ربما لم يكن سيزار ليتمنى هذه الأمنية أبدًا. كان قلبه يتوق إلى أن تعيش إيلين، حتى لو كانت وحدها، تتنفس في عالم يحتفظ بأنفاسها. لكنه هو من جعلها غير قادرة على الحياة بدونه. هو من زرع في قلبها هذا الارتباط العميق، الذي أصبح كالجذور المتشابكة في أعماق روحها.
كان سيزار من أحبها كطفلة عزيزة، يرعاها بعناية فائقة، يحميها من كل خطر يهددها، ويوقظ فيها مشاعر الحب العميق. حتى الكذبة التي قيلت عن عجزه عن إنقاذها ذات مرة كانت مزيفة. لقد أعاد الزمن، وألقى بنفسه في جحيم لا يطاق، ليعيدها إلى الحياة بعد أن طالتها يد المنية على منصة الإعدام. هو من رفع إيلين، ابنة البارون المتواضعة، إلى مقام دوقة إرزيت الكبرى، ونقش اسمها على قوس النصر، وجعلها إمبراطورة تخلّد في صفحات التاريخ. كل هذا كان من صنع سيزار.
لكن عالمًا خاليًا من سيزار لم يكن عالمًا لإيلين. لم يكن مكانًا تستطيع أن تتنفس فيه، أو تستمر فيه. مهما كانت النهاية، كانت مصممة على مشاركتها معه. لن تتركه أبدًا، لن تنفصل عن جانبه مهما كلف الأمر. عيناها الخضراوان الذهبيتان، المشتعلتان بعزم لا يلين، كانتا تعكسان إرادة صلبة لا تقهر، حتى الموت نفسه لن يستطيع كسرها.
نظر سيزار طويلًا في عينيها، غارقًا في بريقهما. لم يجب على الفور. طال الصمت بينهما، وكأن الزمن يتباطأ ليعطيهما لحظة لاستيعاب هذا الواقع. كان يعلم أن الرد ليس بالأمر السهل. ما تطلبه إيلين الآن كان نقيضًا لما سعى إليه طوال حياته – أن تعيش هي، حتى لو كان ذلك بمفردها. لكنها كانت تقف أمامه، تطالب بأن تكون معه، حتى لو كان ذلك يعني الزوال معًا.
ومع ذلك، لم تشعر إيلين بالقلق. كانت تعرف حبه الثابت، الذي لم يتزعزع أبدًا. انتظرت رده بثقة راسخة، كأنها تعلم أن قلبه لن يخذلها.
“هذه المرة أيضًا…” .
بدأ سيزار كلامه، وابتسامة خافتة ترتسم على شفتيه، تحمل مزيجًا من الراحة والاستسلام. تابع بنبرة تحمل لمحة من الخفة، كأنه يلقي عبئًا ثقيلًا عن كتفيه:”لأنكِ اخترتِني.”
عيناه القرمزيتان، التي كانت ذات يوم مشروخة بالألم، أضحت الآن ناعمة ومشرقة، خالية من أي تصدع. جذب يد إيلين التي كانت تحتضن وجهه، وقبل ظهر يدها بلطف، كما يفعل الفارس عندما يقسم الولاء لسيده. همس وهو ينظر إليها: “سأتبع إرادتكِ.”
تشابكت أصابعهما بقوة، كأن هذا الارتباط هو وعدٌ بعدم تركها وحيدة أبدًا. كانت هذه لحظة تأكيد، ختمًا لعهدهما المشترك. نظرت إيلين إلى السماء في الفضاء الغريب حيث توقف كل شيء، حقل الزنابق البيضاء يملأ المكان بنقائه المطلق. رفعت صوتها إلى الإله، بأمنية حاسمة:”دعنا نزول معًا في هذه اللحظة.”
كانت إيلين قد جربت مع سيزار كل المحن التي عاشها. لقد كانت محنها هي أيضًا، أن تشهد ألمه دون أن تنهار. لكنها تغلبت عليها، واكتسبت الحق في أن تطالب الإله بأمنيتها. لكن هذا الحق كان مشروطًا بدفع ثمن، ثمن لم تعرف بعد ماهيته. لذا، نطقت بأمنيتها بحذر شديد، لكن الإله لم يجب. لم يكن هناك رد، وكأن صمت الآلهة يحمل تحذيرًا.
كان ذلك متوقعًا. منذ اللحظة التي اختارت فيها الموت مع سيزار، بدأت صفقة “بقاء إيلين” تتحطم. كانت هذه خطتها، وكانت تعرف النتائج. عضت شفتيها بتوتر، ثم تكلمت مرة أخرى: “إن لم يكن ذلك ممكنًا… أعدنا أنا والسيد سيزار إلى العالم. إذا فعلتَ ذلك…”.
تساءلت عما يريده الإله. سيزار، الذي ذبح شعب إمبراطورية تراون، وطالب بصفقة ككافر، أثار غضب الإله. وإيلين، ككافرة مثله، علمت أن عليها أن تتصرف بشكل مختلف. هذه لم تكن صفقة متساوية، بل كانت كالميزان المختل. توسلت إلى الإله بقلب مثقل بالرجاء: “سأدفع أي ثمن بكل سرور.”
