كانت الكونتيسة تعاني منذ زمن طويل من وطأة المرض الذي أنهك جسدها. وفي ظل معاناتها من آلام مبرحة، بذل الكونت دومينيكو جهودًا مضنية للبحث عن كل أنواع المسكنات التي قد تخفف عنها ولو قليلاً. في خضم هذا البحث اليائس، قاده القدر إلى نزل قديم متهالك، حيث صعد إلى الطابق الثاني ليلتقي بإيلين، التي كانت تملك مفتاح الأمل لهذه المعاناة.
لم تنقطع صلة الكونت دومينيكو بإيلين حتى بعد أن أصبحت دوقة كبرى. فقد اختارت آيلين الكونتيسة كثاني شخص يتلقى جرعة من عقار “مورفيوس”، الدواء الذي كان يمثل بارقة أمل للمرضى الذين استنفدوا كل العلاجات التقليدية. كانت حالة الكونتيسة قد بلغت من التدهور مبلغًا جعل المسكنات التقليدية عديمة الجدوى، لكن مع “مورفيوس”، استطاعت أخيرًا أن تجد بعض الراحة من الألم الذي كان يفتك بها. كان صوت أنفاسها الهادئة بعد تلقي العلاج مصدر ارتياح كبير للكونت دومينيكو، الذي بدا وكأن عبئًا ثقيلًا قد أُزيح عن كاهله، ولو مؤقتًا.
ومع ذلك، لم تدم هذه اللحظات من الهدوء طويلًا. فلم تتمكن الكونتيسة من مقاومة المرض لفترة طويلة، وسرعان ما فارقت الحياة. كانت إيلين على دراية تامة بأن حالة الكونتيسة كانت حرجة للغاية، إذ كان من المتوقع أن ترحل إلى جوار ربها في أي لحظة. وقد أخبرها الكونت دومينيكو سابقًا أنه بدأ يستعد نفسيًا لهذا الفراق المحتوم، وأنه يجهز لمراسم الجنازة. لكن، مهما كان الإنسان مستعدًا، فإن الموت يظل خسارة مؤلمة لا تُحتمل. تخيلت إيلين مدى الحزن العميق الذي يعتصر قلب الكونت، الذي كان يعشق زوجته بكل جوارحه، وشعرت بأنها عاجزة حتى عن تخيل عمق ألمه.
[سأتأكد من تجهيز كل شيء لتتمكني من حضور الجنازة،] قال الكونت دومينيكو في رسالة سابقة، مؤكدًا أنه سيرسل إشعارًا رسميًا بموعد الجنازة قريبًا. أومأت إيلين برأسها ببطء، لكنها لاحظت تردد سونيو، خادمها المخلص، الذي بدا وكأنه يريد قول شيء لكنه لم يجرؤ. فقالت له بنبرة هادئة:
“يبدو أن حضور الكونت للمحاكمة اليوم سيكون صعبًا عليه.”
كان من المفترض أن يشارك الكونت دومينيكو، بصفته رئيس مجلس الشيوخ، في المحاكمة اليوم كشاهد رئيسي لصالح إيلين. كانت شهادته حاسمة، خاصة أن زوجته كانت قد تلقت “مورفيوس” بنفسها، مما يجعل تجربته الشخصية دليلاً قويًا. لكن، كيف يمكن لإيلين أن تطالب رجل فقد لتوه زوجته الحبيبة بحضور المحاكمة؟ كان من الواضح أن الكونت غارق في حزنه، وأن أولويته الآن هي التعامل مع هذا الخطب الجلل.
سونيو، الذي كان خادومًا مخلصًا لعائلة الدوقية العظمى إرزيت، لم يكن غافلاً عن هذا الواقع. لكنه، كما هو متوقع، كان أكثر قلقًا على إيلين، الدوقة الكبرى التي يخدمها، منه على الكونت الذي لا تربطه به أي صلة شخصية. شعرت إيلين وكأنها تستطيع قراءة أفكار سونيو. كانت تعتقد أنه يفكر في الذهاب إلى قصر الكونت فورًا لإقناعه، أو حتى إجباره، على الحضور إلى قاعة المحكمة، إذا لزم الأمر.
كان سونيو دائمًا يتمتع بهالة هادئة ووديعة، لكنه لم يكن مجرد خادم عادي. فقد رافق سيزار، الدوق الأكبر، منذ أيام المكائد في القصر الإمبراطوري، حيث كان عليه مواجهة بيئة مليئة بالمؤامرات تشبه غابة برية. مثل الفرسان، كان سونيو يمتلك جانبًا باردًا وقاسيًا، لكنه كان حريصًا على عدم إظهاره أمام إيلين.
