فهو أصلًا كان من ذوي البُنية الصّحيحة، وقد تحسّنت حالته بشكلٍ ملحوظ مع تناول الطّعام المنتظم والعلاج، حتّى لم يعُد بحاجةٍ إلى الرّعاية، وهكذا خرجت غلوريا مرّةً أخرى تبحثُ عن عملٍ تؤدّيه.
“قد تُصَابينَ بالمرضِ على هذا الحال.”
“بهذا القدرِ؟ لن يؤثّر فيّ شيء.”
قال الخادم الذي أُرسل بأمرٍ من أستان لمساعدتها ذلك بقلقٍ ظاهر، لكنّ غلوريا لم تُعره أيَّ اهتمام.
وقد بدأت نظرات النّاس، الّذين كانوا يُضمرون لها الحذر في البداية، تلين تدريجيًّا أمام لطفِها الشّديد.
“من تكون تلك المرأة؟”
“تلك هي الآنسة غلوريا ماكين، الابنةُ الكُبرى لعائلةِ ماكين، إحدى أعرقِ العائلاتِ النّبيلة.”
“عائلةٌ عريقة؟”
“غلوريا ماكين؟”
قال أحد خدّام القصر الدّوقي بنبرةٍ استعراضيّة وهو يوزّع المديح.
“إنّها خطيبةُ الدّوق. سيّدةٌ تُعدّ الأجملَ والأذكى في الإمبراطوريّة. لقد طمعَ فيها حتّى جلالةُ الإمبراطور كزوجةٍ لأحد الأمراء.”
‘يبدو أنّه لا يتحدّث عنّي.’
تساءلت المرأةُ التي كانت تستمع بشكٍّ في نبرةِ صوتها:
“لماذا تفعلُ كلَّ هذا العملِ اليدويّ، إن كانت بهذه العظمة؟”
“في الواقع…”
“لأنَّ الدّوقَ طلب منّي هذا خصّيصًا.”
قالتها غلوريا بابتسامةٍ لطيفةٍ ونظرةٍ خفيفةٍ من الحزن.
“قال لي إنَّ معاناةَ سُكّانِ الإقطاعيّة هي معاناةُ السيد نفسِه، وأوصاني أن أبقى هنا وأُولي اهتمامًا خاصًّا بكلّ ما قد يُزعجكم.”
“الدّوقُ قال ذلك؟”
“نعم. لا تتخيّلين كم تألّم عندما سمعَ بما حدث. لم ينَم ليلًا ولا نهارًا من شِدّةِ قلقِه، وأوصاني مرارًا ألّا أبخلَ بأيِّ دعمٍ قد يحتاجه أحد.”
“لكنّ هذا لا يُغني شيئًا.”
رغم جُهود غلوريا، ظلّت مشاعرُ النّاس تجاه أستان مليئةً بالشكّ وعدم الثّقة.
كان ذلك مُحزنًا، لكنّ غلوريا تحمّلت كلَّ الشّكاوى بصمت. فهي تعلم أنَّ مشاعرًا تراكمت طوال السّنين لا يُمكن تهدئتها بين يومٍ وليلة.
***
“يا سيّدي الكاهن.”
في وقتٍ متأخّر من بعد الظّهر، دخل شابٌّ إلى المعبد وهو ينادي على الكاهن. حدّقت فيه غلوريا جيّدًا، بدا لها مألوفًا.
‘إنّه ذلك الرّجل… الّذي كان يشتم أستان أمام النُّزل. ما الّذي جاء به إلى هنا؟’
تخوّفت غلوريا من أن يكون جاء مجدّدًا لذمّ أستان، فبدأت تُصغي خِلسةً إلى حديثهما.
“ألا يُمكنكم المساعدة؟”
“أنتم تعلمون الظّروف…”
“لكنّ هناك أماكنَ بحاجةٍ ماسّة!”
“أعتذر، لكنّ هذا صعبٌ علينا.”
“أحيانًا يكون التّساهلُ هو الخيارُ الأفضل، فلا تكونوا هَكذا.”
علت نبرةُ صوتِ الرّجل، كما لو كانت هناك مشكلةٌ حقيقيّة.
ارتسمت تجاعيدُ القلق على جبينِ الكاهن.
“عددُ من يُقيمون في المعبد يفوقُ الخمسين. لا نعلمُ متى قد تقع مشكلة، فكيف نُخاطر بهذا؟”
“لو لم تكُن المسألةُ عاجلة، ما كنتُ لألجأ إليك! أرجوك، مرّةً واحدة!”
“كما تعلم، وضعُنا هنا ليس على ما يُرام أيضًا. الموارد محدودة.”
“لقد طلبتم أموالًا في الفصل السّابق، وقبلَه أيضًا، بحجّةِ أضرارٍ في الجدار الواقي، أليس كذلك؟ ولذلك أُرسلتُ لكم دفعةٌ إضافيّة مقدّمًا… أين ذهبت كلّ تلك الأموال؟”
تهرّب الرّجل من نظراتها. أمّا غلوريا، فلم تتردّد في المواجهة.
“أُجِبني. بسرعة.”
“في الحقيقة، لم يظهر السيكون منذ فترةٍ طويلة، فظننّا أنَّه لن يعود.”
“ومنذ متى لم يظهر؟”
“ما يُقارب عشرَ سنوات.”
“يعني أنّكم استخدمتم الأموال في شيءٍ آخر.”
