كان جيريمي وجوشوا يفتقران إلى الثقة بالنفس، وكثيرًا ما كانا يلومان نفسيهما على كل شيء. ومع ذلك، كانت هناك سمة واحدة في الطفلين لم تكن هيلينا تعرفها: على عكس ما كانت تعتقد، كانا مثابرين للغاية.
عندما أعلنوا فجأةً أنهم لن يغادروا هوريون، صُدمت هيلينا، لكنها ظنت أن هذا الوضع لن يدوم طويلًا. ظنت أنها لو حافظت على مسافة بينها وبينهم كما فعلت في البداية، فسيصابون بالإحباط مجددًا ويغادرون.
لذلك قررت هيلينا أن تتصرف ببرودة أكبر تجاه الأطفال الذين رفضوا المغادرة.
“هيلينا! هل ترغبين في الخروج في نزهة قصيرة؟ لطالما فعلتِ ذلك في مثل هذا الوقت، أتذكرين؟”.
“أريد الذهاب وحدي. ما رأيك بحزم أمتعتك بدلًا من ذلك؟ ألا تحتاجون للعودة إلى سينتيلين؟”.
لقد كانوا مثل الآبار المملوءة بالحب الذي أرادوا أن يقدموه، ولكن لم يكن من السهل أن تدير لهم ظهرها.
“لقد سلقت بعض البيض.”
“لم يكن عليك أن… مممم!”.
“استمتعي! من الآن فصاعدًا، سأُحضّر لكِ الكثير من الطعام اللذيذ!”.
ومع ذلك، قررت هيلينا الصمود لفترة أطول قليلا.
“صباح الخير! هل تريدين مساعدتي في العناية بالحديقة؟”.
“ألم تقل أن العناية بالفناء والحديقة هي وظيفة البستاني…؟”.
“كان ذلك عندما كنت طفلاً، هاها!”.
ولكن كلما حاولت هيلينا إبعادهم عنها، كلما تشبث الأطفال بها بعناد أكبر. مهما طلبت منهم المغادرة، تظاهروا بعدم السماع وبقوا. عند هذه النقطة، وجدت هيلينا نفسها ترغب في الهرب.
في الممرات، كان الأطفال يخرجون فجأة، يطلبون الذهاب إلى مكان ما أو يقدمون الطعام. وصل الأمر إلى حد أنها كانت تشعر بالتوتر كلما دخلت الممر، متوقعةً منهم أن يقفزوا خارجًا.
“هيلينا!”
“إيك!”.
في النهاية، لم تعد هيلينا قادرة على التحمل وتحدثت.
“لا أعرف لماذا تحاولون بجهد عدم المغادرة… لكن ليس عليكم فعل ذلك.”
تابعت هيلينا بعناية.
“بالطبع، ربما تحزنون على فراقي. لكن أحيانًا، يضطر الناس لفعل أشياء لا يريدونها. أشياء لا بدّ لهم منها”.
“…”
“لم يعد هناك أي خطر عليّ. نُقل أخي إلى العاصمة، وأنا الآن بصحة جيدة.”
لقد كان الأمر هو نفس الشيء الذي قالته في المرة الأخيرة تقريبًا – لأن أعذارها كانت قليلة.
“لذا يجب عليكم الآن العودة إلى العاصمة…”.
“لن نذهب! لن نفعل ذلك إطلاقًا!”.
لكن هذه المرة، كان رد فعلهم مختلفًا تمامًا. ظنت أنهم سيستسلمون إذا تحدثت بهدوء، كما في السابق. لكن اتضح الآن أنهم قد حسموا أمرهم.
“أنا أحبكِ! أنتِ مهمة بالنسبة لي!”.
“…هاه؟”
صرخ جيريمي.
“أنتِ أهم شخص في العالم بالنسبة لي!”
“…”
“أنا أحبكِ جدًا! أنتِ المفضلة لدّي في العالم كله!”.
“…”
“سأعاملكِ كشخص عزيز عليّ أيضًا. سأعتني بك وأُقدّركِ! إذا كنتِ مريضة، فسأبقى معكِ حتى تتعافى، وسأساعدكِ في إيجاد الترياق!”.
على عكس جوشوا، لم يُحاوِل جيريمي المراوغة، بل كان يتحدث من القلب مباشرةً. ولعل هذا ما جعل كلماته تُلامس هيلينا مباشرةً، دون أي مجال لسوء الفهم أو الأمل الكاذب. أخبرها، بوضوح وبساطة، أنها عزيزة عليه، وأنه يُحبها.
“لذا لن أغادر. لن أبتعد عن عائلتي! فرانتيرو لن يفعل ذلك.”
“أنا… أنا…”.
سألت هيلينا بصوت مرتجف.
“أنا… عائلتك؟”.
“لماذا تسألين وكأنكِ لا تعرفين حقًا؟”.
أجاب جوشوا بدلا من جيريمي.
“من الناحية القانونية، ومن حيث الوقت المستغرق… ألسنا عائلة بالفعل؟”.
“…”
لسع أنفها. أو بالأحرى، شعرت بحرارة كأنه يحترق. في الوقت نفسه، انهمرت الدموع من عينيها. شعرت وكأنها على وشك أن تنفجر باكية لمجرد سماعها الأطفال يتحدثون بثقة ودون تردد.
