في اليوم التالي، ومع بزوغ الفجر فوق أبراج سترونيا الرخامية، كانت سيلينارا واقفةً في قاعة الرخام الأبيض المخصصة للتدريب، تتدرّب وحدها على رقصة جديدة.
لا موسيقى.
لا جمهور.
فقط خطوات خفيفة على الأرضية الباردة، وصوت أنفاسها المتقطعة.
وفجأة، شعرت بنظرةٍ تخترق ظهرها.
– “ألا تخشين أن تُرهقي نفسك قبل حفلتكِ التالية؟”
توقفت، ثم نظرت خلفها دون أن تلتفت كليًّا، وابتسمت:
– “وهل يخشى السيف أن يتلمّع قبل المعركة؟”
تقدّم كايرون نحوها بهدوء، يده خلف ظهره، ونظراته الذهبية التي كانت تخترق ولا تُجرح، تحيط بها كأنها رقصةٌ خاصة به وحده.
– “أنتِ لا تشبهين أحدًا ممن التقيتُ بهم في حياتي.”
قالها بصوتٍ منخفض، وكأنّ اعترافه هذا أثقل من سيوفه كلّها.
– “وأنت، يا أرشدوق، تملك حضور ذئبٍ لا يمكن التنبؤ بنواياه.”
قالتها وهي تتقدّم نحوه بخطواتٍ راقصة، دائرة حوله، كما لو كانت تلعب معه رقصةً بلا موسيقى.
– “إن كان قلبي ذئبًا، فربما لأن أحدًا لم يره كقلبٍ من قبل.”
كلماته جعلتها تتوقف فجأة. نظرت إليه مباشرة.
كانت تلك أول مرة يتحدث فيها عن قلبه، لا عن مهامه أو مسؤولياته.
فقالت، بصوتٍ أقرب إلى الهمس:
– “ماذا لو كنتُ أنا الوحيدة القادرة على سماع خفقاته؟”
سادت لحظة صمت، كان كل شيءٍ فيها نابضًا: الهواء، النظرات، اقتراب الأنفاس.
– “سيلينارا…”
همس اسمها وكأنه دعاء.
– “كايرون…”
ردّت، وهي تضع يدها برقة على صدره، حيث يخفق القلب الذهبي.
لكن قبل أن يكتمل اقترابهما… انفتح باب القاعة فجأة.
دخل خادمٌ مرتبك، وانحنى بسرعة:
– “سيدي الأرشدوق، تم استدعاؤك على عجل. هناك… طارئٌ في الحدود الشمالية.”
تراجع كايرون بخطوة، وكأن كل ما حدث قبل لحظات أصبح في مهبّ الريح.
وقبل أن يغادر، نظر إليها مجددًا، وقال:
– “انتظريني. مهما تأخرت… لن أنسى هذه الرقصة الصامتة بيننا.”
وغاب.
جلست سيلينارا وحدها، في وسط القاعة، وسط الضوء المنعكس على الرخام، تُتمّم الخطوات الأخيرة للرقصة… لكنها، هذه المرّة، لم
تكن وحدها في قلبها.
كانت هناك نظرةٌ ذهبية لا تفارقها.
التعليقات لهذا الفصل " 4"