ساد صمتٌ لحظي حين مدّ كايرون يده إليها.
لم تكن الموسيقى قد تغيّرت بعد، ولا الأضواء، لكن شيئًا في الأجواء بدا وكأن العالم توقف ليراقب اللحظة… وكأن نغمةً جديدة عزفها القدر بصمتٍ خاصٍّ به.
“تشرفني رقصة… آرا.”
قالها بصوته العميق الذي يشبه هدير الذئاب في منتصف عاصفة ثلجية.
رفرفت عيناها، تلك الجواهر الزرقاء التي التمعت بدهشة خفية، وببطءٍ ملكي، وضعت يدها بيده. كانت دافئة على عكس برودة ملامحه المعتادة.
ابتسمت بخفة:
“أوه… الذئب كاير يطلب الرقص؟ هل انتهى الشتاء في الشمال أم أنني أتخيل؟”
رفع حاجبه بخفة ساخرة:
“ربما نزل الصيف فقط على الأرض التي وقفتِ فيها.”
ضحكت بهدوء، لكن نبضها لم يكن هادئًا أبدًا.
قادها نحو قاعة الرقص الكبرى، حيث افترشت الأرضيات الرخامية عروقًا من الذهب والفضة، وانعكست الأنوار على الثريات الكريستالية لتنسج شتاءً من الضوء فوق رؤوس الراقصين.
كانت الموسيقى في بدايتها ناعمة كنسيم فجري، ومع أول خطوة جمعتهما، لم تكن الرقصة إلا انسجامًا غريبًا بين النار والجليد.
كان فستان سيلينارا – بل، فستان آرا – من الحرير الفضي الموشى بخيوط خفيفة من الزمرد، يتحرك بنعومة الريش في الهواء. وكان شعرها الأبيض قد تراقص حول كتفيها كما لو كان له نغمه الخاصة.
أما كايرون، فقد ارتدى زيه الأسود الملكي المطرز بخيوط ذهبية عند الكتف، يحيط خصره سيفه الرمزي، وسُترة عباءته تنسدل برقي كما يليق بأرشدوق الشمال.
من بعيد، كانت نظرات إيان تنغرس كالسكاكين في المشهد. عيناه الخضراوان التمعتا بحرقة مكتومة. كيف اقترب منها بهذه السهولة؟
ضحكت إلينا، صديقة سيلينارا ذات الشعر الوردي، بخبث وهي تهمس لـ”ريان” مدير الأعمال الصغير:
“أراهن أنه يشتعل غيرة الآن.”
تمتم ريان ببرود، وجهه متجهم:
“إنه لا يستحق حتى ظل فستانها.”
قالها وهو يراقب الرقصة بعينين تشتعلان، وأصابعه تعقد الأوراق في يده بلا وعي.
بين كل خطوة ودوران، تسللت الكلمات بصوت خافت بين الاثنين:
“يقال إن الشمال مضطرب… شائعات عن ثلوج لا تذوب وذئاب تظهر في النهار.”
أجاب كايرون بهدوء، وهو ينظر نحوها وكأن لا شيء آخر موجود:
“مجرد تغييرات في المناخ… أو في السياسة. لا شيء يستحق القلق، رغم أن البعض يرون فيها إشارات.”
أمالت رأسها قليلاً، وهي تتراجع بخفة لتدور بين ذراعيه:
“أنت لا تبدو ممن يقلق بسهولة.”
ابتسم نصف ابتسامة، عيناه الذهبيتان تعلقتا بوجهها:
“إلا حين تكون آرا في مكانٍ قد يُهدد رقّتها.”
توردت وجنتاها.
“كلماتك أخطر من الشتاء، أيها الذئب كاير.”
من الجهة الأخرى للقاعة، كان االإمبراطور أليريك أرغالوث يضحك ويصفّق لبعض كلمات أحد النبلاء، حتى اقتربت منه الإمبراطورة ميلانثيا
شعرها البنفسجي الهادئ وأعينها الرمادية اللامعة أعطياها حضورًا ناعمًا وملكيًا.
تمسكت بذراعه بلطافة وهمست:
“عزيزي، أظن أن الحفل بحاجة إلى لمسة نظام… وأنت تزعج أخاك.”
ضحك الإمبراطور، وهو يترك كايرون أخيرًا لحاله:
“فقط أريد أن أرى كيف سيتحول ذئب الشمال إلى قطة.”
ضحكت ريفين وهي تسحبه برقة:
“إنه يتحول إلى رجل عاشق، وهذا ليس من شأنك الآن.”
عادت الموسيقى للارتفاع قليلًا، ومعها تصاعد شيء آخر بين كايرون وسيلينارا، شيء لم يكن رقصة فقط.
كان صمت كايرون بين الخطوة والخطوة محمّلًا بألف شعور، ونظراته التي انزلقت على عينيها، كتفيها، ثم ابتعدت بسرعة وكأنها تحاول ألّا تنكشف، كانت تخونه.
أما هي… فكانت تشعر أن قلبها يتوقف كل مرة يتوقف فيها الزمن بين دورانٍ وآخر.
أنهيا الرقصة، وانحنى لها بانحناءة ملكية.
همست له وهي تبتسم:
“رقصك… ليس كما توقعت.”
أجابها دون أن يرفع رأسه:
“ولا أنتِ.”
في الزاوية، لوريانا ترقص مع أحد الجنرالات، وتغمز لإيليان ، بينما
الأخير ما زال يراقب بوجه عابس.
أما إيان، فقد قرر أخيرًا أن يخرج من الحفل لبعض الهواء.
التعليقات لهذا الفصل " 10"