كانت والدة إيلين تكن كرهاً عميقاً لزوجها، بارون إلرود. كانت تلومه لأنه لم يتمكن من رفع مكانتها إلى مكانة أعلى في المجتمع، وكانت مهووسة بمنصبها كمربية الأمير في إمبراطورية تراون. هذا المنصب، الذي يُعتبر الأكثر تميزاً وإثارة للحسد في الإمبراطورية، كان مصدر سعادتها الوحيد. كانت تتألق في أي تجمع اجتماعي عندما تتحدث عن الأمير، فكل كلمة عنه كانت تجذب الأنظار إليها، مما يغذي رغبتها الجامحة في الاعتراف والتقدير. كان سيزار، الأمير، بالنسبة لها بمثابة المفتاح الذهبي الذي يحقق طموحاتها الاجتماعية.
على النقيض، كان زوجها، بالنسبة لها، مجرد مصدر إحباط. لم يمنحها سوى لقب “زوجة البارون”، وهو لقب متواضع لم يرضِ طموحها. ليس هذا فحسب، بل إنه أضاع ثروتهما الكبيرة، مما جعله في نظرها عدواً لا يُغتفر. كانت ترى فيه رمزاً لفشلها، بينما كان سيزار رمز نجاحها ومكانتها.
احتفظت إيلين بذكريات مؤلمة من طفولتها، حيث كانت تشهد النزاعات العنيفة بين والديها. كانت صورة والدها، وهو يصرخ تحت تأثير الخمر، ووالدتها، وهي ترد بالصراخ وترمي الأشياء في غضب، محفورة في ذهنها. كانت إيلين، الطفلة الصغيرة، تتوارى في زاوية غرفة النوم، متكورة على نفسها كحيوان خائف، تتمنى بصمت أن يتوقف هذا العنف. في بعض الأحيان، كانت النيران توجه نحوها، حيث كانا يوجهان غضبهما إليها تحت ذريعة “التربية”. كانت تقبل هذا العقاب كجزء من واجبها كابنة، مقتنعة بأن عليها تحمل كل شيء لأن هكذا تربت.
عندما التحقت بالجامعة، بدأت إيلين تشعر بنسيم الحرية لأول مرة. كانت بعيدة عن والديها، تعيش حياة جديدة مليئة بالتحديات ولكن أيضاً بالهدوء. لم تعد مضطرة إلى القلق من مزاج والدها المخمور عند فتح باب المنزل، أو مراقبة مزاج والدتها بحذر. تلك الأيام التي قضتها تركز فقط على دراستها كانت بمثابة درس في معنى الحرية الحقيقية. لقد اكتشفت أن العالم يمكن أن يكون مكاناً آمناً، بعيداً عن فوضى منزل والديها.
ومع ذلك، لم تستطع إيلين أن تقطع صلتها بوالديها تماماً. عندما عادت إلى العاصمة بعد تلقيها رسالة من والدتها، استقبلتها والدتها بعناق يائس مليء بالبكاء. شعرت إيلين وكأن صخرة ضخمة تسحقها، لكنها تمسكت بفكرة أن والديها يحبانهما، حتى لو كان حبهما معقداً ومؤلماً. كانت تعتقد أن حبهما حقيقي، وإن كان يظهر بأشكال غريبة. هذا الإيمان هو ما جعلها تتحمل كل شيء.
لكن عندما قررت إيلين قطع علاقتها بوالدها، وبدأت تنظر إليه ليس كأب بل كبارون إلرود، أدركت حقيقة صادمة. ربما لم يكن والداها يحبانها بالمعنى الحقيقي. ربما كان ما اعتقدته حباً هو مجرد رغبتها اليائسة في أن تكون محبوبة. حتى لو كان هناك حب، فقد كان مشوهاً، غير صحيح. لم يكن من المفترض أن يكون الحب بهذا الشكل.
جاءت هذه الإدراكات مصحوبة بشعور غريب بالراحة. شعرت إيلين وكأنها تحررت من حبل كان يقيدها طوال حياتها. مررت يدها على عينيها بهدوء، تتذكر كيف أعطتها والدتها النظارات وطلبت منها إخفاء عينيها، واصفة إياهما بالمقززتين. تذكرت الشتائم الحادة والمقص الذي كان يلوح في الهواء. لكن عالم إيلين الآن أصبح أكبر من والديها. لم يعد رأي والدتها يعني لها شيئاً. كانت تعلم أن هناك أشخاصاً يحبونها، يرون عينيها وروحها جميلة، وهذا يكفي.
– “ليلي حبيبتي…”.
تردد صوت والدتها في أذنيها مرة أخرى، كأنه يتربص بها. لكن إيلين أغلقت عينيها بهدوء، مستحضرة ذكرى حب سيزار لها، ذلك الحب الذي يغمرها بالدفء. انتظرت حتى هدأت الأصوات في رأسها، وحلّ سكون مريح. تنفست بعمق، فتحت فمها لتقول شيئاً، لكنها أغلقته مرة أخرى. نظرت إلى باقة الزنابق للحظات طويلة، ثم همست: “…وداعاً.”
