2
الفصل الثاني : 2
” ومـاذا قالتّ اوفيليا عُقبّها؟ “
سأل ديكار وهو يُعاوِّدُ شُربَ كأسٍ مِنَ الماءِ البارِّدِ
تردّدَ هانز للحظاتٍ قبّل
أنْ يُسلِمَ التقرير إليّه ثُمَّ أجـابَ :
” أنّها تُصِرُ بأنّها ليست دُوقةَ
القصرِ وإنْ كانَّ الثمنُ هو حياتُها. “
خيّمَ صمتٌ قصيرٌ
” ومـا رأيُكَ في ذَلِك؟ “
” مظهرُها.. يُشبِّهُ الدُوقةَ إلى الحدِّ الذي يُصعَبُ تصديقهُ ، ولكِنّها بدتّ أصغرّ سِنًا مِنْ طريقتِها في المُحاورةِ والتصرُفِ إذ بدتّ ساذجةً بعضَ الشيءِ. “
تنهدّ ديكار ليِّضَعَ يدهُ على جبينِهِ مُعربًا عنّ إزديادِ حيرتِهِ جراءَ تفاقُمِ الأُمور.
” أتعتقِدُ بأنّها تكذِب؟ “
أمتلّتْ أعّيُنُ هانز بحُزنٍ غيّرِ مكبوتٍ واخـذ يُفكِرُ مليًا قبّل أنْ يُجيبهُ ببطئٍ
” أعتقِد.. أنَّ لها سببًا وجيهًا يدفعُها للكذبِ
بما أنّها تمتلِك سببًا لِمُغادرتِها القصر في المقامِ الأول. “
عضّ ديكار شفتِهِ بشدةٍ وبدأتّ ملامِحُ وجههِ البهيِّ تتجعّد شيئًا فشيئًا.
السبب الذي جَعلها تُغادِّرُ القصرَ.
وبالرُغمِ مِنْ محاولتِهِ إنكارَ الحقيقة
ألّا أنّها تَفّرِضُ نفسها عليّه دومًا.
مما أشعرهُ بعدمِ الإرتياحِ
ومع تزايُدِ الصُداعِ لديه، ضَغَطَ ديكار على صدغيّهِ بإبهامِهِ قبّل نُهوضِهِ بعد أتخاذِّهِ قرارًا حاسمًا.
” سأتحَّدث معها بنفسي. “
.━─━─━─✠─━─━─━.
كانتّ اوفيليا تنظُرُ إلى البابِ المُغلقِ بتمعُنٍ وتعضُ شفتيِّها
لِمَ يُصِرّونَ على أنّها الدُوقةُ وهي التي باتت تنكُرُ ذَلِك مِرارًا؟!
صحيحٌ أنْ السيدة في اللوحةِ التي عرضوّها لها كانتّ تمتلِكُ ذاتَّ لون الشعر والأعّيُنِ الخضراء
نـعـم. حتى لو أفترضنّا أنّها تُشبِّهُها قليلًا فقطّ…
لكن هذا لا يُثبّت أنّها الدوقةُ حقًا!
وفوقِ كُلِّ هذا.. أذَلِـكَ الرجُل يُقالُ بإنّهُ الدوق؟
ديــكــار مــايــر دُوقُّ هذا القصرِ؟
كانَّ ديكار رجُلًا مرموقًا ذو حُكمٍ عادِّلٍ ولكِنّهُ مشهورٌ أيضًا بسُمعَتِهِ السيئة
إذ كانتّ الأقاوّيل تروى عنّ أنّهُ يستمتِع بالقتّلِ كمّا لو كانَّ الناس مُجردَّ لُعَّبٍ لتسليتِهِ.
وبالرُغمِ مِنْ كونّها إشاعةً نادرةً، ألّا أنْ وجودها يبِّثُ القلقَ في داخِليِّ.
خصوصًا وأنّهُ مالِكٌ لإرضٍ
حقيقة أنْ شائِعَاتٍ كتِلك تُلاحِقُهُ..
لابُدَّ أنْ لها جُذورًا وطيّدة.
حتى الحربُ التي خاضها قبّلَ عِدةِ سنواتٍ، كانتّ ضِدَّ مملكَةِ الدُوقةِ وقدّ حققَ فيّها أنجازاتٍ كبيرة.
وآثـر ذَلِك.. تردّدت شائِعَاتٌ أُخـرى عنّ كونِهِ قدّ تخلَصَ مِنْ زوجتِهِ ليتأخِذَ زوجَةً جديدةً.
والأدهـى مِنْ كُلِّ ذلك.. هـو تِلكَ النظرةُ البارِّدةُ التي رَمَقنيّ بها!
أعَيّنُهُ الرمادّيةُ، كان لها مظهـرٌ مُميزٌ كمَنْ يـرى الجواهِرَ مِنْ خِلالهُما.
لكِنّها كانت تخلوّ مِنْ أيِّ مشاعرٍ بشريةٍ..
واوفيليا التي كانت تظُنُ بأنّها خبيرةٌ في قِراءةِ الناسِ،
باتت مُتيقنةً أنْ تِلكَ الإشاعات صحيحة.
أمِــنَ المُمكِن أنّني.. سأُقتَّلُ الآن..؟
رُبما يبحَثونَ عنها الآن للتخَلُصِ مِنها، طالمّا ظهرت جُثَةٌ يـزّعِمُونَ أنّها الدوقة
فـمـا الفرّق الذي سيُحِدِثُهُ مـا إنْ كانتّ هي الحقيقية أم لا؟
شعرت اوفيليا بِرُعبٍ شديدٍ، بدت هذِهِ الفرضيةُ منطقيةً للِغايةِ..
والأدهـى مِنْ كُلِّ هذا..
أولـم تَرّكُـل اوفيليا جُزءًا حساسًا مِنْ جسدِ الدُوقِ في وقتٍ سابقٍ؟
مِنَ الواضِحِ أنَّ مصِيّر فلاحِةٍ بسيطةٍ تجرأتّ على هذا الفِعلِ الوقح لــن يــكُــنَ جــيــدًا.
مـاذا أفعَل..
أحقًا مصيريِّ هـو الموتُ هُنا؟
فـجـأة، بدأتّ قطراتُ المطرِ تتساقَطُ بغزارةٍ
السماءُ المُلبّدةُ بالغِيومِ الحالِكةِ
وصوتُ المطّر الغزيرِ الذي كانَّ يطرُقُ النوافِذَ دونَ إذنٍ
بـثَّ فيّها قلقًا عارّمًا.
شَحِبتّ ملامِحُ وجهِ اوفيليا رُويدًا، رويدًا..
آثـر تذكُرِها لملامِحِ وجهِ ديكار المُتألمِ جراءَ تِلكَ الضربةِ..
وباتَ الهَلَعُ يكتَسِحُ كيانها
لا يُمكِن..
باتت فِكرةُ موتِها تترسخُ شيئًا فشيئًا في ذهنِها
لا يُمكِنني الجُلوسُ وإنتِظار موعِدِّ موتِي..
كانتّ تعِيش حياةً بسيطةً.. ولكِنها حياةٌ هانِئةٌ، وسـعِـيـدة.
ملجؤها الصغِيرُ في سيدار، جيّرانُها وأصدِقاؤها الأعِزاءُ..
أختَلّجها شُعورٌ غريزٌ بأنَّ الهروبَ
هو سبيلُها الوحيّدُ للِنجاةِ مِنْ هذِهِ الفوضى العارمة.
عضّت اوفيليا شفتِيها بإستياءٍ مُروعٍ وتوجهت نحّوَ البابِ المُغلقِ لِتَفَقُدِهِ
كانَّ هُنالِكَ حارِسانِ يَقِفانِ أمامَ البابِ المُغلقِ دونَّ الإبتعادِ عنّهُ لإنشٍ واحدٍ
” هاها مرحبًا ..أعتقِدُ بأنّني جائِعَةٌ بعضَ الشيءِ.. “
قالت اوفيليا بخجَلٍ مُصطَنعٍ بينما يرّمُقها الحارِسانِ بنظراتٍ بارِّدةٍ.
” سـأُحضِّرُ لَكِ شيئًا لِتتناوَّلِهِ، فقط إنتظري لِلحظةٍ. “
” آه، شُكرًا جزيلًا.. “
إبتَسّمت اوفيليا بلُطفٍ وهي تُراقِبُ كِلا الحارِسيّنِ
ولِسُوءِ الحظِّ، غادر أحدُهُما فقط والآخـر بَقِيَّ في مكانِهِ
أغلّقت الباب بينما الإحباطُ يتسَلّل إليّها عُنّوةً
أسـأظَلُ عَالِقةً هُنا؟
لـم تتقَبّل اوفيليا ذلك.. وبدأت تتجَولُ في أرجاءِ الغُرفَةِ، تبحَثُ في كُلِّ زاويةٍ لِتُعاوِّدَ فتح جميع الابوابِ المُتواجِّدةِ في الغُرفةِ.
