كانت كلمات لوتان، التي أخبرها إياها بأن عليها الذهاب إلى القصر الإمبراطوري وليس إلى قصر الدوق الأكبر، غريبة وغير مألوفة لإيلين.
شعرت وكأنها عالقة في حلمٍ لا تستطيع فهمه. لم تستطع الرد، واكتفت بحركة شفتيها الصامتة، ثم استدارت لتنظر إلى المذبح. الشعلة الذهبية، التي كانت تتوهج بنورٍ إلهي، قد اختفت تماماً، تاركةً وراءها لهيباً عادياً يتراقص على المذبح. الكهنة، الذين لاحظوا اختفاء الشعلة المقدسة متأخرين، أطلقوا تنهيداتٍ مكتومة ومليئة بالحزن. بدأوا يذرفون الدموع، ينادون باسم الإله، يتوسلون عودة المعجزة التي كان من المفترض أن تحدث لو لم يُقاطَع ذلك اللحظة المقدسة. كانوا يعتقدون أن الإله كان على وشك أن يهبط إلى عالمهم مرة أخرى، لكن هذا الأمل تبخر مع أخبار التمرد.
لكن إيلين كانت تعرف الحقيقة. في تلك اللحظة القصيرة التي اشتعلت فيها الشعلة الذهبية، شعرت أنها، وهي وحدها، قد لامست شيئاً إلهياً. كان صوت عقارب الساعة، الممزوج بضحكةٍ غامضة ومقلقة، لا يزال يتردد في أذنيها، كما لو كان يطاردها. تلك الضحكة، التي بدت وكأنها تحمل نبرةً خبيثة، جعلت قلبها ينقبض. فجأة، شعرت بغثيانٍ لا يطاق، كما لو كان جسدها يرفض هذا الواقع المرعب. فتحت فمها لتتحدث، لكن لم يخرج سوى أنفاسٍ متقطعة، كأنها تكافح من أجل الهواء.
عندما بدأ جسدها الضعيف يهتز، سارعت أليسيا لدعمها، مانعةً إياها من السقوط. استسلمت إيلين تماماً لأليسيا، ورفعت عينيها نحو روتان، الذي كان يقف أمامها بهدوءٍ لا يتزعزع. بصوتٍ خافت، كأنها تتوسل، همست: “سيزار…”.
ثم، بصوتٍ يكاد يكون منهاراً، أضافت: “أريد رؤية سيزار… الآن!”
كان عليها أن تراه. كان عليها أن تتأكد بأم عينيها أنه لا يزال على قيد الحياة، أن قلبه لا يزال ينبض. حملتها أليسيا بسهولة، كما لو كانت لا تزن شيئاً، وتحركت بخطواتٍ سريعة وواسعة. غادرت المعبد في لمح البصر، كأنها تسابق الزمن نفسه. عندما وصلوا إلى الخارج، لاحظت إيلين أن السيارة العسكرية الوحيدة التي جاؤوا بها قد أصبحت الآن جزءاً من قافلة مكونة من خمس سيارات. وضعها روتان في السيارة الوسطى، وجلس بجانب السائق، بينما جلست أليسيا في المقعد الخلفي بجانب إيلين، ممسكةً بيدها لتهدئتها.
انطلقت القافلة نحو القصر الإمبراطوري بسرعة، عبر شوارع العاصمة الخالية تماماً. تلك الشوارع، التي كانت دائماً تعج بالناس والحياة، بدت الآن كمدينة أشباح. كان المشهد مخيفاً، وصوت الطلقات النارية القريبة يزيد من الرعب.
لكن إيلين لم تكن قادرة على التركيز على أي شيء سوى رغبتها الملحة في الوصول إلى القصر. كانت ترتجف، وجسدها يرتعش من القلق، بينما كانت أليسيا تمسك يدها بقوة، تحاول منعها من الانهيار في نوبة هلع. روتان، من جهته، ظل يراقب النوافذ، ممسكاً بمسدسه، مستعداً لأي تهديد. لحسن الحظ، لم يعترض أحد طريقهم حتى وصلوا إلى القصر.
عندما وصلوا، كانت إيلين على وشك الإغماء من شدة الإرهاق والصدمة. حملتها أليسيا مرة أخرى، متجاهلةً كل القواعد التي كانت تحكم القصر الإمبراطوري في الأيام العادية. في الظروف الطبيعية، كان من المستحيل أن تُسمح لشخصٍ مثل أليسيا بحمل شخصٍ آخر إلى داخل القصر، خاصة إذا كان ذلك الشخص غير معروف الهوية. لكن اليوم، لم يكن هناك من يوقفهم. كان القصر قد فقد وظائفه الأساسية، وامتلأ بالجنود المسلحين الذين يرتدون الزي العسكري.
