استمتعوا
كانت عائلة الماركيز ليفيا،
وهي من سلالة تجارية، أغنى منزل في إمبراطورية هيرتيون.
وكانت مقاطعة الماركيز، الواقعة في قلب عاصمة الإمبراطورية، شاسعة لدرجة أن الخدم أنفسهم يضيعون فيها.
كما أن عدد المشاريع التي تديرها عائلة ليفيا يتجاوز العشرات،
وكلها كانت تدرّ عليها ثروات فلكية.
لذا، اعتقد معظم سكان إمبراطورية هيرتيون أن هذه العائلة التي تملك ثروة لا تنضب، قد نالت كل ما يمكن امتلاكه.
لكن، وعلى عكس ما يظنه الجميع،
كان ماركيز ليفيا يمرّ بأيام حالكة في الآونة الأخيرة.
في الطابق الثالث من قصر عائلة ليفيا،
شكانت غرفة ابنته الوحيدة شوينيلا ليفيا تتلألأ بالفخامة والحياة.
أثاث مصنوع بعناية على يد أمهر الحرفيين في الإمبراطورية، خزف مزخرف مستورد من الشرق، ورق جدران من الحرير المطرز بالدانتيل، وثريا مصنوعة من كريستال نقي لا تشوبه شائبة…
لكن رغم ذلك،
كان وجه الماركيز الجالس إلى جانب السرير مليئًا بالقلق والكآبة.
“…شوينيلا.”
ناداها بصوت جاف،
وهو ينظر بقلق إلى ابنته المستلقية على السرير.
لقد مضت ثلاثة أيام منذ أن فقدت وعيها.
كانت جبينها ساخنًا كاللهب حين وضع يده عليه،
وجسدها يرتجف كمن أصيب بنوبة.
وجهها الشاحب بات لا يمكن تمييزه عن لون الملاءة،
وأطراف أصابعها المتشققة اسودّت من شدة الضعف.
شوينيلا، الابنة الوحيدة للماركيز،
أصيبت بمرض غامض وهي في التاسعة من عمرها.
مرض لا علاج له، ينهك الجسد يومًا بعد يوم.
وقد أخبرهم أشهر طبيب في القارة بأنها لن تتجاوز سن الثانية عشرة.
لكن شوينيلا، بعزيمتها،
وصلت إلى سن التاسعة عشرة، عام بلوغها.
وكان ذلك بفضل تفاني والدها.
لم يكن يمرّ يوم دون أن تتزين مائدة شوينيلا بأندر الأعشاب الطبية والجرعات العلاجية، وكان الكاهن الأعلى يباركها أسبوعيًا.
هكذا تمسكت بحياتها بخيط رفيع حتى الآن.
لكن الماركيز أدرك الآن أن النهاية باتت قريبة.
“آه… أبي…”
همست شوينيلا بصوت ضعيف،
وشفتاها المتشققتان ترتجفان وهي تناديه.
“…شو؟ هل استيقظتِ؟ أبيك هنا.”
حاول الماركيز إخفاء رجفة صوته، وردّ عليها بصوت حنون.
كان هناك شيء غريب… فعيناها الزرقاوان،
اللتان كانت تشعان كالأحجار الكريمة، بدتا خاليتين من الحياة.
“أبي، هل أنتَ بجانبي؟ أليس كذلك؟ لا أرى شيئًا.”
حرّكت شوينيلا أصابعها بصعوبة وهي تشير نحو الفراغ.
وفي تلك اللحظة، شعر الماركيز بالحقد على الحاكم.
“لقد قاتلت ابنتي المرض لعشر سنوات… كيف لك أن تسلب منها بصرها أيضًا؟“
تحولت مشاعر السخط في صدره إلى دموع ساخنة سالت على خديه.
لكنه عض شفتيه حتى نزف الدم، ليكتم بكاءه.
لم يكن يريد أن يبدو ضعيفًا أمام ابنته.
تنحنح عدة مرات ليضبط صوته، ثم أجابها:
“…نعم، أبيك هنا.”
مدّ يده وأمسك بيدها برفق، كانت باردة كالجليد.
“أنا… سأموت الآن، أليس كذلك؟“
قالت ذلك بهدوء، وجعلت قلب والدها يتمزق من الألم.
“…لا تقولي ذلك. ما رأيكِ أن نخرج معًا في نزهة غدًا؟“
“حقًا يا أبي؟“
ابتسمت شوينيلا بهدوء، رغم معرفتهما بأن هذا مجرد تظاهر.
فكلاهما كان يعلم أن النهاية قريبة جدًا،
لكن الخوف من الفراق منعهما من قول الحقيقة.
