عندما انطلقت هيلينا نحو هوريون، امتلأ قلبها حماسًا. فكرة رؤية المحيط أخيرًا، الذي طالما حلمت به، جعلت قلبها ينبض بقوة.
ولكن عند وصولت، سرعان ما تحول الحماس إلى قلق وتوتر.
الآن، وهي تقف على حافة الموت، أرادت التمسك بالخيال حتى اللحظة الأخيرة. درب هادئ، وصوت الأمواج… لكن مهما حاولت التشبث بتلك التخيلات العابرة، أبى الواقع أن يتجاهلها. وكما كان الحال في العاصمة، كان أهل هوریون أيضًا يثرثرون عن عائلة إسكيل المنهارة. كان هذا أكثر ما يقلقها – احتمال أن يتعرف أحدٌ هنا على وجهها.
رغم انهيار عائلة إسكيل، ظلّ استياء الناس منهم ثابتًا. وفي أي لحظة، قد يلاحقها أحدٌ ما، سواءً كان مواطنًا إمبراطوريًا أو شخصًا يكنّ ضغينة شخصية لعائلة إسكيل. لم يختف الخطر المحيط بها تمامًا.
لهذا السبب، بقيت هيلينا حبيسة المنزل لعدة أيام بعد وصولها إلى هوريون. ورغم المحيط الذي طال انتظاره أمامها، ظلت حبيسة المنزل.
في النهاية، لم تعد جين قادرة على مشاهدتها بهذه الطريقة لفترة أطول، فجاءت لإيقاظها في الصباح الباكر.
“سيدتي- ، آنستي.”
صحّحت جين نفسها بسرعة واعتذرت. “آسفة، من الصعب تغيير طريقة مخاطبتي لكِ دفعةً واحدة.” ثم أمسكت بيد هيلينا وسحبتها.
“لن يكون هناك أحد على الشاطئ في هذا الصباح الباكر. لنخرج ونستمتع.”
“ماذا عن الصيادين؟”.
“سيكونون في الميناء، لكن لا أحد سيأتي إلى الشاطئ في وقت مبكر كهذا.”
“…هل أنتِ متأكدة؟”.
“أنا متأكدة! تحسبًا لأي طارئ، ذهبتُ للتحقق باكرًا صباح أمس.”
بعد محاولات إقناع كثيرة، تمكنت هيلينا أخيرًا من رؤية المحيط في يومها الرابع في هوريون. وكما قالت جين، كان الشاطئ شبه خالٍ. ولأن الشمس لم تشرق بعد، كان الشاطئ لا يزال يلفه الظلام.
ثم، مع بزوغ الفجر، استمتعت هيلينا بمنظر شروق الشمس فوق المحيط. ورغم أن سطوعها جعل عينيها تدمعان، إلا أنها أبقتهما مفتوحتين على اتساعهما، محاولةً أن تلتقط المنظر في ذاكرتها.
كان المحيط، الذي رأته لأول مرة في حياتها، أجمل مما تخيلت. قبل شروق الشمس، بدا نذير شؤم، لكن مع غمر أشعة الشمس الماء بوهج قرمزي، تحوّل. كزهرة تمتصّ الصبغة ببطء، أظلم البحر إلى ظلال أعمق.
صوت الأمواج وهي تتلاطم على صخرة وحيدة. رائحة الماء المالحة تداعب أنفها. محيط شاسع يمتد حتى بدت السفن البعيدة ضئيلة الحجم.
لقد احبت كل ذلك.
“…إنه جميل جدًا.”
شعرت بسلام عميق، وكأن أشواك أفكارها الحادة تُمحى تدريجيًا. تأملها في البحر الشاسع جعل وجودها يبدو ضئيلًا. شعرت فجأةً بأن الأعباء التي أثقلت كاهلها تافهة. كأن الأمواج تجرف معها كل الوحدة التي كانت تحملها في داخلها.
كان رمال الشاطئ البيضاء تحمل دفئًا منعشًا. عندما أمسكت بحفنة منها، شعرت بالرطوبة على راحة يدها. حتى مع انزلاق الرمل إلى حذائها وتعلقه بملابسها، لم تكترث.
“آنستي.”
“همم؟”.
جين، التي كانت تستمتع بالشاطئ حافية القدمين، اقتربت فجأةً وفرقعت أصابعها. تناثرت قطرات ماء باردة على وجه هيلينا.
