لم يكن هناك ما يمكن أن يُخمد لمعان عيني الإمبراطور الذهبي وهو يتلذذ بإرباك شقيقه الأصغر علنًا، خصوصًا حين لمح النظرات العابرة بين كايرون وسيلينارا.
اقترب خطوة أخرى، ورفع كأس الشراب بلون الياقوت وهو يقول بصوت جهير:
— “إذا كانت الراقصة قادرة على جعل الذئب يبتسم… فربما علينا دعوتها إلى الشمال دائمًا، أليس كذلك، كاير؟”
انخفضت نظرات بعض النبلاء بخجل، بينما كايرون لم يتغير ملامحه، سوى بارتعاش بسيط بالكاد يُلاحظ عند طرف فمه.
سيلينارا بدت في موقف حرج، لكن قبل أن يتفوه أحد بكلمة…
دخلت هي.
الإمبراطورة ميلانثيا.
شعرها البنفسجي الطويل كان مرفوعًا في تاج من الضفائر، ينسدل منه بضع خصل ناعمة حول وجهها، وعيناها الرماديتان اللامعتان تشعّان ذكاءً وسحرًا، كما لو كانتا مرآتين للغيم حين يهمس للمطر.
تقدّمت بخفة وأناقة، كأن الأرض تفرش الورد حيث تطأ قدماها، ووضعت يدها بلطف على ذراع زوجها.
قالت بصوت خافت، لكنه يحمل سلطة حازمة مغلفة بالحب:
— “أليريك… بعض الضيوف ينتظرون كلمتك. وكايرون يفضل أن نتجنب إحراجه أمام امرأة جميلة، أليس كذلك؟”
ضحك الإمبراطور بحرارة، ثم انحنى لها وقال:
— “أجل، أجل، كنتُ سأستمر في الحديث لولا أنكِ… أجمل منطق في هذا القصر.”
ضحكت ميلانثيا برقة وهي تسحبه معها نحو منصة الشرف حيث كبار النبلاء يتجمهرون. همست له وهما يغادران:
— “دع الفتيان يتنفسون قليلاً… الحب ليس سباقًا، يا جلالة الأسد.”
ردّ بخبث:
— “لكن الذئب يتعلم كيف يركض… خلف رقصة النار.”
تنفست سيلينارا براحة، وهمست:
— “يبدو أن الإمبراطورة أنقذتك من موجة ثانية.”
كايرون نظر إليها، وغمز بعينه بهدوء.
قال بصوته العميق، بنبرة خافتة:
— “ليست الموجة ما يخيفني، بل تلك النظرات التي لم تعتدها عيني.”
أخفضت نظراتها وهي تبتسم، وسحبت خصلة من شعرها خلف أذنها، قائلة:
— “أوه، أتعني نظرات الإمبراطور… أم نظراتي؟”
رد، دون تردد، وهم يبدآن السير في محيط القاعة معًا:
— “نظراتك، آرا.”
بعيدًا، كان ريان المدير الصغير يراقب بعيون متسعة، بينما إلينا تقف بجانبه تمضغ قطعة حلوى وتقول بسخرية:
— “الذئب كاير يُصاب… بالحب؟ هل سنرى معركة قلوب على أرض ملكية؟”
قال ريان بنبرة وقورة تتعارض مع عمره:
— “يجب أن نبقي الأمور تحت المراقبة. سيلينارا… حساسة أكثر مما تظهر.”
وعلى أطراف القاعة، كانت لوريانا أزريلثا تضحك بمرح وهي تتحدث إلى بعض نبلاء الجنوب، ترمي بنظرات خاطفة نحو أخيها إيليان أزريلثا، الذي بدا عليه التوتر والغيرة المكتومة.
همس أحدهم لها:
— “هل تعتقدين أن الأمير كايرون واقع في الحب حقًا؟”
ردّت بابتسامة ذات مغزى:
— “إن لم يكن بعد… فسيكون. أختي الصغيرة تعرف كيف تُحرك الأوتار.”
أما إيليان، فكان يقف إلى جانب عمود رخامي، ينظر نحو سيلينارا وكايرون من بعيد.
وجهه كان جامدًا، لكن يده كانت مشدودة على كوب العصير، يكاد يُسحق من قبضته.
— “إنه قريب جدًا منها…”
تمتم لنفسه، ثم أدار وجهه حين التقت عينه بعين كايرون، تلك النظرة الصامتة التي تخبرك بكل شيء دون أن تُقال كلمة.
وسط هذه الشبكة المتشابكة من الأنظار، والحركات، والنوايا المبطنة، كانت الموسيقى قد بدأت تعلو شيئًا فشيئًا.
عزفٌ هادئ لعازف كمان في الزاوية، ثم ألحان تتصاعد برقة.
قال كايرون وهو يمد يده نحوها:
— “آرا… هل تسمحين لي برقصة؟”
نظرت إليه، ثم إلى الجمهور، ثم عادت تنظر إليه… ووضعت يدها في يده.
قالت بخفة:
— “فقط لأنك لم تعد ذلك الذئب المتجمد تمامًا.”
ردّ وهم يبدأان التحرك بخطى متناسقة:
— “لا زال هناك جليد… لكنه بدأ يرقص.”
وهكذا، في قلب القصر المضيء، وتحت أنظار الجميع، لم تكن رقصة واحدة فقط تدور…
بل كان هناك قلبان يرقص
ان، وعيون تراقب، ومشاعر تُخبأ بين سطور الموسيقى،
في ليلة لن تُنسى من همسات بين الظلال.
التعليقات لهذا الفصل " 9"