4
“سارة! سارة! انهضي وتحركي!”
كان ذلك صوت أمي.
رمشت ثلاث مرات وأدركت أنني عدت أخيرًا إلى غرفتي.
كان الصباح قد حلّ.
كنت أرتدي ملابس الأمس وأحتضن وعاء الفشار الفارغ ذاته.
لو كنت نمت أكثر من ليلة واحدة، لكانت أمي قد أخذت الوعاء الفارغ مني، أليس كذلك؟
نهضت من السرير ووجدت أمي تنظف أسنانها في الحمام.
قلت “أمي، أي يوم اليوم؟”
فكررت ببرود وهي تبصق رغوة النعناع في المغسلة
“أي يوم؟ إنه السبت”.
قلت متحيرة
حقًا؟ أشعر وكأنني نمت أيامًا”.
ضحكت قائلة “لست مستغربة، لقد نمتِ كالميتة. هل تتذكرين زيارة رايتشل؟”
صرخت “لا! هل جاءت؟”
قالت “أحضرت لكِ كيسًا من الملابس. موجود في الزاوية.
بالمناسبة، متى عليكِ الخروج؟ الساعة تقترب من التاسعة”.
الحمد لله كان لدي وقت كافٍ لأرى ما الذي أحضرته رايتشل.
أمسكت بالكيس الوردي. قدوم رايتشل بالملابس بالنسبة لي كان حدثًا لا يقل أهمية عن عيد الميلاد.
فتحت الكيس، فوجدت ثلاثة بناطيل جينز بلا ثقوب غير أنيقة عند الركبتين أو أطراف مهترئة… لا تزال مهترئة قليلًا، لكن بطريقة عصرية.
وذلك هو المهم. كان هناك سترة مخططة بالأسود والرمادي، وفستان لامع ضيق للغاية يكشف عن الجسد بطريقة لا أملك الجرأة لارتدائه أبدًا، وحذاءا باليه.
كم كنت ممتنة لأن قدمي تحمل نفس مقاس أختي الكبرى.
ارتديت أحد الجينزات والسترة.
كان امتلاك ملابس جديدة أمرًا مثيرًا لدرجة لا تسمح بعدم ارتدائها فورًا.
غسلت أسناني وخرجت مسرعة من البيت. كنت في طريقي لأن أصل في الوقت المحدد لعمل الحضانة.
‘ يا لها من سعادة!’
طوال ذلك اليوم، تعاملت مع أطفال يصرخون وأنا أفكر فيما حدث في القصة.
(م/م: هلا جاتني لحظة ادراك بتعرفوا إيفاندر في اول فصل لما هي دقت عليه الباب كثير ومجاوب ، معناها هو كانداخل القصة ولما دفت الباب عليه طلعته منها لهيك غضب هممم? وانتوا ايش تقولون 🤔)
كانت هناك أفكار غريبة ترتد داخل رأسي لأنني لم أستطع فهمها.
ظننت أن إيفاندر جعل سارافينا شقراء ذات تجعيدات لأنه أراد امرأة تشبهه، امرأة جميلة لأنها تشبهه.
لكن عندما رأيت تريمر، انهارت هذه النظرية، لأن أول شيء غيّره في نفسه كان شعره. غريب.
ثم فكرت في الملابس.
كان لدي اعتقاد أنه أراد فتاة من نفس مستواه المالي، ولذلك جعل بطلة قصته أميرة.
لكن هذه الفكرة تحطمت أيضًا. لم يكن يبدو أنه سيتزوجها بسبب كونها أميرة، بل بسبب قدرتها على تحمّل حياته.
الحقيقة أنّني… لم أكن أعرف شيئًا عن إيفاندر.
في نهاية اليوم، كنت قد أنهيت ست ساعات من مجالسة الأطفال وربحت خمسين دولارًا فقط، وهو مبلغ أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور.
شكرت الأم المرهقة وخرجت إلى ممر المبنى أدس المال في جيبي.
كيف لي أن أوفّر للجامعة بهذه الأجور الضئيلة؟
في ذلك المساء، ذهبت إلى مكتبة ستانلي ميلنر واستخدمت أحد أجهزة الحاسوب للبحث عن عمل بدوام جزئي.
كان هناك الكثير من الأشياء التي لا أستطيع فعلها أو لست جيدة فيها.
جربت العمل في الوجبات السريعة من قبل. الوقوف طوال الوقت كان لا يُحتمل. صحيح أنني أستطيع المشي إلى الأبد، لكن الوقوف بلا حركة كان مرهقًا جدًا.
وأنا أحدق في الشاشة محاوِلة التركيز في إعلانات الوظائف، لم أستطع التفكير في شيء أريده سوى أمر واحد أن أعرف ماذا كان سيحدث لو لم أفقد الوعي حين كان تريمر يحملني.
وحين نظرت من فوق حافة المكتب، رأيت كعب كتاب إيفاندر داخل حقيبتي.
في الحقيقة، أحد أسباب مجيئي إلى المكتبة كان لأنني ظننت أنه إن قرأت الكتاب هنا، فسوف يوقظني الموظفون عند وقت الإغلاق.
استسلمت للإغراء، أحضرت حقيبتي وجلست على أحد المقاعد الجلدية في نهاية الردهة حيث يراها الجميع.
حمل تريمر الأميرة سارافينا على الطريق المتعرج ودخل بها إلى فناء القلعة.
كانت خفيفة كريشة بين ذراعيه المعتادتين على حمل أجساد جنوده الضخمة.
صعد بها سلالم عديدة، حريصًا على إسكانها بعيدًا عن القبو قدر الإمكان.
كانت لقلعته أسرار، وكان يريدها بعيدة عنها.
وضع رأسها على الوسادة في السرير المُعد لها، وتركها مع خادمة مسنة كان قد استدعاها من العاصمة للاهتمام بها.
بعد أن اطمأن عليها، اندفع على السلالم نحو الأبواب الحديدية التي تقود إلى الطوابق السفلية.
كان عقله مضطربًا وهو يزيل الحواجز.
لقد رأى بنفسه جثة كائن كابريكورن مربوطة إلى الشاطئ.
لم يكن يعرف إلا شخصًا واحدًا قادرًا على فعل شيء كهذا.
والمشكلة أنه لم يستطع تصديق أنهم تجرؤوا على ذلك.
أغمضت عينيّ للحظة في حلم جميل، وعندما فتحتهما وجدت نفسي مرة أخرى في عالم إيفاندر.
انحنى المقعد الجلدي بلطف وتلاشت مكتبة المدينة، لأجد نفسي ممددة على سرير ناعم.
كنت قد قضيت يومًا كاملًا في العالم الحقيقي، ولم يكن جسدي الحقيقي يعاني من آثار المشي حافية على الصخور طوال الليل ثم طوال اليوم.
لكن بمجرد عودتي إلى داخل الكتاب، بدأ جسدي يشعر بالألم. كانت أطرافي وقدماي تؤلمانني كما في نهاية الفصل السابق.
ثم سمعت صوتًا في الطرف الآخر من الغرفة، وأدركت أنني لست وحدي.
كانت ستائر النافذة مسحوبة، والمدخل الوحيد للهواء كان بابًا خشبيًا منقسمًا إلى نصفين. أسفله مغلق وأعلاه مفتوح يدخل منه هواء المساء.
كان هناك طاولة بيضاء صغيرة على يمين السرير، فوقها شمعة فضية مشتعلة وكأس كريستال مليئة بماء متلألئ.
في الزاوية خزانة بيضاء منقوشة بورود زرقاء وكروم جميلة، وكان هناك كرسيان مذهبين بمقاعد بيضاء.
وعلى أحدهما جلست امرأة عجوز تحيك شيئًا أبيض.
قلت “من أنتِ؟”
قالت “هيلدا. سأكون وصيفتك”
بدت كأنها في السبعين من عمرها.
كانت ترتدي فستانًا يشبه ملابس الملكة إليزابيث الأولى، وشعرها مضفور في كعكة منخفضة.
عيناها حادتان وهي تحدق بي.
قالت بصرامة “قبل مجيئي إلى هنا، كنت أخدم الملكة، زوجة أب تريمر.”
قلت “حقًا؟ وكيف هي؟”
قالت بظلام في صوتها
“لا تشبهك أبدًا.
المجيء إلى القلعة حافية وبدون قبعة… أمر لا يتصور. تمامًا كتصرفات أم تريمر. أنتِ محروقة بالشمس. هل تعلمين؟ مثلها تمامًا”
هززت رأسي “حسنًا… تبدو لطيفة. هل تزور المكان كثيرًا؟”
قالت وهي تبصق شيئًا أسود في منديلها
“أبدًا. إنها ميتة”
حدّقت بها.
كنت على وشك أن أقول شيئًا مواسيًا، لكن الحقيقة أنها لم تكن تحزن على أحد.
مرت دقائق صامتة قبل أن تبصق مرة أخرى، فسألتها
“هل تمضغين التبغ؟”
لم تجب، بل أطلقت زفيرًا متعاليًا ثم نهضت وخرجت مسرعة وأغلقت نصف الباب.
كان الليل قد حل، فبقيت ساكنة، ولدهشتي نمت بين ملاءات الكتان في قلعة إيفاندر الخيالية.
عندما استيقظت في الصباح التالي وما زلت داخل الكتاب، تفاجأت.
ظننت أن أحدًا سيوقظني في العالم الحقيقي حالما تهدأ الأحداث قليلًا.
لكن لم يفعل أحد شيئًا. على الرغم من أنه كان بالأمس فقط، فقد نسيت تمامًا تلك الأيام التي عشتها هناك بينما مرّت ليلة واحدة فقط في الواقع.
ابتسمت, ربما لم يمضِ سوى بضع دقائق في مكتبة المدينة, كان لدي وقت كافٍ.
لاحظت صينية بجانب سريري، كان الطبق مغطى بغطاء معدني.
انحنيت ونزعته، ثم حدقت.
لم أتناول سلطة على الإفطار من قبل، لكن كانت هناك واحدة. بدت كسلطة خضراء عادية إلا أن عليها بيضتين مقليتين.
أنا عادةً أتناول حبوب تشيريوز. كان هناك طبق صغير من الصلصة على الصينية، فسقيت السلطة كلها بها بسرعة.
وعندما تناولت لقمة، لم يخيب فمي كان طعمها لذيذًا.
ما إن انتهيت من الأكل حتى طُرق الباب ودخل تريمر.
كان يرتدي تقريبًا الملابس نفسها التي لبسها بالأمس، إلا فرقًا ملحوظًا عدد الضمادات على ذراعيه ازداد كثيرًا، وكان مغطى من كتفيه حتى معصميه.
كان يحمل صينية.
“صباح الخير”.
شعرت بالحرج فورًا.
لقد أحضروا لي الفطور بالفعل”.
ابتسم بلطف وجلس على الكرسي بجانب السرير.
“هذه ليست طعامًا. إنها أدوات طبية. جئت لأغيّر ضماداتك.”
لم أكن قد أدركت حتى أن قدمي كانت ملفوفة بالضمادات.
أدخلت يدي تحت الغطاء لأتأكد.
“هل ستفعل ذلك بنفسك؟”
سألت بحذر.
قال “اهدئي. أنا جيد في معالجة الإصابات. أخرجي قدمك وسألقي نظرة.”
الضمادات على ذراعيه جعلتني أطمئن، فأخرجت ساقي من أسفل الغطاء وأسندت كاحلي على ركبته.
بلطف، فك الضمادات عن قدمي اليمنى وبدأ ينظف الجروح بسائل قوي الرائحة من زجاجة خضراء صغيرة.
وقال “قبل أن نتزوج الليلة، أحتاج أن أتحدث معك.”
قلت وأنا أنظر إلى جروحي “نعم.”
كانت الجروح تبدو وتشعر بأنها حقيقية، وكذلك أصابعه على قدمي غير المعتنى بها جيدًا.
أردت أن أسحبها تحت الغطاء خجلًا، لكنه كان قد بدأ العمل، وكان يقول شيئًا لا أستطيع تجاهله.
قال “لماذا تريدين الزواج مني؟”
قلت “هاه؟”
ونظرت في عينيه.
في الواقع، لم أكن قد نظرت جيدًا في عيني إيفاندر من قبل.
كانت هناك نقاط سوداء فيهما.
هل كانت دائمًا هناك أم أنها جزء من قصته؟
ثم أدركت أنني شارفت على التشتت وهو ينتظر إجابة، فسردت ما قيل لي في ليليكِين عن أن الزواج منه سيساعد على تخفيض الضرائب عن الناس.
ارتفعت زاوية فمه بابتسامة حزينة.
“أنتِ فتاة شجاعة. هل تمانعين إن سألتك شيئًا مباشرًا؟”
هززت رأسي بالنفي.
قال “هل كان الزواج من مورمور مستحيلًا لسبب ما؟”
قلت “ماذا تعني؟ لقد التقيت به في ليليكِين. بدا وكأنه يريد الزواج مني، لكن والديّ كانا مصرّين عليك.”
قال “لماذا؟ كان بإمكانك الحصول على تخفيض أفضل بكثير لشعبك لو تزوجته بدلًا مني.”
جلست مستقيمة. “حقًا؟ لماذا؟”
بدا متحيرًا، ثم رفع يده بتعب ولوّح بها أفقيًا كما لو كان يقطع الهواء.
“لأنني لن أكون ملكًا أبدًا.”
قلت بهدوء “لا أفهم.”
لماذا يُسلب عرشه في كتابه الخاص؟
“ألست أنت ولي العهد؟”
قال “نعم، لكنه لا يعني الكثير. أعيش هنا لحراسة الشاطئ من الغزاة عبر البحر، ويُعتقد أنني سأموت أثناء ذلك.
