حلّ الليل على القصر الإمبراطوري بعد الحفل الملكي الذي لم يُشبِع فقط فضول النبلاء بل زلزل القلوب التي ظنت نفسها محصنة.
انسحبت الشخصيات إلى غرفها واحدة تلو الأخرى، خلف أبوابٍ موصدة ولكن قلوبها كانت مشرعة على مصراعيها لعواصف من المشاعر المتشابكة.
💠 غرفة سيلينارا – جناح فرقة الظلال الراقصة
جلست سيلينارا أمام المرآة، وقد خلعت زينتها وتحررت من ثوبها الباذخ، ولكن عيناها ما تزالان تلمعان بشيء لم تستطع أن تسميه. رفعت أناملها لتلمس عنقها، حيث لامسته يد كايرون حين قادها للرقصة، وكأن دفء يده لا يزال مطبوعاً هناك.
“ما هذا الذي أشعر به؟” همست لنفسها وهي تحدّق في انعكاس وجهها المليء بالحيرة.
عقلها يحذرها: هو أرشدوق… رجلٌ بارد لا يؤمن بالحب… هذا محض خيال، لا تتعلقي.
لكن قلبها كان يعاندها، يذكرها بنظراته، بانحناءة رأسه وهو يطلب منها رقصة، بكيف ناداها بـ”آرا” بنبرة لم تسمعها من أحد من قبل.
“لا، لا يجب أن أكون غبية… لكن…” شهقت خفيفة وهي تتذكر ضحكته الخفيفة حين وطأت قدمها قدمه دون قصد.
وضعت يدها على صدرها وكأنها تحاول أن تسكت خفقان قلبها، ولكن المشاعر كانت قد استيقظت، ولن تعود للنوم بسهولة.
💠 غرفة كايرون – الجناح الإمبراطوري
في الطرف الآخر من القصر، وقف كايرون أمام نافذته، وقد فك أزرار قميصه الرسمي، وترك الرياح الليلية تتسلل إلى غرفته.
“ماذا كنت أفعل؟ طلبتُ منها رقصة… أمام الجميع…!” تمتم وهو يمرر يده فوق شعره الأسود كليل الشتاء.
أغلق عينيه، لكن صورة سيلينارا في فستانها الفضي، تضحك برقة، تدور في حضنه، ترفض أن تغادر. كيف لضحكة واحدة أن تترك كل هذا الأثر؟
كان عليه أن يكون صارماً، متحفظاً… لكنه لم يستطع منع نفسه. كان تصرفه خارجًا عن المألوف، عن طبيعته الجليدية. والأدهى؟ أنه لم يندم.
“هل أنا… غبي؟” همس، ثم ضرب جبهته براحة يده عندما وجد نفسه يبتسم كالمراهق كلما تذكّر نبرة صوتها وهي تناديه بلقب “الذئب كاير”.
وفي الجهة الأخرى من الجناح، انطلقت ضحكة جهورية للإمبراطور أليريك، الذي قال لزوجته ميلانثيا وهو يشير نحو النافذة:
“هل رأيتِ وجه كايرون أمام تلك الفتاة؟ أقسم أنه كان على وشك الذوبان!”
ضحكت ميلانثيا برقة وهي تستلقي إلى جانبه:
“قد لا يعترف بذلك، لكنه غرق بالفعل.”
💠 جناح آل أزريلثا – غرفة خاصة
جلس إيليان على الأريكة الفخمة وهو يملأ كأسه من النبيذ الأحمر، ينظر إلى أخته لوريانا التي كانت تضع قدميها على الطاولة بشكل لا يليق بليدي.
قال وهو يرفع حاجبه:
“أترين آرا؟ كانت تطير فرحاً وهي ترقص معه.”
لوريانا ابتسمت وهي تحتسي رشفة من كأسها:
“ولم تكن ترقص مع أيٍّ كان، بل مع الذئب كاير! أرشدوق الشمال البارد، الذي يقال إنه لا يبتسم.”
“بدأت أشعر بالقلق… آرا لم تنظر إلى أحد هكذا منذ أن كانت طفلة وتراقب النجوم.”
لوريانا نظرت إليه بعينين ماكرتين:
“أخي العزيز، نحن الآن نعيش بداية قصة رومانسية ملكية… إما أن تكون ملحمية أو كارثية.”
💠 غرفة إيان
جلس إيان قرب النافذة، يراقب القمر وهو يحترق ببرود فوق سماء سترونيا. قبضته كانت مشدودة على الستائر.
“كايرون؟ حقاً؟” همس بمرارة.
تذكّر كيف ضحكت سيلينارا، كيف بدت ناعمة كالحلم بين يديه، وكم بدت بعيدة عنه هو، رغم أنه يعرفها منذ الطفولة.
“هل كنتُ أحمقًا لعدم البوح بمشاعري؟ أم أن الوقت فات؟”
غضب… وغيرة… وخوف… كلّها تشابكت في قلبه، حتى كاد أن يختنق.
في أحد الممرات، مرّت ريفايا من مملكة فالين وهي تبتسم لوحدها، تتذكر كيف كانت سيلينارا بفستانها و مجوهراتها لقد أعجبت بها، وبروحها الدافئة.
“أظنني وجدتُ صديقة جديدة في هذا المكان الغريب.” همست لنفسها.
أما ريان، مدير أعمال سيلينارا الشاب، فقد كان يحاول تكديس الهدايا التي أُرسلت إلى جناحها وهو يتمتم:
“هل كل من يرقص مع الأرشدوق يتحول إلى مركز اهتمام المملكة بأسرها؟ هذا سيتعبني كثيرًا…”
هكذا انقضى الليل، ولم تنم القلوب.
كلٌّ كان في صراع، إما مع مشاعره… أ
و مع خوفه من الاعتراف بها.
لكن شيئاً ما تغيّر في ذلك الحفل… شيءٌ لن يعود كما كان.
التعليقات لهذا الفصل " 12"