1
الفصل الاول
كانتّ اوفيليا تمشي بخفةٍ مُحتضنةً سلةَ التسوقِ المُمتلئةَ بينَّ ذراعيّها ، شعرُها الأحمر المُضفوّرُ بعنايةٍ يهتزُ مع كُلّ خطوةٍ تخطّوها
بينما كانتّ أشِعَةُ الشمسِ تتسللُ عبّرَ الطريقِ الريفيِّ الهادئ والعصافيرُ الصغيرةُ تتنقلُ بينَّ الأغصانِ بسعادةٍ ، إبتسمتّ اوفيليا جراءَ ذَلِك لِتّشعُرَ بالسلامِ يغمُرُ كيّانِها
وعندما لمحتّ منزِّلها أسرعتّ في خطواتِها
كانَّ جارُها العزيزُ ‹ جاك › متواجِّدًا في حديقتِهِ الخاصة
” مرحبًا عميِّ جـاك! ”
لوّحت اوفيليا بحيويةٍ إليّهِ
” اوفيليا “
رَّدَ جاك عليها والحيرةُ تنهَّشُ ملامحَهُ ، ألقى بنظراتِهِ نحّو منزِّلها ليعاوِّدَ النظرَ إليّها مُجددًا مُقتربًا منها قليلًا ليُّردِفَ
” شخصٌ مـا.. قد أتى إلى منزِّلِكِ. “
همسَ جاك بصوتٍ مُنخفضٍ
” ضيفٌ؟ “
أمالتّ اوفيليا رأسها بتساؤلٍ ونظرتّ نحّوَ منزِّلها ، مِنَ الجِّهَةِ الأُخرى كانَّ هُنالِكَ عربةٌ واحِّدةٌ وعِدةُ خيولٍ تكادُ لا تعرِّفُها
لم يظهّر على محياها أيُّ تعبيرٍ يدلُ على الشُعورِ بالقلقِ.. مما جَعَلَ جاك يُردِّفُ قائلًا بقلقٍ كبيرٍ
” كانوا رِّجالًا مُسلحين.. أكُلُّ شيءٍ على مـا يُرام؟ ”
” أحقًا ذلك؟ فأنـا لا أعلمّ ولا أتوقع أيَّ أحدٍ سيُّقدِمُ على فِعلِ هذا. “
تمتمتّ اوفيليا وأعّيُنُها الخضراء اللامعَةُ تتجولّ في الأرجاءِ..
لم تستطِعّ التفكيرَ بأيِّ أحتمالاتٍ واردةٍ فمن يُمِكنُهُ أنْ يأتي لزيارتِها خصوصًا وبرفقتِهِ رِّجالٌ مُسلحين؟
” رُبما ضلّوا طريقِهُم؟ “
ضحكتّ اوفيليا وإبتسامةٌ مُشرقةٌ تُزينُّ محياها البهيِّ غيرُ مُدركةً لقلقِ جاك العارمّ
” سأذهَبُ لأرى مَنْ يكونونَ! “
سارتّ اوفيليا بخفةٍ مُتوجهِةً نحّوَ كوخِها الصغيرِ
” كونيِّ حذرةً يـا صغيرة! “
صرخَ جاك مِنْ خلّفِها عاجِّزًا عنّ منعِها
لوّحت اوفيليا إليّهِ بمرحٍ كمّا لو كانتّ طائرًا صغيرًا يَّفرِدُ بأجنحتِهِ ويلُوِّحُ بِّها
ولكن قلبّهُ لم يهدأ مُطلقًا
فإذ بِّهِ يعتريِّهِ القلقُ الشديدِ بشأنِ تِلكَ الطفلة.
– أسمعتَ القِصةَ؟ عنّ الدُوقةِ التي هربتّ قبل بِّضعَةِ سنواتٍ؟
– الدُوقة؟ التي قيّلَ أنها أختفتّ في خضمِ ظُروفٍ مجهولةٍ؟
لم تكُنْ تِلكَ الأخبارُ غريبةً على السُكانِ ، فالدُوق الذي كانَّ يأمرُ بتوزِّعِ المنشوراتِ بحثًا عنّ زوجتِهِ المفقودة مُنذُ سنواتٍ جَعَلَ الخبر يُذاعُ على نِطاقٍ واسِعٍ ليِّعرفَ الجميع بتِلكَ القصة.
– أحضرتُ منشورًا مِنَ المدينةِ ، وأتعرِّفُ ماذا؟ الدُوقةُ تُشبِّهُ اوفيليا تمامًا!
– تُشبهها؟ أاوفيليا تُشبيِّهُ الدوقةَ حقًا؟
– انا أيضًا أعترتنيِّ الدهشةُ لهولِ ما رأيتُ ، لا افهم لِمَ لم أُلاحِظ ذَلِكَ مِنْ قبّل!
ـ أتقصدُ أنْ اوفيليا هي الدُوقة؟
– لا اعرِّف!.. انا فقد أُشيّدُ في مدى التشابُهِ بينهُما!
تذكُرُ جاك لتِلكَ الأقاويلِ جعلهُ يُحِسُ بالدُوارِ الشديدِ
” لا يُمكِنُ لاوفيليا اللطيفة والمحبوبة أنْ تكونَ هيَّ ذاتّها الدُوقةَ المفقودة. “
تجلى أحساسٌ مُرعبٌ لكيانِهِ.. بالتأكيد هُنالِكَ شيءٌ سيءٌ سيحدثُ قريبًا
لم يستِطعّ أنْ يُبعِدَ أعَيّنُهُ عنّ اوفيليا التي كانت تمشي نحّوَ منزِّلها بهدوءٍ وراحةٍ
لم يعتريّها القلقُ بشأنِ الضيوفِ المُسلحين؛ فهيِّ لم تؤذيِّ احدًا طِوال حياتِها فلِماذا تخشاهُمّ؟
لكن مـا إنْ رأتّ الباب الأمامي قدّ تَمَ إقتلاعهُ بعُنفٍ.. حتى أدركتّ لِمَ كان جاك قلقًا عليها
” لم يكُن البابُ مُقفلًا حتى أكـانَّ عليهُم إقتلاعهُ بهذِهِ الطريقة؟ “
لابُدَّ أنْ هؤلاء الضيوف يفتقِرونَ إلى بعضِ الآدابِ
عبستّ اوفيليا وهي تُعيدُ البابَ المائِلَ إلى مكانِهِ
لم يكُن الباب وحدهُ مَنْ تضررَ..
الطاوّلةُ الصغيرةُ ، كانتّ مُحطمةً
كُلُّ زينةٍ لطيفةٍ وُضِعتّ بعنايةٍ ، قدّ كُسرت.
كُلُّ زاويةٍ مِنَ المنزلِ كادتّ تصرخُ لفضاعةِ ما باتت عليّهِ ، فقدّ دَّل ذَلِكَ على أنهُمّ قاموا بتفتيشٍ فوضويٍّ
تقدمتّ اوفيليا بِّخُطى ثابتة وهي مُصمّمةٌ على مُحاسبةِ الفاعِلِ على تسببُهِ في هذا.
وعندَّ مائِدَةِ المطبخِ ، جلسَ رَّجُلٌ ضخم البُنيةِ ، كانَّ يُمررُ يدهُ على الطاولةِ والعُبوسُ مُرتسمٌ على محياهِ
لم يكُن هُنالِكَ رِّجالٌ مُسلحون كمّا ذَكر جاك
” مَنْ أنـت؟ “
سألتهُ بصوتٍ ثابتٍ ، فرفَعَ الرجلُ رأسهُ نحوها
التقتّ أعَيّنُهُ الرمادية بحدّقتيِّها الخضراويتيّنِ ، وأخذَ يتفحّصُ ملامحَها عنّ كثبٍ
كانتّ هالةٌ أرستقراطيةٌّ تنضّحُ بكيانِهِ
” أ-أنتَ.. نبيل؟ “
شعرتّ اوفيليا بإنقباضِ قلبّها وكأنها أحستّ بالخطرِ مِنهُ عُنّوةً
أرادتّ أنْ تهرُب
لكن.. هذا منزِّلُها
وكيفَ عساها الفِرارُ مِنهُ؟
وقفتّ بثباتٍ لتتحدثَ لكِنهُ أردفَّ عِوضًا عنها
” اوفيليا. “
ناداها بصوتٍ مُنخفضٍ ، فإرتعشتّ بشدةٍ
نهضَ الرجلُ مِنْ مكانِهِ ، للوهلةِ الأولى أحستّ اوفيليا بأنَّ الكوخَ قدّ ضاقَ بهُما
” اوفيليا. “
كرّر اسمها
وكأنهُ يتذوقُهُ مع كُلُّ حرفٍ ينطِقُ بِّه.
تراجعتّ اوفيليا خطوةً إلى الوراءِ بتردّدٍ لكِنهُ تقدمَ نحوها بخطواتٍ أسرع وأوسع لطُولِ قامتِهِ
وكأنهُ لا يسمحُ لها بالإبتعادِ عنّهُ لإنشٍ واحِدٍ حتى.
” لم أكُنْ اتوقع أنْ تكونيِّ هُنا. “
كانت نبرتُه باردة.. على الرُغمِ مِنْ أنْ أعَيّنُهُ كادتّ تفضحُ عنّ إضطرابِّهِ
كانت حدقتيِّهِ الرماديتينِ تنضحانِ بمشاعرٍ غيرِ مقروءةٍ
” مَنْ أنـت؟ ولِمَ تتواجَّدُ في منزِّلي؟ “
رُغمَّ أنْ الخوفَ كادَّ ينهَشُ روحها ألا انها حاولتّ التصديِّ بمظهرٌ ثابتٍ ، ولكن توترُها كانَّ واضحًا.
” أتتظاهريِّنَ بعَدمِ معرفتيِّ الآن؟ أم أنّكِ نسيتِ وجهيِّ بعد مُرورِ هذِهِ السنين “
” ماذا؟ “
” سيّدتي. كُفيِّ عنّ هذا
حانَ وقتُ عودتِكِ إلى المنزِّلِ. “
سيّدتي؟! ما بالُ هذا الرجُلِ؟!
مدّ يدهُ نحوها ، لكِنها أحستّ بالتهديدِ لِذا تجنبتّهُ
” انــا.. انـا حقًا لا أعرِّفُكَ! لا أظُنّكَ تبحثُ عنيِّ! “
حاولتّ اوفيليا الهرب ، لكنَ رِّجالًا ظهروا مِنَ العدمِ ليِّمسِكوا بِّها
أرادتّ الصُراخ ، وهي تأملُ أنْ يستمِعَ جاك إلى صوتِها اليائسِ لطلبِ النجدةِ
ولكن لسوءِ الحظِّ قامَ أحدّهُم بتكميمِ فمِها ليُّفقِدها الوعي.
” نعتذِّرُ عنّ ذَلِكَ ، سيّدتي الدوقة. ”
بعد هذِهِ الكلمات ، فقدتّ اوفيليا الوعي تدريجيًا.
.━─━─━─✠─━─━─━.
عندما فتحتّ اوفيليا أعَيّنُها ، وجدتّ نفسها في مكانٍ لم تراهُ مِنْ قبّلٍ.
سقفٌ مُزخرفٌ بنِقُوشٍ فاخرةٍ ، أعمّدةُ السريرِ تلمّعُ بشدةٍ وستائِرٌ شفافةٌ تتمايّلُ معَ النسيمِ الهادئ
كانتّ تتواجَّدُ في سريرٍ ناعِمٍ ورائِحةٌ عبيقةٌ تتخللُ المكانَ
” أهذا.. حُلم؟ “
لكنِها استفاقتّ بِّسُرعةٍ آثر تذكُرِّها ما حدّث.
