استمتعوا
وما إن انطلقت همسات حديث بين فارسَين إلى جوارها حتى التقطت أذنا شونيلا تلك الكلمات التي انسلت إلى سمعها.
“لكن، هل ما قلته صحيح؟ هل تزوج سمو الدوق فعلًا من امرأة ميتة؟“
سأل فارس ذو شعرٍ بنيّ محمرّ، وقد غمر الشراب وجهه بسُكرٍ ظاهر.
“أجل. ألم يخبرنا بذلك نائبة قائد الفرسان، لوسالكا؟ قالت إنها تلقّت أمرًا من سموه، وأخبرتنا قائلة ‘يُقال إنّ سمو الدوق سيعقد زواج أرواح… مع آنسة من عائلة الماركيز ليفيا‘ .”
أجاب الفارس ذو الشعر الرمادي الداكن، وهو يفرغ كأس نبيذه دفعة واحدة.
“أوه… هل قال ذلك فعلًا؟ لا أذكر جيدًا، كنت أغفو وقتها.”
ردّ الفارس ذو الشعر البني وهو يحكّ مؤخرة رأسه بخجل.
“أوه، دانيل، إن وقعت عينا سموه عليك وأنت نائم في الاجتماع، فاعلم أنّ رأسك سيكون الثمن.”
هزّ الفارس الرمادي الرأس بأسف وتهكم.
“يا إيفان، لقد نمت فقط لأن سموه لم يكن موجودًا! لو كان جالسًا أمامي بعينيه الجاحظتين، لما استطعت أن أغمض جفني!”
“هذا صحيح.”
ضحك الاثنان معًا ضحكة خفيفة وهم يتبادلون النظرات.
“لكن، الزواج من ميتة؟ هذا أمرٌ غريبٌ لا ريب.”
تأمل دانيل، وهو يمرر أصابعه على خط فكه.
راحت شونيلا، التي كانت تصغي لهما، تفكر في نفسها.
‘كما توقعت. لا يمكن ألا يثير زواج الأرواح هذا استغراب أحد.’
“لكن، إن فكّرت في الأمر، فالأمر ليس خارجًا عن المنطق تمامًا. ألم يكن هذا الرجل دائمًا غريب الأطوار بعض الشيء؟“
“بلى. يخرج وحده ويعود وقد قطع رؤوس عشرات الوحوش الدنيا. ويشعر بوجود الوحوش من مسافة مئات الأمتار. حتى إنه اصطاد دبًّا بمفرده عندما كان في العاشرة من عمره.”
“بالضبط! أفعاله الغريبة لا تُعد ولا تُحصى!”
“وهكذا، يبدو أن هذا الزواج ما هو إلا تصرّف آخر من تصرفاته العجيبة المعتادة.”
عندما استمعت شونيلا لكل ما قاله الفارسان، بدأت تستوعب الموقف شيئًا فشيئًا.
يبدو أن إيسيل كان يتصرف على نحوٍ غريب أمام الفرسان حتى في الأيام العادية.
ولذلك، فهم لا يرون في زواج الأرواح سوى أمر جديد من غرائبه، ويتركونه يمرّ دون اعتراض.
‘لهذا، من المهم أن تكون لصورة الإنسان انطباعات راسخة مسبقًا.’
ومع ذلك، فإن شخصيته الغريبة جعلتها تطمئن إلى أن إيسيل لن يُنتقد بسببها من قِبَل فرسانه.
لكن في تلك اللحظة بالذات…
هُوَووووم!
اندفع شيءٌ فضّي اللون بين إيفان ودانيل بسرعة خاطفة.
كواااك!
غُرِس ذلك الشيء في الطاولة الرخامية التي تفصل بين الفارسين بدقة مدهشة. لقد كان سكينًا.
“آاااااااه!”
صرخ الفارسان، وهما يلتفتان فورًا إلى مصدر السكين.
وهناك، وقف إيسيل، رافعًا يده اليسرى، يحدّق فيهما بوجه بدا وكأنه انبثق لتوّه من جحيمٍ سحيق. هذا ما فكرت فيه شونييلا.
‘هـ، هل سمو الدوق هو من رمى السكين؟ وهل هو من الميثريل؟‘
لكن السكين بدا عاديًّا تمامًا، لا يختلف عن أي سكين آخر.
وإن كان كذلك، فلا بدّ أن من رماه يملك مهارة خارقة.
كيف يمكن أن يُغرس سكين عاديّ في طاولة رخامية كما لو كانت من الهلام؟
شونيلا لم تستطع فهم ذلك مطلقًا.
“السير إيفان، السير دانيل.”
تحدث إيسيل بنبرة هادئة وهو يتلقى سكينًا جديدًا من الخادمة الواقفة قرب الجدار.
“نـ، نعم؟!”
“لسانكما طال أكثر مما يجب في مجلس الطعام.”
شحب وجها الفارسين بعد هذا التوبيخ الحاد.
“انتبهوا لأقوالكم بعد الآن. كما قلتما، لم أعد وحدي الآن.”
ثم ألقى إيسيل نظرة خاطفة نحو كرسي شونيلا، وتمتم بصوت خافت.
تجمّد الفارسان في مكانيهما، وتحرّكت شفاههما بالكاد، لكن أعينهما كانت تصرخ بوضوح.
‘أيها المجنون… لقد تزوجت من ميتة! من غير المعقول أن تسمعك ميتة ونحن نتحدث!’
لكن تلك الميتة كانت… تسمعهم فعلًا.
“أعتذر، يبدو أنهما أصبحا ثرثارَين بعض الشيء.”
قال إيسيل وهو يتنهد بخفة، موجّهًا حديثه إلى شونيلا.
[……لا، لا بأس.]
أجابت شونيلا، وهي تغالب مشاعر مختلطة.
لقد أسعدها أنه اهتم بمشاعرها، وقلق من أن تكون قد تأذّت بكلام الفرسان. لكنها شعرت بالذنب نحوه أيضًا.
لو أنها لم تكن ميتة، بل امرأةً حيّة، لما بدا إيسيل كالمجنون الذي يحدّث نفسه أمام جنوده.
بل، هل كان الفرسان سيجرؤون أصلًا على المزاح بهذا الشكل أمام دوقة حية تنظر إليهم مباشرة؟
لم يخطر ببالهم قط أنّ ما يفعلونه خاطئ، حتى تدخّل إيسيل.
‘لماذا لم أكن بصحة جيدة؟ لماذا متُّ قبل أن أتمكّن من الوقوف بجانبك بفخر؟‘
شعرت شونيلا بأنها صغيرة، صغيرة جدًا.
“على أيّ حال، كعقوبة على ثرثرتكما السخيفة، ستجريان عشر دورات حول ساحة التدريب غدًا.”
قال إيسيل بهدوء وهو يوجّه أمره للفارسين، بينما كانت شونيلا لا تزال غارقة في أفكارها.
“هآاااااه!”
“نعتذر يا سمو الدوق!”
“لكننا شربنا كثيرًا! كيف سنركض غدًا؟!”
تصاعدت صرخات الأسى من الحفل، لكنها لم تغيّر من تعبير إيسيل شيئًا، فقد تجاهلهم ببساطة وتناول كأس النبيذ مجددًا.
بعد لحظات قليلة، بدا وكأن شيئًا ما خطر في بال الدوق، فنهض من مقعده فجأة.
“سموّك، لا تزال هناك خمور. إلى أين تذهب؟“
سألته السير لوسالكا، وهي تنظر إليه باستغراب.
تردد إيسيل قليلًا، ثم التفت نحو كرسي شونيلا، وراح يحكّ مؤخرة عنقه بحرج ظاهر.
“مهما يكن… أليس اليوم هو ليلة الزفاف؟“
[كحّ.]
سعلت شونيلا بخفوت، وقد بدأ قلبها يضطرب من جديد.
تأثير كلمة ‘ليلة الزفاف‘ كان أوسع من أن تتجاهله، لكنه قالها، موجّهًا الحديث إلى روحٍ لا جسد لها! أكان قد تخلّى فعلًا عن أي اعتبارٍ لنظرات الناس؟
كانت تعلم بعقلها أنه يتصرف كزوجها، يقوم بواجبه لا أكثر. لكن المعرفة لا تعني امتلاك الجرأة على مجاراة ذلك.
أن تنال هذا القدر من الاهتمام في حياتها كروح كان أمرًا لم تتوقعه.
شعرت بحرقة في حلقها.
كلمات إيسيل، كعادتها، أشاعت صمتًا غريبًا في القاعة.
“……لا شكّ في أنه مجنون.”
“يا إلهي، ليلة زفاف؟ لقد شرب عشر كؤوس على الأقل!”
“إيفان، ألا تعرف هذا الرجل بعد؟ لا أحد نازله في الشرب وخرج منتصرًا. هذه الكمية لا تُعد شيئًا له.”
قال الفارسان ذلك بنظرات فارغة، وكأنهما نسيا للتو العقوبة التي تلقياها.
أما إيسيل، فمال ناحية شونيلا وتحدث إليها بخجل ظاهر.
“فلنذهب.”
ترددت شونيلا لحظة، ثم نهضت من مكانها، ولحقت به.
شعرت بنظرات لا تُحصى تطعنها في ظهرها.
فكاد نَفَسها ينقطع.
***
توجه إيسيل إلى الغرفة بصمت، ودخل فورًا إلى الحمّام.
جلست شونيلا القرفصاء فوق السرير الواسع، محتضنة ركبتيها.
ضوء القمر الأزرق كان يتراقص فوق شرشف السرير الأبيض.
وساد الغرفة صمتٌ لا يقطعه إلا خرير الماء من الحمّام.
مدّت شونيلا يدها في الهواء، في اتجاه شعاع القمر، وبسطت كفها ثم ضمّتها ببطء، بإيقاع منتظم يتماشى مع صوت الماء.
كانت تعلم أن ما تفعله لا يحمل معنى.
لكنها كانت تأمل أن يُسكِّن هذا الفعل ارتعاش قلبها، أو يخفّف قليلاً من اضطرابه.
منذ أن داهمها المرض في سن العاشرة، اعتادت شونيلا على الاستسلام.
ومع ذلك، ظلّت رغباتها تختلج في أعماقها.
أرادت أن تركض بحرية، أن تسافر بعيدًا، أن تعيش حياة عادية مثل الآخرين.
لكنها في قرارة نفسها كانت تعلم أن مرضها لن يشفى. ولهذا، تخلّت تدريجيًا عن تلك الأحلام.
ومنذ أن أدركت ذلك، لم تعد تعبّر عن توقها إلى الصحة.
باستثناء ليلة واحدة فقط، عندما كانت تتلوّى من الحمى، فباحت لوالدها بكل ما كتمته.
لماذا تكون الأشياء التي يفعلها الناس عادة أمرًا استثنائيًا في حياتها؟
ثم، حدثت المعجزة.
اتجه قلب إيسيل نحوها، وتزوّجا.
ظنّت أنها ستكون سعيدة بمجرد أن يتحقق هذا الحلم. لكنها وجدت قلبها يتوق إلى المزيد، إلى ما هو أبعد من مجرد الزواج.
لذلك…
[أتمنى لو أنك لا تسمع صوتي فقط… بل ترى شكلي أيضًا.]
همست بذلك دون وعي، ثم انتفض جسدها من دهشتها بكلماتها.
وفي اللحظة ذاتها، انفتح باب الحمّام بصوتٍ خافت.
كرييييك…
وما إن وقع بصرها على إيسيل وهو يخرج من الحمّام، حتى خلت شونيلا أن عقلها قد تجمّد كليًّا.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 10"