بعد لحظات، أمالت رأسها نحوه ببطء وقالت:
“أبي، لديّ أمنية.”
“أمنية؟… لا تقولي هذا، لا تتحدثي هكذا.”
ربّت الماركيز على وجهها بيده المرتجفة،
خائفًا من سماع ما قد تكون وصيتها الأخيرة.
“شو… فقط قولي ما تتمنين. أبيك سيحقق لكِ كل ما تريدين.”
“أبي… أعظم أب في الدنيا…”
شدّت شفتيها لتصنع أجمل ابتسامة لديها،
رغم الألم والحزن الذي حاولت دفنه خلفها.
تنفست بصعوبة، وأحست بأن جسدها يزداد ثقلًا وبرودة.
عرفت أن النهاية قد حانت،
لكنها لم تكن ترغب في الرحيل بوجه حزين.
“أبي، أريدك أن تحرق جسدي.”
تلك كانت وصيتها الأخيرة، فلم يستطع الماركيز الرد.
وبعدها، أخذت شوينيلا تلهث بصوت متهدج عدة مرات.
“هذا الجسد البائس… سأتركه عندما أذهب للحاكم.
أحبك… أحبك… أحبك…”
رغم أن كلماتها كانت شبه غير مفهومة،
إلا أن والدها فهم كل حرف.
ثم، سقط رأس شوينيلا جانبًا، نحو والدها تحديدًا.
وأطلق الماركيز صرخة طويلة، ملأت أرجاء القصر.
***
حين فتحت شوينيلا عينيها مجددًا،
كان كل شيء من حولها مظلمًا ودافئًا.
‘هم؟ هل هذا حضن الحاكم؟‘
شعرت بالراحة للحظة… لكن جسدها بدأ يطفو،
وأحست بخفة غريبة.
علاوة على ذلك، شعرت وكأن شيئًا كان يبتلعها إلى مكان ما.
[آه، يبدو أنني ذاهبة إلى حضن الحاكم فعلًا.
عندما ألتقيه، سأصفعه على الأقل.]
تخيلت شوينيلا الموقف من حولها، واستعادت في ذهنها الكلمات التي أرادت أن تقولها للحاكم عند لقائه.
الجمال، الثروة، المكانة.
منحها الحاكم كل هذه الأمور.
لكنها، بسبب عشر سنوات من المرض،
لم تستطع أن تستمتع بأي منها حقًا.
بل، وبشكل أدق، فإن الحياة اليومية العادية التي كانت أقرانها يتمتعون بها لم تكن أبدًا من نصيبها.
‘كنت أرغب في الذهاب إلى مطعم يقدم طعامًا لذيذًا، والتجول في الشوارع لمشاهدة الباعة الجائلين، وزيارة مهرجان الزهور في الربيع، والتنزه على الشاطئ في الصيف.’
حين فكرت في الأمر،
شعرت أن الحاكم كان قاسيًا وظالمًا معها على نحو خاص.
[على أي حال، حياتي انطفأت بالفعل،
لا بأس لو تقبل بعض التذمر.]
وبينما كانت تتمتم بشيء من التذمر،
سمعت شوينيلا صوت بكاء خافت يصل إلى أذنها.
هُب، ههُك.
كان صوتًا مألوفًا.
شخصٌ كان دائمًا إلى جانبها، وظل معها حتى لحظة احتضارها.
[أبي……]
تخيلت شوينيلا وجه والدها، ماركيز ليفيا، في ذهنها.
وحين استمعت إلى صوت والدها الحبيب،
شعرت برغبة عارمة في رؤيته ولمسه.
مدّت يدها لا إراديًا، محاولة الوصول إليه.
لكن حينها، حدث شيء غريب.
شعرت بقوة في ذراعها.
[أنا متأكدة أنني مت، فكيف يتحرك جسدي؟]
ولم يكن هذا هو الأمر الوحيد الغريب.
[لقد فقدت بصري قبل موتي، فلماذا……]
رأت بوضوح يدًا بيضاء رفيعة ذات أظافر مشذبة بعناية.
رغم أنها بدت شفافة بعض الشيء، إلا أنها كانت مرئية بوضوح.
كأنها يد شبح.
[شـ، شبح؟]
فزعت شوينيلا ونهضت فجأة.
شعرت بالقوة تعود تدريجيًا إلى خصرها، ثم جسدها، ثم ساقيها.
عندها، تأكدت أنها أصبحت شبحًا.
فمنذ مرضها، لم تستطع التحكم بجسدها بإرادتها.
