لا تزال محفورة في ذهنها كندوب عميقة، تثير أحيانًا الألم والحزن، تجعلها تشعر بالكآبة في لحظات الوحدة. ومع ذلك، كانت قادرة على التغلب عليها بفضل وجود سيزار إلى جانبها، الذي يمنحها القوة لقبول التغييرات في جسدها… .
نظرت إلى يدها المتلألئة تحت ضوء القمر الأزرق، جسد لا يتغير أبدًا، لا يترك حتى أصغر جرح، كأنه مصنوع من مادة غير بشرية. كانت غارقة في تأملها الهادئ عندما احتضنها جسم دافئ وقوي من الخلف، فارتجفت دهشة أولاً، ثم ذابت في الاحتضان ضاحكة بلطف.
كان الاحتضان محكمًا يملأ كل فراغ في روحها، فاستندت بظهرها إليه وقالت اسمه بنعومة: “سيزار.”
“يجب أن ترتدي ملابس مناسبة قبل الخروج.”
رغم أن جسدها لا يتأثر بالبرد حتى في ليالي الشتاء القارسة، إلا أنه خلع معطفه ليغطي كتفيها، لكنها هزت رأسها وأمسكت يده: “سأدخل الآن.”
“لماذا، لم تكملي نزهتك.”
أدارت عينيها قليلاً لتتجنب نظره، وخدودها محمرة قليلاً، همست:.”لأن هناك أمر يجب القيام به.”
رغم كل الليالي التي قضياها معًا، كانت لا تزال تشعر بالخجل عند الحديث عن هذه الأمور، رغم أنها أصبحت امرأة ناضجة تعرف كل شيء. كانا مشغولين مؤخرًا، فلم يقضيا وقتًا حميميًا منذ فترة، لذا كانت تتوق إلى لمساته بعد هذه الفترة الطويلة.
حاولت الهرب بخطوات سريعة من الخجل، لكنها وجدت نفسها تطفو في الهواء، إذ رفعها سيزار بسهولة، قائلاً بصوت مليء بالضحك: “كنت غير مدرك.”
ثم مشى نحو الغرفة بخطوات واسعة أسرع من خطواتها الصغيرة، فوصلا إلى السرير في لمح البصر.
وضعها على السرير ثم قبلها بعنف كالوحش الجائع، مما جعلها تصدر أنينًا حادًا غير مقصود، مستسلمة للقبلة.
“أمم…!”.
تذكرت فجأة قبلتهما قبل ساعات في غرفة الاستقبال تحت ضوء النهار، حيث كانت تشعر بالتوتر مما يمنعها من التركيز الكامل.
لكن هنا، في هذه الغرفة الخاصة، كان كل شيء ملكًا لهما فقط، كأيام المنزل الصغير الذي عاشا فيه وحدهما، مما يشعل نارًا أعمق في جسدها. احتضنته بقوة، ممسكة بملابسه حتى تتجعد، محولة السرير إلى فوضى من الأغطية المتشابكة. عندما انفصلا للتنفس، أمسك صدرها بقوة، مما جعلها ترتجف دهشة، فقبل شفتيها بلطف وقال: “آسف، هل أفزعتكِ؟”.
ثم قبل خدها معتذرًا: “زوجكِ قد أخطأ.”
قالت إيليت: “ليس أنني أكره ذلك… فقط فوجئت بالإمساك المفاجئ.”
كانت تعرف أن بعض الخشونة في العلاقة تضيف شرارة إضافية تجعل اللحظات أكثر إثارة وحيوية، كالنار التي تحتاج إلى هبوب رياح خفيفة لتشتعل أكثر، وكانت تسعد برؤية سيزار، الذي يبدو دائمًا هادئًا وغير مبالٍ، يظهر جانبًا طماعًا ومتعطشًا، مما يؤكد عمق رغبته فيها. أرادت أن تقول إنها تشتهيه أيضًا، فبعد تفكير قصير، اختارت الكلمات التي بدت لها الأكثر صدقًا ووضوحًا، رغم بساطتها: “أريد امتلاكك أنت أيضًا بسرعة، يا سيزار.”
لكنها ندمت فورًا على صياغتها الصريحة جدًا، كأنها كشفت عن جزء من نفسها دون فلتر، مما جعلها تشعر بالحرج الشديد.
‘يجب أن أتوقف عن قراءة الكتب العلمية وأبدأ بقراءة الشعر أو الروايات الرومانسية.’
كانت تتمنى لو استطاعت التعبير بأسلوب أكثر أناقة ودقة، مليء بالكنايات الشعرية التي تجعل الكلمات تتدفق كالنهر الهادئ، لكن في مثل هذه اللحظات، كانت الكلمات الصريحة هي الوحيدة التي تتبادر إلى ذهنها، كأن عقلها يرفض التعقيد في وسط العواطف الجياشة. لتخفي خجلها، سحبت عنقه نحوه بقوة، كأنها تريد إغلاق الفجوة بينهما فورًا.
انحنى نحوها بطاعة، فملأت عيناه الحمراوان رؤيتها، تلمعان تحت الضوء كالبحيرات الدامية التي تعكس أعماق الرغبة، محملة بنظرة طويلة تجعلها تشعر بالإثارة تنتشر في جسدها كالكهرباء. لكنه يكبح نفسه بصبر، ثم ابتسم بلطف همسًا: “لا تتعجلي، يا إيلين.”
ومع ذلك، كلما مددت يدها نحوه أولاً، كان صبره ينفد بسرعة، كأنها تضغط على زر يطلق العنان لجانبه الجامح. الآن أيضًا، كان يتخيل أمورًا قد تجعلها تبكي خوفًا، لكنه طردها وبرد رأسه قبل استئناف القبلة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات