دوق ، هل تُحب الدمىَ المحبوكةَ؟ - 6
لم يكن بإمكاني إخبار الخادمة بكل شيء، لذا اكتفيتُ بابتسامة باهتة.
لكنها لم تكن راضية، بل نظرت إليَّ بنصف عين.
بالطبع، فهي التي ستضطر إلى تنظيف هذه الفوضى وغسل ملابسي الموحلة.
وبينما كانت تنفض الأوساخ عني، لاحظت الدمية التي سقطت على الأرض فيبي. فزمَّت شفتيها بضيق.
“كم عمرك الآن وما زلتِ تحملين هذه الدمية معك؟ قريبًا ستتزوجين، يا آنستي.”
تشنج فيبي للحظة، وكأنها ستتحرك من تلقاء نفسها، فالتقطتها بسرعة وعانقتها، خشية أن تنكشف حقيقتها.
وقفتُ ببطء، لتنهال كومة من الغبار والتراب عن تنورتي، فظهر الامتعاض على وجه الخادمة.
“أوه، لا بد أنني بحاجةٍ إلى مكنسة.”
ابتعدتُ جانبًا بينما خرجت لتحضر المكنسة ، ثم بدأتْ تنظيف الأرضية.
كنتُ أراقبها بصمت، قبل أن أتردد قليلًا، ثم تجرأت وسألتها:
“لنفترض فقط…”
“نعم؟”
ترددتُ للحظة. هل كان من المناسب أن أسألها هذا؟ لكن لم يكن لدي أي شخص آخر لأتحدث معه.
أصدقائي الوحيدون في هذا المكان كانوا إيميل وروزيان، والآن… لم أعد واثقة بشأنهما.
خفضتُ صوتي وسألتها:
“ماذا لو لم يكن إيميل يريد الزواج بي؟”
ضحكت الخادمة بصوت عالٍ، وكأن سؤالي كان مزحة سخيفة.
ثم، بعد أن هدأت ضحكتها، نظرت إليَّ بلطف ونفضت الغبار عن شعري وهي تقول:
“يا آنستي، كم عدد الزيجات التي تتم بدافع الحب الحقيقي؟ في النهاية، الجميع يتكيف مع الأمر ويجدون طريقة للتعايش.”
تابعت حديثها بنبرة عادية، وكأن الزواج مجرد حدث عابر:
“الأمر نفسه بالنسبة لي. طالما أنني لن أغادر هذه المنطقة، فمن المحتمل أن أنتهي بالزواج من شخص من هنا، شخص أعرفه بالفعل…”
ثم اتسعت عيناها فجأة، كما لو أنها تذكرت شيئًا مهمًا.
“آه، صحيح! لقد رأيت إعلان توظيف غريبًا في السوق!”
“إعلان توظيف؟”
“نعم! إنهم يبحثون عن شخص لديه شعر فضي وعينان خضراء، تمامًا مثلكِ! الوظيفة في العاصمة.”
شعرتُ بتجعد حاجبيَّ تلقائيًا.
إعلان يبحث عن شخص بمواصفات دقيقة كهذه؟ هذا يبدو غريبًا للغاية.
لكن الخادمة، على العكس مني، بدت حالمة وهي تحدق في شعري.
“لو كنتُ أملك جمالك، لكنتُ قد غادرت هذه المنطقة منذ زمن. كم هذا محبط!”
“ألا يبدو الأمر مريبًا بعض الشيء؟”
“لكن صاحب الإعلان هو من قافلة “بايل”، وهي الأكثر موثوقية في المملكة!”
ترددتُ.
“إن كانت قافلة بايل، فمن المستبعد أن يكون الأمر متعلقًا بالاتجار بالبشر أو شيء من هذا القبيل.”
بالإضافة إلى ذلك، لم يتضمن الإعلان أي شروط إضافية مثل الوزن أو الجمال، فقط لون الشعر والعينين.
سألتها مجددًا:
“هل الأجر مرتفع؟”
“نعم، إنه مغرٍ جدًا! لكن الأهم من ذلك، إنها فرصة لمغادرة هذا المكان! من يدري؟ ربما ستجدين الحُب هناك!”