لكن عائلة الملك تأمل أن أنجب طفلًا غير شرعي قبل أن أموت.
تعرفين النوع؛ طفل يستخدمونه لدعم الحرب دون أن يكون له حق شرعي في العرش.
باختصار، يريدون دمي لكنهم لا يريدون دفع ثمنه.”
حدقت به وفمي مفتوح.
لم أتخيل أن إيفاندر سيفتح قلبه لي.
رغم أن المشاكل خيالية، إلا أن عقلي فهم أنها تمثل همومًا حقيقية لديه.
ثم نظر في عيني وقال
“إن تزوجتِني، لن تصبحي ملكة أبدًا.
وحتى لو أنجبنا أطفالًا، عندما أموت، ستجد العائلة الملكية طريقة لجعل زواجنا غير شرعي… كأنه لم يحدث.”
بدأت أغضب من أجله .
“لماذا هم هكذا؟”
لم يجبني مباشرة، بل واصل حديثه كمن أعدّ كلماته طوال أيام.
“أظن أنني لم أشرح الوضع جيدًا. دعيني أحاول مرة أخرى. لو تزوجتِ مورمور بدلًا مني، لن تحصلي فقط على حب الملايين وتصبحي ملكة يومًا ما، بل ستتمكنين أيضًا من إلغاء الضرائب عن شعبك… ربما للأبد.”
قلت “لماذا؟”
قال “هو من يملك النفوذ في العاصمة وليس أنا.
لم أزرها قط. عشت هنا دائمًا لأن أمي لم تكن جيدة بما يكفي لتتوج ملكة، ولم تكن غبية بما يكفي لتنام مع ملك دون أن تغلق كل الثغرات القانونية.
أتمنى لو أستطيع أن أمنحك الحماية نفسها، لكن إن أرادك مورمور لنفسه، فلن تهدأ غضبته بسهولة، و… ستكونين في خطر عندما أموت.”
همست “لماذا ستموت؟”
قال “قد يأتون ويقتلونني بأنفسهم بعدما أنجب وريثًا، ولهذا السبب لم أفعل حتى الآن”
أصبح الجو بيننا رقيقًا وفارغًا، وكأن المتعة التي كنت أنتظرها تطرد بعيدًا.
كان الأمر كما لو أن إيفاندر الحقيقي يخبرني بأن التواجد معه لن يكون ممتعًا.
” إذًا، ما الخطأ فيك بنظر العائلة الملكية؟”
قال “دم نجس.”
قلت “والذي يريدونه رغم ذلك؟”
قال “إنه دم ثمين حتى لو كان نجسًا”
لفّ قدمي بمهارة وثبّت طرف الضماد حتى لا ينفك.
ثم وضعها على السرير ومد يده نحو قدمي الأخرى.
“هل ما زلت تريدين الزواج مني؟”
أسندت رأسي على يدي ونظرت إليه جانبًا وهو يعمل على قدمي الأخرى.
“سأكون أنانية جدًا لو تزوجتك بدلًا من مورمور، أليس كذلك؟ بحسب كلامك، لو ذهبت إليه سأصبح بطلة لشعب ليليكِين وسيدة ذهبية للقارة.
وبعد سنوات من القرب من مورمور ووالديه، ربما أكون في الغرفة حين يرتبون لموتك المفاجئ.”
هز كتفيه.
“هذا ليس ما قصدته. إن ذهبتِ إلى مورمور، سأعيش أطول على الأرجح لأنه سيحصل على ما يريد أنتِ. يزول جزء من دافعه.”
قلبت عينيّ.
“دعني أسألك من قد يريد الزواج برجل قد يقتل أخاه من أجل امرأة؟ إلا إذا كنت تحاول إخافتي باختلاق كل هذا.”
قال “لن أعرف كيف أفعل ذلك”
قلت بسخرية “حقًا؟ أراهن أنك تعرف. مثلًا، هل كنت تحاول إخافتي حين أرسلتني وحدي في النهر؟”
رفع يده.
“قلت لكِ بالفعل إن تعلق قاربك بجثة ذلك الكابريكورن المتعفنة لم يكن من تخطيطي”.
لم أرد أن أجادله في هذا.
كنت قد قرأت الفقرة الافتتاحية للفصل، وكنت أعلم أنه لم يكن له علاقة بالأمر.
فنظرت إليه بجدية وسألت
“هل تريدني أن أتزوج مورمور بدلًا منك؟”
أصبحت ملامح تريمر وكأنه يفكر .
أخيرًا تحدث، وعندما فعل، جعل قلبي يخفق بقوة.
“فكرة وجودك هنا معي مغرية للغاية. الشائعات عنكِ ليست سوى ظلال لكِ، لكن لمجرد أنني معجب بجمالك وبالشجاعة التي أظهرتها على النهر لا يعني أنني أعرفك.”
قلت بصدق “يمكنك أن تتعرف عليّ.”
قال “بالفعل. ما أعنيه أنني لا أستطيع أن أُجبرك على اتخاذ قرار بأن تصبحي زوجتي وأنتِ لا تعرفين كل الحقائق. أنا فقط أشرح لك الوضع حتى تفهمي ما سيكون عليه الاتحاد معي فعليًا. لن يكون براقًا ولا مرموقًا، وسيكون مليئًا بلحظات من الدم والرعب. سأكون أكثر من وحش لو لم أخبرك الحقيقة قبل أن نتزوج.”
قلت “إذًا أخبرني الحقيقة. هل يمكنك أن تحقق أي تخفيض في الضرائب لشعب ليليكِين؟”
تنهد. “لدي بعض المتعاطفين في العاصمة. أستطيع أن أحصل لك على شيء، لكن ليس مثل ما يستطيع مورمور أن يقدمه.”
هززت رأسي. “أنا راضية. سأتزوجك.”
قال “الليلة؟”
قلت “الآن، إن أردت”
كان وجهه غير قابل للقراءة وهو ينهي ضماد قدمي الأخرى.
“ليس الآن. لقد تم فك قاربك من جثة الكابريكورن الميتة ويجب أن يصل قريبًا. عليَّ أن أشرف على تسليمه. بما أنني سأكون في البحر، سأجلب شيئًا رائعًا لوليمة زفافنا. شيئًا لم تتذوقيه من قبل.”
قلت مبتسمة “سيكون ذلك جميلًا.”
وضع قدمَيّ برفق على السرير ونهض.
“هيلدا أحضرت لك فستان زفاف هدية من زوجة أبي. سأراكِ في الوقت المناسب للمراسم. غالبًا قرب منتصف الليل، لذا احرصي على النوم بعد الظهر عندما ينام الجميع”.
ثم أمسك يدي وانحنى وقبّلها.
قفزت قليلًا من الصدمة، فمرّر إبهامه على الموضع الذي لامسته شفتاه.
وابتسم تلك الابتسامة التي وجدتها لا تُقاوم ثم خرج.
ذاب جسدي في السرير.
كان شهيًا بشكل خطير. لو لم يوقظني أحد في المكتبة، لكنت زوجته بنهاية اليوم.
عندما فكرت في ذلك لم أستطع التفكير بوضوح.
لم أكن قد تقبّلت حتى قبلة حقيقية من قبل، وإذا لم أستيقظ، فسأحصل على كل ما يكتبه إيفاندر تلك الليلة.
كانت أحشائي ملتفة من التوتر.
وضعت يدي على فمي. ربما كانت كتابة إيفاندر أكثر مما أحتمل.
كنت أحاول للمرة الثانية أن أنهض من السرير حين دخلت هيلدا، وهي تحمل حقيبة قماشية طويلة.
قلت “هل هذا فستان الزفاف؟”
أومأت ووضعت الحقيبة على السرير، ثم فتحتها وأرَتني الفستان في داخلها. عندما رأيته، صُدمت قليلًا.
قلت “إنه ليس أبيض”
قالت ببرود “لا، ليس أبيضًا”
قلت “إنه غير جميل”
عقدت هيلدا حاجبيها بغضب.
قلت “وليس بمقاسي”
زمّت شفتيها بطريقة كريهة.
“هل تريدينني أن أعدّله؟”
قلت “لا يمكن إنهاؤه في الوقت المناسب. سأتزوج تريمر الليلة.”
هست بحدة “الليلة! لماذا بهذه السرعة؟”
نظرت في عينيها. “لماذا الانتظار؟”
أدارت عينيها بسرعة وبصقت في منديلها مرة أخرى.
فتحت الخزانة ونظرت داخلها. لم يكن فيها سوى نحو خمسة عشر فستانًا أبيض، تمامًا مثل ذلك الذي تركه تريمر على القارب.
“سأضطر لارتداء أحد هذه”
صرخت هيلدا وهي تغلق الخزانة بقوة
“لا! سأرسل لطلب فستان آخر من العاصمة. انتظري وصوله ثم تزوجي. تعالي، سأقيسك.”
وبينما كانت تتحدث، أخذت تبحث في حقيبة عند خصرها وأخرجت شريط قياس.
دفعتها بعيدًا عندما حاولت إجبار القياس عليّ.
“ليس مهمًا كيف أبدو. لو كنت بصحة جيدة عندما وصلت بالأمس، لتزوجته حينها.”
صرخت “يا لقلة الأنوثة!” وتحولت حدقتاها إلى نقطتين سوداويتين في عينيها الزرقاوين الباهتتين.
قلت “ومن يهتم إن كنت أنثوية هنا؟ هذه منطقة حرب!”
قالت “الملكة ستُصاب بالصدمة لو رأتك. انتظري وصول فستان آخر يا عاهرة.”
رغم ألم قدميّ، وقفت مستقيمة.
“انتبهِي لسانك يا عجوز. الليلة هي الليلة التي يريد تريمر أن أتزوجه فيها.”
صرخت وهي ترفع الفستان أمام جسدي
“إذن سترتدين هذا!”.
دفعت الفستان بعيدًا.
“هذا الفستان لم يُصنع لإنسانة. صُنع لحوت. حتى لو كان وزني ثلاثمئة رطل لكان كبيرًا جدًا.
ما هذه المزحة الغريبة؟ هل أعطوكِ هذا الفستان وقيل لك أن تماطلي في الزفاف باستخدامه كعذر؟ حسنًا، دعيني أخبرك: سأتزوجه بملابسي الداخلية إن لزم الأمر، وهي أكثر احتشامًا بكثير من زي كرة القدم العام الماضي، فتوقفي عن هذا الهراء!”
دون تفكير، رفعت يدي لأضربها بين عينيها، ثم أدركت ما أفعله.
انكمشت كما لو كانت تظن أنني سأضربها. أنزلت يدي وقلّبت عينيّ في إحباط.
“أيا يكن.”
ثم انحنيت لأفتش في الدرج أسفل الخزانة. وجدت صنادل ودبابيس شعر، ومن طرف عيني رأيت هيلدا تحاول الوصول إلى الباب.
قلت “توقفي.” ونهضت.
“أريد حمامًا. خذيني إلى الحمام أو أي شيء.”
باستسلام، فتحت الباب وأشارت لي لأتبعها.
في الخارج كانت هناك شرفة. كانت غرفتي غرفة صغيرة على شكل هلال ملتصقة بمنحنى البرج.
فتحت باب الشرفة وقادتني نزولًا عبر درج حلزوني.
نزلنا ثلاث دورات من السلالم قبل أن تفتح مدخلًا آخر وتدخل بي إلى الجزء الرئيسي من القلعة.
كنت أتوقع أن أرى أشخاصًا مشغولين، لكن المكان كان خاليًا.
تمتمت “إذًا، أقرب حمّام يبعد ثلاثة طوابق؟”
قالت بغيظ”يوجد وعاء تحت سريرك.”
وأدخلتني إلى غرفة لم تكن مخصصة للاستحمام عادةً.
كانت غرفة غسيل. كانت هناك امرأتان تفركان الملابس في حوضين ضخمين.
قالت هيلدا بفظاظة “معذرةً. هذه الفتاة تريد الاستحمام.”
وضعت الكبرى الغسيل جانبًا ومسحت يديها في مريولها.
بدت في الأربعين تقريبًا، بشعر أحمر داكن وملامح ودودة.
“مرحبًا. اسمي غريتشن، وأنا مدبرة المنزل. أخبار القارب رائعة، أليس كذلك؟ من المفترض أن يصل قبل حلول الظلام، فإذا كان هناك شيء تحتاجينه من على متنه للزفاف، فسيكون هنا بحلول ذلك الوقت”
قلت بتقدير “رائع.”
تمنيت لو كنت عرفت أن أغراضي ستصل قبل شجاري مع هيلدا.
قالت غريتشن “أنتِ أجمل بكثير مما تقول الشائعات، يا صاحبة السمو”
ثم أرَتني حوض استحمام ضخم.
“نحن عادةً نستحم في الينابيع الساخنة، لكننا توقعنا أن لا تكوني أنتِ أو وصيفتك معتادتين على ذلك، لذلك جهزنا هذا. يستغرق وقتًا طويلًا ليسخن، لكن سيكون جاهزًا قريبًا.”
قلت: “شكرًا”
ثم عادت غريتشن إلى عملها وتركتني واقفة مع هيلدا في شعور غريب من الحماقة.
لم يكن لدي شيء آخر لأفعله، فاقتربت ونظرت إلى الحوض العملاق.
قالت هيلدا بأنف مرفوع
“هل يمكن لأميرة حقًا أن تستحم في مكان كهذا؟”
بالنسبة لي، بدا أجمل بكثير من حوض شقتي. كان نظيفًا لامعًا، وفوق ذلك كان ضخمًا.
الشيء الوحيد الذي أقلقني هو أن ترغب هيلدا أو غيرها في مساعدتي على الاستحمام أو شيء ينتهك خصوصيتي.
قلت “سيكون بخير. سأبقى هنا. لماذا لا تذهبين وتعيدين ذلك الفستان إلى مكانه وتريحين ذراعك؟”
قالت “لن تقبلي هدية جلالة الملكة؟ قد تحتاجينها يومًا ما”
قلت “تقولين كلامًا وقحًا وتتهمينني بقلة الأنوثة؟ حقًا! هل سيُطعمني تريمر حتى أصبح بالحجم الذي يناسب ذلك؟”
انكمشت وقالت بمرارة
“من يدري ما قد يحدث هنا؟ نحن على خط الجبهة”. ثم ترنحت نحو الباب.
ثم استحممت تحت ضوء الشمس الحقيقي المنعكس على ماء الحوض.
اتضح أن صندوقي من القارب وصل في الوقت المناسب، وقد استرجعت فساتين الزفاف التي أرسلتها لي ملكة ليليكِين، وكانت أفضل بكثير من أي خيار آخر.
في الحقيقة، حتى لو كنت أتزوج في الواقع، لا أظن أنني كنت سأجد أفضل من ذلك لنفسي. كان فستانًا مكشوف الكتفين مع مشد ضيق جدًا، وقماش عاجي جميل ينساب في التنورة. كان خط العنق مزينًا بجواهر صغيرة وتجميعات قماشية على شكل أزهار.
صففت هيلدا شعري، رغم أنها أوضحت أنها تكرهني أكثر كل دقيقة.
“شعرك مجعد جدًا” قالت باشمئزاز.
“لإعطائه بعض النظام، سنضطر إلى تضفيره.”
قلت “حسنًا” رفعت مرآة يد صغيرة ونظرت إلى انعكاسي.
“يجب أن أصبغ شعري بالأشقر عندما أعود إلى المنزل. هذا يبدو رائعًا”
لم تقل هيلدا شيئًا عن غرابة جملتي.
كلما ذكرت العالم الحقيقي، تصرف الجميع وكأنني لم أقل شيئًا.
هززت كتفي.
“ابدئي بعمل جديلة صغيرة من هذا الجزء، ثم أخرى من ذاك الجزء.
دعي هذا الجزء يسقط فوق جبيني. ثبتي الجديلتين فوق أذني اليسرى. اتركي خصلتين على الجانبين، ثم ثبتي بقية التجاعيد خلف رأسي بطريقة فنية”
لم يكن لديها حماس، لكن مع تجاعيد مثلي لا تستطيع إفسادها عمدًا، وبحلول موعد نزولي إلى الطابق السفلي بدا شكلي تمامًا كما أردت.
لم تكن هناك كنيسة للزفاف.
كان سيُقام في البهو الأمامي. كان عليّ أن أنزل عددًا لا يُحصى من الدرجات، بينما كانت هيلدا تمشي خلفي مكتئبة وهي تحمل ذيل فستاني.
حين وصلنا أخيرًا إلى أعلى الدرج المطل على البهو، رأيت تريمر واقفًا وسط موكب صغير من الناس.
كانت هناك ثلاث نساء، وعددت ثلاثين رجلًا يقفون في ثلاث طبقات، مع تريمر وكاهن في الأعلى.
كانت مجموعة حزينة المظهر.
الشخص الوحيد الذي بدا سعيدًا هو تريمر. الجميع الآخر شدّوا أسنانهم كما لو كانوا يحضرون جنازة وأنا القاتلة.
كانوا يظنون أنني سأكون هلاكه لا محالة.
كلما اقتربت، رأيت كم بدا تريمر جميلًا.
كان يرتدي قميصًا أبيض بأكمام طويلة، وسترة جلدية بنية داكنة ذات ياقة عالية. كان سرواله من الجلد بنفس اللون، وعلى رأسه تاج ذهبي. لم يكن يضع زهرة على صدره، بل وسامًا عسكريًا أحمر من بيلّيك.
كان أجمل رجل في العالم.
همست هيلدا في أذني
“لم يَفت الأوان بعد للانتظار. يمكننا إقامة الزفاف الأسبوع المقبل مع حضور بعض أفراد البلاط.”
نظرت إليها باحتقار “لا يهمني ذلك.”
قالت “يجب أن يهمك”.
هززت رأسي وأكملت نزولي بأكبر قدر من الرشاقة أستطيعه.
عندما وصلت إلى الأرض، بدأ أحدهم يعزف على الناي، وشققت طريقي عبر الصفوف حتى وقفت بجانب تريمر.
هناك، وفي تلك اللحظة، تزوجني أمام كل هؤلاء الناس بلا تردد.
لم يكن في وجهه أي قلق، وكان صوته واضحًا كالجرس وهو يعدني ألا يحب أحدًا سواي حتى يوم موته.
الخاتم الذي وضعه في إصبعي كان حلقة عريضة من الذهب الأبيض مرصعة بالألماس. بدا كنجوم تشكل كوكبة.
قال لي بهدوء “كان لوالدتي. الهدية التي قدمها لها الملك. إنه الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أعطيك إياه لتثبتي أنك تزوجتِ ولي العهد.”
عندما انتهى كل شيء، قبّلني على شفتيّ وحاولت ألا أبدو مدهوشة تمامًا أمام كل هؤلاء الناس.
في الحقيقة، شعرت أن ركبتي ستنهاران، لكنني لم أسقط لأنه كان يمسكني.
ثم قاد الجميع إلى غرفة الطعام حيث قدموا لنا السلطعون، وهو شيء لم أتذوقه من قبل.
غمسه لي في زبدة الثوم، وشعرت بأنني في الجنة.
أقلقني أنه لم يتحدث كثيرًا. كان واضحًا أنه لا يشعر بالندم، لكنه بدا غير مرتاح في جلده، إن صح التعبير.
ظل يحك معصمه. كان لا يزال ملفوفًا بالضمادات، وكنت أراها تبرز من أكمامه.
سألته وأنا ألمس حافة أحدها “ماذا حدث؟”
همس “لا شيء”.
وأبعد يده عن متناولي.
بعد ذلك، قادني إلى أسفل الدرج، وودّع الجميع، ثم حملني بين ذراعيه.
بدأ يصعد الدرج، وسرعان ما جعلني الاهتزاز صعودًا ونزولًا أشعر بالغثيان.
قلت “مرحبًا، هل يمكنك أن تضعني على الأرض من فضلك؟”
لم يجب.
قلت “أشعر بالمرض. أستطيع الصعود بنفسي، لا داعي لأن تحملني.”
قال صوت ليس صوت تريمر “لا توجد طريقة على وجه الأرض الإلهية تجعلني أحملك، أيتها الفتاة. انهضي!”.
هززت رأسي، ودخلت أضواء النيون إلى وعيي. كنت قد عدت إلى مكتبة المدينة، وكان أحد رجال الأمن يعبس في وجهي ويشير بإبهامه نحو المخرج.
سألته وأنا أجمع أغراضي ببلادة
“هل كنت نائمة؟”
قال بازدراء
“نائمة؟ هل كنتِ نائمة؟ بدا لي أنك فقط تقرئين وتتجاهلينني.”
ثم مضى في طريقه.
شعرت بأنني أريد أن ألعن وأدوس الأرض وأنا متجهة إلى الخروج.
لماذا اضطروا لطردي في تلك اللحظة بالذات؟ حقًا؟ تمامًا عندما أصبحت الأحداث رائعة؟
خرجت إلى شارع أكتوبر المبكر، ونظرت لأرى إن كانت هناك حافلة قادمة.
ثم رأيته. كان هناك، واقفًا قرب الرصيف إيفاندر.
اقتربت منه، لكنه كان يضع سماعات الرأس ويحدق في شاشة هاتفه.
وقفت على بعد خطوة واحدة منه، ونظرت إليه بثبات، آملة أن يلاحظني.
في الكتاب، كان قد أقسم أنه لن يحب سوى إياي.
شعرت وكأن ذلك حدث منذ خمس دقائق فقط. وقبل ذلك، مدحني وقال إنني شجاعة.
لكن في ضوء الواقع، لم أكن أكثر أهمية لديه من غريبة.
حسنًا، ربما لم يلاحظني فعلًا، لذلك كان عليّ أن أتحلّى ببعض الشجاعة وأخبره بوجودي.
قلت “مرحبًا يا إيفاندر”, وأنا أضربه بخفة على ساقيه بحقيبتي.
قال “مرحبًا”.
ثم أدار ظهره لي وتابع ما كان يفعله.
وهكذا، انتهى الأمر.
كنت فقط أقرأ قصة لا علاقة لها بالواقع على الإطلاق. لم يكن يهتم بي.
كان مجرد جزء من القصة. كنت متأكدة أن أي شخص يقرأ الكتاب سينجذب إليه كما حدث معي، وسيُحمل على الدرج بين ذراعيه. هززت رأسي وكأنني في غيبوبة، وكررت
“إنها مجرد قصة…مجرد قصة…”
Chapters
Comments
- 4 - عندما يكون الأمر مجرد قصة منذ ساعتين
- 3 - نهر الوصول إلى سيالوك 2025-11-28
- 2 - سيد الجديين 2025-11-24
- 1 - الفتى الذي يسكن بجوارنا 2025-11-24
- 0 - مقدمة 2025-11-24
التعليقات لهذا الفصل " 4"