في الحديقة الملكية الغارقة في ضوء المصابيح الذهبية، كانت نسمات الليل تمرّ على أوراق الأشجار بخفّة…
لكن تحت هدوء الطبيعة، كانت عاصفة تتجمّع.
على طرف الممر الحجري، قرب تمثال نحتٍ رخاميّ لعذراء تحمل زهرة، وقف إيان، ينتظر.
ولم يكن انتظاره طويلًا.
فمن خلف خط الزهور، ظهر كايرون، بهدوءه المعتاد، وخطواته الرزينة، وعيناه الذهبيتان تلمعان بنظرة جامدة.
تقابلا كجبلين يتقدمان لبعضهما، ولا أحد ينوي أن يتزحزح.
– “أردت الحديث؟”
قال كايرون ببرود.
– “بل المواجهة.”
أجاب إيان، وصوته فيه شيء من القسوة لا يُخفى.
كايرون لم يرد، فقط رفع حاجبًا.
– “آرا ليست لك. ولن تكون.”
قالها إيان، وكأنها سكين يُقذف بها لا جملة.
زمّ كايرون شفتيه، لكنه لم يتراجع.
– “نحن سنرحل بعد أسبوع. وهذا كافٍ لتنسى وجودك… كلّ هذا ليس أكثر من مشاعر مؤقتة، ستذوب كما تذوب رقصة في الهواء بعد انتهائها.”
ابتسم كايرون، لكن ابتسامته لم تكن فرحًا… بل سخرية باردة:
– “حقًا؟ يبدو أن أحدًا لم يُخبرك… أنكم مدعوون لحفل الأمير كيرليون الشهر المقبل.”
تراجع إيان نصف خطوة.
– “الإمبراطورة شخصيًا طلبت عودتكم”
أضاف كايرون بنبرة أكثر حدة.
– “وصدّقني… لن أبتعد. ولن أكون مجرد لحظة مؤقتة في حياة سيلينارا.”
ارتجف فَكّ إيان.
ثم همس بغيظ:
– “من الأفضل أن تكون كذلك… لأنني أعرفها أكثر منك. وأعرف أنها لا ترى فيك أكثر من وهج عرض.”
ضحك كايرون بصوت خافت، ثم اقترب نصف خطوة:
– “ربما. لكن على الأقل… لست صديق الطفولة الذي تعتبره أخاها.”
كلماته كانت طعنة دقيقة.
كأنها صفعة مزينة بشريط حريري.
شدّ إيان قبضته.
كايرون أيضًا.
وتوترت الأجواء.
الهواء أصبح كثيفًا، والزهور توقفت عن الاهتزاز، والنور على الأعمدة ارتعش وكأنّه يحبس أنفاسه.
ثم…
📣 – “إيان!!”
جاء الصوت من الخلف.
كان ريان، يركض بخطى سريعة، وجهه قلق، وصوته ملهوف:
– “توقف فورًا! هذا الأرشدوق، وليس مجرد متطفل… لا ترتكب حماقة!”
مدّ يده، وأمسك بذراع إيان قبل أن ينطق بكلمة أخرى.
وفي الجهة الأخرى، ظهر إيمار، قائد الحرس الخاص بكايرون، بهدوء مريب.
اقترب بخفة، انحنى عند أذن كايرون، وهمس:
– “سيدي، لدينا اجتماع طارئ في الجناح الشرقي. يجب أن تغادر الآن.”
رفع كايرون حاجبه، ثم نظر نحو الحشد الصغير من النبلاء الذين بدأوا بالتجمع على بعد خطوات، وهم يتظاهرون بالمشي أو الحديث… لكن أعينهم كلها كانت عليهما.
زفر الأرشدوق، ثم نظر لإيان:
– “سنؤجل النهاية… لكننا لم نُنهِها.”
ثم أدار ظهره، وغادر.
ظلّ إيان مكانه، قابضًا على أسنانه، وعيناه مشتعلتان.
قال ريان بهدوء وهو لا يزال يمسكه:
– “أنت مجنون.
لو أمسكت به، حتى لو كان على خطأ… سيلتهمك البلاط حيًا.”
– “ليأكلوني!”
قالها إيان بغضب:
– “أفضل من أن أراها تسقط في حب رجل لا يعرف سوى الجليد.”
وفي داخله… لم يكن
غضبه فقط من كايرون.
بل من آرا.
لأنها، رغم كل شيء…
تنظر إلى ذئب الشمال كما لم تنظر إليه أبدًا.
التعليقات