خرج الكونت شولين من قصر الإمبراطورة بوجه يبدو كأنه قد تقدم عشر سنوات إضافية في تلك الدقائق القليلة المضطربة، حيث كانت ملامحه المتعبة تعكس الإرهاق الجسدي والنفسي الذي ألم به، كأنما كانت كل خطوة يخطوها خارج تلك الأبواب الثقيلة تثقل كاهله بذكريات التوتر الذي عاشه داخل جدران القصر الفاخرة. كانت عيناه اللتين كانتا تتلألآن بالذكاء والحيوية سابقًا، قد فقدتا بريقهما تمامًا، محاطتين بظلال الخوف والدهشة التي لم تزل تطاردانه، مما يجعله يبدو كشبح يتجول في أروقة القصر الواسعة تحت أشعة الشمس الدافئة التي لا تتناسب مع برد روحه الداخلي.
من يصدق أنه في حياته الطويلة المليئة بالمفاوضات واللقاءات الدبلوماسية، سيواجه إمبراطور تراون وجهًا لوجه بهذه الطريقة المفاجئة والمخيفة، كأن القدر نفسه قرر اختبار حدوده في أكثر اللحظات حساسية؟ كان الكونت قد سمع قصصًا لا تعد ولا تحصى عن الإمبراطور، بعضها مجرد إشاعات مبالغ فيها تنتشر في الأوساط الاجتماعية كالنار في الهشيم، وبعضها الآخر معلومات دقيقة تكشف عن جوانب حقيقية من شخصيته المهيبة والمخيفة، لكنها جميعًا كانت تختلط في ذهنه الآن كفسيفساء غير مكتملة.
لكن في ذلك اليوم المشؤوم، أدرك الكونت شولين بعمق أن أيًا من تلك القصص لم تكن قادرة على التقاط جوهر الإمبراطور بالكامل، إذ كان شخصًا يتجاوز حدود الوصف البشري العادي، لا يمكن حصره في صور فوتوغرافية بسيطة أو سطور مكتوبة في التقارير السرية. إذا كان هناك وصف يقترب قليلاً من الحقيقة، فهو تلك التسمية الشائعة لعينيه الحمراوين كرمز للموت والشؤم، إذ كانتا تثيران الرعب بمجرد النظر إليهما، كأنهما بوابتان إلى عالم آخر مليء بالظلام والقوة الغامضة التي لا ترحم.
في الظروف العادية، لم يكن من المفترض أن يلتقي الكونت شولسن بالإمبراطور شخصيًا، إذ كانت المفاوضات الدبلوماسية تتم عادةً من خلال النبلاء الأدنى درجة، الذين يتعاملون مع التفاصيل اليومية دون الحاجة إلى تدخل الإمبراطور نفسه، مما يحافظ على هيبته بعيدًا عن الشؤون الروتينية. لكن عندما التقى بعينيه الحمراوين مباشرة، شعر الكونت تلقائيًا بأن الموت يقترب، كأن تلك النظرة تخترق روحه وتكشف كل أسراره المخفية، وكان نجاته من ذلك اللقاء بحد ذاته معجزة يجب أن يشكر عليها السماء. مسح صدره مرة أخرى ليطمئن نفسه، ثم التفت خلفه نحو قصر الإمبراطورة، متسائلاً في قرارة نفسه: هل ستقبل الإمبراطورة الصفقة التي عرضتها عليها، أم ستنتهي محاولته الفاشلة بكارثة أكبر؟.
كان “معلومات شولين” التي عرضها الكونت على الإمبراطورة كمقابل ليس مجرد عرض عابر أو صفقة بسيطة، بل كان كنزًا استراتيجيًا يحمل وزنًا هائلاً في عالم السياسة والتجسس، يعكس تراث عائلته العريق في مملكة إيرث.
كانت عائلة شولين تتولى مناصب دبلوماسية في مملكة إيرث جيلًا بعد جيل، لكن هذا المنصب الرسمي كان مجرد غطاء خارجي لمهمة أعمق وأثقل، تتجاوز حدود الدبلوماسية العادية إلى عالم الاستخبارات والمعلومات السرية. بفضل موقع إيرث كمركز لطرق التجارة القارية، كانت تتدفق إليها كميات هائلة من المعلومات من كل أنحاء العالم، مثل أنهار تتدفق إلى بحيرة واحدة، مليئة بأسرار الدول والتجار والسياسيين. كانت عائلة شولين مسؤولة عن جمع هذه المعلومات، تصنيفها، واستخدامها بحكمة لصالح المملكة، مما يجعل إيرث دولة لا يستهان بها رغم صغر حجمها، إذ كانت تمتلك شبكة معلومات تجعلها قادرة على التأثير في قرارات الدول الكبرى دون الحاجة إلى قوة عسكرية مباشرة.
