6
ظلّ مظهر كاليوس طفوليًا، لكن بالمقارنة مع حاله قبل قليل حين لم يستطع حتى الكلام، كان هذا تطورًا هائلًا، أو بالأحرى نموًا هائلًا.
“كيف تجرؤين على حشر الطعام في فمي هكذا….”
كان لا يزال تحت وقع الصدمة من أنه أُجبر على ابتلاع الخضروات الخضراء.
لكن ديزي تجاهلت شفتَيه المزمومتين وأعادت ترتيب الموقف:
“لا أعرف السبب بدقة، لكن من الواضح أن سبب توقف نموك، يا سيدي كاليوس، هو انتقاؤك للطعام.”
تمامًا كما يحتاج الطفل ليصبح بالغًا قويًا أن يأكل بتوازن، فإن الأمر انطبق الآن على كاليوس.
فما إن فهم كاليوس كلامها، حتى احتقن وجهه بالاشمئزاز:
“إذن عليّ أن آكل تلك الأعشاب الخضراء المقززة من الآن فصاعدًا؟”
“يبدو أن الأمر كذلك.”
“اللعنة!”
أطلق كاليوس شتيمة لا تليق بطفل في مثل هيئته. عندها رمقته ديزي بنظرة غاضبة وقالت بحدّة:
“إذن تريد أن تعيش طيلة حياتك قزمًا صغيرًا دون أن تكبر؟”
“هذا…”
عضّ كاليوس شفته، بينما كانت ديزي تحدق فيه بعينين ضيقتين.
‘…أيعقل أن يكره الخضار إلى هذا الحد؟’
لكنه كان يعلم أكثر من أي شخص آخر أن التضحية بقوة أعظم ساحر في القارة لأجل كره الخضروات أمر غير مقبول.
أخيرًا، اضطر كاليوس أن يلوِّي وجهه ويهز رأسه بالإيجاب.
“حسنًا! سأفعلها! تلك الأعشاب التافهة، لست عاجزًا عن أكلها… على الأرجح.”
وهكذا بدأ من جديد مشروع ضخم بعنوان: عملية إصلاح عادة انتقاء الطعام عند الساحر الأعظم العَنيد!
—
“مرحبًا، هل أستطيع شراء بعض الخضار؟”
“ماذا تريدين بالضبط؟”
“دعني أرى… جزر، بصل، بطاطس، بصل أخضر، باذنجان، ملفوف، خيار…”
كانت ديزي تعدّ الأصناف على أصابعها حين صرخ كاليوس فجأة:
“ماذا؟ أتنوين إجباري على أكل كل ذلك؟ مستحيل!”
لقد كان صوته أشبه بزئير الساحر الأعظم الذي يهدم الجبال ويفلق البحار.
لكن لأحدهم بدا المشهد مختلفًا تمامًا.
“يا إلهي، أهو شقيقك الصغير؟ كم هو لطيف!”
ابتسم بائع الخضار ووجّه كلامه إلى كاليوس ذي المظهر الطفولي.
“مرحبًا، هل تكره الخضار يا صغيري؟”
“أنا أبغضها!”
“تبغضها؟ يا لك من طفل ذكي تستعمل كلمات صعبة.”
“كيف تجرؤ على مناداتي بالطفل الصغير…!”
“شش، هس! كالي! ألم تعدني بألا تفتعل نوبات الغضب خارجًا؟ تذكر؟”
ثم انحنت ديزي وهمست في أذن كاليوس:
“سيدي كاليوس، إن لم تلتزم الهدوء، فسأجبرك اليوم على شرب عصير خضار طازج.”
“ماذا؟”
“أو ربما… تريد أن يكتشف الناس أن الساحر الأعظم كاليوس عالق الآن في جسد طفل صغير؟”
“غغ…”
زمجر كاليوس وأدار رأسه بعصبية.
كانا في الواقع يتبضعان في أقرب قرية إلى غابة الغرب.
فبعد أن فحصت ديزي مخزن الطعام، لم تجد سوى خبز متعفن وبيض غامض، أما باقي المؤن فقد نفدت تمامًا.
لذلك، ورغم عدم ثقته بديزي، قرر كاليوس مرافقتها بنفسه. وكانت النتيجة أن اضطرت ديزي لجرّ “قنبلة موقوتة” معها بين شوارع القرية.
لم يخطر ببال بائع الخضار أن الطفل اللطيف أمامه هو “ساحر غابة الغرب الأعظم”، فأعطى ديزي كيسًا ممتلئًا بالخضار وأضاف مبتسمًا:
“هاها، لأن شقيقك الصغير ظريف جدًا، سأضيف جزرتين مجانًا. استمتعا!”
“أوه، شكرًا جزيلاً. كالي سيحبها كثيرًا. وهذه هي النقود.”
“أوه، كم يؤلمني أن يُهدر مالي على أشياء عديمة الفائدة كهذه…”
تمتم كاليوس باستياء، لكن ديزي تجاهلته مشيرة إلى مقعد خشبي في جانب الطريق:
“أعتقد أننا اشترينا كل ما نحتاجه. فلنسترح قليلًا هناك قبل العودة.”
اتجهت بخطى واثقة إلى المقعد وجلست، وجلس كاليوس بجانبها.
راح يحرّك ساقيه القصيرتين اللتين لم تصلا إلى الأرض، ثم التفت حوله بدهشة طفولية:
“والآن أدرك… لقد مر زمن طويل منذ أن خرجت من الغابة.”
“ومنذ متى لم تخرج؟”
“تقريبًا… ثلاثة وعشرون عامًا؟”
اتسعت عينا ديزي وفتحت فمها في صدمة:
“هاه؟!”
