2
قراءة ممتعة~~~
الفصل الثاني: الآنسة المزيفة
خرج القطار من ظلمة النفق الطويلة.
ومع انسكاب الضوء إلى الداخل، فتحت عينيها تدريجيًا، وبدأت تلمح ملامح مدينةٍ عظيمة خلف النافذة.
لوتسرن.
عاصمة مملكة هيرينغتون، وأكثر مدنها إزدهارًا والمكان الذي كانت إيفون تتجه إليه الآن.
بينما كانت تحدق في المشهد الذي يقترب شيئًا فشيئًا، أخذت نفسًا عميقًا دون أن تشعر.
“هل تشعرين بالتوتر يا آنستي؟”
“……آه.”
عند سؤال الخادمة الجالسة قبالتها، أدركت إيفون أن يديها كانت ترتجفان بخفة.
لكن ما فاجأها أكثر هو خشونة يديها.
يدين متشققتين لا تليقان بنبيلة.
أطبقت أصابعها سريعًا، تخفيهما عن الأنظار.
ظنت الخادمة أنها أغضبت سيدتها، فسارعت لتدارك الموقف.
“أ-أنا آسفة! فقط بدا لي أنكِ متوترة… لم يكن عليّ أن أتدخل، أليس كذلك؟”
“لا، سيندي، أنتِ محقة. يبدو أنني متوترة قليلًا… هذه أول مرة أعود فيها إلى العاصمة منذ كنت صغيرة.”
“إن كان هذا كل ما في الأمر، فلا تقلقي! أنا أعرف العاصمة جيدًا. بعد أيام قليلة فقط من التجول معًا، ستشعرين وكأنك في بيتك!”
سيندي خادمة من منزل لوروا في العاصمة، أرسلها الدوق لمرافقة إيفون من قصر العائلة في الدوقية إلى العاصمة.
ورغم أنهما تعرفتا منذ يومٍ واحد فقط، إلا أن طبيعة سيندي المرِحة والودودة جعلت الحديث معها سهلًا.
ابتسمت إيفون بخفة، ابتسامةً حزينة.
لو كان الأمر بسيطًا مثل التأقلم مع مدينة، لكانت كلمات سيندي صحيحة—
لكن توتر إيفون كان له سبب آخر تمامًا.
لأنها لم تكن في الحقيقة إيفون، الابنة الوحيدة لعائلة لوروا النبيلة،
بل كانت أديل، فتاةً من العامة.
وحتى تكتشف أين اختفت والدتها، عليها أن تخدع الجميع في العاصمة—بمن فيهم الخادمة الجالسة أمامها.
هذه المسرحية الخطيرة والجريئة بدأت من والدها الحقيقي.
كان والد أديل مقامرًا.
لم يكتفِ بتبديد كل ماله في القمار، بل سرق حتى ثمن دواء زوجته المريضة.
حين مات، شعرت أديل بالارتياح.
ظنت أن معاناتها انتهت أخيرًا.
لكنها لم تكن تعلم أن أباها ترك وراءه دينًا باسمها.
“إن عشتِ بقية حياتك متظاهرة بأنك ابنتي الميتة، فسأعفو عن دين والدك، وذلك بشرطٍ واحد—ألا تري والدتكِ مجددًا.”
كان دوق لوروا قد فقد ابنته الوحيدة حديثًا، وكان بحاجة إلى “قطعةٍ جديدة” يستخدمها في زواجٍ سياسي.
ولم يكن لدى أديل أي وسيلة لتسديد ديون والدها المتوفى.
لكنها توسلت إلى الدوق بإخلاصٍ أن يتراجع عن طلبه.
لم تستطع أن تترك أمها المريضة وحيدة.
غير أن الدوق، وقد بدا عليه الضيق، غادر دون إجابة—
ولوهلة، ظنت أديل أن حياتها عادت إلى مجراها الطبيعي.
إلى أن اختفت أمها.
“والدتك قبلت عرضي. يبدو أنها أذكى منكِ بعض الشيء.”
أرسلت والدة أديل ابنتها إلى الدوق، ثم اختفت.
ربما ظنت أن حياة ابنتها كنبيلة ستكون أفضل من أن تبقى ابنة فقيرة لعامة الناس.
لكن أديل لم تستطع تقبّل ذلك القرار.
ومع ذلك…
“أيّهما تظنين سيكون أسرع؟ أن أجدك بعد أن تهربي— أم أن أقتل والدتك قبل ذلك؟”
أغمضت إيفون عينيها بإحكام، كأنها تطرد من ذاكرتها إحساس المعدن البارد على جبينها—
وصوت الزناد الحادّ وهو يضغط.
وحين فتحت عينيها، كانت نظراتها الثقيلة، المبللة كأوراقٍ غمرها المطر، ترتجف بخوفٍ خافت.
كانت الآنسة إيفون في طريقها إلى العاصمة لحضور جنازة والد خطيبها—
وللتحضير لزفافها.
لكن أديل، الفتاة القابعة في داخلها، كان لها هدفٌ آخر تمامًا.
أمي…
كان عليها أن تجدها قبل الزفاف—قبل أن تطبق عليها قيود هذه الحياة الزائفة إلى الأبد.