خشيت إيلين أن يتسبب سونيو في موقف محرج إذا ما ذهب إلى الكونت، فقررت تهدئته. أخبرته بثقة أنها قادرة على خوض المحاكمة بنجاح حتى بدون حضور الكونت، مؤكدة له أن الخطة ستنجح بسلاسة. وبينما كانت تشرح خطتها بحماس، شعرت بنظرة دافئة تتسلل إليها. التفتت لتجد سونيو ينظر إليها بنظرة مليئة بالثقة والاحترام، ثم قال بهدوء:”أنا أثق بكِ، يا إيلين.”
كان استخدامه لاسمها بدلاً من لقب “سيدتي” دليلاً على قربهما العاطفي. ابتسمت إيلين ابتسامة خفيفة، فالتقط سونيو ورقة سقطت على الأرض وقدمها لها، مضيفًا بنبرة دافئة:”سأكون في انتظارك. عندما تعودين، سأعد لكِ الشاي مع كعكة البرتقال التي تحبينها.”
لم يكتفِ بذلك، بل أضاف مازحًا ولكن بصدق أنه سيجهز مجموعة من الحلويات اللذيذة، طالباً منها العودة مبكرًا. وعدته إيلين بأنها ستعود قريبًا، رغم علمها أن هذا الوعد قد يكون صعب التحقيق. لكنها أرادت أن تطمئنه، مدركة مدى قلقه عليها وهو يبقى في قصر الدوقية.
بعد أن أنهت استعداداتها، رافقها سونيو إلى السلالم. ومن أعلى الدرج المؤدي إلى الطابق الأول، ألقت إيلين نظرة إلى الأسفل. في القاعة، كان سيزار، الدوق الأكبر، يتحدث مع زينون، وخلفهما وقف دييغو، لوتان، وميشيل في وضعية استعداد عسكرية، يستمعون بتركيز إلى المحادثة.
رفع سيزار بصره ببطء نحو السلالم، فالتقى بنظر إيلين. كانت هذه اللحظة شبيهة بلحظة من الماضي، يوم كانا يستعدان لمهرجان الصيد. حينها، كان سيزار يقف مع فرسانه في الطابق الأول، بينما كانت إيلين تنظر إليه من الطابق الثاني. تذكرت كيف أذهلها مظهره يومها وهو يرتدي زي الصيد، وكيف كانت عيناها معلقتين به. والآن، لم يكن الأمر مختلفًا كثيرًا. كان سيزار يرتدي زي القائد العام لتراون، وكانت عيناها مسحورتين به مرة أخرى، غارقة في هيبته وسحره.
نزلت إيلين السلالم ببطء، درجة تلو الأخرى، وهي تشعر بقلبها يخفق بسرعة. خلال الأيام القليلة التي قضتها محبوسة في غرفتها، كان سيزار دائمًا إلى جانبها، لا يكاد يفارقها إلا للحظات قصيرة. لكنه، بعد أن تحررت من عزلتها، أصبح يزورها فقط في ساعات الليل المتأخرة، حين تكون غارقة في النوم. كان يأتي ليستلقي إلى جانبها لبرهة، ثم يغادر قبل أن تستيقظ.
علمت إيلين بهذا عندما استيقظت ذات فجر ووجدته بجانبها، للتو قد ارتدى ثياب النوم واستلقى. مرر يده بلطف على شعرها وهمس:”عُدي إلى النوم.”
غرقت إيلين في النوم مجددًا تحت تأثير همسه الدافئ، وعندما استيقظت في الصباح، كان الفراش بجانبها خاليًا. كان سيزار يتجنبها، وكأنه يخشى أن يقيدها من جديد بحبه، أو ربما كان يحاول حمايتها من شيء ما. شعرت إيلين أن هذه الفكرة قد تكون مجرد خيال مبالغ فيه، لكنها لم تستطع التأكد، فكل ما فعلته هو انتظار يوم المحاكمة.
عندما رأته أخيرًا تحت ضوء الشمس، تقدمت نحوه بخطوات واثقة حتى وقفت أمامه. في تلك اللحظة، رفع الفرسان الواقفون خلفه تحية عسكرية رسمية لها، كما لو كانوا يحيون سيزار نفسه. تفاجأت إيلين بهذا التصرف، فتجمدت مكانها، عيناها مفتوحتان على وسعهما كأرنب مذعور. لاحظ سيزار ارتباكها، فأشار بيده بلطف للفرسان ليخفضوا أيديهم.
