لم يتمكن أحد في قاعة المحكمة من إخفاء دهشته عند ظهور الكونت دومينيكو فجأة. لم يكن الحضور، من هيئة المحلفين إلى الجمهور، قد تجمعوا هنا بدافع الفضول البحت. كانت هذه المحاكمة نقطة تحول مصيرية في تاريخ إمبراطورية تراون. كان الجميع يدرك أن الحكم الذي سيصدر سيحدد ما إذا كانت عائلة إرزيت العظمى، التي امتد نفوذها بلا حدود، ستواجه انتكاسة أم ستتمكن من قلب الموازين واستعادة شرفها بشكل دراماتيكي. كانت الأنظار مشدودة إلى كل تفصيلة، وكل كلمة تُقال في هذه القاعة كانت تحمل ثقل المستقبل.
كان من بين النقاط التي أثارت اهتمام الجميع توقع حضور الكونت دومينيكو، رئيس مجلس الشيوخ، كشاهد رئيسي. لكن عندما انتشر خبر وفاة زوجته، توقع النبلاء أنه لن يتمكن من الحضور، إذ كان معروفًا بحبه العميق لها. كان الجميع يظن أن حزنه سيمنعه من الوقوف في قاعة المحكمة. لكن، على عكس كل التوقعات، ظهر الكونت دومينيكو، متحديًا ألمه الشخصي.
ساد الصمت الثقيل في القاعة. عبس دوق بارفيليني، المدعي، بعينين ضيقتين، وهو يشعر بخيبة أمل واضحة. كان قد اعتقد أن وفاة الكونتيسة في هذا التوقيت ستجعل الأمور أسهل بالنسبة له، لكن ظهور الكونت قلب كل حساباته رأسًا على عقب. ألقى نظرة خاطفة نحو إيلين، الدوقة الكبرى، التي بدت مصدومة هي الأخرى. كانت عيناها مفتوحتين على وسعهما، كما لو أنها لم تتوقع أبدًا أن يحضر الكونت في مثل هذه الظروف.
لم يستطع دوق بارفيليني فهم السبب. كيف يمكن لشخص يعشق زوجته بهذا القدر أن يضع شهادته لصالح إيلين فوق خسارته الشخصية؟ كان الكونت دومينيكو معروفًا بحياده الصلب، ولم يكن من الموالين للدوق سيزار. هذا جعل تصرفه أكثر غرابة في عيني الدوق.
تأمل بارفيليني الكونت بعناية. كان مظهره ينم عن إرهاق شديد، وكأنه لم ينم منذ أيام. عيناه المحمرتين كشفتا عن ساعات طويلة من البكاء والأسى على فقدان زوجته. بدا وكأنه قد ينهار في أي لحظة، لكن عينيه كانتا تحملان بريقًا قويًا، كأنهما عينا قائد عسكري يستعد لمعركة مصيرية. كان هذا التناقض محيرًا؛ رجل لم يمسك في حياته سوى القلم، يقف الآن بمثل هذه العزيمة الحديدية.
سخر دوق بارفيليني منه في نفسه، لكنه شعر في الوقت ذاته بنوع من القلق الغامض، وكأن غريزته تحذره من شيء لا يستطيع تفسيره. بينما كان يحاول التغلب على هذا الشعور المزعج، تقدم الكونت دومينيكو إلى منصة الشهود وأدى القسم:”أقسم أمام الحاكم أن أقول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.”
ثم بدأ الكونت، بنبرة هادئة ولكنها راسخة، يروي قصته: “لقد قمت بإعطاء زوجتي المسكن الذي صنعته الدوقة العظمى إرزيت باستخدام الأفيون.”
تسبب هذا الاعتراف في موجة من الصدمة اجتاحت القاعة. لم يكن أحد يتوقع أن يعترف الكونت صراحة باستخدام مادة محظورة، خاصة أنه لا يملك عفوًا إمبراطوريًا مثل إيلين. كان بمثابة رجل يقفز طواعية إلى هاوية النار. نظرات الحضور كانت مليئة بالحيرة والاضطراب.
واصل الكونت، وهو يحكي بصوت مشحون بالعاطفة:”عندما تفاقمت حالة زوجتي، لم يعد أي مسكن تقليدي قادرًا على تخفيف ألمها. كنت عاجزًا وأنا أراها تتألم يومًا بعد يوم. لكن بفضل المسكن الذي طورته الدوقة الكبرى، تمكنت زوجتي من إيجاد بعض الراحة.”
توقف الكونت للحظة، وكأنه يحاول استعادة أنفاسه. لأول مرة منذ دخوله القاعة، التفت إلى إيلين. كانت عيناه المحمرتين تلمعان بالدموع، لكنه ابتسم لها ابتسامة ضعيفة مليئة بالامتنان. “بفضل ذلك الدواء، تمكنت زوجتي من مغادرة هذا العالم بسلام اليوم.”
شعرت إيلين وكأن قلبها يهوي إلى الأرض. تلك الابتسامة، رغم ضعفها، كانت تحمل كل المشاعر التي دفعته للوقوف هنا رغم ألمه. كانت تعبيرًا عن شكره العميق وإيمانه بما فعلته.
أخذ الكونت نفسًا عميقًا ليسيطر على انفعالاته، ثم واصل، موجهًا كلامه إلى القضاة بنبرة أقوى: “أنا مستعد لتحمل عقوبة خرق القانون الإمبراطوري. لكن، باسم عائلة دومينيكو، أقسم أن المسكن الذي طورته الدوقة العظمى إرزيت سيخلّص العديد من الناس من آلامهم.”
أنهى الكونت شهادته، وساد صمت مطبق في القاعة. لم يجرؤ أحد على الكلام، كأن الكلمات قد تجمدت في حناجرهم. في تلك اللحظة، استغل زينون الفرصة وطلب الإذن للحديث. منح القاضي، الذي كان لا يزال تحت تأثير شهادة الكونت المذهلة، الإذن بعد تردد قصير.
نهض زينون بثقة، مستعدًا لتقديم دفاعه. لكنه لم يتمكن من قول كلمة واحدة، إذ قاطعه صوت الإمبراطور ليون: “الدوقة الكبرى إرزيت.”
كانت عيناه الزرقاوان تحملان برودة قاسية وهو يحدق بها. “كيف ستتحملين مسؤولية استهتارك بالقانون الإمبراطوري، ظنًا منك أن العفو سيحميك؟”
كان واضحًا أن ليون يحاول قطع الطريق على زينون، خوفًا من أن يستغل شهادة الكونت ليحول مجرى المحاكمة لصالح إيلين. كان يعرف إيلين منذ الطفولة، ويدرك جيدًا طباعها الخجولة. توقع أنها ستنهار تحت ضغط أسئلته المباشرة، فيمنعها من تقديم دفاع قوي.
لكن إيلين لم تعد تخاف. لم تعد تشعر بثقل النظرات التي كانت تخترقها كالسهام. كانت شهادة الكونت دومينيكو بمثابة درع، منحها القوة لتواجه الجميع. لم تكن لتضيع هذه الفرصة التي قدمها لها.
ردت إيلين، وهي تنظر مباشرة إلى عيني الإمبراطور: “لم أستهن بالقانون أبدًا. أعرف قدسيته، لكنني صنعت هذا الدواء لأنني آمنت بضرورته.”
ارتعش حاجبا ليون، لكنه لم يقاطعها. واصلت إيلين، وهي تتحدث بثقة كمطورة لعقار “مورفيوس”: “حتى بعد انتهاء الحرب، لا يزال جنود تراون يعانون من آلام مبرحة. لم يكن بإمكاننا تركهم دون علاج فعال. حتى لو كان الثمن حياتي، كنت أريد توفير راحة لهم، ولو مؤقتة. قانون مكافحة المخدرات وُضع لمنع الضرر على الإمبراطورية، لكن إذا استُخدم الأفيون بشكل صحيح لأغراض علاجية…”.
قاطعها ليون مجددًا بنبرة حادة: “لست مهتمًا بدوائكِ، مهما كان فعالًا. الحقيقة أنكِ ارتكبتِ جريمة، فهل تعتقدين أنكِ ستفلتين من العقاب؟”.
كادت إيلين أن تجيب، لكن صوتًا عميقًا وقاطعًا تدخل فجأة: “أنا من سيتحمل هذه الجريمة.”
كانت الكلمات من سيزار. لم يطلب إذنًا للتحدث، ومع ذلك، لم يجرؤ أحد على مقاطعته. تمتم ليون، وكأنه يحاول استيعاب ما سمعه: “الدوق…”
نهض سيزار ببطء، وكأن الزمن نفسه توقف ليمنحه المجال. كان جسده الطويل يهيمن على القاعة، وتألقت الأوسمة العسكرية على زيه الرسمي تحت أضواء المكان. كانت تلك الأوسمة شاهدة على دوره كسيف تراون، الحامي الأعظم للإمبراطورية.
تحدث سيزار بنبرة هادئة ولكنها حاسمة: “أطالب بتجريدي من سلطاتي كقائد للجيش.”
اتسعت عينا ليون، ونهض دوق بارفيليني من مكانه مصدومًا. كانت القاعة في حالة ذهول تام، لكن سيزار وحده ظل هادئًا، وكأن الأمر لا يعنيه. عيناه الحمراوان، العميقتان كالبحر، استقرتا على ليوني.
واصل: “دعمت أبحاث الدوقة الكبرى لأنني آمنت أنها جزء من حماية تراون.”
لم يكن هناك زخرفة في كلامه، ولا استجداء عاطفي. كان يتحدث ببساطة، كما لو أنه يروي حقيقة لا تقبل الجدل. أمسك بوسام ذهبي على شكل صليب، رمز انتصاره العظيم في كالبن، وانتزعه من صدره بقوة، تاركًا قماش زيه ممزقًا دون أن يبالي.
“لكن كما قال جلالتك، الجريمة لا تمحى. لذا، بصفتي زوجًا ودوقًا أكبر، سأتحمل تلك الجريمة نيابة عنها.”
تقدم سيزار نحو منصة القضاة، ووضع الوسام أمام ليون.
“أطلب الإذن بتسجيل دواء “مورفيوس” رسميًا. ستتحمل عائلة إرزيت كل الأضرار الناتجة عنه، وأنا بدوري أتنازل عن منصبي كقائد عام.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة، ساخرة، على شفتيه، ثم أضاف بكلمات بدت غريبة عليه: “أعبر عن ندمي العميق لخرق القانون الإمبراطوري.”
نظر ليون إلى الوسام الموضوع أمامه، وكأنه يحاول استيعاب ما حدث. ثم التفت إلى دوق بارفيليني، الذي كان لا يزال واقفًا، مذهولًا. لم يكن الدوق يتوقع أن يتخلى سيزار عن سلطته بهذه السهولة، فبقي صامتًا، غير قادر على الرد.
كان القضاة في حالة مماثلة. كان تصرف سيزار يستحق التوبيخ لتجاوزه الإجراءات، لكنهم لم يجرؤوا على قول شيء. كانوا يخشون حتى من التقاط أنفاسهم، وكأن عينيه الحمراوين قد تجمدت القاعة بأكملها.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 181"