1
قراءة ممتعة~~~
الفصل الأول: هل عليَّ سرقتها؟
ترددت في أرجاء قاعة المعرض، المزدحمة برجال الأعمال، وقعُ خطواتٍ مستعجلة.
واتجهت تلك الخطوات نحو رجلٍ يقف هناك.
رجلٌ وسيم بشعرٍ أشقر لامع وعينين بلون البحر العميق، كان يلفت الأنظار بوضوح حتى وسط الحشود الكثيفة.
وبالطبع، قامته الطويلة البارزة وبنيته المتينة كانتا جزءًا من هذا الانتباه.
وحين شعر بالاقتراب، أدار رأسه بغير اكتراث نحو مصدر الصوت.
رأى سكرتيره بلين، فأشار بخفة إلى رجال الأعمال الذين كان يتحدث إليهم، كمن يقول له: انتظر قليلًا جانبًا.
لكن بلين هزّ رأسه بتوتر، وعلامات الضيق مرسومة على وجهه.
تأمل الرجل سكرتيره للحظة، ثم اعتذر من رجال الأعمال واتجه نحوه بخطواتٍ واثقة.
“ما الأمر؟”
جاء صوته المنخفض يحمل نغمةً حادة.
بلين، الذي كان على وشك الكلام، نظر حوله سريعًا، ثم قرّب يده من فمه واقترب من الرجل ليهمس له.
ثم نطق بهدوءٍ وحذر.
وبينما يصغي الرجل، أخذت ملامح جبينه المصقولة تنقبض ببطء.
“يعني… ما تقوله هو…”
توقف لحظة، ثم تابع بصوتٍ هادئ.
“أن والدي… قد مات.”
لم يُجب بلين، فهو يعرف أن هذا لم يكن سؤالًا ينتظر جوابًا.
زفرةٌ خافتة انزلقت من بين شفتي الرجل المشدودتين.
لم تكن عائلتهم متماسكة أو ودودة، لكن سماع خبر وفاة الأب المفاجئ لا بد أن يهزّ أي شخص—
…أو هكذا ظنّ بلين.
إلى أن تحدّث الرجل مجددًا.
“انتظر هنا في الوقت الحالي.”
اتسعت عينا بلين بدهشة.
“أ—ألست عائدًا فورًا؟”
“لقد قطعت كل هذه المسافة لذا سأنهي العقد أولًا.”
“ماذا…؟”
“عودتي بسرعة لن تُخرج والدي من الجحيم، أليس كذلك؟”
ترك سكرتيره المذهول في مكانه، وعاد إلى رجال الأعمال الذين كان يتحدث معهم قبل قليل،
مستأنفًا الحديث بابتسامةٍ جميلة لا تليق أبدًا برجلٍ تلقّى للتو خبر وفاة أبيه.
نقر بلين لسانه ساخرًا.
يا له من رجلٍ بارد.
مجنونٌ حقيقي في زمنٍ يعبد المال.
ذلك الرجل لم يكن سوى سيدريك غلاستون—
حفيد أحد أعظم الأثرياء، الذي يُقال إنه قادر على شراء تاج “هيرينغتون” نفسه إن أراد،
وأكثر الورثة حظًا في بيت غلاستون العريق.
***
كان صمت المقصورة لا يُكسره سوى صوت المطر الخفيف، إلى أن قطعه طرقٌ هادئ على الباب.
“سنصل إلى لوتسرن قريبًا، سيدي. من الأفضل أن تستعد.”
أومأ بلين بأدبٍ نيابةً عن سيدريك، الذي كان مغمض العينين.
انحنى المضيف بانحناءةٍ خفيفة وغادر المقصورة بصمت.
وخلال ذلك، أنهى بلين ترتيب الأوراق بإتقانٍ وسأل:
“بالمناسبة… ما خطتك بخصوص الزواج يا سيدي؟”
فتح سيدريك عينيه أخيرًا، بعد أن كان جالسًا ويداه معقودتان كأنه لوحة فنية.
وكان الأزرق في عينيه صافياً، كأن النوم لم يزرْه قط.
لم يكن طرح بلين للزواج من العدم عبثًا، بل كان لسببٍ واضح.
«سأورّث الشركة لمن يتزوج من فتاةٍ من عائلةٍ نبيلة، ويؤسس بيتًا محترمًا.»
هذا ما قاله جده كارلايل غلاستون بعد مرض والده بوقتٍ قصير، واضعًا الشرط ذاته أمام حفيديه الأعزبين.
في الظاهر، بدت حجته معقولة— “كيف يمكن لرجلٍ لا يُدير عائلته أن يقود شركة؟”—
لكن سيدريك كان يعرف الحقيقة.
كان يعرف تمامًا الأرباح التي سيجنيها جده من زيجات أحفاده.
فـ”كارلايل غلاستون” لم يكن رجلاً عاديًا.
وُلد من عامة الناس، لكنه قرأ مجرى الزمن أسرع من أيٍّ كان، وصعد من القاع حتى أصبح ملكًا في صناعة الحديد.
رجلٌ كهذا لا يُفلت صفقةً مربحة من بين يديه.
أما سيدريك، الذي توسّع في أعمال السفن والتجارة البحرية، فلم يكن مهتمًا فعلاً بمقعد الوريث—لكنها كانت مسألة كرامة.
لقد عاش عمره كله مؤمنًا أن عائلة غلاستون ملكٌ له.
والآن؟
هل عليه أن يسلّمها لأخيه غير الشقيق “ديريك” وأمه الأرملة الطفيلية؟
منزل غلاستون كان له.