في سياق مفاوضات مورفيوس، كان الكونت قد حصل على إذن خاص من الملك نفسه، الذي رأى في هذه الصفقة فرصة ذهبية للسيطرة على التدفقات المستقبلية للأدوية الجديدة من إمبراطورية تراون، بعد تفكير عميق ومناقشات مطولة داخل الدوائر الملكية. كان الملك يقدر عاليًا الأدوية التي طورتها الإمبراطورة، ويرى فيها مستقبلًا اقتصاديًا وصحيًا لمملكته، لذا سمح بكشف جزء من “معلومات شولين” كاستثمار استراتيجي.
‘بالطبع، سأستثني أي معلومات تتعلق بمملكتنا مباشرة…’.
لكن لم يكن هناك وقت لشرح التفاصيل الدقيقة، إذ تم طرده بسرعة قبل أن يتمكن من الخوض فيها. ومع ذلك، لم يشعر بالندم الشديد، إذ كان قد نقل الجوهر الرئيسي للعرض، وأهم من ذلك، لم يكن لديه الشجاعة للبقاء أكثر في حضور الإمبراطور الذي يثير الرعب بمجرد وجوده.
‘في تراون، يُدعى الإمبراطور إمبراطورًا’، كان هذا اللقب المتغطرس يناسبه تمامًا، إذ كان مجرد التفكير فيه يجعل جسد الكونت يتقلص تلقائيًا كأنه يواجه شبحًا من الماضي. سارع بخطواته، محاولاً الابتعاد قدر الإمكان عن ذلك المكان المشؤوم، لكنه توقف فجأة.
“آه!”.
أمامه، وقف رجل ضخم يحجب الطريق كجدار صلب، مما جعل الكونت يصرخ صرخة قصيرة غير مقصودة من الدهشة والخوف. كان الرجل يقف معطيًا ظهره للشمس، مما يجعل وجهه يبدو أكثر ظلامًا، ونظر إلى الكونت من أعلى إلى أسفل بنظرة ثاقبة تجعل القلب يتوقف.
كان الرجل يشبه دبًا هائلاً في حجمه وقوته، مع نصف وجهه مغطى بندوب حروق عميقة تجعله يبدو مرعبًا ووحشيًا، كأنه خرج من قصص الرعب القديمة. تكلم بصوت ثقيل كالصخور المتدحرجة، يحمل سلطة لا تُقاوم: “الكونت شولين.”
“نعم…؟”
“اتبعني.”
قال ذلك باختصار شديد، ثم استدار ومشى أمامه دون إضافة كلمة واحدة، تاركًا الكونت في حيرة من أمره. لاحظ الكونت الزي العسكري الإمبراطوري الذي يرتديه الرجل، فتأكد أنه واحد من فرسان الإمبراطور الشهيرين، الذين يتمتعون بسمعة مخيفة تكافئ سمعة سيدهم.
‘إذن، هذا هو روتان بالتأكيد.’
كان هؤلاء الفرسان يخدمون الإمبراطور منذ أيام كونه اميرًا، وكانت شراستهم معروفة في كل أنحاء القارة، مما يجعل أي مقاومة أمامهم حماقة محضة. كان اقتحام قصر الإمبراطورة جريمة لا تغتفر، لذا كان يجب دفع ثمنها، مهما كان قاسيًا. شد الكونت عزيمته داخليًا، وتبع الرجل بخضوع تام، محاولاً الحفاظ على كرامته قدر الإمكان في هذا الوضع المهين.
أثناء سيرهما نحو مكان غير معروف داخل القصر الواسع، حاول الكونت مرتين أو ثلاثًا بدء حوار مع روتان، لكن محاولاته باءت بالفشل الذريع، إذ كان الرجل صامتًا كالصخر، غير مهتم بأي كلام. وصلا إلى مبنى مهجور نسبيًا في أعماق القصر، حيث كانت الحياة البشرية نادرة، وكأنه مخصص للأمور السرية أو العقابية. داخل الغرفة، كانت امرأة ترتدي زيًا عسكريًا مشابهًا جالسة على الأريكة بطريقة مريحة وغير رسمية، كأنها في منزلها الخاص.
كانت تقريبًا مستلقية، تتناول كعكة كبيرة، ثم رفعت رأسها وقالت بلهجة مستهزئة: “أوه، هل هذا هو الوغد؟ الوغد النبيل الجريء الذي اقتحم حديقة قصر الإمبراطورة؟”.
دافع الكونت عن نفسه بسرعة، محاولاً التأكيد على مكانته: “أنا دبلوماسي من مملكة إيرث.”
