استمتعوا
في يومٍ آخر، كانت تراقب ثنائي الماركيز.
رغم أن مراسم حرق الجنازة أصبحت مبسطة كثيرًا،
إلا أن الجنازة استمرت لأسبوع كامل.
وكان المعزون يزورونهم كل يوم دون انقطاع.
وأمضى الماركيز وزوجته أسبوعًا كاملًا في البكاء على فقدان ابنتهما.
كانت تعتقد أن حياتها كانت قصيرة لدرجة لم تترك أثرًا يُذكر.
رأت نفسها ابنةً بائسة لم تعش أطول من والديها،
ولم تخلّف وراءها سوى الألم.
ومع ذلك، بذل الماركيز وزوجته كل طاقتهم في نعيها بحب.
وكانت شونيلا، في كل مرة تشاهد فيها ذلك المشهد،
تشعر وكأن خنجرًا حادًا يشق صدرها.
كانت تقمع الحزن الذي يندفع داخلها كلما بكى والداها.
[أمي، أبي… أشكركما لأنكما تحزنان لأجلي.
لكن لا تبكيا كثيرًا، حسنًا؟]
بدلًا من البكاء، كانت تتمتم بكلمات عزاء بصوت خافت وهي واقفة بجوارهما.
لم تبكِ معهما، لأنها كانت تعرف جيدًا أن والديها اللذين أحباها،
لا يريدان أن تبكي بعد موتها، بل أن تكون سعيدة.
[تعلمان، لقد اصبحت شبحًا وأتجول في أرجاء المنزل كما يحلو لي، وأعيش بشكل أفضل مما توقعت!]
لذلك، كان من الأفضل أن تنقل لهما يومياتها بصوتٍ مبهج.
بالطبع، لم يكن باستطاعة والديها سماع صوت ابنتهما التي اصبحت شبحًا. لكنها كانت ترجو من كل قلبها أن تصل مشاعرها إليهما على الأقل.
وفي اليوم الثامن بعد وفاة شونيلا، استطاع ثنائي الماركيز أن يلتقطا أنفاسهما من الحزن.
فجأةً، اقترحت الماركيزة على زوجها أن يخرجا في نزهة قصيرة إلى الحديقة.
“عزيزي، وجهك أصبح في حالة يرثى لها.
وأنت الذي كنتَ لا تملك سوى وجهك الجميل… ما الذي جرى؟“
ضحك الماركيز بخفة على تعقيب زوجته،
وكان ذلك أول ابتسامة يرسمها منذ وفاة شونيلا.
كانت الماركيزة تسير بجانبه متشابكة الذراع معه حتى توقفت عند زاوية من الحديقة.
“انظر، عزيزي… الكوبية البيضاء قد أزهرت بجمالٍ رائع.”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة،
وعيناها تأملتا الزهور كأنها تستحضر ذكرى قديمة.
“أجل… الكوبية كانت الزهرة المفضلة لابنتنا.”
مدّ الماركيز يده نحو الكوبية، يلامس إحدى زهراتها ويتمتم.
ظلت الماركيزة تحدّق في ظهر زوجها بصمت،
والدموع تلمع كنجومٍ في عينيها.
حرّكت شفتيها عدّة مرات، ثم فتحت فمها بصوتٍ أثقل.
“عزيزي.”
“نعم؟“
“أتعلم… هل يمكننا أن نحقق أمنية أخيرة لابنتنا الجميلة قبل أن نودعها تمامًا؟“
مرّت لمحة استغراب في عيني الماركيز الزرقاوين وهو ينظر إلى زوجته. لكنه سرعان ما فهم ما تقصده، وارتسمت على وجهه نظرة ذهول.
“…هل تقصدين زواج الأرواح الذي اقترحه صاحب السمو الدوق الاكبر؟“
“نعم. ما زلت أذكر. لقد كانت دائمًا تزعجنا وهي تصرّ على أنها تريد أن تتزوج في حياتها.”
