2
“عليكِ أن تراجعي هذا الجزء فقط. إذًا، فارس غراي، حظًّا موفّقًا!”
تركت أديل خلفها تشجيع أمينة المكتبة البسيط، وبدأت في البحث المحموم عن المعلومات.
مرّ الوقت حتى غابت الشمس وأُضيئت أنوار المكتبة، ثم طلعت من جديد وانطفأت الأضواء… طوال هذا الوقت، واصلت أديل التحقّق من الوثائق.
لكن رغم كلّ ما قرأته، لم تجد شيئًا يُذكر. ذلك لأنّ الملك أراد محو أثره تمامًا.
وفقًا للمعلومات المتبقيّة، كان فينسنت شخصًا عاديًّا، سيّئ الطبع، دخل الأكاديمية في مسارٍ نبيل كأيّ شخصٍ من الطبقة الأرستقراطية. صحيح أنّه لم يتخرّج، لكن هذا لم يكن غريبًا في ماضي الأشرار.
غير أنّ خلفيّته العائليّة كانت استثنائية بعض الشيء.
‘تعرّض للإساءة…’
كان المجتمع يتسامح إلى حدٍّ ما مع “التأديب” تجاه الأطفال، لكن ما حدث في منزل دوق روغاتو تجاوز ذلك بكثير.
ليسوا أسرى حرب، فكيف يُمكن لأبٍ أن يُعامل ابنه بتلك الطريقة؟
كانت التفاصيل مقزّزة لدرجة أنّ قراءتها بحدّ ذاتها كانت مؤلمة.
فما إن قرأتها أديل حتى تجعّد وجهها تلقائيًّا. ظنّت أنّها أصبحت معتادة على المواقف العنيفة بعد خوضها للحرب، لكن…
شعرت بالغثيان وهي تقرأ عن تلك الإساءات المروّعة التي تعرّض لها الطفل. الجروح التي كانت تراها بارزة من بين ملابسه الممزّقة لم تكن من الحرب.
‘هل التقى بالملكة أثناء مروره بتلك المرحلة؟’
فقط حينها بدأت أديل تفهم شيئًا من قلب فينسنت المعوّج. لقد أحبّ سيّدة نبيلة طيّبة القلب، لكنّها كانت خطيبة وليّ العهد منذ البداية.
وفي لحظة انفجار، اعتدى فينسنت على الأمير وتعرّض للتوقيف المؤقّت. ثمّ غادر إلى دولةٍ معادية، ليعود ويغزو المملكة.
ومن تلك اللحظة، بدأ ما تتذكّره أديل بوضوح: الحرب، ثمّ حربٌ أخرى.
‘في النهاية، الحبّ هو سبب هذه الحرب الطويلة؟ يا له من سيناريو رخيص كأنّه من رواية شعبية.’
تفكّرت أديل في خفّة الحياة، ثم غادرت المكتبة.
—
أخيرًا، بدأت حرب الغزو تضع أوزارها.
فهمت أديل بعد مرور أربع سنوات، لماذا حاول الملك والملكة جاهدَين منعها من التقاعد.
فقد كانت سلسلة الانتصارات التي حققوها تعتمد عليها بشكلٍ كبير.
“هاه… أخيرًا النهاية.”
لقد ربحوا الحرب. حتى لو لم تكُن موجودة، لم يكن ليُغيّر ذلك شيئًا. قريبًا، سيتحوّل لقب المملكة إلى إمبراطورية.
لكنها لم تعد تكترث لذلك. فالإحساس بجسدها بدأ يختفي تدريجيًّا.
فكّرت أديل بأنّها قد تموت هذه المرّة فعلًا.
رغم أن رؤيتها كانت تغيب تدريجيًّا، استمرّ اسم “فينسنت روغاتو” في الظهور في ذهنها.
عيناه المتورّمتان من شدّة البكاء، بشرته البيضاء وشعره الرماديّ، الذي ظلّ جميلًا رغم حالته المزرية…
وتلك النظرة التي تحطّم فيها حين رأى الملكة لايلا من خلف كتفها.
احتفظت أديل بصورة ذلك الرجل الجميل في قلبها، وأسلمت الروح.
وفي تلك اللحظة، بدأت الكلمات تُكتب ببطء فوق جسدها الميّت.
“البارونة أديل غراي سقطت في معركة الغزو لأجل ملك روهايد وملكته لايلا.”
كانت الجملة مكتوبة بخطّ بارد، تلمع بوضوح وتبقى لفترة طويلة قبل أن تختفي.
—
“تبًّا… كنتُ مجرّد شخصيّة ثانويّة؟!”
لم يكُن هناك من يسمع صوتها الآن بعد موتها، لكنّ أديل شتمت وهي تحاول كتم غضبها.
فقد لم تكتفِ الجملة التي كُتبت بعد موتها بذلك، بل تلتها مباشرة قصّة حبّ مؤثّرة بين ملك روهايد وملكته لايلا لا يمكن قراءتها دون دموع.
قرأت أديل تلك القصّة، وأدركت الحقيقة.
أنّها لم تكن سوى شخصيّة ثانويّة في رواية.
لم يكن من الغريب أنّها لا تتذكّر ماضيها بوضوح. حتى عندما كانت الملكة تُناديها بـ”الصديقة العزيزة”، لم تشعر بشيءٍ حقيقي.
بالنسبة لهذين الشخصين، كانت هي مجرّد شخصٍ عابر، ولهذا تدفّقت قصّتها بما يُناسب أدوارهم بصفتهم الأبطال.
حقيقة أنّها كانت مجرّد أداة في سبيل حبّهم جعلت حتى أديل الهادئة تشعر بالغضب.
لم تُفكّر حتى في مراجعة ما سبق من السّطور. بما أنّ دورها في النهاية بهذه القلّة، فلابدّ أنّ ظهورها في البداية كان ضئيلًا أيضًا.
‘كم تعبتُ لأجل هذه الحياة!’
لكن مهما اهتزّت من الغضب…
“هاه، هل هذا هو النّهاية فعلًا؟ عليّ فقط أن أترقّب نهايتهم…”
لو كانت توقّعاتها صحيحة، فالنهاية اقتربت. فينسنت، الذي يُعتبر شرير القصة، قد مات، والحرب انتهت بنصرهم. لذا، ما تبقّى هو عرض مشاهد سعادتهم.
كان شعورًا كئيبًا للغاية.
في خلال حربين متتاليتين، قاتلت بكلّ ما تملك. وتحمّلت تدريباتٍ قاسية وكأنّ عظامها تُكسر لتُصبح أقوى من أن يقترب منها أحد.
بينما كان الأبطال يقعون في الحبّ ويضحكون، كانت هي تصارع وتكافح بمرارة.
لكن كلّ ذلك كان عبثًا. فموتها في حرب الغزو كان مخطّطًا منذ البداية. ورفض طلبها للتقاعد كان فقط تمهيدًا لتحقيق النصر.
‘لو كنت أعلم، لعشتُ براحة وهدوء حتى أموت شيخوخة. كان عليّ أن أتقاعد بأيّ طريقة.’
أدركت أديل، بعد موتها فقط، أنّ كلّ ما فعلته كان بلا جدوى. كان عليها أن تتجاهل أوامر رؤسائها وتعيش ما تبقّى من حياتها بسعادة.
لم تحظَ بلحظة راحة واحدة قبل الموت، وعملت فقط. أرادت أن تصرخ في وجه نفسها القديمة التي كانت خالية من الطموح: “استفيقي!”.
وربما، ذلك الشعور باللا جدوى كان جزءًا من تأثير الرواية. ولهذا فقط بدأت تفكّر الآن.
‘هل منحوني التفكير بعد موتي؟ تِف، شكرًا جزيلًا. دموعي لا تتوقّف من الامتنان.’
لكن ما الفائدة من كلّ ذلك؟ فهي قد ماتت بالفعل.
بعد أن هدأت قليلًا، تنهدت أديل وأخذت تُلقي نظرة على المكان الذي تتواجد فيه.
لم تكن تعرف ما هو هذا المكان المضيء من كلّ الجهات، لكنّه كان مليئًا بكُرات زجاجيّة ضخمة، يصعب التحرّك بينها. بعضها كان يظهر فجأة.
“ما هذه الأشياء؟”
تمتمت أديل وهي تلتقط إحدى الكرات الزجاجيّة، وفورًا، بدأت حياة شخصٍ آخر تتدفّق في رأسها.
لقد كان ماضي فينسنت روغاتو، الذي لم تتوقّف عن التفكير فيه.
〈ما هذا الذي تفعله! هل تريد أن تموت؟!〉
〈آسفة، آسفة جدًّا، سيّدي فينسنت، سأُنظّف فورًا!〉
انفجرت في رأسها أصوات غاضبة.
تدفّقت في عقلها صورة فينسنت وهو يصرخ وسط جمعٍ من الناس، وخادمة تجثو باكيةً وهي تتوسّل إليه. وأيضًا الأحداث التي تلت ذلك المشهد.
“آهغ!”
لكن المشكلة كانت فيما تلا تلك اللحظة.
ربّما بسبب ضخامة القصّة التي دخلت إلى عقلها فجأة، أُصيبت أديل بصداعٍ حادّ وكأنّ رأسها سينفجر.
تأوّهت وأفلتت الكرة الزجاجيّة من يدها…
طَنْ—طِن—طَان—طَشْطَشْ—!
بدأت الكرة تتدحرج من تلقاء نفسها وتكسر ما يُقارب العشرين كرة أخرى في طريقها. حدث كلّ ذلك في لمح البصر.
“…ما، ما هذا؟”
وما أثار الاستغراب أكثر، أنّ الكرة التي احتوت على ماضي فينسنت لم تُصَب بأيّ خدش.
أما الكرات المكسورة أو المتشقّقة، فقد تحوّلت إلى رمادٍ واختفت في الهواء. في حين بقيت الكرة التي تسبّبت في صداعها وكأنّها لا تكترث بشيء.
“ما الذي يحدث هنا بالضبط…؟”
رمقتها أديل بنظرة غاضبة. لم تكن سوى كرة زجاجيّة، لكنها شعرت وكأنّها تُحدّق في فينسنت نفسه.
‘آه، صحيح.’
حتّى في حياتها، رغم قلّة ذكرياتها، كانت تتذكّر كلّ شيء عن فينسنت بوضوح. حتى اللحظة الأخيرة، فكّرت فيه.
تساءلت أديل عن تلك الحقيقة.
لماذا تستمرّ في الارتباط بفينسنت روغاتو، في حياتها وبعد موتها؟
وفي تلك اللحظة…
كوو وو وونغ—!
دوّى صوتٌ هائل، فغطّت أديل أذنيها من شدّته.
ربّما لأنّ العديد من الكرات قد تحطّمت، بدأت الفوضى تعمّ المكان. فمع خفوت الضوء، بدأ الأرض تحت قدميها بالانهيار.
“آآآه!”
حاولت الهرب، لكن بلا جدوى.
حاولت أديل أن تفرّ إلى مكانٍ آمن، لكن بسبب تأثير الصّداع فقدت توازنها. كانت تتخبّط في الهواء محاوِلة التمسّك بأيّ شيء، وفي النهاية أمسكت بتلك الكرة التي سبّبت لها الصداع.
“لا فائدة من هذا الشيء! حتى بعد موتي، ما هذا العناء؟!”
وبينما كانت ترى مرّةً أخرى ماضي فينسنت المؤلم داخل الكرة، فقدت الوعي وسقطت في الفراغ.
—
حين استعادت وعيها، وجدت نفسها بالقرب من فينسنت، الذي كان يصرخ بغضب مهدّدًا أحدهم. كانت تختبئ بين الناس، تنظر حولها، وبدأت تستوعب الموقف.
‘ما هذا…؟’
ما رأته كان مطابقًا تمامًا لما رأته في الكرة الزجاجيّة.
فينسنت يغضب بسبب بقعةٍ غير واضحة المعالم، وخادمة تبكي وتركع متوسّلة، دون أن يتدخّل أحد.
‘…هل هذا حدثٌ محدّد مسبقًا؟ هل أنا مجرّد شخصٍ يمرّ به؟’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"