قالتها غلوريا بنظرةٍ لا تُصدّق، وهي تحدّق فيه مباشرة.
ذلك التّعالي والسّخرية اللذان أظهرهما أمام النُّزل اختفيا تمامًا، وانحنى الرّجل خجلًا.
“هل فعلاً تحطّم الجدار الواقي؟”
“نعم، هذا حقيقيّ. لقد ظهر السيكون هذه المرّة واقتحم الجدار المتهالك…”
“لو أنّكم قمتم بالصّيانة في وقتها، لما بلغتِ الأضرارُ هذا الحد، أليس كذلك؟”
قالتها بصوتٍ خافتٍ، لكنّه مملوءٌ بالغضب. لم يستطع الرّجل أن ينبس ببنت شفة.
“وبهذا، تُلقون اللّوم على الدّوق؟!”
“……”
“أجيبني! هل هذا فعلاً خطأُ الدّوق؟!”
ارتجفت نبرتها من فرط الانفعال. فاقترب الكاهنُ منها محاولًا تهدئتها.
“اهدئي يا آنسة.”
“الجميع… قُساةٌ إلى هذا الحد.”
***
“هاه…”
تنهدت غلوريا مرارًا وهي تطوي الغسيل. حاولت أن تُرغم نفسَها على الابتسام أمام النّاس، لكنّها لم تستطع أن تبتسم منذ مغادرة ذلك الرّجل.
وبالرّغم من توسّلاته المستمرّة، أعطى الكاهن بعضًا من أموالِ الإغاثة في نهاية المطاف…
لكن لو علم أستان بما جرى، فكم سيكون شعورُه بالخذلان عظيمًا؟
بدأت غلوريا تُسرع في الطّيّ وهي تبتلع مرارتَها. يداها المتشقّقتان من البرد والعمل كانت تنزف تقريبًا، لكنّ قلبَها كان أكثرَ ألمًا من جلدها.
وبعد أن انتهت من الجبلِ المتراكم من الغسيل، أعطت بعضَ المناشف للطفل إيي.
“إيي، خذ هذه لأمّك.”
“حاضر.”
أخذ الطّفل المناشف وركض إلى والدتِه. تابعت غلوريا خُطاه ثم وقفت تحمل ما تبقّى من الغسيل.
“آه…”
دارت الأرض في عينيها. لم يكن لديها وقتٌ لتأكل منذ أن وصلت إلى المعبد، ويبدو أنَّ جسدَها لم يتحمّل.
استعادت وعيَها بصعوبة، ونظرت إلى الغسيل الذي سقط على الأرض، فجمعتَه بقلق.
“ستُصَابينَ بالمرضِ على هذا الحال.”
كانت المتحدّثة امرأةً مسنّةً تسكن في المعبد، لم تتجاوب معها قطّ رغم عدّة محاولات سابقة.
“يبدو أنّكِ سيّدةٌ لم تتذوّقي مشقّةَ العمل من قبل، فلا تُجهدي نفسكِ كثيرًا.”
“لا بأس. الجميعُ يُعاني، وهذه أمورٌ بسيطة بالنّسبة لي.”
ردّت غلوريا بابتسامةٍ خافتة.
‘ربّما الآن فقط وصلَت مشاعري إليهم.’
ظنّت أنَّ تعبها لم يذهب سُدًى، لكن…
“إن كنتِ تفعلينَ هذا لأجلِ الدّوق، فلا تُتْعبي نفسَك.”
“عفوًا؟”
“فلن يُغيّر هذا من نظرتنا إليه.”
كان وجهُ العجوز في تلك اللّحظة باردًا كالجليد.
أومأت غلوريا وهي تحاول الحفاظ على ابتسامتها.
“سيَتغيّر. أنا واثقة أنّه سيتغيّر.”
***
في وقتٍ متأخّرٍ من اللّيل، تقلبّت غلوريا في سريرها الضّيّق داخل غرفة الصّلاة، ثمّ جلست أخيرًا بعد أن يئست من النّوم.
ظلّت كلماتُ العجوز تتردّد في ذهنها، فأفسدت كلَّ أملٍ في الرّاحة.
‘رغم كلّ ما فعلتُه، ما زلنا في نفس النّقطة؟’
كانت تعرف أنَّ الأمور لن تتغيّر بسرعة، لكن سماعها مباشرةً أنَّ شيئًا لن يتغيّر أبدًا… كان صدمةً قاسية.
‘ما الذنبُ الّذي ارتكبه أستان؟’
فقد أدّى واجبَه كـ سيد على أكمل وجه، ومع ذلك يُحمّله الجميعُ كلَّ شيء.
حتّى هو، لم يُبْدِ أيَّ شكوى.
مسحت غلوريا دموعَها الخفيّة بكُمِّها، ثمّ دفنت وجهها في ركبتيها.
جسدُها وروحُها، كلاهما كان مُنهكًا حتّى آخر رمق.
“هاه…”
‘هل كنتُ أُبالغ؟ ربّما كان عليّ أن أعود حين طلب منّي أستان ذلك.’
قالت إنّها تفعل هذا من أجله، لكنّها كانت تُريد اعترافه بقيمتها.
ظنّت أنّه إن نجحَت هذه المهمّة، فسيضطرُّ للاعتراف بها أخيرًا.
لكنّها الآن أدركت كم كان تفكيرُها متكبّرًا.
ومع كلّ هذا الألم، واصلت محاولتها في العثور على النّوم، إلى أن…
“هل أنتِ نائمة؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"