” أوه…؟ “
أطـالتّ اوفيليا النَظَرَ إلى شيءٍ مـا، كـانَّ قدّ لفتَ إنتباهها بالفِعلِ.
بـدا أنَّ هُنالِكَ إختِلافٌ طفيفٌ في تصميمِ الجِدارِ
كانَّ الحمامُ وغُرفةُ الملابِسِ مُتجاورّينِ، لـكـن جِدارُ غُرفةِ الملابسِ بدأ أطوَّلَ قليلًا.
يقولوّنَ إنْ لِغُرَفِ النُبلاءِ ممراتٌ سِريةٌ تُستخَدّمُ لِلهُروبِ
وإنْ كانّت تِلكَ مُجردَ تُرّهاتٍ مزعُومةٍ، فـلا ضِيّرَ مِنْ المُحاولةِ والبحَثِ.
كانتّ مُستعِدةً لِتصدِقِ أيِّ شيءٍ، في سبيلِ الهَرّبِ مِنْ هُنا.
أنْ تُقتَلَ دونَّ فِعلِ أيِّ شيءٍ لَـهـو أسوءُ بِمِئَةِ مرةٍ مِنَ التمسُكِ بأملٍ بسيطٍ كحَبّلِ لِلنجاةِ.
بلعَت اوفيليا رِيقها وبدأتّ تتفَقَدُ جِدارَ غُرفةِ الملابسِ المُلّتصِق بالحمامِ بدقةٍ
’إنّني أتوسَلُ إليّكَ.. مِنْ فضلِك..‘
وعِندَ النِهايةِ، لّمَعَ شيءٌ مـا وبـرّزَ بريقٌ في حدقتيِّها
” وجدتهُ..! “
كانَّ هُنالِكَ مِزلاجٌ صغيرٌ على الجِدارِ، سحبتهُ اوفيليا بحذرٍ شديدٍ فـ فُتِحَ البابُ السرّيُ المُتواجِّدُ خلّفَ الجِدارِ
كـلـيـك—
” واو.. “
إنتَشرّت رائِحَةُ الغُبارِ الكثيّفِ، ثُمَّ ظَهَرَ سُلمٌ ضيقٌ يؤدي إلى الأسفلِ
لَـوْ لم تُجَرِب؛ لـم تكُنْ لِتُصَدِقَ بوجودِ هذِهِ الأشياء..
– طـرق، طــرق
وبينما كانتّ مُنغمِسةً في التحديقِ في الدرجِ، سمِعتّ صوتَ طَرِّقِ البابِ.
” سـيّـدتـي، الدوقة. “
صوت الحارِّسِ أيقظها مِنْ ذُهولِها
إنْ هربت الآن، سيشكُونَ بِّها حتمًا.
أنـا بِحاجةٍ إلى كسبِ المزّيدِ مِنْ الوقتِ..
أغلّقت البابَ بهدوءٍ وذهبتُ لإستلامِ الطعامِ، شكرتُهُم بإبتسامةٍ زائِفةٍ ثُمَّ عُدّت إلى الداخِلِ.
سُرعان مـا دخلتُ إلى غُرفةِ الملابسِ وأغلقتُها بإحكامٍ
سحِبتُ خِزانةً ثقيلةً لأُغلِقَ بِّها البابَ، ثُمَّ دخِلتُ إلى المّمرِ السريِّ
كانَّ الدَمُ يَضِخُ بغزارةٍ إلى قلبِها، كمِنْ يُخبّرُها بأنّها فُرصتُها الوحيّدةُ للهربِ.
أغلّقتْ البابَ خلفها تمامًا؛ وحَـلَّ الظلامُ الدامِسُ وخيّمَ على الارجاءِ..
بدأت اوفيليا تتحَسسُ الجُدرانَ بكِلتا يديها لِتَنزِلَ
خُطواتُها إزدادتّ سُرعةً شيئًا، فشيئًا.
