توقفت أنفاس إيلين دون إرادة منها، وهي تشعر أن عيني سيزار الحمراوين تتلامسان مع عينيها للحظة، كما لو أن نسمة خفيفة لامست قلبها. كانت هذه اللحظة تحمل وميض أمل، ربما، هذه المرة، ستتمكن من إخراجه من هذا الوهم الأبدي. صرخت بكل قوتها: “سيزار! استيقظ…!”.
توسلت إليه ألا يبقى محبوساً في هذا العالم الزائف، أن يقتلها كما فعل من قبل لينهي هذه المحنة. لكن النظرة العابرة التي تبادلاها انقطعت بسرعة. صوتها، كالعادة، لم يصل إليه، كأنه يتردد في فراغٍ لا نهائي. تحولت عيناه نحو الكتاب الذي سقط على الأرض، ذلك الكتاب الثمين عن النباتات النادرة، مزين برسوماتٍ دقيقة تكاد تكون حية. ضاقت عيناه الطويلتان، كأنه يغوص في أفكارٍ عميقة، وانحنى بهدوء ليلتقط الكتاب. أصابعه الطويلة النحيلة لامست الغلاف بحنان، كأنه يتذكر شيئاً بعيداً، ثم حمله معه بدلاً من إعادته إلى الرف. تبعته إيلين خارج المكتبة، قلبها ينبض بالترقب.
توقعت أن يتجه نحوها ليقتلها، لكنه بدلاً من ذلك تبادل كلماتٍ قصيرة مع نسختها الوهمية في البيت من الطوب، كأن شيئاً لم يحدث. لكن إيلين شعرت بشيء مختلف. كان هناك إحساسٌ غامض، شعورٌ لا يستند إلى دليل ملموس، بأن سيزار قد لاحظ شيئاً غريباً، وكأن الكتاب الساقط قد أيقظ شيئاً مدفونا في أعماقه. منذ تلك اللحظة، بدأت إيلين تقاوم الاندماج في الوهم، وبدأت فترات وعيها تطول، كأن إرادتها بدأت تستعيد قوتها.
‘متى سيقتلني؟’ تساءلت في نفسها، وهي تراقب تحركاته بحذر، منتظرةً أي إشارة لقراره. لكن سيزار، على الرغم من إدراكه أن هذا العالم زائف، كان يتردد. في بعض اللحظات، بدا كأنه على وشك قتلها، يرفع يده، لكنه كان يتراجع في اللحظة الأخيرة، كأن قلبه يرفض الامتثال لما يعرفه عقله.
في تلك الليلة، هطلت الأمطار بغزارة، كأن السماء تنهار. كانت الأمطار تتساقط كالسياط، ممزوجة بصوت الرعد المدوي الذي يهز الأرض، كأن العالم نفسه يعلن نهايته. كانت إيلين، في تلك اللحظة، منغمسة في الوهم، تجلس بجانب سيزار، تخبره أن صوت الرعد يخيفها. كان يعزف على البيانو، أنامله ترقص على المفاتيح بنعومة، ملأت الغرفة نغماتٍ هادئة كأنها تحاول تهدئة السماء الغاضبة. كانت تشعر بالأمان بجانبه، كأن وجوده وحده يكفي لدرء أي خوف. كانت متشبثة به، تشعر بدفء جسده، كأن هذا الدفء هو الشيء الوحيد الذي يبقيها متماسكة في هذا العالم.
فجأة، أضاءت البرق السماء، وتسلل ضوءٌ خاطف إلى الغرفة، كاشفاً عن الجدران الطوبية المبللة بالمطر. في تلك اللحظة، أدركت إيلين شيئاً: لم تشهد هذا العالم عاصفة بهذه القوة من قبل. كان هذا المكان دائماً ملاذاً للسلام، حيث الأمطار خفيفة كرذاذ الصباح، والطقس هادئ كحلمٍ صيفي. هذا الاضطراب كان جديداً، كأنه إشارة إلى شيء أكبر. أدركت، وهي لا تزال منغمسة في الوهم، أنها استيقظت جزئياً. لم يكن جسدها منفصلاً كالعادة، بل كانت لا تزال جزءاً من هذا العالم، تعانق سيزار، تشعر بدفء جلده ونبض قلبه. بدأت الدموع تتجمع في عينيها، وهي تفكر: ‘إذا خرجنا من هذا الوهم، ماذا سيحدث؟’.
كانت تعلم أن سيزار، إذا أكمل المحنة السابعة بقتلها، قد يعيدها إلى الحياة. لكن ماذا عن حياته هو؟ هل سيعود، أم أن الثمن الذي دفعه سيبقيه محبوساً في مكانٍ ما، بعيداً عنها؟ كانت الفكرة مخيفة، المستقبل غامض كالضباب، مقارنة بالسلام الذي وجدته في هذا الوهم. لكنها أدركت أنها لا تستطيع تركه هنا. هذه العاصفة، هذا الاضطراب، كان دليلاً على أن سيزار بدأ يشعر بغرابة هذا العالم. كانت الأمطار الغزيرة والرعد علامة على اقتراب النهاية، كأن العالم نفسه يحثه على الاستيقاظ.