لذا لم تستطع هيلينا الرد. إن قالت شيئًا، خشيت أن تسبقها الدموع. أشاحت بنظرها بعيدًا، محاولةً الهرب من سؤال جوشوا.
***
لقد اعتبروني عائلةً حقيقية. كنتُ أعتقد أنني لا أملكُ روحًا واحدةً أعتمد عليها في هذا العالم. كنتُ مستعدةً لإنهاء حياتي باستسلام، وبينما كنتُ على وشك الاستسلام تمامًا، كان من المستحيل تجاهل كلمات الأطفال.
أتمنى لو التقينا كعائلة عادية، لا كإسكيل ولا فرانتيرو. أتمنى لو لم أكن مصابة بـ أسيهيمو. حينها، ربما، ربما فقط، كنا سنعيش حياة طبيعية كأي عائلة أخرى. لطالما كان هذا حلمي – منزل متواضع وهادئ.
الحقيقة أنها كانت سعيدة سرًا عندما قال الأطفال إنهم لن يتخلوا عنها. إنهم لن يتركوها. حقيقة أنهم ما زالوا متمسكين بها، حتى وهي تحاول إبعادهم عنها، أسعدتها لدرجة البكاء. حتى لبضعة أيام. حتى لبضع ساعات. لو استطعنا أن نعيش حياة طبيعية.
ولكنها لم تشعر بالفرح فقط.
لم يكن الأطفال وحدهم من لم يغادروا، بل بقي كاليجو في هوريون أيضًا. والآن، تصل الرسائل من العاصمة وفرانتيرو عدة مرات يوميًا. لا بد أن إرسال الحمام الزاجل إلى هذه المنطقة النائية كان مُرهقًا للغاية. ومع ذلك، لم يُبدِ أحد أي شكوى.
كيف يمكن لشخص مثلي أن يستحق كل هذا؟.
في كل مرة ترى فيها هيلينا كاليجو والأطفال، الذين بقوا في هوريون دون تردد، تجد نفسها تُقلل من شأن نفسها مجددًا. أن شخصًا عديم الفائدة مثلها يُضيع وقت الآخرين الثمين.
حتى مع شعورها بالفرح لكلمات جيريمي – بأنه سيُقدّرها ويهتم بها – لم تستطع إلا أن تشكّ فيها. لم ترَ نفسها جديرةً بهذا التفاني.
وفي اليوم التالي… كان عيد ميلاد هيلينا. لم تحتفل بعيد ميلادها قط. لم تحتفل عائلتها به قط، لذا اعتادت أن تمضي الأيام بهدوء.
“عيد ميلاد سعيد.”
كان قلبها يغلي، وشعرت بالغباء لإبعادها الآخرين عنها باستمرار. سماع تلك الكلمات – عيد ميلاد سعيد – جعل مشاعرها تتأرجح كما لو أن شيئًا ما قد انكسر في داخلها. مهما حاولت أن تتنفس بثبات، ظل شيء ما يتصاعد من صدرها، مهددًا بالانفجار.
“لقد أصبح الطقس أكثر برودة في الآونة الأخيرة، ويبدو أنكِ ترتدين ملابس خفيفة للغاية.”
كان معطفًا – ليس سميكًا جدًا، لكنه دافئ بدرجة كافية لتلف نفسها به. وبينما كانت تمرر أصابعها على القماش الناعم، انحنت هيلينا برأسها لإخفاء مشاعرها المتضخمة.
“لقد انتهي موعده.”
“أعلم. لكن… أريد البقاء بجانبكِ.”
“…”
“أعلم أنكِ خائفة مني. أعلم أنني أخطأت في حقكِ.”
“…”
“لكن من فضلكِ… دعيني أبقى معكِ. أتوسل إليكِ.”
كرهته. وما زالت تكرهه. ما زال وجوده يُخيفها. ومع ذلك… ربما ما زالت لديها مشاعر تجاهه. لأنها، أمام صوته الجاد، المليء بالشوق، لم تستطع أن تُجبر نفسها على إخباره بالرحيل. لماذا تستحق امرأة مثلها كل هذا الوقت؟ بدأت تشعر بالخجل.
كان عليها أن تدفعهم بعيدًا. أن تطلب منهم ألا يضيعوا وقتهم معها. لكنها أدركت أخيرًا أن جزءًا منها لا يريد رحيلهم. حتى وهي تطلب منهم الرحيل، كانت تأمل سرًا أن يبقوا. “ابقوا معي. لا أريد أن أكون وحدي…”.
مع ذلك، لم يبقَ لي الكثير من الوقت. لا أريدهم أن يعيشوا تحت وطأة هويتي. إن بقوا بجانبي، فقد تُلطخ سمعتهم الطيبة بسوء إسكيل.
“هيلينا!”
في تلك اللحظة، ركض جيريمي نحوها بصوته المرح المعتاد. كانت قد سمعت سابقًا أنه ذهب إلى مكان ما ذلك الصباح. من بقع العشب على وجنتيه وملابسه، بدا أنه كان يتدحرج في الجبال.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات