خفايا القصر المؤلم - 15
الفصل: هذا ليس انا…….
استفاقت إيلينا في غرفتها، تشعر براحة غريبة لم تعهدها من قبل، وكأنها استراحت بعد أيام من الإرهاق المتواصل.
كانت الغرفة لا تزال مظلمة قليلًا، إلا أن خيوط الفجر تسللت عبر الستائر برفق، تلقي ظلالًا باهتة على الجدران.
صوت الرياح الخفيفة يداعب زجاج النافذة، يجلب معها إحساسًا عميقًا بالهدوء.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم جلست على السرير وهي تحاول استيعاب إحساسها.
كان جسدها خفيفًا، وكأنها تخلصت من عبء ثقيل لم تكن تدرك وجوده.
“كم من الوقت مرّ؟” همست لنفسها وهي تمرر أصابعها في شعرها.
لكن بمجرد أن أدارت رأسها، تذكرت ليلة البارحة، الدفء الذي شعرت به حين شربت الشاي الذي قدمه لها ديمتري.
لم يكن مجرد شاي دافئ؛ كان يحمل معه راحة عميقة، لدرجة أنها لم تتذكر حتى كيف غلبها النعاس.
نظرت إلى النافذة، ثم زفرت ببطء. فكرة واحدة استحوذت عليها بالكامل: إيثان!.
عليها أن تراه.
نهضت من السرير بخطوات هادئة، اتجهت نحو الخزانة وأخرجت فستانًا بسيطًا يناسب العمل، ثم أسرعت إلى المطبخ.
هذه المرة، لم يكن الأمر يتعلق فقط بإحضار الطعام لإيثان، بل بشيء آخر أيضًا.
نظرت إلى مجموعة الكتب التي جمعتها في الأيام الماضية، ثم اختارت واحدًا عن الحيوانات.
“قد يجعله يشعر بالفضول…” تمتمت لنفسها.
بعد لحظات، كانت تمسك بطبق من الخبز والفواكه في يدها، والكتاب في اليد الأخرى، متجهة نحو القبو.
خطواتها كانت حذرة، وكأنها لا تريد إيقاظ الأشباح التي تسكنه.
عندما فتحت الباب، لم تتوقع أن تجد إيثان جالسًا على الأرض، يحدق في الظلام بنظرة فارغة، كأن شيئًا أثقل من جسده الصغير يرزح على روحه.
ما إن رآها حتى تحرك بسرعة، وقف ثم ركض نحوها
إيثان: لماذا تركتني؟! صوته كان مرتجفًا، ممتلئًا بالذعر، وكأنها تركته لسنوات وليس يومان.
قبل أن تدرك الأمر، كان قد احتضنها بقوة، ودفن وجهه في كتفها.
اهتز جسده، وبكاؤه لم يكن مجرد دموع، بل كان انهيارًا كاملاً وكأن كل شيء في داخله تحطم دفعة واحدة.
إيلينا تجمدت للحظة. لم يسبق له أن فعل هذا من قبل.
لم يكن يبكي عادةً…
كان دائمًا يحاول إخفاء مشاعره، يختبئ خلف هدوئه القلق. لكن الآن، لم يعد قادرًا على الاحتمال.
رفعت يدها ببطء، ثم وضعتها على رأسه.
إيلينا: أنا هنا…
همست، صوتها كان ناعمًا كما لو كانت تحاول تهدئة طائر مذعور.
إيلينا: لن أتركك، أعدك.
أمسكت بكتفيه وأبعدته قليلًا لتنظر إلى عينيه. كانتا حمراوين من بكاء ، والدموع لا تزال تلمع على وجنتيه الشاحبتين. كم كان يبدو هشًا في هذه اللحظة…
إيلينا: لم أذهب بعيدًا، إيثان…
ابتسمت له محاولة طمأنته، لكنها شعرت بثقل في قلبها وهي ترى الطريقة التي كان ينظر بها إليها كأنها الشيء الوحيد الذي يبقيه متماسكًا.
بعد لحظات، بدأ يهدأ تدريجيًا، لكنه لم يبتعد عنها كثيرًا.
جلس بجانبها على الأرض، أنفاسه لا تزال غير منتظمة.
مدت إليه الطبق، لكنه لم يكن جائعًا حقًا.
كان يحدق في الطعام دون اهتمام، وكأنه مجرد شيء آخر لا يعني له الكثير.
إيثان: لماذا تركتني وحدي؟ سأل بصوت خافت، بالكاد يُسمع.
إيلينا ترددت، ثم فتحت الكتاب الذي أحضرته.
إيلينا: جلبت لك شيئًا اليوم… كتاب عن الحيوانات.
نظر إيثان إليها، ثم إلى الكتاب. إيثان: حيوانات؟
أومأت برأسها.
إيلينا: نعم، إنها كائنات تعيش في الغابات، وفي الأنهار، وحتى في السماء.
لمعت عينا إيثان قليلًا، وكأنه وجد شيئًا مثيرًا للاهتمام. كان الفضول أقوى من حزنه.
جلست إيلينا بجانبه، ثم بدأت تقلب الصفحات ببطء، تشرح له عن الأسود، والفيلة، والطيور التي تطير في السماء بحرية.
لكن بينما كانت تتحدث، تغيرت تعابير وجه إيثان فجأة. عينيه توسعتا، ويده قبضت على صدره بقوة.
أنتِ… لستِ … والدتي…
صوته كان مليئًا بالحيرة، لكنه كان يحمل أيضًا شيئًا آخر خوف قديم، ألم مدفون في أعماقه منذ سنوات.
إيلينا تجمدت للحظة.
إيلينا: إيثان؟ ما الأمر؟
لكنه لم يرد.
كان يحدق في الأرض، وكأن عقله ذهب إلى مكان آخر.
ثم، بصوت ضعيف، بدأ يهمس بكلمات غير مفهومة.
إيثان: أمي… أمي… أين أنتِ؟ لماذا لا أراها؟
بدأ جسده يرتجف مجددًا، لكنه لم يبكِ هذه المرة. كان الأمر مختلفًا كأنه يُسحب إلى ذكريات لا يريد أن يتذكرها.
إيلينا شعرت بقلق حقيقي الآن. تقدمت نحوه ببطء، ثم وضعت يديها على كتفيه.
إيلينا: إيثان، أنا هنا… ركّز معي، حسنًا؟ أنظر إليّ.
لكنه لم يكن يسمعها.
فجأة، اندفع إلى الخلف، كأن لمسها أحرقه.
إيثان: لا! لا تقتربي!
إيلينا شهقت، لكنها لم تتحرك.
هذا ليس إيثان الذي تعرفه…
أخذت نفسًا عميقًا، ثم همست مجددًا، هذه المرة بصوت أكثر دفئًا.
إيلينا: انا هنا. لن يحدث شيء سيئ، إيثان.
لكن عينيه كانتا مليئتين بالخوف.
إيثان: لماذا لا أراها؟ لماذا .
كان صوته ينكسر مع كل كلمة، وكأنه على وشك السقوط في هاوية لا نهاية لها.
إيلينا لم تفكر، فقط تحركت.
مدت يديها وضمته إليها مرة أخرى، شعرت ببرودة جسده.
إيلينا: كل شيء بخير…
همست، وهي تمرر يدها في شعره بلطف.
إيلينا: انا معك.
يتبع….