“حقًا…”
“الحُب؟ لم أستطع العثور عليه هنا، فهل سأجده في العاصمة فجأة؟”
كنتُ مشككةً للغاية، لكنني لم أرغب في تحطيم أحلامها، لذا اكتفيتُ بإجابة فاترة.
بعد أن ودعتها وأغلقت الباب، جلستُ أفكر في كلماتها.
“إذن… يمكنني الذهاب إلى العاصمة.”
طوال حياتي، كنتُ أعتمد بالكامل على عائلة كليني. لكن هذا الإعلان…
“إنه فرصةٌ للخروج من هنا.”
لاحظ فيبي التغيير في تعابيري، ورفرف بجناحيه بقلق.
“إيفون، بماذا تفكرين؟ لا تقولي إنك تفكرين في التقدم لهذا الإعلان؟!”
“أليس الأمر مثيرًا للاهتمام؟”
“إيفون!”
أعلم أنه مريب. أعلم أن البحث عن شخص بمواصفات محددة أمر غير طبيعي.
لكن…
“الزواج من إيميل لم يعد خيارًا.”
لو لم أكن أعرف الحقيقة، ربما كنتُ سأستمر في خطتي كالمعتاد. لكن الآن بعد أن رأيت بعيني، لا يمكنني ببساطة التظاهر بأن شيئًا لم يكن.
عضضتُ شفتي بقوة.
“وفي الوقت نفسه، لا يمكنني ببساطة إلغاء الخطوبة.”
الكونتيسة كليين كانت متحمسة جدًا لهذا الزواج، ولن تقبل بالرفض بسهولة.
علاوة على ذلك، الجميع في المنطقة يعلم أنني سأتزوج إيميل .
التراجع الآن سيكون فوضويًا.
بعد لحظة صمت، خفق فيبي بجناحيه وسأل بحذر:
“ماذا لو حاولتِ التحدث معهما؟ أخبريهما أنكِ تعلمين بحبهما، واطلبي منهما إقناع الكونتيسة بإنهاء الخطوبة.”
لم يكن الأمر أنني لم أفكر في اقتراح فيبي. لكن…
“هل من الممكن حقًا أن الكونتيسة لم تكن تعلم بعلاقة إيميل وروزيان؟”
أنا نفسي لم أدرك الأمر لفترة طويلة، لذا ربما لم تكن تعلم.
ولكن، بالنظر إلى سلوكها، بدأت أعتقد العكس أنها كانت على علم بكل شيء، بل وربما كانت تضغط عليهما للانفصال.
هذا يفسر سبب إصرارها الشديد على الإسراع في زواجنا.
“إنها تحاول إنهاء الأمر بسرعة. حتى لو حاولنا إقناعها، فلن تتراجع بسهولة.”
هز فيبي رأسه بعناد.
“لا يوجد والد يستطيع هزيمة ابنه. إذا كان إيميل جادًا حقًا، فقد تعارض والدته في البداية، لكنها ستقبل في النهاية.”
لكن هذه الفرضية تفترض شيئًا مهمًا أن إيميل نفسه يريد التحدث إلى والدته وإقناعها.
لكن هل يمكنني الوثوق بأنه سيفعل ذلك؟
إنه نفس الشخص الذي تقدم لي بالزواج، رغم مشاعره تجاه روزيان.
لم أستطع تصديق أنه قد يغير موقفه فجأة ويقف ضد والدته.
أجبتُ بصوت منخفض:
“أسوأ سيناريو بالنسبة لي هو أن يطلب مني إيميل بهدوء أن أتزوج به على أي حال.”
“إذا كنتِ تتجاهلين الأمر، فسيكون والدانا سعداء، ويمكننا الاستمرار في علاقتنا بالسر.”
هذا ما قد يقوله لي.
“وهذا هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث.”
هل كان هذا هو المصير الذي عانت منه “أنا” في المستقبل؟
مجرد التفكير في ذلك جعل دمي يبرد.
“إذا قال ذلك، فلن أتركه وشأنه!”
كان فيبي يرفرف بجناحيه بغضب، وكأنه يستطيع قتله الآن.