ومع ذلك، ظلت نظرات الفرسان تحمل جدية غير معتادة. كانوا دائمًا ينظرون إليها بعطف، كما لو كانت أختًا صغرى يرعونها، لكن اليوم كان هناك شيء مختلف. كانت نظراتهم تحمل نوعًا من الاحترام العميق، وكأنها ليست مجرد دوقة كبرى، بل سيدة يدينون لها بالولاء. حاولت إيلين طرد هذه الأفكار من رأسها، معتبرة إياها مجرد وهم، لكنها لم تستطع تجاهل شعورها بأن شيئًا قد تغير.
تقدم زينون وقال بنبرة رسمية، كما لو كان يقدم تقريرًا إلى قائد: “سنضمن اليوم انتصار سمو الدوقة الكبرى بأي ثمن.”
شعرت إيلين بالحيرة إزاء هذا السلوك الرسمي، لكن سيزار، بسلاسة معتادة، أمسك بذراعها وقادها نحو السيارة. كانت خمس سيارات عسكرية سوداء تصطف أمام المدخل. صعدت إيلين وسيزار إلى السيارة الثالثة، وبمجرد أن تحركت السيارة نحو قاعة المحكمة، بدأت موجات التوتر تعصف بإيلين. أخذت أصابعها ترتعش وهي تفركها بعصبية. لاحظ سيزار ذلك، فأمسك يدها بهدوء دون أن ينبس بكلمة. كانت عيناه تتأملان النافذة، غارقتين في أفكار عميقة، كما لو كان يحمل همومًا لم يشاركها معها.
شعرت إيلين بدفء يده الكبيرة وهي تغطي يدها الصغيرة، كما لو كانت طائرًا صغيرًا يختبئ في كهف آمن. ظلت يدها مستكينة تحت يده للحظات، حتى فاجأها صوته الهادئ: “كنت أفكر في استخدام عفو إمبراطوري.”
رفعت إيلين عينيها إليه بدهشة. استمر سيزار، وكأنه يتحدث إلى نفسه: “لكنكِ اخترتِ الطريق الأصعب.”
كان العفو الإمبراطوري سيضمن تجنب عقوبة الإعدام، لكنه كان سيأتي على حساب شرف “مورفيوس” وعائلة إرزيت. كانت إيلين مصرة على حماية هذا الشرف، رافضة التضحية به. ضحك سيزار ضحكة خفيفة وهو يضغط على يدها بلطف: “ولهذا أنتِ أنتِ.”
رفعت إيلين بصرها إليه، غارقة في عينيه للحظة، لكن الوقت لم يمهلها لتتحدث أكثر. توقفت السيارة، وكأنها استيقظت من حلم. بدأت الأصوات من حولها تخترق أذنيها، صرخات الجماهير التي كانت تهز الأرض. بدت وكأنها مزيج من الغضب والحماس. شعرت إيلين بالخوف يتسلل إلى عظامها، لكن سيزار فتح باب السيارة بهدوء، كما لو أن هذا الزحام لا يعنيه.
عندما فُتح الباب، تصاعدت صيحات الجماهير إلى مستوى أعلى، كأنها موجة عاتية. مد سيزار يده إلى إيلين، التي كانت لا تزال متجمدة في مكانها. أمسكت يده ونزلت من السيارة، لتجد نفسها أمام مشهد مهيب. كان الحشد يذكرها بموكب انتصار سيزار، لكنه كان أضخم وأكثر كثافة. لم تشهد إيلين من قبل مثل هذا العدد الهائل من الناس يصطفون ليحدقوا بها. كانوا يهتفون باسم إرزيت، وكأنها رمز لشيء أكبر منها.
شعرت إيلين وكأنها تُسحق تحت وطأة هذا الحشد. لم يكن لديها غطاء للرأس أو نظارات تحميها، فشعرت بأن عينيها مكشوفتان تمامًا، وكأن كل عيوبها التي نسيتها فجأة أصبحت مرئية. لم تكن متأكدة إن كان هذا الحشد يؤيدها أم يعارضها، فأخفضت بصرها إلى الأرض. في تلك اللحظة، اقترب سيزار منها، ومال نحوها حتى لامست شفتاه أذنها، وهمس:”خائفة؟”.
رفعت عينيها إليه، وهي ترتجف قليلاً. قبل سيزار خدها بلطف، ثم أضاف بنبرة هادئة: “أنتِ التي كنتِ مستعدة للتفاوض مع الإله نفسه لإنقاذي، وتخافين من هذا؟”
كانت كلماته مزيجًا من التحدي والدعم، مما منحها دفعة من الشجاعة لتواجه ما هو قادم.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 179"