شدت على يد سيزار، شعرت بانقباض يده المرتجفة، وكأن خوفه ينتقل إليها. استنشقت نفسًا عميقًا، ونطقت بأمنيتها الحقيقية: “أرجوك، دعني أكون مع السيد سيزار…”.
في اللحظة التي أنهت فيها كلامها، دوى صوت: “آيلين إلرود.”
كان صوت ينادي اسمها. شعرت بألم حارق، كأن روحها وجسدها يُقيدان بقوة إلهية. لقد أصبحت، مثل سيزار، خاضعة للإله، مضطرة لدفع ثمن مجهول. هل سيكون الثمن الموت؟ أم حياة جديدة؟ لم تعرف. الشيء الوحيد الواضح هو أنهما سيكونان معًا، مهما كانت النتيجة.
انهار العالم من حولهما، كأن الواقع نفسه يتحطم كالزجاج. سقطا معًا، وتشبثت إيلين بسيزار بقوة، بينما أحاطها هو بذراعيه كأنه يحميها من النهاية.
“هل سنزول هكذا؟”.
كان هذا أول ما خطر ببالها. نظرت إلى سيزار، وكانت عيناه القرمزيتان مثبتتان عليها. همس بنبرة مطمئنة:”كل شيء سيكون على ما يرام، إيلين.”
في تلك اللحظة، شعرت بالسكينة تغمرها. أومأت برأسها برفق، وحفرت صورته في ذهنها، كأنها قد تكون آخر لحظة تراه فيها. ظلا ينظران إلى بعضهما، يسقطان في الهاوية بلا نهاية، حتى غمرتهما الظلمة، وأصبح كل شيء أسود.
***
شعرت بدوار يجتاح رأسها. تداخلت لحظات لا نهائية من الزمن في ذهنها، كأنها عاصفة تعبث بأفكارها. كان من الصعب التفكير بوضوح وسط هذا الاضطراب.
“آه…”.
تسرب أنين ألم من شفتيها. ومضت عيناها محاولةً استعادة وضوح الرؤية. شعرت بثقل جسدها، كأن شيئًا يضغط عليها. كان تاجًا ثقيلًا على رأسها، ووشاحًا كثيفًا يغطي كتفيها. عندما استقرت رؤيتها أخيرًا، نظرت أمامها بدهشة.
كانت في قاعة القصر الإمبراطوري، جالسة على العرش. وأمامها… .
أغمضت عينيها بحذر، ثم فتحتهما. لم يختفِ الرجل الواقف أمامها. مدّت يدها ببطء، لامست أطراف أصابعها وجهه. لم تمر يدها من خلاله، بل شعرت بحرارته. فتحت شفتيها ببطء:
“سيد سيزار…”.
سمع سيزار صوتها. تحركت شفتاه ببطء، ونطق اسمها كما لو كان فتى يعترف بحبه الأول: “إيلين.”
في تلك اللحظة، اندفعت نحوه، وعانقته بقوة. احتضنها هو أيضًا، وكأن كليهما يخشى أن يختفي الآخر. تبادلا قبلة محمومة، كأنها ختمٌ يؤكد وجودهما. لم يغمض أحدهما عينيه، بل ظلا ينظران إلى بعضهما، كأن كل لحظة ثمينة جدًا لتُضيع.
كانت القبلة مالحة بدموع إيلين التي انهمرت دون توقف. ظلت تنادي اسمه وسط بكائها، وكان هو يردد اسمها، كأنهما لا يملكان سوى أسماء بعضهما ليقولاها. كانت حرارة أجسادهما واضحة، مما جعل الدموع تتدفق أكثر. حاولت آيلين ألا تبكي، لكنها لم تستطع.
عندما بدأت تلهث من نقص الأنفاس، توقف سيزار عن القبلة، واكتفى باحتضانها بقوة. كان التاج والوشاح قد سقطا على الأرض في فوضى، لكنهما لم يلقيا بالًا لهما. كانا قد عبرا أزمنة طويلة جدًا ليهتما بمثل هذه التفاصيل.
سألت إيلين بصوت مختنق، وهي تضغط على أنفها:”هذا ليس حلمًا، أليس كذلك؟ أنتَ حقًا السيد سيزار…؟”.
رغم شعورها بدفئه، كانت لا تزال تخشى أن يكون وهمًا. أجابها سيزار بقبلة خفيفة على أنفها وعينيها. لاحظت إيلين، متأخرة، أنه يرتجف. الرجل الذي لم يخف شيئًا في العالم كان يظهر ضعفه كاملًا أمامها.
شعرت بذنبه يتسرب إليها – ذنب أنها أصبحت، مثله، مقيدة للإله، مضطرة لدفع ثمن مجهول. لكنها ابتسمت رغم الدموع، وهمست:
“اشتقت إليك، سيد سيزار.”
أخيرًا، كانا معًا.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 196"