رفعت إيلين رأسها ببطء من حضنه، تنظر إليه. كان يعانقها بهدوء، عيناه تنظران إليها كأنه كان ينتظر هذه اللحظة. لأول مرة منذ زمن، لم تكن تراقبه كشبح، بل كانت جزءاً من العالم، تنظر إليه بعيونٍ حقيقية. نادت اسمه بنبرةٍ مرتجفة: “سيزار…”.
كانت عيناه مليئتين بها، كأن العالم بأسره قد تقلص إلى وجودها وحدها. رأت انعكاسها في عينيه الحمراوين، وجهها مبلل بالدموع، كأنها دائماً تبكي أمامه. أرادت أن تكون قوية، ناضجة، لكن الدموع كانت تتدفق دون توقف. توسلت إليه: “اقتلني… من فضلك.”
ارتجفت عيناه، وتحول بريقهما إلى ظلامٍ عميق.
“كيف يمكنني أن أقتلك؟” أجاب بنبرةٍ ممزقة، كأن الكلمات تنزف من قلبه. على الرغم من أنه قتلها ست مرات، كان واضحاً أنه لا يستطيع تحمل فكرة إيذائها مرة أخرى.
عندما أصبح بكاؤها أعلى، عانقها بقوة أكبر، كأنه يحاول حمايتها من نفسها. أمسكت يده، وضعتها على رقبتها، تبكي وهي تتوسل: “أريد أن أراك… أشتاق إليك.”
لم تكن متأكدة إن كان صوتها قد وصله وسط ضجيج المطر، لكنه نظر إليها، وهمس: “وأنا أيضاً أشتاق إليك، إيلين.”
في تلك اللحظة، فهمته تماماً. كأن ستاراً قد أُزيح عن قلبها، رأت كل أفكاره، كل مشاعره. كانا متشابهين، رغم اختلاف كل شيء بينهما. كان شي يريد لها مستقبلاً، حياةً خارج هذا الوهم، حياةً يمكنها أن تتألق فيها كما كان هو يتألق في الماضي. تذكرت كل الأوهام التي رأتها: موته مراتٍ لا تحصى، وموتها ست مرات. كان يفعل ما لم يستطع فعله في الماضي، ينقذها من الوحدة، يفتح الأبواب التي بقيت موصدة، يحميها من المقصلة. والآن، كان على وشك التخلي عن هذا السلام الزائف، من أجلها.
“أحبك…” قالت إيلين، الكلمات تنساب من قلبها كالنهر. كانت المرة الأولى التي تعترف فيها بحبها، وكررتها مراراً: “أحبك، سيزار… أحبك…” شعرت بقشعريرةٍ خفيفة تملأ جسدها، وهي تضع يده على رقبتها، كأنها تسلمه مصيرها.
تجمد سيزار، عاجزاً عن الحركة، ثم، بعد صمتٍ طويل، مسح دموعها بحنان، وقال:”وأنا أيضاً… أحبك، إيلين.”
كانت كلماته كنجمةٍ ساقطة، تخترق قلبها. ابتسمت إيلين، رغم الدموع، شعور السعادة يغمرها. كان هذا كافياً. مهما حدث بعد ذلك، كانت مستعدة. قبّلته للمرة الأخيرة، وأغمضت عينيها.
لم يكن الألم كبيراً. كما في المرات الست السابقة، حرص سيزار على ألا تشعر بأي أذى. ماتت إيلين للمرة السابعة، وسط ظلامٍ يغمر رؤيتها. فجأة، تدفقت الذكريات كشلالٍ لا يتوقف. كل اللحظات التي ظنت أنها فقدت فيها وعيها في الوهم، كانت في الحقيقة لحظاتٍ عاشتها مع سيزار. أدركت أن إيلين الوهمية كانت هي أيضاً، وأن الإله قد سحبها إلى هذا العالم ليجعل الوهم مثالياً، ليخدع سيزار تماماً.
مع موتها السابع، انفصلت إيلين تماماً عن هذا العالم. نظرت إلى الأسفل، ورأت سيزار لا يزال يعانق جسدها الميت، ينادي باسمها: “إيلين…” لكن صوتها لم يعد يصله. كانت عيناه الحمراوان، التي كانت تلمع كالنجوم، مغطاة بالظلام. وقف كتمثالٍ حجري، ثم نهض فجأة، يحمل جسدها الميت، متعثراً وهو ينزل السلالم نحو غرفة البيانو. كانت العاصفة تهز البيت، المطر يضرب النوافذ كأنه يريد تحطيمها. جلس سيزار، وضع جسدها بجانبه، وبدأ يعزف على البيانو، نغماته الحزينة تغطي صوت الرعد، كأنه يحاول حمايتها حتى في موتها.
عانقته إيلين، رغم علمها أنها لن تلمسه، وهمست: “لا تبكِ… أنا من أخطأت…” كررت كلمات الاعتذار، وهي تعلم أنها لن تصله. ثم بدأ العالم ينهار. شظايا الواقع تتساقط حولها، لكنها ظلت تعانقه، متمنية أن تحميه من الأذى. وأخيراً، تحطم كل شيء، وتحررت إيلين وسيزار من الوهم الطويل، تاركين خلفهما عالماً زائفاً، وحباً حقيقياً لا يمكن لأي محنة ان تتغلب عليها.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 194"