آمن بذلك طوال حياته، ولهذا كان من الطبيعي أن يبقى كذلك.
ولكي يرضي جده، بدأ بلقاء عددٍ من السيدات رغم ازدحام وقته.
لكن للأسف، لم تثر أيٌّ منهن اهتمامه.
لم يكن ينتظر رومانسيةً أو مصيرًا قدريًا كما في الروايات الرخيصة.
الزواج بالنسبة له لم يكن سوى وسيلة—
صفقة بين العائلات، وفرصة لجني المزيد من المكاسب.
وبعبارةٍ أدق—
لم يجد بعدُ المرأة التي تفي بمعاييره.
امرأة تمنحه فائدة كبيرة، ولا تعيق طريقه أبدًا.
كان يخطط لأن يمنح نفسه وقتًا أطول ليجدها، لكن…
والده لم يكن صبورًا كفاية لينتظر.
عديم فائدة حتى آخر لحظة. قالها في نفسه بضيقٍ وهو ينقر لسانه.
راقبه بلين ثم قال بحذر:
“وأيضًا… سمعت أن زواج السيد ديريك قد تم ترتيبه مع بيت الدوق لوروا.”
“ابنة دوق لوروا؟”
دوقية لوروا—عائلة نبيلة ذات صلة بالعائلة المالكة.
صحيح أن زمن الطبقات قد تراجع، وأن المال صار كل شيء، لكن صفة القرب من العرش ما زالت تحمل وزنها.
ويُقال إن للدوق ابنةً وحيدة.
أو بالأحرى، كانت له، حسب الشائعات.
فابنة لوروا كانت ضعيفة الجسد منذ صغرها، تعافت في الريف ولم تظهر يومًا في المجتمع الراقي.
“إذن… لم تمت بعد؟”
“يقولون إن صحتها تحسّنت كثيرًا. بل إنها ستحضر الجنازة على ما يبدو.”
ابتسم سيدريك بسخريةٍ خفيفة.
لم يكن غريبًا إذن هدوء ديريك وزوجة أبيه في الفترة الأخيرة. الأمور بدأت تأخذ منحًى مزعجًا.
“على أي حال، لا يمكننا البقاء مكتوفي الأيدي، أليس كذلك؟ سأختار بعض الآنسات المناسبات…”
“لا. أي فتاةٍ لن تنفع. إن جاؤوا بابنة دوق، فكيف لابنةِ كونتٍ أو مركيزٍ أن تضاهيها؟”
“صحيح، لكن من ناحية الخبرة في الأعمال، أنت تتفوّق عليهم جميعًا يا سيدي. حتى لو كانت ابنة دوق، فمقعد الوريث مضمون لك تقريبًا—”
توقف بلين حين التقت عيناه بالزرقة الباردة الحادة.
فهم عندها ما يدور في ذهن سيده.
فسيدريك لا يعرف أنصاف الحلول.
كل ما يقع بين يديه يجب أن يُنجز بلا خلل،
وكل لعبةٍ يدخلها يجب أن يربحها—تمامًا، وبقوةٍ ساحقة.
حتى لا يجرؤ أحدٌ على تحدّيه.
ذلك الهوس بالكمال… تمتم بلين في نفسه بمرارة.
“إذن… ماذا تنوي أن تفعل، سيدي؟ لكي تنافس ابنة دوق، ستحتاج إلى من تضاهيها مكانةً، أي من العائلة المالكة، لكن لا يوجد…”
“سوى مجموعة من الرجال المزعجين لا غير.”
وقبل أن يجدوا بديلًا مناسبًا، توقّف القطار في محطة لوتسرن.
وقف سيدريك من مقعده.
أولاً، الجنازة.
أغلق أزرار سترته، وثبّت نظره الحاد إلى الأمام.
وحين خرج من المقصورة، انحنى المضيف بتهذيب وفتح له الممر الخاص.
نزل سيدريك إلى أرض لوتسرن المألوفة حدّ الضجر.
وعندها سمع صوتًا من العربة المجاورة.
“لابد إنك تعبتِ من الرحلة الطويلة يا آنستي.”
استدار بلا وعيٍ نحو مصدر الصوت.
ومن هناك، خرجت امرأة صغيرة القامة من القطار.
حتى وسط الزحام الصاخب في الرصيف، كانت تلفت الأنظار.
ربما بسبب بشرتها البيضاء المتباينة مع شعرها البني الداكن، أو بسبب عينيها الواسعتين اللتين تجمعان بين الخوف والفضول، رغم مظهرها الأرستقراطي—
لا.
بل لأنها كانت، ببساطة، جميلة.
من ذلك النوع من الجمال الذي يسرق العيون أينما حلّ.
“آه، لا بد أنها هي.” همس بلين حين لاحظ نظرات سيدريك الثابتة.
“ابنة دوق لوروا.”
غادرت الشابة الرصيف وسط مرافقة حراسها.
وتقلّصت نظرات سيدريك الزرقاء بهدوء وهو يتابعها تمرّ أمامه.
وفي تلك اللحظة بالذات، خطرت بباله فكرةٌ خطيرة… لكنها مؤكدة.
الطريقة الأضمن لربح هذه اللعبة.
إذن… هل علىَّ سرقتها؟
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
Chapters
Comments
- 3 - أخ خطيبي منذ يومين
- 2 - الآنسة المزيفة منذ يومين
- 1 - هل عليَّ سرقتها؟ منذ يومين
التعليقات لهذا الفصل " 1"