“…”
صمت الماركيز، وقد غرق نظره في الحنين إلى ابنته.
“تعلم، لقد كنا نحقق لها كل ما تتمناه في حياتها، أليس كذلك؟“
“بلى.”
“ومع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي لم نحققه لها يبقى هو الأكثر رسوخًا في قلوبنا كوالدين. هذا فقط.”
تذكّر الماركيز حديثًا عن زواج الأرواح كان قد نُسي لبعض الوقت.
قبل يومٍ واحد، تلقّت عائلة الدوق الاكبر من ليندنبرغ رسالة سحرية مختومة بختم الدوق الأكبر شخصيًا. كانت رسالة خطوبة رسمية.
بدأت الرسالة بتحية طويلة تُعبّر عن التعازي لأسرة الماركيز بسبب فقدانهم، ثم تبعت ذلك كلمات صريحة للخطوبة.
<قد يكون الأمر مفاجئًا.
لكنني كنتُ جادًا في طلبي بالزواج خلال جنازة الآنسة.
أفهم أن موافقتكما أمر في غاية الأهمية، ولا أنوي فرض إرادتي. لذلك، أرجو أن تفكرا بالأمر بجدية.
وسأكون بانتظار ردكما.>
بعد التشاور مع زوجته، قضى الماركيز يومين في التفكير.
وأخيرًا، اتخذ قراره بشأن زواج ابنته.
أرسل إلى إيسيل دعوة رسمية مع لفافة سحرية تتيح له الانتقال من سالامِنكا إلى العاصمة.
وفي اليوم الحادي عشر بعد وفاة شونيلا، زار إيسيل منزل الماركيز.
دهشت شونيلا من حضوره.
لم تكن تتوقع أن يحضر بهذه السرعة بعد إرسال الدعوة بيومٍ واحد فقط.
تم اصطحاب إيسيل إلى طاولة في الحديقة الخارجية لقصر الماركيز.
كانت شونيلا تراقب وجهي والدها وإيسيل وهما جالسان عند الطاولة، ثم جلست على طرف الطاولة.
[ما كنت لأجرؤ على فعل شيء بهذا القدر من قلة الذوق حين كنت انسة نبيلة… لكن أن تصبح شبحًا يعني أنكِ لم تعود تهتم بنظرات الآخرين.]
ضحكت بخفة حين رأت الشاي والحلوى التي وضعتها الخادمة تمرّ من خلال جسدها دون أن تمسّه.
وضعت يديها على ركبتيها وسندت ذقنها، تراقب إيسيل.
كان شعره حالكًا كسواد السماء ليلاً،
وعيناه الحمراوان تشبهان ورود الصيف المزهرة في الحديقة.
لكن ملامحه كانت خالية من التعبير تمامًا.
لم تستطع فهم السبب الذي جعله يقترح زواج الأرواح.
بعد تبادل تحيات قصيرة، ساد صمت طويل.
في البداية، اعتقدت شونيلا أن إيسيل أُجبر على الحضور إلى هذا اللقاء، فبدت على وجهه ملامح متصلبة.
لكنها سرعان ما أدركت أنها كانت مخطئة.
فقد شرب نصف كوب الشاي بسرعة، وكانت يداه تتشنجان على ركبتيه، وكتفاه مشدودتان، وتفاحة آدمه ترتجف باستمرار.
كان هذا الرجل الضخم كالمفترس متوتراً أمام والدها.
“إذن، هل كانت رحلتك مريحة؟“
كسر والدها الصمت أخيرًا.
“بفضل لفافة الانتقال التي أرسلتها، وصلت بسهولة.”
كان صوته محترمًا للغاية، وقد تحول إلى خطاب فائق الأدب موجه للماركيز.
[أظن أنه بما أن أبي كان يتحدث إليه كدوق اكبر سابقًا، والآن هو يتحدث إليه كخاطب رسمي، فقد تغيّرت اللغة تبعًا للمقام.]
