نظر سيزار إلى إيلين التي كانت غارقة في نوم عميق، كأنها فقدت وعيها من شدة الإرهاق. كانت إيلين، التي استسلمت للنوم بعد تعب شديد، هادئة تماماً دون أي حركة أو تقلب. لم يكن هناك سوى سكونها المريح، وكأنها طفلة غافية في أحضان الأمان. كانت ملامحها الناعمة مضيئة تحت ضوء القمر الخافت الذي تسلل عبر الستائر الحريرية للغرفة، مما أضفى عليها هالة من الجمال الهادئ.
اعتاد سيزار أن يميل برأسه قليلاً، مستمعاً بانتباه إلى أنفاسها المنتظمة. كان يراقب صعود وهبوط صدرها الخفيف، متأكداً من أنها لا تزال تتنفس. على الرغم من علمه بأنها أصبحت الآن كائناً لا يمكن أن يموت، إلا أن هذه العادة القديمة ظلت متأصلة فيه، كما لو كانت غريزة لا يمكن التخلص منها. ظل يستمع إلى صوت أنفاسها الهادئة لبضع لحظات، ثم نهض من الفراش ببطء، حذراً كي لا يوقظها.
تحت ضوء الشموع الخافت، بدت عضلات جسده العاري تتحرك بانسيابية، كأنها منحوتة من رخام حي. مرر يده عبر شعره المبلل بالعرق، ومشى بخطوات بطيئة نحو الحمام. أخذ منشفة مبللة بالماء الدافئ وبدأ يمسح جسد إيلين برفق، متأكداً من تنظيفها بعناية فائقة. ثم ألبسها رداء النوم الحريري بدقة. بعد أن انتهى من العناية بها، توجه ليغتسل هو الآخر، مدركاً أهمية الحفاظ على مظهره المتأنق حتى في لحظات الخصوصية هذه.
بعد أن أنهى استحمامه، ارتدى قميصاً أبيض نظيفاً، وقام بربط أزراره بعناية فائقة، حتى بدا وكأنه لم يمر بلحظات من العاطفة الجياشة قبل قليل. كان مظهره الآن مثالياً، كأنه أمير يستعد لاستقبال وفد ملكي. قبل أن يغادر الغرفة، اقترب من إيلين مرة أخرى، وانحنى ليقبل خدها الناعم بلطف، ثم خرج من الغرفة بهدوء، تاركاً إياها تغط في نوم عميق.
في الخارج، اقترب سونيو من سيزار بخطوات خفيفة، حذراً من إزعاج النائمة داخل الغرفة. خفض صوته إلى همسة خافتة وهو يقول: “لقد أقدم على إيذاء نفسه اليوم.”
لم يبدُ سيزار متفاجئاً بالخبر. كان رد فعله هادئاً، كأنه توقع هذا التصرف منذ البداية. فأخوه التوأم، ليون، الذي وُلد معه في نفس اليوم والساعة، كان دائماً يتصرف بطرق يمكن التنبؤ بها. أومأ سيزار برأسه وهو يعدل أزرار معصم قميصه، وقال ببرود: “سأذهب إليه الآن.”
صعد سيزار إلى سيارة عسكرية كانت تنتظره أمام المنزل المبني من الطوب. كان يعلم أنه بعد مراسم التتويج، سينتقل رسمياً للعيش في القصر الإمبراطوري. لم يكن هناك من يجرؤ على الاعتراض إذا اختار البقاء في القصر الآن، لكنه لم يرَ ضرورة لخرق الأعراف دون داعٍ. كل شيء أصبح تحت سيطرته الآن، فلم يكن هناك ما يستدعي الاستعجال.
وصل سيزار إلى منزل خشبي صغير على أطراف العاصمة، محاط بغابة كثيفة تمتد خلفه كستارة من الظلال. كان هذا المكان ملاذاً سرياً يستخدمه سيزار لأغراض متعددة، بعضها مظلم وغامض. عند وصوله، كان الجنود الذين يحرسون المكان يقفون بانتظام عسكري صلب، وقد أدوا التحية فور نزوله من السيارة. أومأ لهم برأسه كرد على تحيتهم، ثم فتح الباب ودخل دون أي تردد أو طرق.