تقدم روتان، وأدى الجنود التحية له باحترام. تجاهل تحيتهم بسرعة وواصل طريقه، يقود إيلين نحو القاعة الرئيسية للقصر. عندما دخلوا القاعة، رأت إيلين شخصاً جالساً على العرش في الطرف الآخر من القاعة. على الرغم من المسافة البعيدة، كان واضحاً كالشمس في السماء. كان سيزار، يرتدي قميصاً ملطخاً بالدماء، وعلى رأسه تاج الإمبراطور. كان يرتدي عباءة حمراء مطرزة بأسدٍ مجنح بخيوط ذهبية. على الرغم من التناقض بين قميصه الملوث وهيئته الإمبراطورية، بدا وكأن التاج والعباءة صُنعا خصيصاً له، كأنه وُلد ليجلس على هذا العرش.
طلبت إيلين من أليسيا أن تُنزلها، وبدأت تمشي نحو العرش بخطواتٍ مترددة. كل خطوة كانت تُشعرها وكأن قلبها ينهار، لكنها في الوقت ذاته لم تستطع إنكار الحقيقة: سيزار كان الشخص الأكثر استحقاقاً لهذا العرش. عندما وصلت أخيراً إلى العرش، همست باللقب الأكثر ملاءمة: “أحيي جلالة الإمبراطور…”.
كان يتحدث وكأن شيئاً لم يتغير، على الرغم من أنه أصبح الإمبراطور. لكن إيلين لم تستطع نطق اسمه، فاكتفت بحبسه في قلبها. حتى في الماضي، قلة من تجرأوا على مناداته باسمه، وحتى أخوه ليون كان يفعل ذلك فقط في الجلسات الخاصة. لكن الآن، كان سيزار في أعلى مراتب السلطة، وإيلين وحدها من حُق لها مناداته باسمه. هذا الإدراك جعل قلبها يثقل.
نهض سيزار من العرش وتقدم نحوها، ثم ضمها إلى صدره. كان حضنه دافئاً كالعادة، مليئاً بدفء الحياة. لكن إيلين انتفضت فجأة، وابتعدت عنه بسرعة. لاحظت الدماء على صدره. بأيدٍ مرتجفة، مزقت قميصه المهترئ لترى الجرح الذي كان قد التأم بالفعل. رفعت عينيها إليه بدهشة، فقال بنبرة هادئة: “ليون أطلق النار عليّ.”
لم يعد يخفي شيئاً. تحدث بصراحة، ثم تجاهل جرحه كأنه لا يعني شيئاً، وبدأ يفحص الخدوش على يد إيلين. لكنها كانت تعرف أن الأمر ليس بسيطاً. رصاصة في القلب كانت كافية لقتل أي إنسان عادي، لكن سيزار لم يمت، بل التأم جرحه بسرعة غير طبيعية. تذكرت كيف شفي كتفه بسرعة بعد إصابته في مهرجان الصيد، لكن هذه المرة كانت السرعة مذهلة بشكلٍ مخيف. كان ذلك دليلاً على أنه لم يعد إنساناً عادياً.
واصلت فحص الجرح بأيدٍ مرتجفة، لكنه سحبها إلى حضنه، مانعاً إياها من رؤية المزيد. حاولت دفعه بعيداً، لكن قوتها كانت ضعيفة. فجأة، رفعها بسهولة ووضعها على العرش. نظرت إليه بدهشة، عيناها مليئتان بالارتباك. لم تتخيل يوماً أن تجلس على عرش إمبراطورية تراون. لم يكن هذا مكانها، لم يكن مكاناً يناسبها.
خلع سيزار تاجه ووضعه على رأسها، ثم نزع عباءته الحمراء ولفها حول كتفيها. كان التاج والعباءة ثقيلين للغاية، كأنهما يخنقانها. تذكرت فجأة كلماته السابقة: “لستُ أتخلى عن كل شيء من أجلكِ، إيلين. بل على العكس.”
“اليوم هو اليوم الذي سأعطيكِ فيه كل شيء.”
أدركت الآن معنى كلماته. لقد أراد أن يمنحها الإمبراطورية بأكملها. لكنها لم ترغب في أي من هذا. اندلعت مشاعرها المكبوتة فجأة. قفزت من العرش، وألقت التاج بعنف على الأرض، ثم مزقت العباءة وألقتها جانباً. نظرت إلى سيزار بعينين مملوءتين بالدموع والغضب: “رأيت الشعلة المقدسة في المعبد! كانت تتوهج باللون الذهبي، لكن…”.
لم تستطع إكمال جملتها، غير قادرة على ذكر الضحكة المرعبة الممزوجة بصوت عقارب الساعة. لكن سيزار بدا وكأنه يعرف بالفعل ما مرت به. صرخت به: “أخبرني! كم من الوقت بقي؟”.
عندما تردد، صرخت مجدداً: “قل لي الآن!”.
كانت هذه المرة الأولى التي ترفع فيها صوتها عليه، أو ترمي شيئاً أمامه. لكنها فقدت كل ذرة من ضبط النفس. بينما كانت تصرخ وتتوسل، ظل سيزار ينظر إليها بهدوء، كأن عينيه تخفيان سراً عميقاً. ثم، في تلك اللحظة، مد يده نحوها… ولاح وميض ذهبي خافت من أطراف أصابعه.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 188"