وحتى ذلك الحين، عليها أن تؤدي دور “الآنسة النبيلة” بإتقانٍ تام.
لأن اكتشاف حقيقتها يعني نهايتهما معًا،
فالدوق، الوحيد الذي يعرف مكان والدتها، لن يرحم أيًّا منهما.
وبينما كانت تبتلع الغصة الثقيلة في صدرها،
جاء طرقٌ على الباب.
“سنصل إلى لوتسرن قريبًا، آنستي. من الأفضل أن تستعدي.”
“شكرًا لك.”
قبل أن تغادر القطار، راجعت إطلالتها للمرة الأخيرة.
وحين اكتمل مظهرها كنبيلةٍ مثالية، توقف القطار.
ما إن نزلت، حتى اقترب منها رجلٌ مسنّ.
انحنى أمامها بانضباطٍ ودقّة، وتبعه من خلفه آخرون بانحناءةٍ مماثلة.
“لابد إنك تعبتِ من الرحلة الطويلة يا آنستي.”
لم تكن تعرف أحدًا من تلك الوجوه،
لكنها أدركت فورًا أنهم من خدم عائلة لوروا.
وفي الوقت نفسه، تذكرت أنهم الأشخاص الذين يجب أن تخدعهم.
فجأة، شعرت أن الياقة المرتفعة التي تغطي عنقها تخنقها.
مدّت يدها لتعبث بالزر، لكنها في النهاية لم تفكه، وخرجت إلى الرصيف.
كان الرذاذ الذي بدأ قبل وصولهم قد تحول إلى مطرٍ غزير.
ولهذا بدا ميدان المحطة مزدحمًا بالعربات والناس المتعجلين.
كان الخدم، رغم المطر، ينقلون الأمتعة إلى العربة.
وبينما كانت سيندي تهمّ بالانضمام إليهم، التفتت فجأة إلى إيفون.
“آنستي، هل تفضلين انتظارنا داخل العربة؟ بالطبع، يمكنك البقاء هنا إن أحببتِ.”
“سأساعد.”
“عفوًا؟”
انزلقت الكلمات من فم إيفون عفويًا.
رمشت سيندي بدهشة، تحدّق في سيدتها.
ولم تدرك إيفون غرابة ما قالت إلا بعد لحظة.
فأيّ ابنة دوقٍ مترفةٍ تعرض المساعدة في عملٍ وضيع؟
تصرّفٌ لا يفعله سوى شخصٍ من العامة.
“يا آنستي، لا يمكننا السماح لكِ بهذا! انظري إلى يديك الجميلتين، كم تشققتا بالفعل. مجرد نيتك تكفي، شكرًا لك.”
حتى سيندي بدت مستغربةً من خشونة يدي سيدتها.
خفق قلب إيفون بسرعةٍ،
كأنها طفلةٌ كُشِف كذبها للتو.
لكن سيندي لم تُبدِ شكًّا، بل ابتسمت وغادرت مسرعةً تحمل الأمتعة نحو العربة.
وبينما تراقبها إيفون مع الخدم، عضّت شفتها السفلى بتوتر.
عليكِ أن تكوني حذرة. خطأ واحد يمكن تجاوزه، لكن تكراره سيزرع الشك.
كانت تفكر بذلك وهي تتابع تحميل الحقائب، حين تسللت قشعريرة إلى جسدها.
لم تكن ملابسها دافئة بما يكفي لهذا الطقس.
ومدفوعةً بغريزتها، ضمّت ذراعيها لتتدفأ—
عندها فقط سمعته.
“المطر غزيرٌ نوعًا ما بالنسبة لفصل الربيع، أليس كذلك؟”
صوتٌ منخفضٌ هادئ اخترق هدير المطر.
اتّبعت مصدر الصوت، وأدارت رأسها—
فرأت ملامح رجلٍ غير مألوف.
كان طويل القامة—أطول منها برأسٍ على الأقل—
حتى إنها حين رفعت نظرها نحوه، كان أول ما لمحته انحناءة عنقه البارزة.
ثم خطّ الفك الواضح القوي، الأنف الحاد، والشفاه المنحوتة بانحناءة دقيقة، بالكاد تُرى.
وأخيرًا، التقت عيناها بعينيه—
زرقة جليدية، كبحيرةٍ متجمّدة في قلب الشتاء.
تجمّدت نظرات إيفون في مكانها.
كان الرجل، وهو يقف في خلفية المدينة المبتلة بالمطر، يبدو كأنه لوحة زيتية نابضة بالحياة، محبوسة بين أنفاسها.
“الجو باردٌ اليوم، أليس كذلك؟”
للحظةٍ، ظنّت أنه يتحدث إلى نفسه.
لكن الرجل التفت ببطءٍ نحوها.
“هل أُعيركِ إيّاه؟”
بقيت مأخوذةً بجماله، عاجزةً عن صرف نظرها عن ذلك المشهد الحيّ، حتى التقت عيناهما—
تلك العيون الزرقاء العميقة… عمق لا قاع له.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
Chapters
Comments
- 3 - أخ خطيبي منذ يوم واحد
- 2 - الآنسة المزيفة منذ يوم واحد
- 1 - هل عليَّ سرقتها؟ منذ يومين
التعليقات لهذا الفصل " 2"