قفزتّ مِنَ السريرِ وأعّيُنُها الخضراءُ تتسِعُ بِّمُجردِ تفحُصها الغُرفة
” انـا.. أأُختُطِفتُ حقًا؟ “
حتى فُستانُها المُهترئ تـمَ أستبدالُهُ بملابسِ نومٍ ناعمةٍ ، نظرتّ إلى النافذةِ؛ اضاءَ القمرُ الغُرفةَ بضوئِهِ الخافتّ
” إنَّ الهُروبَ لمُستحِيلٌ مِنْ هذا الإرتفاعِ.. ”
ولكن صدمتُها لم تدُم كثيرًا لأنها سُرعانَ مـاصُدمتّ أكثر بعد أنْ التفتّت؛ لِتُلاقيِّ الرجُلَ ذاته يجلِسُ على الأريكةِ ويحدّقُ بِّها.
” لِمَ لا تُصدّرُ أيَّ صوت؟ “
همستّ بإعتراضٍ وهي تُحاولُ البقاءَ هادئةً قدّرَ المُستطاعِ.
اقتربّ منها وأردفَ قائلًا:
” أكُنتِ تُخطّطينَ للهربِّ عنّ طريقِ القفزِ مِنَ النافذةِ؟ القفزُ مِنْ هذا العُلوِ.. يكادُ يُعتبرُ موتًا لا محالة. “
شعرتّ اوفيليا بالذُعرِ لثِقتِهِ الشديدة
رمقها بنظراتٍ باردةٍ وحادةٍ واضافَ مرةً أُخرى
” أتظُنيّنَ أننيِّ لا أعرِّفُكِ؟ “
تقلصتّ المسافةُ بينهُما مع كُلّ خطوةٍ يخطوّها نحوها.
” لا يُمكِن ألا أنْ اعرِّفَ زوجتيِّ؛ سيّدتي. “
زوجتُهُ؟! ما الذي يهذيِّ بِّهِ؟!
ارتبكتّ اوفيليا وقالتّ بتردّدٍ:
” انـا.. اسمي اوفيليا ، لكنني لن أتزوجّ ابدًا
أظنُ أنّكَ مُخطِئٌ بينيِّ وبينَ شخصٍ آخر. “
ازدادَ عُبوسُ الرَّجُلِ واقتربّ اكثر.
” أتظُنيّنَ أنني مُجردُ رَّجُلٍ أحمقٍ أكادُ لا أُميّزُ زوجتيِّ؟ “
” لا، لا أقصِد ذلك.. “
” حتى وإنْ كُنا مُجردَّ زوجيّنِ عُقِدَّ زواجُهُمَ على قِطعةٍ مِنَ الورقِ ، ألـم نكُن نتشارَّكُ ذاتَ السرير ايضًا؟ “
لامستّ يدّهُ عُنقها.. فأحستّ بقُشعريرةٍ تسريِّ في جسدّها بأكملِهِ
رفعتّ نظرها نحّوَ وجههِ الوسيمِ ، كانَّ قريبًا مِنها للغايةِ.. تكادُ تتلامسُ أنُفُهِما.
لثانيةٍ فقط.. بدأتّ تُشكِكُ في نفسِها
’ أكُنتُ.. أكُنتُ حقًا مع هذا الرجُلِ.. ‘
..؟
مُستحيل!
أرادتّ الفِرار ، فصرختّ:
” انـا لستُ هي! انتَ مُخطئٌ! انـا لستُ الشخص الذي تبحّث عنه! “
وبينما كانتّ تعابيرُ الذُهولِ تُزينُّ محياهُ ، استغلتّ اوفيليا تِلكَ الفُرصة لتقُومَ بركلِهِ بكُلِّ قوتِها
ترّنحَ ديكار جراءَ تِلكَ الضربةِ وسقطَ ارضًا ، ركضتّ اوفيليا بسرعةٍ نحّوَ البابِ وفتحتهُ بقوةٍ
يُمكنني الهربُ الآن!
لكِنَ ذَلِكَ الأمل لـم يدُم طويلًا.
إذ أُمسِكتّ مُجددًا
وبقُوةٍ مألوفةٍ سُحِبَّ جسدُها إلى الوراءِ
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 1 منذ 20 ساعة
- 0 - المُقدمة منذ يوم واحد
التعليقات لهذا الفصل " 1"