“ما هذا الصوت الغريب؟”
“كم… أقصد، كم هو عمرك حتى لم تغادر الغابة لثلاثة وعشرين عامًا؟”
بلغ السحرة الذين وصلوا إلى درجة معينة مرحلة لا يكادون فيها يشيخون، وهذا أمر كانت تعرفه.
‘لكن المعرفة شيء، ورؤيته بأمّ العين شيء آخر.’
تحت نظراتها التي تكاد تنظر إليه كما لو كان حيوانًا نادرًا، أدار كاليوس رأسه بحدّة.
“لقد عشت أكثر منك بعشر مرات على الأقل. أما ما فوق ذلك فليس من شأنك!”
“واو…”
تنهدت ديزي بإعجاب.
‘وهو بهذا العمر كان يغازل الأميرة ادريانا التي تصغره بمئة عام على الأقل؟’
لم يكن سوى لصٍّ خالص. لا عجب أن الناس يطلقون عليه لقب “ساحر البرج الغربي الشرير”.
“كاليوس، كنتَ حقًّا نذلًا عظيمًا.”
“أيتها الجريئة، ماذا قلتِ لتوِّك؟”
“لا شيء على الإطلاق. المهم أننا ارتحنا بما فيه الكفاية، فلننهض الآن.”
بدا أن كاليوس يهمّ بتوبيخها، غير أن ديزي تجاهلت الأمر ونهضت من مكانها.
لكن…
“هاه؟”
فجأة أحست بأن قواها تتسرب من أطرافها، ودوارًا يثقل رأسها، وبشرتها تفقد الإحساس. جفناها صارَا كأنهما يحملان حجارة.
إحساس غريب لكنه مألوف.
-تَرَك.
سقطت ديزي إلى الأرض بلا حول ولا قوة، وهي تصرخ في داخلها.
‘يا إلهي، نسيت أن اليوم هو ذلك اليوم!’
لقد ظهرت أعراض المرض المستعصي الذي ساقها إلى هذا الغور النائي، غابة الغرب.
في الأوقات المعتادة كانت تتحسّب لليوم، فترتب أن تغيب عن الوعي في بيتها، لكن وسط كل الفوضى التي جرت نسيت أمر الدورة تمامًا.
‘لااا، أحد ينقذ ديزي…’
أطبقت عينيها وأُغشي عليها، راجيةً أن تستيقظ تحت سقفٍ مأمون.
—
“آه… آه… يا ويلي، ديزي ستموت.”
تأوهت ديزي وهي تمسك رأسها المثقل وتجلس بصعوبة.
“…أتذكر أنني فقدت وعيي في الطريق، لكن… أين أنا؟”
مالت برأسها متحيّرة، وإذا بصوت مألوف يرن فجأة.
“هذا هو المرض إذن؟”
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه ديزي حين رأت صاحبه.
“كاليوس! لم تتركني وترحل!”
“لو رحلت، لكنتُ أنا نفسي في ورطة.”
“كم من الوقت مضى منذ أن سقطتُ؟”
“يوم وزيادة قليلًا.”
“وهنا…؟”
“نُزل قريب.”
اتسعت عينا ديزي دهشة.
“أأنت من حملني إلى هنا؟”
“ذلك هو…”
وبينما كانت تفكر كيف تمكن بجسده الصغير من نقلها، دوّى طرق خفيف وصوت منخفض.
“أيها الصغير، سأدخل.”
“ها؟ أ… أجل؟”
وقبل أن تسنح لها فرصة للرد، فُتح الباب بمقبضه.
دخل رجل ذو شعر أحمر مائل إلى البني وملامح أنيقة متزنة. توقف فجأة حين رأى ديزي جالسة على السرير وقد أفاقت.
“آه، لم أعلم أنكِ استيقظتِ. عذرًا على الإزعاج.”
“لا… لا بأس.”
تراجعت ريبة ديزي سريعًا أمام طلعته المشرقة، بل المطمئنة.
“لكن من تكون؟”
“اسمي فيل. فارسٌ جوّال.”
كان هو من نقل ديزي إلى هذا النزل حين سقطت.
“يا للعجب!”
نادراً ما يصادف المرء رجلاً طيبًا كهذا في زمن كهذا. انحنت ديزي له برأسها.
“شكرًا لك. لولاك لكنت نمت في العراء وأصبتُ بالشلل!”
ابتسم فيل ابتسامة خفيفة أمام كلامها العفوي.
“الحمد لله أن الآنسة قد أفاقت بسلام.”
“نادني ديزي، لا آنسة.”
“حسنًا، آنسة ديزي.”
كان فيل على غير عادة الفرسان الجوّالين، يحمل في نفسه لطفًا ورقّة بالغة.
‘لم أرَ في حياتي فارسًا جوّالًا وسيماً، طيبًا ونظيفًا هكذا! مذهل!’
أبرقت عينا ديزي فضولًا وهي تطرح عليه الأسئلة.
“لكن… ما الذي جاء بك يا سير فيل إلى هذه القرية النائية؟”
“مررتُ بها مصادفةً في رحلة تدريبية.”
“رحلة تدريبية…؟”
فارسٌ جوّال في “رحلة تدريبية”، وليس مجرد مرتزق متنقل؟
هذا تعبير لم تسمعه إلا في قصص الحكايات. نظرت ديزي إليه من أعلى إلى أسفل خلسة.
‘لا بد أنه من بيتٍ كريم.’
حينها فقط فهمت ملامحه الواثقة وسلوكه المهذب.
‘الكرم لا يخرج إلا من المخازن العامرة.’
وبينما كانت غارقة في أفكارها، قطع فيل شرودها بلهجة قلقة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات