استمتعوا
[سأطير حتى نهاية ذاك الرواق.]
أن تتمكن من التحليق بحرّية في الهواء، كانت من إحدى المباهج القليلة التي وجدتها شونيلا في حياة الأشباح.
وقفت أولًا على أطراف أصابعها، ودفعت بجسدها لأعلى بكل ما أوتيت من خفة، ثم قفزت في الهواء. سرعان ما ارتفع جسدها بنحو ثلاثين سنتيمترًا عن الأرض.
مدّت قدميها في الهواء، وتقدّمت نحو الأمام.
تغيّر المشهد داخل الرواق بسرعة مذهلة، وكأنها اصبحت طائرًا يحلق في السماء بحرية مطلقة.
بنشوةٍ متأججة، اندفعت شونيلا نحو نهاية الرواق المغلقة.
وحينما وصلت إلى الحائط الذي يسد نهاية الرواق…
‘هممم؟‘
شعرت بشدّ خفيف في البنصر الأيسر، حيث كانت الخيط الأحمر يلتف، وكأن هناك من يسحبها إلى الوراء بقوة.
حين نظرت إلى يدها اليسرى بدهشة، رأت أن الخيط الأحمر قد توتر إلى أقصى حدّه. يبدو أن شغفها بالطيران أنساها طول هذا الخيط.
وما إن حاولت التراجع بخفة، رافعة يدها المرتبكة، حتى بدأ الشدّ من يدها، ثم ذراعها، ثم امتد ليشمل جسدها بأكمله. الهواء أحاط بها كجناحٍ هائل، يجذبها بقوة نحو نقطة البداية.
‘ما هذا؟! أهو خيط مطاطي؟!’
الموكيت الأحمر العتيق، والسقف ذو النقوش المتقاطعة، والدرج المصنوع من خشب البلوط، واللوحات الزيتية من مناظر طبيعية وأخرى ساكنة…
كلها مرت مجددًا أمام عينيها، لكن بسرعة جنونية هذه المرة، وكأن الزمن انقلب للخلف.
كانت مناظر الرواق تتبدل بسرعة لا يكاد العقل يواكبها، فتسارعت نبضات قلبها وشعرت بالغثيان.
[آآآه!]
قوةٌ مجهولة كانت تشد جسدها من الخلف. حاولت مدّ ذراعيها لمقاومتها، لكنها فشلت. أغمضت عينيها بقوة، مستسلمة لذلك السحب العنيف.
‘أخشى… ماذا لو ارتطمت بجدار؟! ماذا لو قُذفت خارج القصر؟!’
وأثناء تلك الأفكار المخيفة التي غزت رأس شونيلا بلا رحمة…
توووف―
لامس خدها إحساسٌ صلب ناعم في آنٍ معًا.
‘مهلًا… أشعر؟!’
هذا غريب. فهي منذ أن أصبحت شبحًا، لم يتبقَّ لها سوى حاستي البصر والسمع. أما الشم، والتذوق، واللمس، فقد اختفت تمامًا.
فتحت عينيها ببطء، لترى أمامها وجه إيسيل المتجمد بصدمة، وقد كان يحتضنها بكلتا ذراعيه بقوة.
تجمّدت شونيلا.
كانت شبحًا، قادرة على اختراق الجدران. فكيف أمكن لإيسيل أن يمسك بها؟
لم يخطر لها قط أن تحاول اختراق جسد شخص حي، إذ كان الأمر بحد ذاته مزعجًا لها.
“هل ما أحتضنه الآن… هو حقًا أنتي؟“
جاءها سؤال إيسيل البطيء فأعادها إلى الواقع.
[… نعم.]
“عجبًا… كل ما فعلته هو الاقتراب لأنني سمعت صرختك تأتي من ذاك الاتجاه.”
بهمهمته تلك، استطاعت شونيلا أن تستنتج ما جرى.
‘أجل، لقد صرخت حين سحبني الخيط فجأة.’
وهكذا اصبح من المنطقي أن يلتفت إيسيل نحوها مباشرة. فقد كان دائمًا يصيب اتجاه صوتها بدقة، بفضل حاسة سمعه الحادة كفارس.
“ما الذي حدث بالضبط؟“
[حسنًا…]
بدأت تشرح له بتردّد كيف حلّقت حتى نهاية الرواق، لكن الخيط المشدود سحبها بقوة حين تجاوزت حده.
وأضافت أن الخيط يتمدد إلى ما يقارب الثلاثمئة متر، ثم يبدأ في جذبها بعنف للعودة.
“ثلاثمئة متر فقط؟ أقصر مما توقعت.”
قال إيسيل وهو يقطب جبينه.
“من الأفضل ألا تبتعدي عني كثيرًا بعد الآن.”
كلماته تلك جعلت صدرها يمتلئ بمشاعر دافئة.
كان ذلك منطقيًا بالنسبة إليه، فهو شخص حنون، وسيضع سلامتها أولًا.
ورغم ذلك، شعرت بسعادة خفية، كأن كلماته منحتها حق البقاء بجانبه.
[حسنًا! بالمناسبة، لدي شيء أود قوله.]
رمقها إيسيل بنظرةٍ مباشرة، فابتلعت ريقها تهدئةً لتوترها.
[أشكرك… لأنك أمسكت بي.]
لو لم يفعل، لربما اندفعت خارج القصر.
[لكن، هل شعرت بجسدي؟]
سألت بتلقائية، فقد كان يحتضنها من جهة كتفها.
غير أن ردة فعله كانت غريبة. ظهرت حمرة خفيفة على خده، وأخفض نظره قليلًا.
“آه…”
تنهد بهدوء، وحرّر ذراعيه من حولها ببطء. شعرت شونيلا بخيبة حين اختفى ذلك الإحساس.
“أجل، لقد شعرت به. كان جسدك باردًا… لكنه كان واضح المعالم.”
ارتجفت شفتاه قليلاً وهو يقولها، وكأن هناك ما لم يستطع الإفصاح عنه، ثم ابتلع بقية كلامه بتنهيدة صغيرة.
نظرت إليه شونيلا بعيون نصف مغمضة، بين فضولٍ وعتب.
“بل… عندما احتضنتك، رأيتك للحظة. ظهرك الضيق، الباهت…”
[حقًا؟!]
“أجل. ظننتني أتوهم، لكن الرؤية كانت واضحة.”
[إذاً، ربما يظهر جسدي عند التلامس.]
“فكرة منطقية…”
هز رأسه تأييدًا، ثم توقف عن الكلام مجددًا.
لم يخرج منه حتى نفس. تحرّكت تفاحة آدم في حلقه مراتٍ عدّة، وكأنه توتر فجأة.
“لذا، كنت أتساءل… إن لم يكن لديكِ مانع، هل يمكنني الإمساك بيدك والنوم معًا؟“
[……؟!]
شهقت شونيلا داخليًا، وقضمت شفتها السفلى من المفاجأة.
“فقط لأتأكد… هل نظريتك صحيحة بشأن التلامس؟“
أضاف بسرعة، وكأنّه يبرر.
ثم، امتدت يده اليمنى نحوها، كزهرة تتفتح بهدوء.
ترددت شونيلا لحظة، ثم رفعت عينيها إلى وجهه.
عيناه الحمراوان كانت تشبهان شمسًا تشرق على أفق الفجر… فيها لمسة حزنٍ عميق.
كان الطلب مفعمًا بلطفٍ صادق يصعب رفضه.
تنفست شونيلا بصوتٍ خافت لتخفف توترها.
[حسنًا. أنا أيضًا أرغب في معرفة إن كانت نظريتي صحيحة.]
تحدثت بنبرة رسمية ومحددة، محاولة أن تبقي مشاعرها طي الكتمان.
ثم، وبكل شجاعة، مدت يدها وأمسكت بكفّه.
كانت يده خشنة بعض الشيء، لكن دافئة.
نظرت إليه لترى صدره يعلو وينخفض بنَفَسٍ غير منتظم، وأطراف أصابعه ترتجف قليلاً في كفّها.
ثم، بدافعٍ عاطفي، أحاطت أصابعه الرفيعة يدها تمامًا.
ولم يفعل شيئًا آخر.
وقف جامدًا، كتفاه متشنّجان، وكأن صاعقة ضربته.
[بمَ تفكر بتلك الجدية؟]
سألته مازحة، فانتبه أخيرًا، كأنه استيقظ من غفوة.
“كنت… أفكر أن يدك ناعمةٌ جدًا.”
جاء صوته مبحوحًا، وفي عينيه تماوج غريب.
كأن روحه تقف على حافة الانكسار.
لم تفهم شونيلا سر الحزن الذي ومض في عينيه.
لكنّه سرعان ما استعاد هدوءه، وعاد إلى ملامحه الهادئة المعتادة.
ثم، بلطف شديد، سحب يدها معه.
“الليل أظلم، أظن أنه وقت النوم.”
كان صوته خافتًا، مغلفًا بنعومةٍ عذبة، يُربك الروح رغم بساطة كلماته.
[فلنذهب.]
عندما وافقته، أومأ برأسه.
تمدد الاثنان معًا على السرير، يداهما ما زالتا متشابكتين.
رفع إيسيل جزعه، ونفخ في شعلة المصباح، فأطفأها.
ازداد الظلام عمقًا.
“تصبحين على خير.”
همس إيسيل، مسندًا جسده إلى الوسادة.
[… وأنتَ أيضًا.]
نظرت إلى ابتسامته الخافتة، ثم أجابت متأخرة بنصف دقة قلب.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"