وهكذا، انتهى بهما المطاف يلعبان في الماء لفترة طويلة قبل أن يعودا إلى المنزل. ورغم إرهاقهما من مغامرتهما الصباحية المبكرة، شعرت هيلينا براحة أكبر.
بعد ذلك، لم تجد صعوبة في التوجه إلى المدينة. وعلى عكس مخاوفها، لم يتعرف عليها أحد.
في البداية، فكرت في استخدام اسم مستعار أثناء وجودها في هوريون. لكن لحسن الحظ، كان اسمها شائعًا جدًا. بينما كانت أسماء مثل روزاليث أو رافيل نادرة، كان اسم “هيلينا” موجودًا في كل مكان.
علاوة على ذلك، لم تكن ملامحها الجسدية فريدة. شعرها البني وعيناها الخضراوان من أكثر الصفات شيوعًا في الإمبراطورية.
وبما أنه لا يوجد أمر رسمي بإلقاء القبض عليها، فقد خلصت إلى أنها ستكون آمنة في الوقت الراهن.
هذا لا يعني أنها كانت تتجول في المدينة كثيرًا أو تتفاعل مع الناس. لم يكن التواصل الاجتماعي يومًا نقطة قوتها.
وبدلا من ذلك، ركزت هيلينا على التحضير.
لم تكن ثروتها طائلة، لكنها كانت تملك بعض الثراء. ورغم تضاؤلها أثناء إدارتها لأعمالها في فرانتيرو، إلا أنها كانت لا تزال تملك أصولًا. مع ذلك، لم يكن لها ورثة أو أحفاد يرثونها.
ففكرت في أفضل طريقة لاستخدام ثروتها قبل وفاتها. فالمال لا قيمة له بعد رحيلها، فلا تستطيع أخذه معها إلى القبر، فأرادت أن تستخدمه بما فيه فائدة.
سيتم التبرع بمعظم ثروتها.
لكن لا يزال هناك من أرادت أن تترك لهم شيئًا. قررت تخصيص جزء لجوشوا وجيريمي. مع أنهما لم يكونا بحاجة إليه بالضرورة، إلا أنها كانت قادرة على تقديمه لهم.
فكرت أيضًا في ترك شيء لجين، لكنها رفضت رفضًا قاطعًا. لو تجرأت هيلينا على إدراجها في الوصية، لهددت بالرحيل فورًا. لذا تخلت هيلينا عن الفكرة سريعًا.
وبعد ذلك كتبت رسائل.
إلى إيدن، جوشوا، جيريمي، إيما، الكونتيسة إنفيريم، روزاليث… .
وأخيرًا، كتبت رسالة إلى كاليجو.
استغرقت عملية الكتابة وقتًا أطول من المتوقع، حيث كان هناك العديد من الرسائل التي يتعين إكمالها.
وثم-
“ليست هناك حاجة للجنازة.”
“ماذا؟”.
“لا جنازة. لا قبر. فقط انثري رمادي في البحر.”
ألقت هيلينا هذا الكلام بنبرة غير مبالية كما لو كانت تناقش ببساطة قائمة العشاء في ذلك المساء.
كانت جين في حالة صدمة شديدة لدرجة أنها فقدت القدرة على الكلام لبرهة.
“يا آنستي! لا جنازة؟ لا قبر؟ لا أقبل هذا! لماذا؟ لماذا لا تريدين جنازة ولا قبرًا؟!”.
جين، محبطة، ضربت بقبضتيها على صدر هيلينا برفق.
“أنتِ تحبين الأرض كثيرًا – لماذا لا تريدين أن تُدفني فيها؟”
كان من النادر نثر رفات شخص ما في البحر. دُفن معظم الناس في المقابر، بينما دُفن بعض النبلاء والملوك تحت الكنائس. وبما أن عائلتها قد فارقت الحياة، كان من المفهوم عدم إمكانية دفنها في كنيسة. ولكن ألا يكون لها قبر أصلًا؟.
“فقط لأن.”
“فقط لأن؟ هذا كل ما لديكِ لتقوليه؟!”.
“ألا يكون من الأفضل أن أستخدم مكان راحتي للزراعة، أو لزراعة الزهور – شيء مفيد؟”
“ماذا تقولين؟ مهما فكرتَ بهذه الطريقة، فهذا مُبالغ فيه!”.
“…أنا فقط لا أريد أن أدفن وحدي.”
وبعد اعتراف هيلينا الهادئ، صمتت جين التي كانت تصرخ.
“يُدفن معظم الناس مع عائلاتهم. أما أنا، فلا أحد معي.”
“…سيدتي.”
“لذا، أعتقد أن البحر قد يكون مكانًا أفضل بالنسبة لي.”
بعد أن فهمت جين مشاعر هيلينا أخيرًا، تحدثت بتصميم.
“لا بأس يا سيدتي! سأموت معكِ!”.
“هل تدركين مدى الرعب الذي يبدو عليه هذا الكلام، جين؟”
“ثم… سأدفن معكِ؟”.
“هذا يجعلني أبدو وكأنني شخص فظيع.”
وفي النهاية، قرروا تأجيل الحديث عن جنازتها إلى وقت لاحق.
***
لقد أحضرت عائلتها، ووجدت مكانًا لقضاء بقية حياتها بمفردها، وأكملت وصيتها.
حالما استقرت الأمور، انهارت هيلينا على فراشها كما لو كانت تنتظر تلك اللحظة. لم يعد بإمكانها المشي لفترات طويلة، بل أصبح التنقل صعبًا بدون عكاز.
وفي هذه الأثناء، بدأت الشائعات الغريبة تنتشر عنها بين أهل غوريون.
انتقلت شابة مريضة إلى منزلٍ كان خاليًا منذ زمن. أثار فضول أهل البلدة معرفة هذه المرأة الغامضة التي تعيش بمفردها، ولأنها نادرًا ما تظهر في الخارج، انتشرت شائعاتٌ كاذبة.
في الوقت نفسه، كانت جين منشغلة جدًا برعاية هيلينا ولم تُعر اهتمامًا للقيل والقال. لهذا السبب، لم تكن هيلينا على دراية بما يقوله الناس عنها.
“هل سمعت؟ شبح يسكن في ذلك المنزل على التل.”
وعندما وصل الفضول إلى ذروته، بدأت مجموعة من الأطفال المحليين الشجعان بالتجول حول المنزل.
“شبح؟”.
“يقولون أن وجهها شاحب للغاية، ولديها ثلاثة أرجل!”
“وشعرها طويل وكثيف لدرجة أنها تبدو من مسافة بعيدة كالأسد!”
“قالت أمي أنها تأكل التراب.”
“سمعت أن هوايتها هي دفن الناس.”
“إذا كانت شبحًا حقًا، فيجب علينا التخلص منه!”.
مع هذا التصميم، اقترب الأطفال بحذر من منزل المرأة الغامضة.
مع ذلك، كان المنزل على التلّ في حالة جيدة، نظيفًا جدًا لدرجة أنه لا يمكن لشبح أن يسكنه. هل كانت الشائعة صحيحة أصلًا؟.
كما كانوا يفكرون في ذلك-
“من أنتم يا أطفال؟”.
وجه شاحب. شعر كثيف أشعث. فستان أبيض طويل. خطواتها مترنحة.
وفي الضوء الخافت، بدا الأمر كما لو كان لديها ثلاثة أرجل.
“آآه! شبح!”
“لديها ثلاث أرجل!”
“إنها روح جبلية! ستدفننا أحياءً!”.
صرخ الأطفال مرعوبين وحاولوا الهرب.
“…هاه؟”.
هيلينا، التي خرجت للتو لأول مرة منذ ساعات للحصول على بعض الهواء النقي، رمشت في حيرة.
“شبح؟ أنا؟ هل متُّ بالفعل؟”.
كان ذلك غريبًا. لقد تحدثت مع جين هذا الصباح. هل ماتت أثناء قيلولتها؟. ثم لاحظت أن أحد الأطفال تعثر وسقط أثناء هروبه.
“أيها الطفل.”
“هاي! جيمس!”
وكان أحد الأولاد خائفًا جدًا لدرجة أنه تعثر وسقط على الأرض.
وهذا الصبي… .
ازدادت عينا هيلينا حدة عندما فحصته.
“أنت.”
توجهت على الفور نحو الطفل وتحدثت معه.
“آآآه! ماذا تريدين مني؟! ماذا من أنتِ؟! ماذا تريدين؟!”.
“هل أكلت؟”
“…هاه؟”.
أطلق الصبي هاه حائرة عند سؤالها غير المتوقع.
~~~
لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 138"