استمتعوا
“لم جئت إلى هنا؟“
سأل آيسيل بنبرة باردة، محدقًا في السير إيفان كأنما لم يرحب بهذا الزائر المفاجئ، وكأن وجوده أشبه بزائر غير مرغوب فيه.
“سموك! كيف تقول لم جئت؟! هل تعلم كم من القلق عمّ بين الفرسان الآن؟!”
تخيل فقط! أنت الذي يأتي أول الناس إلى تدريبات الصباح تأخرت اليوم! أهذا أمرٌ عادي؟ الجميع في فوضى من القلق عليك سموّك!
صرخ السير إيفان وهو يتخبط انفعالًا، بينما سدّ إيسيل أذنيه وكأن الضجيج أزعجه.
“سآتي حالًا، فانتظر.”
لوّح بيده كأنما يطرد إيفان بلا مبالاة.
“هاه!”
“ألم أطلب منك اليوم أن تتولى أمر ساحة التدريب؟ هل أنهيت المهمة فعلًا؟“
قالها آيسيل بوجه جادٍ فجأة، فشحبت ملامح السير إيفان في الحال.
“بما أن نائبي المزعج قد جاء، سأذهب الآن إلى عملي، زوجتي.”
همس آيسيل وهو ينظر بخفة نحو شونيلا.
“هع!”
حدّق إيفان فيه بدهشة لا تُوصف، وكأنّه يؤكد لنفسه.
‘لا ريب، لقد جنّ فعلًا.’
قرأت شونيلا بوضوح تلك الفكرة في عينيه الخاليتين.
لكن ما إن رمقه آيسيل بنظرة حادة، حتى خفض رأسه متظاهرًا بالانشغال.
وقبل أن يخطو آيسيل خارجًا، توقف لحظة.
“آه، لا بأس بأن ترافقيني.”
[نعم! أعدك ألا أكون مصدر إزعاج.]
أسرعت شونيلا إليه محلّقة بخفة، وعينا إيفان تتسعان أكثر.
“إن كان لك اعتراض، فقلها بلسانك.”
قال آيسيل بجفاف، وأغلق بذلك أي نقاش محتمل.
***
كانت ساحة التدريب تقع شرق قصر دوق ليندنبرغ، وقد أحاط بها سور مرتفع يبلغ أمتارًا عدّة. وكانت الساحة فسيحة إلى حدّ أنك لا تكاد تبصر طرفيها معًا من شدة اتساعها.
شونيلا تابعت بصمتٍ تدريب فرسان فرقة سالامِنكا الذي امتد لساعات.
في طرفٍ من الساحة، كان الفرسان المتدربون يهاجمون دمى خشبية مخصصة للتدريب، وعلى الجانب الآخر، مبنى خشبي يبدو أنه ساحة مبارزة داخلية، تنبعث منها بين الفينة والأخرى صيحات قتالية.
[يبدو أنهم يجتهدون منذ الفجر.]
لا عجب أن يُقارَنوا بفرقة فرسان القصر الإمبراطوري؛ لا بد أن مهاراتهم بُنيت بجهدٍ هائل.
أما آيسيل، فبعد أن قام بتمارين الإحماء، بدأ بالجري حول ساحة التدريب.
[هل يجب أن أركض أنا أيضًا؟]
حلّقت شونيلا بجانبه وسألت، وهي ترفرف بلطف في الهواء.
“لن يضرّك الجري، فاللياقة دائمًا مفيدة.”
وكان نَفَسه لا يدل على أدنى تعب، رغم سرعته.
[لكنني شبح بالفعل!]
“ولا ضرر من التدرّب على الطيران أيضًا.”
ما هذا؟ لا يعطيها أي فرصة للرد. نفخت شفتيها بيأسٍ، وبدأت بالجري الطائر بجانبه.
ثم بدأ آيسيل يتبارز مع الفرسان.
كانت شونيلا تراقبه وهو يلوّح بسيفه، وتهمس لنفسها. حقًّا، لم يُلقّب بسيد المبارزين في الإمبراطورية عبثًا.
معظم الفرسان سقطوا خلال بضع جولات، وأقرّوا بهزيمتهم.
وحدها السير روسالكا استطاعت أن تصمد لأكثر من عشرين جولة.
“سموك، حركاتك اليوم أبطأ من المعتاد، أليس كذلك؟“
قالت وهي تلهث بشدة، لكن نظرتها كانت نارية، تنطق برغبةٍ في النصر.
وحين همّ آيسيل بالرد…
صفّير!
توجّه نظره إلى أحد أطراف الساحة، حيث كانت شونيلا تلوّح له.
[آيسيل! أرنا سيف ‘قاتل الوحوش‘!]
أحمرّ وجهه خجلًا من لقبها الطفولي، لمَ تصرّ على هذا اللقب تحديدًا؟
توعد داخليًا بالعثور على أول من أطلق ذلك اللقب.
قبض على مقبض سيفه بإحكام، وقد بدا عليه التركيز.
لم تكن شونيلا تفهم شيئًا في المبارزة، لكنها كانت مفتونة بكيفية حمله السيف وتأرجحه بثقلٍ وهيبة.
ربما بدعمها هذا، لمع بريق غريب في عينيه الحمراوين.