في الداخل، كان هناك شخص يجلس على كرسي، بشعر أشعث وملابس ممزقة، كأنه شبح من الماضي. كان ليون، الذي بدا وكأنه لم يتحرك منذ ساعات، يجلس بلا حياة تقريباً. لم يرفع رأسه إلا عندما اقترب سيزار منه. عيناه، الزرقاوان الباهتتان، التقتا بعيني سيزار الحمراوين المشتعلتين. كانا توأمين، لكن لم يكن هناك أي دفء في هذا اللقاء. ساد صمت ثقيل، كأنه يحمل وزر سنوات من الصراع.
رأى سيزار الضمادة الملفوفة حول ذراع ليون، دليلاً على محاولته الأخيرة لإيذاء نفسه. لم يبدُ متأثراً، بل نظر إلى أخيه بنظرة باردة وثاقبة. أخيراً، خرج صوت ليون المبحوح، كأنه ينطق من قاع هاوية: “…كيف؟”.
كانت عيناه ترتجفان وهو يتابع: “هل أنت حقاً أخي؟ هذا الجسد… كيف يمكن أن يكون بشرياً؟” .
كان ليون محتجزاً في القصر الإمبراطوري منذ أن خسر عرشه تحت سماء ملطخة بالدماء. ثم، قبل فترة وجيزة، نُقل إلى هذا المنزل الخشبي المعزول، حيث يحرسه الجنود وتحيط به غابة كثيفة تبدو كأنها تبتلع النور حتى في وضح النهار. كان يعرف جيداً أن هذا المكان هو ملعب سيزار المفضل لـ”الصيد البشري”.
استعاد ليون وعيه تدريجياً بعد نقله إلى هنا. كان متأكداً من أنه أصاب قلب سيزار بالرصاص. لقد ضغط على الزناد بنفسه، ورأى الدم يتفجر من صدر أخيه. كان يجب أن يكون ميتاً، أو على الأقل في حالة حرجة. لكن سيزار كان يقف أمامه الآن، حياً، سليماً، كأن شيئاً لم يحدث. هذا لم يكن ممكناً لإنسان عادي.
هل أصبح سيزار إلهييًا، كما يشاع في الأسواق والشوارع؟ أم أنه لجأ إلى نوع من السحر المظلم؟ لكن لو كان السحر قادراً على منح الخلود، لما انتحرت والدتهما. ظل ليون يطالب برؤية سيزار مراراً وتكراراً، لكن مطالبه قوبلت بالصمت. كان يرفض أن ينتهي مصيره هكذا، دون أن يعرف الحقيقة. لذلك، جرح نفسه عمداً، آملاً أن يجبر سيزار على الحضور. وإذا لم ينجح ذلك، كان مستعداً لمحاولة الانتحار.
لحسن الحظ، استجاب سيزار أخيراً. نظر ليون إلى توأمه بنظرة مليئة بالغضب واليأس، وقال: “أخبرني، سيزار.”
كان صوته يرتجف من الغضب المكبوت. بدلاً من الرد مباشرة، سحب سيزار كرسياً وجلس أمام ليون بهدوء. انحنى إلى الأمام، حتى أصبحت عيناه الحمراوان على بعد بضع بوصات من وجه ليون. شعر ليون برعشة لا إرادية، فألصق ظهره بالكرسي كمن يحاول الابتعاد عن خطر وشيك.
قال سيزار بصوت هادئ يشبه النغمات المنخفضة للبيانو: “لقد كنت أتساءل لوقت طويل… لماذا انتحرت؟”.
فتح ليون عينيه ببطء، مذهولاً. كان لا يزال حياً، يجلس أمام أخيه. لم يكن هناك مجال لفهم كلمات سيزار. لكنه لم يتمكن من الرد، فقد واصل سيزار حديثه بهدوء:
“في البداية، ظننت أنك شعرت بالذنب لأنك فشلت في حماية إيلين، فدمرت نفسك. لكن الآن، وأنا أنظر إلى الماضي، أدركت أنك كنت خائفاً… خائفاً من أن أكتشف الحقيقة.”
ابتلع ليون ريقه بصعوبة، وقال بصوت مرتجف: “عن ماذا تتحدث؟”.