” آه! ”
وصلتُ إلى نِهايةِ الدرّجاتِ وتعثـرتُ بتهورٍ، رفعتُ أعّيُنِ بإتجاهِ الضوءِ الخافِتِ الذي تَسلّلَ عُنّوةً مِنَ البابِ في نهايةِ الممرِ الضيّقِ..
سارَّعتُ بالركضِ نحوهُ، غيّر مُكترِثةٍ بِّلُهاثيِّ وتنفُسي المُضطربِ.
وحالمّا وصلتُ إلى نِهاية الممرِ وفتحتُ البابَ، أستقبّلتني رائِحَةُ المطرِ المُنهمِر لأُعاوِّدَ الإبتسامَ بِخِفةٍ.
اوفـيـلـيـا، قـدّ إختفت..
مرةً أُخـرى.
أحَسَ ديكار وكـأنَّ الدمَ قدّ تجَمّدَ في عُرّوقِهِ؛
إرتسَمّت إبتسامةٌ بارِّدةٌ على محياه..
لتُزيّنَ ملامِحُهُ البهيّةَ.
كانتّ يدُهُ مُخدّرةً لِشِدةِ ضغطِهِ عليّها.
أخـذَ نفسًا عميقًا، ثُمَّ عاوّدَ النظرّ إلى الحارِسيّنِ المُتوجدانِ أمـامَ البابِ.
” أتـرّكْتُما موقِعّكُما؟ “
إرتعَدَ أحـدُ الحُراسِ واجـابَ بفزعٍ مُبررًا موقِفَهُ
” كـلا، كلا يـا سيّدي! غادرتُ لِلحظةٍ لأنَّ السيّدةَ أخبرتنا بأنّها جائِعَةٌ.. بينما لَزِمَ مايكل مكانهُ، وقدّ تناولت طعامها بالفِعلِ. “
نَظَرَ ديكار إلى الغُرفةِ الفارِّغَةِ ببرودٍ شديدٍ.
نافِذةٌ مُغلّقَةٌ بإحكامٍ، سريرٌ غيرّ مُرتبٍ البتة، بابُ الحمامِ كانَّ نِصفُهُ مفتوحًا..
واخيرًا كـانَّ بابُ غُرفةِ الملابسِ مُغلقًا تمامًا.
” هـــاه.. “
ضَحِكَ ديكار بِسُخريةٍ.
نحنُ بالفِعلِ في الطابِقِ الرابِّعِ، مُحالٌ لها القَفْزُ مِنْ هذا العُلّوِ.
إذن، لـم يَعُدّ هُنالِكَ سِوى طريقةٍ واحِّدةٍ للهُروبِ مِنْ هُنا.
إتجه ديكار مُباشرةً نحّوَ غُرفَةِ الملابسِ وفتحَ الباب؛ إصطـدّمَ بشيءٍ ثقِيّلٍ..
ومـا وراءهُ كانَّ صامتًا.
أكـانـتْ تُرِيدهُ أنْ يترُّكها إلى هذا الحـدِّ؟
لِــمَ..؟
ولأيِّ سببٍ تفعَلُ ذَلِك؟
أمِــنَ المُمكِنِ أنْ تكونَ تِلكَ الشائِعاتُ حقيقيةً حقًا؟
هـذا سخِيّف.
الحقيقةُ لـم تكُنْ مُهمةً الآن؛ كُلُّ ما كانَّ يَشّغِلُ فِكرّهُ ويُهِمهُ هو أنّهُ قدّ وَجَدَ زوجتّهُ مِنْ جديدٍ.
أحكَمَّ ديكار الضَغطَ بِشدةٍ على فكّهِ جراءَ غضبهِ الشديدِ، ثُمَّ التفت إلى الحُراسِ ليُصّدِرَ أوامِرَهُ
” الدُوقةُ قدّ هرّبت مُجددًا ..هي لـم تذهب بعيدًا بعد، أطلّقوا فِرقَ التفتِيّشِ للبحثِ عنها. “
صَدّح صوتُهُ بصعوبةٍ آثرِ ضغطِهِ على أسنانِهِ مُطبقًا أيـاها.
سامِحينيِّ يـا اوفـيـلـيـا.
لكِنني..
لَـنْ أدّعَكِ تُفلّتِينَ مِنيِّ مـرةً أُخرى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 3 2025-08-10
- 2 2025-07-22
- 1 2025-07-08
- 0 - المُقدمة 2025-07-07
التعليقات لهذا الفصل " 2"