في الممر الخلفي للقصر، حيث كانت النوافذ الطويلة تفتح على حدائق الظل، كان الصمت كثيفًا كأن الهواء ذاته يتنفس بتوتر.
– “سيلينارا.”
صوت إيليان أتى من خلفها، حازمًا، لا يحتمل التأجيل.
استدارت إليه ببطء، حاجباها ارتفعا بدهشة خفيفة، لكنها لم تقل شيئًا.
– “نحتاج للحديث… الآن.”
قالها وهو يشير إلى زاوية الممر بجانب أحد الأعمدة المزينة بالعريشة البيضاء.
سارت إليه بخطوات باردة، لكنها تشعر بداخلها بتقلبات لا تُفسَّر.
– “ما الأمر؟”
قالتها بهدوء.
نظر إليها… طويلاً، كأنه يبحث في ملامحها عن تلك الأخت التي يعرفها منذ الطفولة.
– “ما الذي حدث بينكِ وبين الأرشدوق؟”
نطقها أخيرًا، كمن يواجه بها نفسه لا سواها.
– “لا شيء يُقال.”
أجابت، دون أن تنظر مباشرة إلى عينيه.
زفر ببطء، ثم مال للأمام، نبرته انخفضت لكنها ازدادت حدة:
– “سيلينارا… نظراتكِ تغيّرت. صمتك تغيّر. وطريقة خروجكِ من القاعة كانت كمن… يحاول الهرب .”
صمت.
– “أنا أخوكِ، يا آرا. لا أحتاجكِ لتخبري التفاصيل… لكنني أقرأكِ. كما أقرأ نفسي.”
رمشت، مرة… ثم الثانية، ثم قالت:
– “هل هذا استجواب؟”
– “بل مسؤولية.”
ردّ بسرعة، ثم أكمل بصوت منخفض:
– “أنا أخوكِ الأكبر. والأرشدوق ليس من نوع الرجال الذي يُؤخذ بخفة. ولا أنتِ من نوع النساء اللواتي يتأثرن بسهولة… ومع ذلك، أنتِ لستِ أنتِ.”
رفعت رأسها نحوه، وعيناها بدأت تتوقدان بوميض خافت.
– “أنا ما زلت أنا، إيليان. لكنك لا ترى.”
قالتها، ثم أضافت بمرارة:
– “بل ترفض أن ترى أنني كبرت.”
– “بل أراكِ تكبرين بطريقة تجرحكِ. وهذا ما لا أحتمله.”
– “ومن قال إنني بحاجة لحمايتك دائمًا؟”
– “وأنا… من قال إنني أستطيع التوقّف؟”
كانت الكلمات بينهما كسكاكين مغلفة بالحنان.
لكن النار بدأت تشبّ بينهما، وكان الشرر واضحًا في العيون.
لكن قبل أن تتصاعد اللهجة،
دخلت لوريانا بخطوات خفيفة وهي تُصفق بيديها:
– “أوه، ما هذه الدراما الرائعة؟ هل فاتني مشهد الانفجار الكبير؟”
نظر الاثنان إليها في وقت واحد، وكأن تدخلها كان مدهشًا ومزعجًا في آنٍ معًا.
– “لوريانا، هذا ليس وقت—”
قال إيليان، لكنها قاطعته بإشارة يد:
– “بل هو تمامًا الوقت المناسب. أنتما تتشاجران وكأنكما في مسرحية عاطفية حزينة.”
ثم اقتربت من سيلينارا، وضعت ذراعها على كتفها:
– “آرا، إيليان لا يعرف كيف يُظهر قلقه سوى بالغضب. وأنتِ… أيضًا لا تعرفين كيف تخفين ارتباكك إلا بالعناد.”
رفعت سيلينارا نظرها إلى أختها، وعيناها بدأت تلمعان بدمع لم يسقط بعد.
– “لقد… كنت وقحة، أليس كذلك؟”
همست بصوت خافت.
– “قليلاً فقط.”
قالت لوريانا وهي تبتسم.
التفتت سيلينارا نحو إيليان، تقدّمت نحوه، ثم قالت:
– “أنا آسفة… رفعت صوتي عليك. وتحديتك كأنك غريب… ولم تكن تستحق ذلك.”
تردد إيليان لحظة، ثم اقترب منها بخطوة، فتح ذراعيه دون كلمة.
ارتمت فيهما كما كانت تفعل وهي طفلة…
واختبأت من العالم في صدره.
– “أنا فقط خفت عليكِ.”
همس وهو يضمها، صوته غائم بدفء نادر.
– “لا أتحمل فكرة أن تجرحي، لا على المسرح، ولا في الحياة.”
– “أنا بخير…”
همست.
– “أعدك أن أبقى بخير، طالما أنتم حولي.”
لوريانا ضحكت وهي تميل بجسدها على الجدار:
– “جميل جدًا… هل يمكننا الآن أن نذهب ونأكل شيئًا؟ لأن مشاعر العائلة تجعلني جائعة!”
ضحكا سويًا، وحتى آرا ابتسمت بخفة وهي تمسح دم
عة لم تكن تعلم متى تكونت.
وفي قلبها…
كان هناك امتنان صامت، لعائلة… لا تنسى كيف تحب، حتى حين تغضب.
التعليقات