وبينما كانت تستوعب الموقف، سطع ضوء ساطع أمام عينيها.
توقعت شوينيلا أن يكون الضوء مؤذيًا لعينيها،
فعبست وغطت وجهها بيدها بشكل لا إرادي.
لكن الضوء لم يكن مزعجًا كما توقعت،
وتمكنت فورًا من رؤية ما يحيط بها.
أول ما وقع بصرها عليه كان رجل في منتصف العمر ذو شعر أزرق سماوي مرتدٍ ملابس سوداء بالكامل، وسيدة جميلة ذات شعر أشقر داكن.
كانا والدي شوينيلا.
رؤية وجه والدها الهزيل وعيون والدتها المنتفخة من البكاء جعل قلبها ينقبض.
“آه يا آنستي، كيف لك أن ترحلي في هذا العمر الصغير؟!”
نقلت نظرها إلى مصدر النحيب المذهول،
لترى رجلًا مسنًا قد دخل في مجال رؤيتها.
كان هو البارون فيلسيا،
طبيبها الخاص وأفضل طبيب في الإمبراطورية.
لطالما أظهر وجهًا باردًا كطبيب،
لكنه الآن كان منهارًا بالكامل وينتحب بلا توقف.
“ايها الحاكم، لقد خدمتك طوال حياتي، لكنني لا أستطيع أن أفهم. هل كان من الضروري أن تأخذ روحًا شابة كهذه……”
وبجواره، كانت كاهنة عجوز تنظر مذهولة إلى السماء وتتمتم بكلماتها.
كانت الكاهنة الكبرى التي كانت تبارك شوينيلا كل أسبوع.
رؤية كل من أحبتهم في حياتها وهم يغرقون في الحزن مزقت قلبها.
فأرادت أن تواسيهم.
حتى وإن كانت في جسد شبح،
فقد أرادت أن تعانقهم مرة واحدة فقط.
وعندما اتجهت بخطواتها نحو الحشد الذي كان يحضر الجنازة، صُدمت من المشهد الذي كانوا ينظرون إليه.
تابوت محترق بالكامل.
لهيب أحمر طويل يتراقص فوقه ويلعق الهواء.
دخان أسود يتصاعد كغيمة مظلمة.
كان جسدها يُحرق وفقًا لوصيتها.
[كنت غاضبة من جسدي المريض لدرجة أنني طلبت حرقه.
لكن رؤية الأمر وأنا شبح تجعلني أندم قليلًا.]
عضّت شوينيلا شفتيها بلطف.
لم تشعر بأي ألم من الجسد الميت.
لكن فكرة أن جسدها لن يظل موجودًا تركت بداخلها شعورًا غريبًا.
ورؤية من حضروا جنازتها وهم ينتحبون بصوت مرتفع وهم يراقبون احتراق جسدها جعلها تشعر بالحزن أكثر.
عندها بدأ اضطراب خفيف بين الحشود الصامتة.
“مـ، ماذا؟“
“كيف يكون هذا الشخص هنا……؟“
تابعت شوينيلا نظرات الناس في نهاية الحشد لا إراديًا.
في مركز الفوضى، وقف رجل طويل القامة،
يرتدي ملابس سوداء من رأسه حتى أخمص قدميه.
عرفته شوينيلا فورًا.
رغم أن عشر سنوات قد مضت منذ لقائهما الأول،
فإن تلك العيون الحمراء القرمزية لم تُمحَ من ذاكرتها أبدًا.
الدوق الاكبر ليندينبيرغ.
حاكم الشمال، المعروف بلقب سفّاح الوحوش.
وبينما خطا بخطواته الطويلة، ابتعد الناس من طريقه بحذر.
وبذلك، اقترب بسرعة من ماركيز ليفيا وزوجته.
“أحيي ماركيز وماركيزة ليفيا.”
تبادل النظرات مع الماركيز، ثم انحنى بتحية خفيفة وألقى السلام.
“…… الدوق الأكبر، لماذا حضرت مجددًا؟“
نظر إليه الماركيز بدهشة وسأله.
أمالت شوينيلا رأسها قليلًا عند سماع الحوار بين الماركيز والدوق.
[مجدّدًا؟ هل يعني هذا أنه حضر جنازتي من قبل؟]
لكن الدوق قال شيئًا جعل شوينيلا تنسى كل التساؤلات التي كانت في رأسها.
“هل تذكر أن الآنسة عرضت عليّ الزواج من قبل؟“
قال دوق ليندينبيرغ ذلك بنبرة تحمل شيئًا من الاستعجال،
وهو يتوجه بنظره نحو الماركيز.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 1"