انطلق بسيفه نحو يسار السير روسالكا، في مسارٍ مباغت.
“آه!”
صرخت وسقطت أرضًا.
“الجانب الأيسر… كان مكشوفًا. حاولي أن تنتبهي أكثر.”
“آه، حقا يالك من وحش!”
صرخت وهي تنفض التراب عن نفسها.
اقتربت شونيلا من خلفه وهمست.
[رائع حقًا. لم ألحظ أي ثغرة في دفاعها، لكنك رأيت نقطة ضعفها فورًا!]
“رأيتها وحسب.”
رد بجفاء، كأنما يحدّثها عن وجبة إفطار.
[هممم، بدا كلامك للتو… مزعجًا قليلًا.]
“لكنها الحقيقة.”
نبرة احتجاج خفيفة بدت في صوته.
همّت شونيلا بالرد، لكنها توقفت فجأة. أحست بنظراتٍ غريبة.
كان الفرسان يحدّقون في آيسيل بدهشة، كما لو أنه يتحدث إلى العدم.
‘ها هو يعود لهذيانه من جديد.’
قرأت أفكارهم في وجوههم. يرون آيسيل مجنونًا، يحدث الهواء، يهمس لأشباح.
لم يكونوا يعرفون بوجودها.
شعرت بثقلٍ في قلبها. اختلط خجلها بشعورٍ بالذنب تجاهه.
أما هو، فلم يبدو عليه الانزعاج قط.
ربما من الأفضل أن تبتعد قليلًا، لتمنحه تركيزه.
[سأذهب الآن.]
قالتها وهي تبتعد عنه قليلًا.
“إلى أين؟“
[لا شيء، فقط شعرت بالملل. سأتجول في الساحة قليلًا.]
“حسنًا، لا تبتعدي كثيرًا.”
لكنها، رغم ما قالت، بقيت تراقبه من بعيد.
كان يقدّم عروضًا قتالية، ويعطي الفرسان نصائح في المبارزة.
آيسيل، فارس القارة الأعظم، والدوق الأكبر العائد إلى ليندنبرغ، كان يشعّ مجدًا وقوة.
بين الأحياء، بدا حيًّا بحق، ونابضًا بالحياة.
والفرسان؟ اصبحوا ينظرون إليه بإعجاب. لم يعد هناك أي استغراب في نظراتهم.
حتى هذا الصباح، ظنّت شونيلا أنها اقتربت من قلبه. لكنّها الآن تشعر ببعدٍ شاسع بينهما… كبعد الحياة عن الموت.
سارت على غير هدى، بلا وجهة. حتى وجدت نفسها في زاوية معزولة من ساحة التدريب.
[آه…]
تنهدت، وعيناها على الجدار العالي، حين سمعت صوتًا غريبًا.
“ههك، ههك―”
[هم؟ ما هذا؟]
“ههك، ههك، ههك―”
أنفاس خشنة، كأنها لأنفاس مخلوق يلهث. هل هو منحرف؟ ارتجف قلبها قليلاً.
التفتت نحو مصدر الصوت بخوف.
تحت الجدار، رأت شيئًا مستديرًا رماديًّا يميل إلى الزرقة، مغطى بشعرٍ كثيف.
قرّبت عينيها، فأدركت ما هو.
[آه! أعرف هذا! إنه الممسحة التي تستعملها الخادمات!]
لكن، ما الذي تفعله هنا؟ وما ذلك الصوت؟
“ههك―”
تحركت ‘الممسحة‘ وأصدرت نفس الصوت الغريب مجددًا.
[هممم؟]
ضيّقت عينيها بحدة.
رأت شيئًا صغيرًا يتحرك بنعومة عند طرفها.
كان… ذيلًا بحجم راحة اليد، ومعه أربع قوائم صغيرة.
حينها أدركت الحقيقة.
[… ما هذا؟ هل هو كائن حي؟]
ربما شعر بصوتها، أو شعر بنظراتها.
استدار الكائن الصغير نحوها.
“غْوَل!”
نبَح عليها! لكن ‘غْوَل‘؟ ما هذا النباح الغريب؟
بدافع الفضول، جلست القرفصاء تتأمله عن كثب.
شاهدت فمًا صغيرًا مفتوحًا، فيه لسان ورديّ وأسنان صغيرة.
[جرو؟]
نعم، الذيل والأقدام الأربع تؤكدان أنه كلب.
كما أنّه يهز ذيله، ما يدل على أنه سعيد، لا عدواني.
“غْوَل!”
نبح مجددًا، نحوها مباشرة.
[غريب… ما هذا الجرو؟ كيف يَنبح هكذا؟ لهذا لم أميّزه.]
اقتربت منه أكثر.
[هل تراني حقًا؟]
“غْوَل!”
ردّ عليها ثانيةً!
[حقًا؟ يمكنك أن تراني؟ هذا عجيب! ما أغربك من جرو.]
ضحكت بذهول، ومدّت يدها نحوه.
حين انحنى الكلب برأسه نحو يدها، اقترب صوت مألوف منها.
“زوجتي، أترين؟ قد وجدتِ صديقًا جديدًا بالفعل؟“
–يتبع
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 14"