كانت تلك اللحظة التي ودعت فيها والدتها نهائياً، محررة نفسها من أغلال الماضي.
***
في الجانب الآخر، كان دييغو يراقب إيلين وهي تقف أمام قبر والدتها. لطالما رأى فيها الطفلة الصغيرة التي يجب حمايتها، لكن اليوم، بدت ظهرها أقوى، كأنها لم تعد تلك الفتاة الهشة. منذ اليوم الذي خرجت فيه مع سيزار من قاعة القصر الإمبراطوري، تغيرت إيلين. كانت هناك نظرة جديدة في عينيها، عميقة وناضجة، جعلت قلب دييغو ينبض بشعور مختلط من الفخر والألم. لقد كبرت الطفلة التي كانت تصل إلى ركبته فقط، وأصبحت امرأة قوية.
ومع ذلك، ظلت إيلين بالنسبة له الشخص الذي يجب حمايته، حتى لو أصبحت عجوزاً يغطي شعرها الشيب. كان دييغو فارسها، وسيظل كذلك إلى الأبد. رغم أن إيلين كانت تعتقد أن كل شيء عاد إلى نصابه، إلا أن الأمور لم تكن كذلك. كانت أوامر سيزار لا تزال سارية: الفرسان ليسوا تابعين له، بل لآيلين.
غارقاً في أفكاره، التفت دييغو إلى أليسيا وقال: “سأذهب للحظة، اعتني بها.”
أومأت أليسيا باختصار: “حسناً.”
تظاهر دييغو بأنه ذاهب ليدخن، لكنه اتجه نحو الأشجار الكثيفة. هناك، رأى رجلاً مختبئاً، كما توقع. كان بارون إلرود، والد إيلين، يتربص في الظلال كطفيلي. كان دييغو يعلم أن البارون سيأتي إلى هنا، خاصة قبل مراسم التتويج، لزيارة قبر زوجته، آملاً في لقاء إيلين.
“بارون إلرود.”
انتفض البارون مذعوراً، ونظر إلى دييغو بعينين متسعتين. حاول أن يبتسم بتوتر، وقال: “هاهاها… أهلاً، سيد دييغو، لم نلتقِ منذ زمن.”
بدأ يثرثر بتبريرات دون أن يُسأل: “لم أتمكن من التواصل مع ابنتي، وكأب، كنت قلقاً عليها. تعلم، مع كل الأحداث الكبيرة مؤخراً… أردت فقط أن أشجعها، أقدم لها بعض النصائح.”
ضحك دييغو بسخرية. كانت كلمات البارون فارغة، مجرد هراء من رجل لم يستفق يوماً من أوهامه. لو كانا في ساحة معركة، لكان دييغو قد مزقه إرباً. لكن البارون كان والد إيلين، وهذا ما أبقاه حياً حتى الآن. لكن اليوم، تغيرت الأمور. لقد أعلنت آيلين قطع علاقتها به.
“جلالة الإمبراطورة لم تعد ترغب في أي علاقة معك.” قال دييغو ببرود، محطماً أحلام البارون. لكن البارون لم يستسلم بسهولة. ابتسم ابتسامة عريضة وقال: “كيف يمكن قطع رابطة الدم؟ إنها مجرد نزوة طفولية. عندما ترى والدها، ستتغير مشاعرها بسرعة، و…”
توقف كلامه فجأة عندما أمسك دييغو بتلابيبه. تجمد البارون، وجهه يتحول إلى اللون الأزرق من الخوف. ابتسم دييغو ببرود، سعيداً بحظه الذي جعله يفوز في القرعة اليوم. قال بنبرة هادئة ولكنها مخيفة: “إنها جلالة الإمبراطورة. كيف تجرؤ على التحدث عنها بهذه الطريقة؟”
“أ… أعتذر!” تابع البارون، وهو يرتجف. كان يرى الخوف في عينيه، مدركاً أن شيئاً قد تغير. في الماضي، كان الفرسان يهددونه ويظهرون له مشاهد مرعبة، لكنهم لم يمسوه مباشرة احتراماً لكونه والد إيلين. لكن الآن، بعد أن تخلت عنه، لم يعد هناك ما يحميه.
“هل تعلم، يا بارون، كم انتظرنا هذا اليوم؟”.
لم يكن هناك مفر. حتى لو هرب إلى أقاصي القارة، لكان دييغو قد وجده. أمسك دييغو بعنق البارون، الذي بدأ يتلوى مذعوراً، محاولاً تحرير نفسه دون جدوى. استمر دييغو في الضغط حتى بدأ البارون يلهث، ثم فقد وعيه. حمل دييغو جسده المتراخي كما لو كان كيساً من القمامة، وربطه بالحبال، ثم رمى به في صندوق السيارة العسكرية. أغلق الباب بصوت ثقيل، وهو يفكر في كل ما يود فعله بهذا الرجل.
وهو يهم بالعودة إلى إيلين، بدأ دييغو يغني لحناً خفيفاً، وابتسامة خبيثة ترتسم على وجهه، وهو يتخيل الأيام القادمة التي سيقضيها في التعامل مع بارون إلرود.
~~~
آمم
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 203"