ضحكتُ، ثم قبلت وجنته بلطف.
“شكرًا لكَ، فيبي. بفضلك، أشعر بشجاعة أكبر.”
حتى لو لم يتدخل فيبي، لن أقبل أبدًا بمثل هذا المصير البائس.
ولهذا السبب، كنت بحاجة إلى خطة للهروب من هذا الزواج.
“مثلاً… أن أسافر إلى العاصمة لبعض الوقت.”
إذا لم أكن زوجة إيميل ، فلن يكون لدي سبب للبقاء في قصر كليين.
أومأ فيبي موافقًا.
“هذا صحيح. لقد قضيتِ حياتك كلها هنا. لا يمكنك الزواج من رجل لمجرد أنه الوحيد المتاح. هناك الكثير من الرجال الوسيمين في العالم!”
“بالطبع، لكن أوسمهم هو أنتَ، فيبي.”
“بالطبع، هذا لا يحتاج إلى نقاش!”
رؤية فيبي يتفاخر بنفسه جعلتني أضحك. ثم قبلت ريشه الأبيض الناعم بلطف.
“سأخرج للتحقق من إعلان التوظيف. انتظر هنا، حسنًا؟”
وضعتُ فيبي على السرير، وارتديت رداءً فضفاضًا، ثم خرجت من الغرفة.
اتضح أن الإعلان كان مشهورًا جدًا، فبمجرد أن سألتُ أحد المارة، أجابني بلطف:
“اذهبي إلى ذلك النزل، وتحدثي مع صاحبه. سيقوم باستدعاء شخص من قافلة بايل.”
اتجهتُ إلى النزل، وأنا أفكر…
“هذه هي المرة الأولى التي أخرج فيها وحدي.”
منذ أن أصبحتُ تحت رعاية عائلة كليين ، لم أخرج إلا نادرًا، ودائمًا كان هناك أشخاص يرافقونني.
وخاصة الكونتيسة، التي كانت تصاب بنوبة من الهلع إذا رأى أحد وجهي، مما جعل الخروج من العربة شبه مستحيل.
لذا، المشي وحدي في الشوارع الآن كان شعورًا غريبًا.
“أنا متوترةً، لكن في نفس الوقت، أشعر بالإثارةِ.”
وصلتُ إلى النزل وفتحت الباب.
لم يكن هناك أحد في الداخل، لأن الشمس لم تغرب بعد.
نظر إليّ صاحب النزل وهو يمسح طاولة، ثم قال بتعجب:
“لسنا مفتوحين بعد.”
“آه… جئتُ بسبب إعلان التوظيف من قافلة بايل.”
“أوه، حسنًا. اجلسي وانتظري.”
بحثتُ عن مكان مناسب وجلستُ في أحد الأركان.
لاحظ صاحب النزل أنني أخفي وجهي بردائي، لكنه لم يسأل شيئًا، وعاد إلى عمله.
بينما كنتُ جالسة هناك، بدأت أفكر مجددًا.
“متى بدأوا بخداعي؟”
لم أستطع العثور على إجابة، وكلما فكرتُ أكثر، زاد غضبي.
هززتُ رأسي بقوة، محاولًة إبعاد الأفكار السيئة.
“على الأقل، اكتشفتُ الأمر قبل الزواج.”
“كل هذا بفضل فيبي… لأنني رأيتُ لمحة من المستقبل.”
رفعتُ يدي، محاولةً إشغال نفسي بشيء آخر.
“سيدي، أريد كوبًا من البيرة.”
“كوب واحد؟”
“نعم، أشعر بالملل.”
“حسناً، احضريه بنفسك من هناك.”
أشار إلى برميل خشبي كبير في الزاوية.
نهضتُ وسرتُ بتردد، ثم أمسكتُ بكوب زجاجي وفتحت الصنبور.
تدفقت الجعة الذهبية برغوة ناعمة، وملأت الكوب بصوت جذاب.
عدتُ إلى مقعدي، وحدقتُ في الشراب في يدي.
في الواقع…
“هذه هي أول مرة أجرب فيها الكحول.”