خرج إيان إلى الشرفة المكسوة بالرخام الأبيض وهو يحاول أن يتحكم في أنفاسه التي ثقلت من دون سبب مقنع. الهواء البارد لفح وجهه برقة، لكن قلبه كان يغلي.
نظر إلى السماء التي بدأ يغزوها اللون النيلي، والنجوم تومض فوقه بهدوء لا يتناسب مع الضوضاء العاطفية التي تدور داخله.
منذ أن دخلت آرا إلى تلك القاعة، شعر أن كل الأنظار تنجذب إليها… وبشكل خاص، نظرات ذلك الأرشدوق.
أغمض عينيه للحظة، محاولًا أن يطرد ذلك الشعور المزعج من صدره. كان يعرفها منذ الطفولة، وكان دومًا الأخ الأكبر المزعج الذي يدافع عنها ويضحك معها ويخفي مشاعره خلف ستار من الأخوّة. لم يخبر أحدًا قط، ولا حتى هي، بأنه كان يومًا ما يتخيلها زوجته.
ولكن الآن؟
عندما رآها تبتسم لذاك الرجل بصدق، وتدعوه للرقص، شعر بشيء يُنتزع منه. شيء لم يجرؤ يومًا على تسميته.
“أحم… الجو هنا أنقى من الداخل، أليس كذلك؟”
صوت هادئ وناعم أيقظه من أفكاره، فاستدار ليجد إلينا واقفة عند الباب.
كانت ترتدي فستانًا ورديًا ناعمًا يعانق خصرها كزهرة في الربيع، وابتسامتها المشرقة جعلته يرخي كتفيه.
“آه… إلينا. نعم، أحتاج بعض الهواء.”
اقتربت منه، ووقفت بجانبه وهي تضع يديها على الحافة:
“تبدو كأنك على وشك إلقاء خطبة نارية. هل تريد التحدث؟”
ضحك بخفة، ثم قال: “هل أنا بهذا الوضوح؟”
أجابت بمرح: “بالنسبة لي؟ نعم. دائمًا.”
صمت للحظة، ثم تمتم: “كايرون…”
رفعت إلينا حاجبيها: “أرشدوق الذئب؟ ما به؟”
نظر إليها بنظرة معذبة وقال:
“أراها تنجذب إليه… وهي لا تعلم. هو أيضًا. كلاهما لا يعلم. لكنني… أنا أراها. كلها.”
ابتسمت إلينا بتعاطف، ثم قالت بهدوء:
“ربما لأنها اعتادت أن تجدك بجانبها دومًا، نسيت أن تنظر إليك كشيء أكثر من مجرد سند. وربما… لأنك كنت تحميها دومًا، لم تترك لها فرصة لاكتشاف قلبك.”
نظر إليها، وفي عينيه حزن ممتزج باعتراف:
“لكن قلبي… لم يعرف سواها.”
مرّت لحظة صمت طويلة، ثم وضعت إلينا يدها على كتفه بلطف:
“لا تفقد إيمانك بنفسك. فالحكايات تتغير دومًا… أحيانًا نكون أبطال الرواية، وأحيانًا أبطال الظل. وفي كلتا الحالتين، نحن من يمنح القصة قوتها.”
في الداخل، كانت القاعة لا تزال تعج بالموسيقى، وكايرون كان يتبادل النظرات والمراوغات اللطيفة مع آرا أثناء رقصتهما.
كانت ضحكتها تزلزل كيانه من الداخل، وكانت نظراتها عندما تنعطف حوله، ثم تلتقي عيناهما، تُشعل فيه نارًا لم يعرف أنه قادر على حملها.
في زاوية القاعة، كانت الإمبراطورة ميلانثيا تتابع الرقص باهتمام، قبل أن تسحب زوجها الإمبراطور أليريك من ذراعه قائلة:
“أليريك، لا تكن مزعجًا. كايرون لا يحب التحليل أمام كل النبلاء.”
ضحك أليريك بصوت مرتفع:
“أنا فقط أُمتّع ضيوفي! لكن حاضر، حاضر. لأجل عيونك فقط يا إمبراطورتي ثيا.”
سحبته بلطف، وأخذت تحدث بعض الدوقات حول ترتيب الاحتفال.
أما إيليان، فقد وقف يحدق بأخته بدهشة، بينما يهمس لريان:
“هل ترقص… سيلينارا… بصدق؟”
ردّ ريان وهو يعقد ذراعيه:
“وهل تراني أضحك؟ هذا ليس تمرينًا، هذا رقص حقيقي. يا إلهي… عليّ أن أكون جاهزًا لاحتمالات كارثية.”
ضحك إيليان، ثم نظر إلى أخته مجددًا، قبل أن يتمتم: “لكنها… تبدو سعيدة.”
في تلك اللحظة، كانت خطوات كايرون تتباطأ، والموسيقى تهدأ، فيما يداه لا تزالان تمسكان بيدي آرا، وعيناه تراقبان تفاصيل وجهها.
قالت له بخفة وهي ترفع حاجبيها:
“لقد انتهت الموسيقى يا كايرون.”
ردّ بهدوء، وبنبرة لا تخفي مشاعره:
“لكنني لا أريد لهذا الشعور أن ينتهي.”
في تلك اللحظة، لم يعرف أيّهما شعر بارتجافة في قلبه أولًا.
لكن ما كان واضحًا للجميع… أن شيئًا عمي
قًا بدأ ينمو بينهما، وإن أنكراه، وإن راوغاه، فقد وُلد في رقصة… حين رقص الجليد مع النار.
التعليقات لهذا الفصل " 11"