لكن كلماته ذهبت أدراج الرياح، إذ هزت المرأة رأسها ساخرة وتابعت حديثها دون اكتراث: “آه، لو لم تكن أليسيا في إجازة، لكان وجهك الدبلوماسي مليئًا بالكدمات على الأقل.”
ضحكت بصوت عالٍ، معبرة عن أسفها الساخر، مما جعل الكونت يشعر بأنه قد تحول من “نبيل” إلى “وغد دبلوماسي” في ثوانٍ. حاول الاحتجاج للمرة الأخيرة: “هل يعامل فرسان الإمبراطور الضيوف بهذه الطريقة…؟”.
لكن ميشيل عضت من الكعكة بقوة، وقالت بلامبالاة: “لا، نحن لسنا كذلك؟ نحن فرسان الإمبراطورة.”
“……”
كان معلوماته صحيحة تمامًا، إذ كانوا فرسان الإمبراطور، فلماذا يكذبون بهذه الجرأة؟ ربما كانوا يريدون إثارة غضبه أو اختباره، لكنه شعر أن الوضع أصبح أسوأ مما تخيل. مسح عرقه المتساقط على بنطاله خفية، محاولاً عدم إثارة انتباههم، إذ كان الجو ينذر بالعنف، ولم يجرؤ على إخراج منديله. وكان حدسه صحيحًا تمامًا.
“ما، ما السبب في إحضاري إلى هنا… أخ!”.
بينما كان يتكلم بحذر، صفعت ميشيل مؤخرة رأسه بقوة، فسقط رأسه على الطاولة بصوت مدوٍ، كأن صاعقة ضربت أمام عينيه. لم يشعر حتى بقدومها من الأريكة، إذ كانت حركتها سريعة كالبرق. شعر بطنين في أذنيه وهو يلهث، محاولاً استيعاب الصدمة.
كان يعتقد داخليًا أنهم لن يجرؤوا على معاملة دبلوماسي من إيرث، خاصة من عائلة شولين، بهذه الطريقة، لكن اصطدام رأسه بالطاولة الخشبية الفاخرة من خشب البلوط أحبط كل ثقته، محطمًا إياها إلى أشلاء. استمر الصوت المدوي: بوم، بوم، بوم، ثم ألقت ميشيل برأسه كأنه قمامة.
“ما السبب في إحضارك؟ لنضربك حتى الموت، بالطبع.”
كانت ميشيل غاضبة جدًا، إذ كانوا قد عاملوه بلطف كدبلوماسي، لكنه استغل ذلك لاقتحام قصر إيلين، مما يستحق عقابًا أشد. اقترب روتان، الذي كان يراقب بهدوء، وسحب الكونت من الأرض بعنف، مقيمًا إياه.
“أخطات، أخطات… أنا آسف…”.
صفعه روتان بلطف نسبي ليوقظه، ثم سأل بهدوء: “هل هناك شخص وراءك؟”.
“لا! مطلقًا! أقسم باسمي وبشرف عائلتي!”
ابتلع الكونت دمه وقال: “أخي جندي متقاعد. يعاني من مضاعفات تقربه من الموت، ولا أتحمل رؤيته يتألم…”
طلب التحقيق في قصته، باكيًا بغزارة كطفل يتوسل. كان هذا العذاب جديدًا عليه تمامًا، إذ كان يرى في هؤلاء الفرسان وحوشًا بدون أخلاق فارسية. ارتعد جسده رعبًا، لكن مصيبته كانت في بدايتها، إذ وصل سيدهم.(😭😭😭!!!)
“ج-جلالة الإمبراطور…”.
دخل سيزار الغرفة بخطوات هادئة، جلس على الكرسي، وأجبر الكونت على الركوع أمامه.
نظر إليه بعينين حمراوين صامتتين، مما جعل الكونت يشعر أنه على وشك الانهيار. شد عضلاته ليحافظ على كرامته، محاطًا برعب الموت الوشيك.
أخرج سيزار سيجارة، أشعلتها ميشيل بسرعة. استمر الصمت أثناء تدخينه، كأن كل نفخة تقصر عمره. أخيرًا، تكلم سيزار بعد نفخ الدخان: “في إيرث، يبدو أن الرجال يدخلون قصور النساء الغريبات بحرية؟”
“مطلقًا!”.
قال الكونت، ودماؤه تسيل من جبهته وشفتيه: “كنت أطمع في مورفيوس… أردت التفاوض مع الإمبراطورة…”.
“تفاوض.”
ابتسم سيزار ساخرًا: “هل تعتقد أنك في وضع يسمح لك بالمطالبة؟”
“…ذلك.”
بينما كان الكونت يتردد، تابع سيزار ببطء: “بسببك، كدت أتشاجر مع زوجتي. ما رأيك في ذلك، يا دبلوماسي إيرث؟”.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات