استمتعوا
ما إن مرّ وقت قصير، حتى انزلق آيسيل إلى سبات هادئ، يتردد فيه نَفَسُه المنتظم.
[أه، هل غفوت بهذه السرعة؟]
لكن لم تأتها أي إجابة.
فأخرجت شونيلا شفتها بأسفٍ خفيف.
كانت تتمنى لو أمضت وقتًا أطول في الحديث مع آيسيل.
كم كانت غامرة تلك الفرحة حين شعر أحدهم بوجودها، بل كان هو من اعترف بإنسانيتها وطلب يدها، ولهذا كان قلبها يفيض امتنانًا وعاطفة.
لكنها لم ترد إيقاظ آيسيل من نومه، فآثرت الصمت، واكتفت بالاستلقاء قبالته تتأمل ملامحه.
ربما بسبب نظراته الحادة عادةً، بدا في النهار ذا هيبةٍ باردة، لكنه وهو مغمض العينين بدا بوجه وديع تمامًا.
كان وجهه أقرب إلى وجه جرو نائم، فضحكت شونيلا في صمت.
وهكذا سهرت شونيلا الليل بطوله، دون أن تمسّها مشقة، فالخلود دون نوم كان إحدى مزايا كونها شبحًا.
أما آيسيل، فقد ظل طوال نومه قابضًا على يدها، لا يفلتها. وكان دفء نبضه يتردد من خلال ملامسة الجلد حتى بزوغ الفجر.
***
استفاق آيسيل مع أولى خيوط الفجر الزرقاء، عند السادسة صباحًا.
“هممم…”
تململ بصوت ناعس، ما جعل شونيلا تبتسم بخفة.
فرك عينيه بأطراف أنامله الطويلة مرتين، ثم جلس فجأة على السرير.
[هل نمت جيدًا؟]
قالت شونيلا وهي تسند ذقنها بيدها فوق السرير، تلقِي عليه تحية صباحية نابضة بالحيوية.
فاستدار رأس آيسيل نحوها مباشرة.
ثم أخذ ينظر إليها بذهول، وكأن الزمن توقف عنده، ولم يتحرك فيه سوى رمشات عينيه الكبيرة.
وبعد لحظة طويلة، بدأ صدره يعلو ويهبط ببطء، وعاد التركيز شيئًا فشيئًا إلى عينيه الحمراوين، اللتين التقتا بعيني شونيلا مباشرة.
“أعتقد أنني… أراك فعلًا.”
تزلزل كيان شونيلا عند سماع كلماته. مستحيل!
[هل تراني حقًا؟! جادٌ أنت؟!]
“ولِمَ أكذب عليكِ؟“
لم يكن أقل ذهولًا منها.
شعرٌ مائيّ اللون يتدلى حتى الخصر، وعينان كعيني غزال بنفس اللون، وملامح دقيقة متناسقة.
الوجه الذي لم يكن يراه إلا في صورة معلقة، كان أمامه الآن. فغمض عينيه وفتحهما مرارًا، عاجزًا عن التصديق.
لكنها كانت هناك.
[إن كنت تمزح، فسأغضب منك جدًا، صدقًا!]
صرخت شونيلا بعينين مشدودتين كالزوايا، وصوتٍ يكاد يتوسل التصديق.
“الأمر هو… ماذا عساي أفعل إن كنت أراه حقًّا.”
لقد ماتت.
لكنها لم تمت كليًا. أصبحت شبحًا. كانت تراقب جسدها المحترق.
كان شعورًا كأنها حُبست في ظلمةٍ أبدية. حتى إنها لامت الحاكم لفترة. تساءلت إن كانت عقوبة لأنها طلبت من والديها حرق جثتها.
لو لم يسمع آيسيل صوتها، لشعرت أنها سقطت من العالم وحيدة.
وكانت ممتنّة حتى لذلك. ظنت أن هذا هو أقصى ما يمكن أن تطلبه.
فأخفضت رأسها، يغمرها شعور غامر.
[و… ما رأيك بي؟ هل أبدو هزيلة وغير جذابة؟]
قالتها وهي تقاوم دموعها. ورفعت ذراعها النحيلة لتلوّح بها أمام عينيه.
فأسند آيسيل ذقنه بإصبعيه، وبدأ يتفحصها من أعلى إلى أسفل.
“ذراعك شاحبة.”
[بل هي أقرب للشفافية.]
“ممم، لم ألحظ ذلك، ربما لأن بشرتك ناصعة البياض.”
[سأعدها مجاملة، إذًا.]
قالت شونيلا وهي تبتسم ابتسامة عريضة.
كانت سعيدة. جسدها النحيل نتيجة المرض والموت، لكنها لم تخجل منه. كان شعورها أن من ينظر إليها، يمنحها إذنًا بالبقاء لحظة أطول في هذا العالم.
فجأة، وقعت عينها على يد آيسيل الكبيرة ذات الملامح الدقيقة.
[هل تود ان تمسك بيدي؟]
“لِمَ لا؟“
رغم غرابة الطلب، مدّ آيسيل يده اليسرى إليها دون تردد. فأمسكت بها على الفور.
الإمساك للمرة الأولى كان الأصعب، أما الثانية فكانت سهلة.
وكانت حرارة يده تفوق الدفء. كفٌ خشن قليلًا. الإحساس بتلامس الأيدي كان واقعيًا جدًا.
تمسكت شونيلا بيده بقوة، كأنها تتدفأ بحرارته.
كان آيسيل يتأملها وهي تعبث بيده بلطف.
“أشعر كأنني أضع يدي في نسيمٍ بارد.”
لكنه لم يمنعها. بل ظلت مستغرقة في ملامسة بشرته.