شعرت شونيلا بأن إيسيل يملك شخصية مهذبة ومحترمة.
بدأ والدها الحديث بأحاديث خفيفة عن الزهور المزدهرة في الحديقة، وعن الطقس، وعن طعم الشاي.
[أبي، أظن أن مواضيع حديثك غير مناسبة.]
تذمرت شونيلا في سرّها.
لا يبدو أن شخصًا يصطاد الوحوش في الشمال يهتم بمثل هذه الأحاديث.
توقعت أن الحديث سينقطع بسرعة.
لكن المفاجأة كانت أن المحادثة استمرت بسلاسة.
فقد كان إيسيل يجيب بلطفٍ على كلام الماركيز،
ويحافظ على مجريات الحوار.
بدا والدها مرتاحًا له أكثر فأكثر.
ربما بدأ ينظر إليه كشابٍ مهذبٍ ونبيل.
“خلال الأيام العشرة الماضية، ناقشنا أنا وزوجتي موضوع زواج الأرواح الذي اقترحته، وفكرنا فيه بعمق.”
وأخيرًا، دخل الماركيز في صلب الموضوع.
توترت شونيلا، إذ لم تكن تعرف رأي والدها في هذا الزواج.
لم يبح الماركيز بأي رأي طوال اليومين الماضيين رغم انشغاله بالتفكير.
بما أن شونيلا كانت قد ماتت، فإن قرار زواج الأرواح يعود بالكامل إلى رئيس العائلة، الماركيز ليفيا.
“سأدخل في صلب الموضوع فورًا. أوافق.”
“حقًا؟“
ظهر في صوت إيسيل نبرة ارتياح خفيفة.
كان من الواضح أنه كان يرغب في هذا الزواج أيضًا،
تمامًا كشونيلا.
لكن سؤال ‘لماذا؟‘ ما زال معلقًا.
فلم يجمع بينهما سوى لقاءٍ منذ عشر سنوات.
[هل يمكن أنه… هو أيضًا وقع في حبي من النظرة الأولى يومها؟ وأنه رغم انشغاله بمطاردة الوحوش، لم يستطع نسياني؟]
“هل تعلم، يا صاحب السمو، لماذا وافقتُ على زواج الأرواح؟“
ضاقت عينا إيسيل قليلاً من الاستغراب.
“بسبب المظهر الخارجي. لقد قالت ابنتي ذات مرة إنها تحلم بالزواج من رجلٍ طويل القامة، ذو بنية جيدة، ووسامة فائقة.”
[آاااه!]
صرخت شونيلا من الإحراج الذي اجتاحها.
[لماذا تقول هذا أمام سموه، يا أبي!]
كانت قد باحت لوالدها ببعض الأمور التافهة،
مثل ما تقوله الفتيات لصديقاتهن، بسبب العلاقة الوطيدة بينهما.
والآن، ولأول مرة في حياتها،
شعرت بالندم على ذلك — لا بل بعد موتها فقط.
لقد فقدت كل كرامتها. كانت تخشى أن يظن إيسيل أن كلاً من والدها وهي مجرد أناس سخفاء.
لكن والدها، وكأنه لم يشعر بشيء، تابع كلامه بوجه هادئ.
“أنا وزوجتي وقعنا في حب بعضنا من النظرة الأولى في أول لقاء تعارف تم عبر العائلة.”
كانت شونيلا تعرف هذه القصة جيدًا.
كطفلة، كانت تستغرب كيف يقول والدها هذا بكل فخر.
“وعشنا معًا طوال حياتنا دون أي شجار كبير.
كنا ننسى الغضب فقط بالنظر إلى وجه بعضنا.”
قالها الماركيز بعينين تلمعان بقوة،
حتى خُيّل للسامع أن فيهما مسحة من الجنون.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"