في صمت القاعة البيضاء، كانت الأرضية الرخامية تعكس نور النوافذ العالية… وتُعيد لسيلينارا صورة لم تكن متأكدة إن كانت لها أم لظلٍّ داخلها.
وقفت وحدها في منتصف المساحة، يدها تمسك بطرف فستانها البنفسجي الفاتح، وشعرها الأبيض ينسدل بنعومة على كتفها، بينما كانت تتأمل انعكاسها في الزجاج.
نظرتها خاوية… لكنها متسائلة، مرتبكة، كأنها تبحث عن إجابة لم تسألها.
خطوة…
ثم ثانية…
ثم توقفت.
لكن إحساسًا مألوفًا مرّ كالتيار تحت جلدها.
لم يكن صوتًا… بل وجودًا.
– “آرا.”
قالها الصوت العميق خلفها، وارتجف قلبها كما لو أن الحروف جاءت من ماضٍ تعرفه أكثر مما تعترف.
استدارت ببطء. لم تتفاجأ. وكأنها كانت تعرف أنه سيأتي… أو تأمل ذلك.
نظرت إليه بثبات، ورفعت حاجبًا خفيفًا كما لو أنها تُخفي ارتباكًا مائيًا تحت قناع هادئ.
– “كـايـر.”
لفظت اسمه كما لو أنها تُجرب وزنه على لسانها مجددًا.
اقترب بخطواته التي لا تُصدر صوتًا، لكن وقعها يتردد في صدرها.
– “لم أتوقع رؤيتك هنا.”
قالتها بنبرة ناعمة، جامدة عن عمد.
– “كنت أراقب.”
أجاب، ثم أضاف بهدوء:
“أردت أن أرى… إن كنتِ ما زلتِ تتذكرين الخطوات.”
نظرت إليه بصمت، ثم مدت يدها كما لو أنها تتحدى حديثه.
– “جرّبني.”
مدّ يده دون تردد، لامس كفّها برفق، ثم قادها بخطوة صامتة في أول دائرة.
تبادل جسدان يعرفان اللغة… لغة الرقص، لا الكلمات.
كل خطوة كانت إنكارًا…
كل لفة كانت اعترافًا مختبئًا بين الأنفاس.
كان قربه حارقًا رغم برودته.
وكانت نظراته تقول كل ما لم يجرؤ على قوله.
– “أنت تُحسن الرقص… رغم كل شيء.”
قالتها كمن تجرّب استفزازه.
أجاب دون أن يلتفت:
– “وأنتِ تحسنين التمثيل.”
تجمدت خطواتها لحظة، ثم ابتسمت بافتعال وهي تتابع الدوران.
– “أعني التمثيل على المسرح، بالطبع.”
قالها ببرود، لكنه شعر بطعم المرارة خلفها.
أكمل معها الرقصة حتى اللحظة التي توقفت فيها فجأة.
نظرت إليه، نظرة قصيرة جدًا… لكنها كانت كافية لتُربك توازنه.
– “لا شيء مما تظنه صحيح، كايرون.”
همستها ببرود مصطنع.
– “وأنا لا أظن شيئًا، آرا.”
ردّها، وكأنه يقتبس عبارتها ليخفي بها شيئًا آخر.
لكن قبل أن تخرج الكلمات التالية من أي منهما…
📣 صوت باب القاعة يُفتح بعنف خافت.
– “سيلينارا.”
قالها بصوتٍ عميق مشحون إيليان أزريلثا، وهو يدخل بخطوات واسعة.
عينيه مرّتا على يديهما المتلامستين، ثم ثبتت على كايرون كأنهما سهمان من جليد.
– “مديرك ريان أقام اجتماعًا طارئًا لفرقتكِ، وتغيّبكِ قد يُفهم خطأً.”
نظرت إليه سيلينارا، ويداها انسحبتا من كفيّ كايرون بسرعة كأنها لُسعت.
– “كنت… فقط أتدرّب.”
قالتها بنبرة منخفضة، لا تُقنع أحدًا، حتى نفسها.
عيون إيليان لم تُفارق الأرشدوق، وصوته جاء جامدًا:
– “أتفهم ذلك. لكن بعض التدريبات… لا تحدث خلف الأبواب المغلقة.”
تورد وجهها، بين الإحراج والغضب والشتات.
أخذت نفسًا سريعًا ثم انحنت بخفة تجاه كايرون:
– “شكرًا للرقصة… حضرة الأرشدوق.”
قالتها بنبرة رسمية فجأة، وكأنها تُغلق كتابًا لم تكن مستعدة لقراءته.
ثم مشت بسرعة باتجاه الباب، خطواتها خفيفة، لكنها مسموعة.
هربت… لا منه، بل من نفسها.
وبقي كايرون واقفًا وسط القاعة، يرمق انعكاسه في الأرضية،
وكأنها لم تترك يده، بل تركت أثرها عليه.
التعليقات لهذا الفصل " 16"