دوق ، هل تُحب الدمىَ المحبوكةَ؟ - 7
“إذًا، هذا هو مذاق البيرة.”
كان لونها كالعنبر، شفافًا وجميلًا.
اقتربتُ منها وشممتُ رائحتها بحذر.
“قالوا إنها مصنوعة من الشعير، لكنها لا تحتوي رائحة الحبوب أبدًا.”
كان الأمر غريبًا، ولم أتمكن من رفع الكوب بسهولة.
“ربما كان عليّ إحضار فيبي معي.”
فقط فيبي، الذي أثق به تمامًا، يمكنه تهدئتي الآن.
بعد أن خدعني إيميل و روزيان، لم يعد هناك أحد آخر أعتمد عليه.
“لحسن الحظ، استيقظ فيبي. لو أنني مررتُ بكل هذا وحدي، لكنتُ انهرتُ تمامًا.”
هززتُ رأسي بقوة.
“لقد جمعتُ شجاعتي لأصل إلى هنا، والآن أتردد في شرب مجرد كوب من البيرة؟ كيف أفكر حتى في الذهاب إلى العاصمة؟”
الحياة هناك لن تكون سهلة على شخص مثلي، الذي عاش طوال حياته محاصرًا في قصر الكونتية.
“إن كنتُ لا أستطيع التعامل مع مجرد كأس بيرة، فكيف سأعيش هناك؟”
مع هذا التفكير، شددتُ قبضتي على الكوب، ثم أغمضتُ عيني وأخذتُ رشفة كبيرة.
“كح!!”
كان الطعم فظيعًا.
سمعتُ من قبل أن البيرة منعشة، لكنها لم تكن كذلك أبدًا!
“لماذا يشربها الناس؟”
كانت مرة، حامضة، وقابضة في الوقت نفسه.
قطّبتُ حاجبيّ، ولكن عندما شعرتُ بنظرات صاحب النزل، تمالكتُ نفسي بسرعة.
كان يحدّق بي كما لو كنتُ كائنًا غريبًا.
“يا إلهي!”
بالطبع، كنتُ أبدو غريبة.
من يطلب مشروبًا ثم يتصرف كأنه سُمّ؟
أجبرتُ نفسي على الابتسام وأمسكتُ بالكوب بكلتا يديّ.
لحسن الحظ، تجاهلني صاحب النزل وعاد إلى عمله.
حاولتُ أخذ رشفة أخرى. لم يكن سيئًا جدًا بعد أول جرعة صادمة.
“لكنني لن أشربه مرة أخرى. هذا هو الكوب الأول والأخير!”
قررتُ ذلك، ثم أغمضتُ عينيّ وشربتُ ما تبقى دفعة واحدة.
لكن الجلوس هنا، في نزل فارغ، مع كوب من البيرة، لم يهدئني.
على العكس، شعرتُ بسوءٍ أكبر.
“كيف استطاع إيميل و روزيان فعل هذا بي؟”
مررتُ يدي في شعري، وشعرتُ بمرارة في قلبي.
“كنا معًا لفترة طويلة، هل كنتُ مجرد أحمق في نظرهما؟”
حتى لو لم يكن الأمر حبًا، فقد كان إيميل بمثابة أخ لي.
لكن بدلًا من الحديث معي، بدلًا من مصارحتي، تقدم لي بالزواج بينما كان يقبّل روزيان!
عندما استعدتُ وعيي، كان الكوب فارغًا.
تنهدتُ ووضعتُه على الطاولة.
لكن الغريب أنني شعرتُ بالعطش أكثر.
نظرتُ إلى صاحب النزل، لكنه كان مشغولًا بالتنظيف.
“ليس من اللائق طلب الماء الآن…”
بدلًا من ذلك، وقفتُ وسكبتُ لنفسي كوبًا آخر من البيرة.
بدأتُ أرتشفه ببطء، متجاهلة الطعم الغريب.
مرت بعض الوقت، ولم أدرِ كم شربتُ حتى الآن.
عندما وقفتُ لأسكب كوبًا جديدًا، شعرتُ فجأة بدوار غريب.
“هاه؟ لماذا يبدو أن الأرض تتحرك؟”
لم أشرب من قبل، فلم أعرف ما الذي يحدث لي.
“أشعر بالغثيان… هل شربتُ كثيرًا؟”
تمايلتُ وأمسكتُ بالطاولة، وفي تلك اللحظة، قبضت يد قوية على كتفي.
“أه؟”
رفعتُ رأسي، فوجدتُ رجلاً يقف أمامي.
كان طويلًا، بشعر أسود وعينين حمراوين كالدم.
عندما تحدث، بدا صوته منخفضًا وعميقًا، كما لو أنه خرج من تحت الأرض.
“هل أنتِ بخير؟”
“أوه… أهه…”
كانت رؤيتي ضبابية، لكنني عرفتُ شيئًا واحدًا-لم أره من قبل.
“إنه مخيف.”
إيميل كان يشبه أشعة الشمس الدافئة.
أما هذا الرجل، فكان مثل ذئب مفترس، ينتظر الفرصة للانقضاض.
شعرتُ بقشعريرة وسحبتُ كتفي بعيدًا عنه.
“م… من أنت؟”
خرجت كلماتي مشوشة من فمي، مما جعله يضحك بسخرية.
“أنا الشخص الذي كنتِ تنتظرينه وأنتِ في هذه الحالة المخزية.”
“ماذا؟”
كنتُ أنتظر أحدًا؟
“آه، لا بد أنه من قافلة بايل!”
استغرق الأمر لحظة حتى أدركتُ ذلك.
“لكن… لا يمكن أن يكون هذا الرجل هو من وضع الإعلان للبحث عن امرأة ذات شعر فضي وعينين خضراء؟!”
ضحكتُ بلا وعي، دون أن أدرك السبب، لكن الأمر بدا لي مسليًا جدًا.
“نعم، صحيح. كنتُ في انتظاركَ ، أجل.”
“أوه…”
تنهد الرجل بعمق، بينما واصلتُ الضحك بسذاجة، ربما كان ذلك بفضل الشجاعة التي منحني إياها الكحول.
في هذه اللحظة، كنتُ مستعدة حتى لمشاركته الشراب.
لكن يبدو أنه أدرك أنني لستُ في حالة مناسبة للحوار، إذ زفر بحدة ومدّ يده نحو وجهي.
“على الأقل، أظهري وجهك قبل أن تبدأي بالهذيان. أريد أن أتأكد أنكِ الشخص الذي أبحث عنه.”
لابد أنني فقدتُ صوابي للحظة. رغم أنني كنتُ متأرجحة بسبب السُكر، إلا أنني أدركتُ خطورة أن يُكشف وجهي أمام الجميع.
“لا! لا تفعل!”
“……؟”
إذا رآني أحد الآن، فسيكون هناك من يتذكرني لاحقًا.
“وهذا يعني أنني، حتى لو تمكنتُ من مغادرة مقاطعة كليين، فسوف تنتشر الأخبار بسرعة.”
إذا لم تسر الأمور على ما يرام مع هذا الرجل، فقد يُكشف أنني خططتُ للهروب. كان عليّ منع ذلك بأي ثمن.
تشبثتُ به بيأس وقلتُ:
“لا أريد أن يراني الآخرون! سأكشف وجهي فقط في مكان أكثر خصوصية!”
“هاه…”
تنهد الرجل مجددًا، لكنه لم يدفعني بعيدًا. ثم التفت إلى صاحب الحانة وأشار إلى الأعلى.
“سنصعد إلى الطابق العلوي قليلاً.”
“كما تشاء.”
لم أكن أعلم بوجود علية صغيرة في الطابق الثاني من الحانة.
قادني الرجل إلى هناك، لكنه لم يُغلق الباب تمامًا، بل وقف عند المدخل، عاقدًا ذراعيه.
“لقد أحضرتكِ إلى هنا كما أردتِ. إذن، أزيلي عباءتكِ الآن.”
“وااااه…”
يبدو أنني كنتُ ثملة جدًا.
فبمجرد أن أدركتُ أننا وحدنا في هذا المكان البعيد عن الآخرين، بدأتُ بالبكاء فجأة.