“لقد بدأت كل هذا، أليس كذلك؟” رد سيزار بنبرة هادئة ولكنها حادة. “اخترت الموت لتبقى في عيني رجلاً صالحاً، قبل أن أعرف حقيقتك. هكذا أنت دائماً، أليس كذلك؟”.
لم يفهم ليون لماذا يصفه أخوه بالمنافق. كانت نظرة سيزار المشتعلة لا تطاق، ففتح فمه للرد: “سيزار، أنا…”
“أخي.”
قاطعه سيزار بنبرة ناعمة، وابتسم ابتسامة جعلت ليون يتجمد للحظة. كانت تلك الابتسامة مزيجاً من السخرية والحزن: “لقد عدت عبر سبع سنوات من الزمن.”
توقف ليون عن التنفس للحظة. لم يستطع استيعاب الكلمات. لكن سيزار استمر، كأنه يروي قصة عادية: “الثمن الذي دفعته لهذه السنوات السبع هو هذا الجسد.”
كانت الكلمات ثقيلة، كأنها صخور تسقط على قلب ليون. لم يستطع فهم ما يقوله أخوه، لكن شيئاً واحداً كان واضحاً: سيزار كان يتحدث بصدق تام، دون أي مواربة.
“إذا قلت لك إنني عقدت صفقة مع إله، هل ستصدقني؟”.
شعر ليون بقشعريرة تملأ جسده. كان سيزار، الذي عُرف دائماً بكفره وعدم إيمانه، يتحدث عن الآلهة؟ كان هذا مرعباً. رد ليون دون وعي: “لماذا… تتحدث بهذا الجنون؟”
تنهد سيزار بخفة، ثم استمر: “كنت أنوي تحمل كل شيء بمفردي وإنهاء الأمر. لكن إيلين، بعنادها، أعادت إحيائي. وفي النهاية، أصبحت مثلي.”
كان يتحدث بلهجة عادية، كأنه يشارك أخاه هموماً يومية. للحظة، شعر ليون وكأنه في قاعة استقبال ملكية، وليس في كوخ خشبي معزول.
“لذلك، لن يكون لدينا أطفال. لست بحاجة إلى وريث، فأنا لا أهتم بإرث الدم. لكن إيلين مختلفة. أخشى أن تحزن لهذا، لكنني سأجد طريقة لمواساتها. لدينا وقت طويل، بعد كل شيء.”
نهض سيزار فجأة، تاركاً ليون متجمداً، غارقاً في صدمته. نظر إليه ليون كأنه استيقظ من حلم، ثم رأى سيزار يخرج مسدساً من جيبه. كان المسدس نفسه الذي استخدمه ليون لإطلاق النار على قلب أخيه.
مد سيزار المسدس نحوه، لكن ليون لم يستطع أخذه، بل ظل يحدق فيه. أمسك سيزار بيد ليوني بقوة ووضع المسدس فيها، وقال: “أنت حر الآن. سأسحب جميع الحراس من هنا، فافعل ما تريد.”
سواء اختار ليون الرحيل، أو البقاء، أو حتى اتخاذ خيار آخر، فقد قرر سيزار تركه وشأنه. كانت هذه آخر لفتة رحمة منه لأخيه التوأم.
غادر سيزار الكوخ دون أن ينظر خلفه. وبينما كان يهم بالصعود إلى السيارة العسكرية، دوى صوت طلقة نارية، مزق سكون الليل. توقف سيزار للحظة، لكنه لم يلتفت. صعد إلى السيارة وقال للجندي الذي كان ينتظر أوامره بنبرة جافة: “اتركوه. لن يكون قد مات.”
كان سيزار يعلم أن ليون، في هذه الحياة، لم يستطع إطلاق النار على نفسه. سيظل يعيش، مثقلاً بالحيرة والندم، غارقاً في عدم فهمه لما حدث. كان هذا آخر شعور توأمي شاركه سيزار.
نظر سيزار من نافذة السيارة إلى الخارج، ثم أعاد بصره إلى الأمام. تحركت السيارة العسكرية بهدوء عبر الطريق المظلم، تاركة خلفها كوخاً يحمل أصداء الألم والحقائق المكشوفة.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 201"