[هل يمكنني إمساك يدك دائمًا؟]
“بالطبع. نحن زوجان، أليس هذا من أبسط الحقوق؟“
[هيهي.]
وأثناء نظره إلى شونييلا التي ابتسمت بتلك الشفافية، غرق إيسيل في تأمل عابر.
لم يرَ شبحًا من قبل. كان هناك وحوش تدعى الطيف تشبه الأشباح، لكنها لم تكن غير مرئية، ولم تكن منيعة تمامًا ضد الهجمات.
فما الذي تكونه شونيلا؟ باردة، لكنها نابضة بالحياة. هل يمكن، ربما، أن تعود إلى الحياة؟
كاد ينطق، لكنه ابتلع تساؤله. فقط راح يبتسم وهو يرى زوجته تعبث بيده بإعجابٍ متكرر.
وواصلت شونيلا ملامسة آيسيل لفترة طويلة. يده، ساقه، خصره، بل حتى بطنه المشدود. بدافع فضول صغير، لمست كل موضعٍ استطاعت بلوغه، وكأنها على وشك الرحيل النهائي.
[أظنني الآن فهمت لما قالت الكاهنة إن على المرأة أن تنظر إلى صدر الرجل أولًا.]
تمتمت شونيلا بجديّة وهي تنظر إليه.
“هل كانت تلك الكاهنة من جماعة مشبوهة؟“
رد آيسيل، مائلًا برأسه في حيرة. يتذكر تمامًا أن الكاهنة في زفافهما كانت جادة وموقّرة.
كان الموقف محرجًا. بحق. فأطرق برأسه يخفي الحرارة التي بدأت تتصاعد في وجهه.
“لو استمر الأمر، سيتأكل صدري.”
[هل سيتأكل فعلا؟]
“بالطبع.”
[تش.]
سعل آيسيل وأدار ظهره لها.
[همم؟ إلى أين تذهب؟ هل يمكنني مرافقتك؟]
لكنها كانت قد بدأت تطير بخفة، تلاحقه في الهواء، تسأله بفضول.
“لا داعي لأن تسألي عن ذلك.”
فهو متأكد أنها ستتبعه سواءً أذِن أو لا.
[قلت لك البارحة، كنت ألاحقك دائمًا. باستثناء وقت الاستحمام، طبعًا!]
“إذًا سأضطر لوضع منشفة حتى في الحمّام من الآن فصاعدًا.”
أم أنّه لا يهم؟ فنحن متزوجان.
حين تمتم آيسيل بذلك، اتسعت عينا شونيلا فجأة. وبدا وجهها الشاحب كأنه احمرّ قليلًا.
ثم توجّه آيسيل إلى المرآة ليبدّل ملابسه استعدادًا لتدريب الصباح.
وشعر بأن نظرات شفّافة بلون الماء تلاحقه من الخلف. تجاهلها قدر ما استطاع.
[بالمناسبة، ماذا كنت تأكل لتصبح بهذه القوة؟]
سألته شونيلا وهي تمرر نظراتها على عضلات ذراعه المنحوتة.
“هم؟ من أين جاء هذا السؤال؟“
[أليس لقبك ‘قاتل الوحوش‘؟]
آه، ذلك اللقب. صحيح أنه قتل الكثير منها، لكن اللقب كان مبالغًا فيه.
“لا أعلم. لا أفهم لماذا لا يكون رجالي بنفس قوتي.”
[واو، قائد فرسان أناني حقًا.]
ضحكت شونيلا بصوت عذب، توبّخه مداعبة.
“لكنّكِ زوجتي، عليكِ أن تقفي في صفي.”
قالها آيسيل بنبرة متذمرة بعض الشيء.
عندها، لمعت عينا شونيلا فجأة، كأنهما نجمٌ في الليل، وقد بدا فيها شيء من الإثارة.
[…هل… هل يمكنني أن أكون زوجتك فعلًا؟]
“هل تسألين ذلك بعد أن قدّمتِ طلب زواج بنفسك؟“
[لكنني….]
ثم توقفت عن الكلام، وطبقت شفتيها كما لو كانتا صَدَفة.
فهي شبح.
ورغم صمتها، استطاع أن يستشف ما لم يُقال.
كان آيسيل يُدخِل ذراعيه في صدرية معطفه، لكنه توقف وأدار وجهه نحوها.
“سأقولها الآن. هذا الزواج… سيكون الأخير في حياتي.”
نبرة ممزوجة بزفرة، لكنها صادقة في أعماقها.
[لكن…]
“لا أعرف ما الذي يدور في بالك، لكن هذا لن يتغير. وأنتِ أيضًا، لا تخونيّني مع شبحٍ آخر. وإن أحببتِ شبحًا غيري، فتأكدي من الطلاق رسميًا قبل الزواج مجددًا.”
وكانت زاوية فمه ترتفع بخفة حين قال ذلك. أدركت شونيلا متأخرة أنه كان يمزح.
يالَه من رجل غريب… من يمزح بمثل هذه الملامح الجادة؟
لكنها شعرت بنيته أن يطمئنها. فاختنق صوتها امتنانًا.
[أوه، ومن أين سأجد شبحًا آخر غيري؟]
ورمقته بنظرة جانبية رقيقة. فابتسم أخيرًا، وتبعته شونيلا بابتسامة مماثلة.
شعرت بشيء من الألم الخفيف في قلبها من شدة الامتنان. لم تكن تتوقع أن تُحفَظ تلك الوعود للأبد.
لكن لا بأس بأن تسعد بهذه اللحظة، فقط للحين.
واستمرت أحاديثهما، حتى دخل السير إيفان الغرفة بوجهٍ شاحب كالثلج.
-يتبع
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 13"