خرج إيليان من مجلسه القصير مع كايرون وهو يفكّ أزرار ياقة معطفه الضيق بشيء من التوتر.
كلماته الأخيرة لم تكن موجهة للأرشدوق فقط، بل لنفسه أيضًا.
الضجيج بدأ يعلو مجددًا من خلف الأروقة مع عودة الضيوف، لكنه كان يحتاج ثانيةً من الصمت، قبل أن يعود حيث تنتمي عائلته.
وقبل أن يبلغ الزاوية، لمح ظلال فستانين يعرف خيوطهما قبل أن يرى من ترتديهما.
سيلينارا… ولوريانا.
الأولى كانت تسير بخطى ناعمة، وقد ارتدت فستانًا أنيقًا بلون العاجي المرصع بتفاصيل فضية،
وشعرها الأبيض المصفف بدقة يتماوج بخفة مع كل خطوة.
أما الثانية، لوريانا، فكانت كعادتها… تلمع وتضحك وتتهكم، بفستان من تدرجات البنفسج والنبيذي.
– “إيليان!”
قالتها لوريانا أولًا وهي تلوّح بيدها.
أما سيلينارا، فابتسمت بسعادة وهي تسرع نحوه خطوة.
– “أين كنت؟! لقد انتهينا جميعًا من تبديل ملابسنا وبحثنا عنك.”
– “أجل!” قالت لوريانا، وهي تمسك ذراع آرا:
“اعتقدنا أنك هربت من الاحتفال، أو أسوأ من ذلك… أنك وقعت في فخ خادمة لطيفة.”
ضحك بخفة، ثم هزّ رأسه وهو يرفع يده ويلمس خد سيلينارا بحنان نادر.
– “كنتُ… أرتّب بعض الأمور.”
قالها وهو ينظر في عينيها.
ثم أردف بنبرة أكثر لطفًا، كأن صوته نُسج من ضوء شمس شتوية:
– “أنا دائمًا بجانبك، آرا.
أنا أخوكِ الأكبر… وسأظل الملجأ الذي تختبئين فيه، حتى إن اختبأتِ من العالم كله.”
تجمّدت نظرتها للحظة.
ومعها، توقفت الأرض.
🌸 فلاش باك — الماضي
كانت الغرفة صغيرة، في بيت طفولتهم، وأمهم قد خرجت لتوّها غاضبة بعدما كسرت سيلينارا مزهرية ثمينة.
كانت الطفلة تبكي، مختبئة خلف الستائر، ترتجف.
وإيليان، ذو العشر سنوات، دخل الغرفة بصمت، ثم جثا على ركبتيه وفتح ذراعيه.
ركضت نحوه، اختبأت في حضنه، بينما هو كان يهمس لها:
– “لا بأس… لا أحد سيؤذيكِ وأنا هنا.”
أخرج من جيبه قطعة حلوى صغيرة، ثم جلس يصنع لها تاجًا من زهور الحديقة.
حين انتهى، وضعه فوق رأسها، ومسح دموعها.
– “الآن، أنتِ أميرة الأزهار… ولا يُعاقب الأميرات.”
ضحكت من قلبها، وقبلته على خده، بينما ضحك هو بدوره وأعطاها حبة الحلوى.
🌸 العودة للواقع
رمشت سيلينارا، ودمعة دافئة، شفافة، نزلت بهدوء على خدها.
ليست حزنًا…
بل امتنانًا نقيًّا.
همست:
– “أنا محظوظة… بكما جميعًا.”
لكن…
👀 كعادتها، لوريانا قررت إفساد اللحظة.
– “آرا، لا تبكي هكذا. هذه دموع ما قبل الخيانة!”
قالتها بمزاح ساخر وهي تضحك.
– “خيانة؟”
سألت سيلينارا بدهشة مصطنعة.
– “أجل، لأنكِ يومًا ما… ستتزوجين وتتركينا جميعًا.
ستفضّلين زوجكِ على أخيكِ… وأعرفكِ، ستفعلينها!”
جفل إيليان.
وتجمّدت عيناه لحظة.
– “…زوج؟”
ردّد الكلمة وكأنها شيء غريب على قاموسه.
ثم نظر إلى سيلينارا نظرة تحذير مشوبة بقلق:
– “حسنًا، أخبريني بصراحة… أيّنا ستختارين؟ أخوكِ أم زوجكِ؟”
سيلينارا رمشت…
ثم ابتسمت ببراعة، وانحنت بخفة.
– “أوه، أنظر! أظن أنني سمعت ريان يناديني من بعيد! يجب أن أذهب!”
قالتها بتمثيل واضح، ثم استدارت هاربة.
– “آرا!”
ناداها إيليان بنبرة مزعوجة، لكنها اختفت بخفة بين الحضور.
لوريانا ضحكت بقوة، وضربت كتف شقيقها برفق:
– “أوه، المسكين. لقد خُنتَ قبل أن يبدأ الزواج
أصلًا.”
عبس إيليان، وزفر وهو يتمتم:
– “إن تزوجتِ من ذلك… الأرشدوق، سأخنقكما بتاج الأزهار ذاته.”
التعليقات