“إيميل… روزيان… كلاكما قاسيان جدًا.”
مع استرجاع خيانتهما، اجتاحتني موجة عارمة من الغضب والألم.
انهرتُ جالسةً على الأرض، واندفعتُ في البكاء.
“هاه…! إنهما فظيعان! أكرههما!”
“مهلاً، لماذا تبكين فجأة؟”
“أوووه! كيف يمكن لهما أن يكونا بهذا السوء! خطيبي وصديقتي كانا عاشقين طوال الوقت!”
“ماذا؟”
كنتُ أبكي بمرارة، والرجل بدا مرتبكًا وهو يراقبني.
لكنه، في النهاية، سحب منديلاً نظيفًا وقدّمه لي.
كان منديلًا بسيطًا وخاليًا من أي زخرفة، ومع ذلك، بدا غريبًا في يده القوية.
“امسحي دموعكِ أولًا.”
“شكرًا لك…”
لكن، وكأن عينيّ قد تعطّلتا، لم أستطع التوقف عن البكاء.
بمجرد أن لامستْ يدي المنديل، انفجرتُ مجددًا في البكاء.
“كيف يمكنهما فعل ذلك بي؟ كيف يمكن لهما خداعي هكذا؟”
“……”
تنهد الرجل طويلًا، ثم جلس بجواري على الأرض.
رغم حالتي المزرية، نظرتُ إليه.
لكنه لم يكن يحدق بي، بل كان ينظر إلى الجهة الأخرى، متحدثًا بصوت هادئ وجاف.
“ابكي كما تشائين، ثم تحدثي بعد ذلك.”
“أنتَ شخص لطيف، أليس كذلك؟”
“لستُ لطيفًا. فقط أنتظر حتى تتوقفين عن البكاء لأنني لا أستطيع التحدث معكِ هكذا.”
“وهذا ما يجعل منك شخصًا لطيفًا.”
“إذا كنتِ تقولين ذلك…”
مسحتُ دموعي أخيرًا، ونظرتُ إلى المنديل في يدي.
كان بسيطًا جدًا، بلا أي اسم أو زخرفة.
“ما هذا المنديل؟ إنه قبيح.”
عبس الرجل ونظر إليّ.
“إذا لم يعجبكِ، فأعيديه لي.”
“لا يمكنك استرداده بعد أن منحته لي. هذا تصرف سيئ.”
“أنا شخص سيئ أصلًا.”
“كاذب.”
إذا كان شخصًا سيئًا، فلماذا قد يعطيني منديلاً؟
“……شكرًا لك.”
يجب أن أردّ له المعروف.
بدأتُ أبحث في كيسي عن إبرة وخيط.
“ماذا تفعلين؟”
“انتظر لحظة فقط.”
لكن، ربما لأنني كنتُ ثملة، لم أستطع رؤية الخيط بوضوح.
“ما هذا؟ لماذا لا أستطيع إدخال الخيط في الإبرة؟”
بينما كنتُ أرتبك، مدّ الرجل يده وأخذها مني.
“أنتِ ثملة، من الخطر أن تلعبي بالإبر. أعطيني إياها.”
“خطر؟ الإبرة؟”
لم تكن الإبرة أبدًا خطرًا بالنسبة لي.
“الإبرة كانت رفيقتي منذ صغري.”
حتى قبل أن أولد… ربما، كنتُ دائمًا معها.
“إذا كان لديكِ إبرة وخيط، يمكنكِ أن تصبحي ساحرة عظيمة أيضًا، إيفون.”
تردد في أذني صوتٌ قديم، ربما كان صوت أمي.
كأنني مسحورة، رفعتُ الإبرة وقبلتُ طرفها.
وفجأة، بدأت الإبرة تتحرك من تلقاء نفسها، دون أن يمر الخيط من خلالها.
“هاه…!”
اتسعت عينا الرجل بصدمة، لكنه بدا طريفًا جدًا.
ضحكتُ عليه، ثم فجأة، شعرتُ بجسدي ينهار وسقطتُ إلى جانب.
ثم… ظلام دامس…..