بعد أن غادروا الخادمات و الفرسان قاعة المقابلات ، هدأت نظرة لي جاي تدريجيًا.

نظرت بعادة إلى وجه الدوق ، و غرقت في أفكارها.

كان الدوق ، الذي يراقب وجهها بدوره ، أول من تحدث:

“هل لديكِ شيء معيّن تريدين قوله؟”

رغم أنها مقابلة خاصة لم يطلبها ، لم يبدُ الدوق مضطربًا.

كان لديه أيضًا ما يريد قوله بعيدًا عن أعين الآخرين.

كانت درجة حرارة النظرات بينهما مختلفة كثيرًا عن السابق.

كلاهما كان لديه شعور بأن الآخر يعرف شيئًا.

إذن ، كان على الحوار أن يتعمق أكثر.

بدأت لي جاي أولاً: “أبي ، لدي سؤال”

“… …”

“لماذا كنتَ مصرًا جدًا على إرسال أخي إلى الحدود الغربية؟”

“أليس كل ذلك من أجل ازدهار العائلة؟ في السنوات الأخيرة ، تم تهميش عائلة دنكان من مركز السلطة ، و أخوكِ تم تنحيته فقط لأنه يحمل اسم دنكان”

هل هذا كل شيء حقًا؟ لكن لماذا كان وجهكَ يبدو كمن يحمل ذنبًا؟ و لماذا كان يتغير بإستمرار؟

لم تؤكد لي جاي أو تنفِ ، بل حدّقت في وجه الدوق بثبات.

“لكن ، هايلي ، لقد ظهر الآن شيء أهم لعائلتنا”

كانت عينا الدوق أكثر حدة من أي وقت مضى ، و صدى صوته في قاعة المقابلات الواسعة.

“تاريخيًا ، عندما تأتي لحظات كهذه ، كانت عائلة دنكان دائمًا تختار الخيار الصحيح”

“… …”

“هذه المرة ، دوركِ لتقدمي الإجابة الصحيحة للعائلة”

في تلك اللحظة ، تذكرت لي جاي جملًا قديمة من كتاب التاريخ: في ذروة الحرب الثلاثية ، كانت عائلة دنكان أول من استسلم للجيش المتحالف. عائلة دنكان لا تخطئ في اختياراتها أبدًا.

كانت لي جاي تعرف سبب اختياراتهم الصائبة دائمًا.

كان ذلك لأن لديهم مُتبصّر للمستقبل في العائلة.

كانت عائلة دنكان تعرف مسار الحرب مسبقًا.

للاقتراب أكثر من الحقيقة ، كشفت لي جاي عن إحدى أوراقها: “كيف عرفتَ أن هذه هي اللحظة؟”

“…إذن ، كنتِ أنتِ”

ظهرت للحظة نظرة رضا على وجه الدوق ، لكن لي جاي تجنبت الرد المباشر و سألت: “قلتُ ، كيف عرفتَ أن هذه هي اللحظة؟”

في أوقات الفوضى ، حيث تستيقظ قدرات كل العائلات. 

ما أرادت معرفته هو كيف عرف أن هذا هو زمن الفوضى.

“قبل فترة ، زار شخص ما القصر”

“… من كان؟”

لكن الدوق لم يكن شخصًا يستسلم بسهولة.

ابتسم بزاوية فمه لأسئلتها المتكررة. 

كقائد لفصيل معارض الملك لسنوات ، كان يرى نواياها بوضوح.

كان يعلم أنها أيضًا تتوق بشدة لمعرفة شيء ما.

“أتحاولين اختباري الآن؟”

“… …”

“لقد تغيرتِ كثيرًا ، تتلاعبين بأبيكِ. هل أمركِ جلالته بذلك؟”

اختبر الدوق لي جاي بدوره. 

هزّت رأسها.

“لا ، جلالته لا يعرف بهذا”

“حقًا؟”

لم يكن واضحًا إن كان الدوق يصدقها. لكنه ، كما قال الملك ، سياسي مخضرم. حتى أمام ابنته ، التي كان يستخدمها كبيدق ، لم يكشف كل أوراقه.

“لكن ، هايلي ، هذه المرة دوركِ. إذا لم تثبتي قدرة العائلة أولاً ، لا يمكنني قول أي شيء”

كانت فرصة للاقتراب من الحقيقة.

لكن لي جاي ، التي حرّكت شفتيها ، أغلقت فمها أخيرًا.

لم تستطع قبول الصفقة. ليس لأنها لم تكن تتوق إليها ، بل لأنها لم تكن واثقة من قدرتها على الإثبات أو الخداع.

لي جاي لم تكن هايلي دنكان ، و لم تستطع التنبؤ بمستقبل عظيم مثل مصير الأمة.

سبب عدم اكتمال ذكريات هايلي خلال السنوات الثلاث الماضية. كان ذلك لأن التنبؤ ، مثل الرؤية الروحية ، ليس قدرة جسدية ، بل قدرة روحية.

لم تستطع لي جاي تذكر أي شيء مما رأته هايلي بالتنبؤ خلال تلك السنوات. 

ظلّت تنظر إلى الدوق بوجه متصلب لفترة. 

***

عندما كانت لي جاي غارقة في الهموم أمام مائدة العشاء ، سأل الملك: “ما الذي كان يثرثر عنه اليوم؟ هل كان يتحدث بوقاحة مجددًا؟” 

ضحكت لي جاي ، التي كانت عابسة ، بنبرة خفيفة.

بعد أن علم أنها ليست من عائلة دنكان ، أصبحت نبرة الملك عند ذكر الدوق أكثر جرأة.

أدركت لي جاي متأخرًا.

كان يختار كلماته بعناية من قبل.

كان الملك يحترس في كلامه أمامها لأنها عائلتها.

وجدت لي جاي ذلك مضحكًا ، فمازحته: “من؟ والدي؟ ألا يحق للأب أن يتحدث مع ابنته بطريقة مريحة؟” 

عبس رودريك ، و أبدى اشمئزازًا.

“لا تمزحي هكذا. ولا تستخدمي تلك التسمية”

“لماذا؟”

“لأنني أشعر و كأنني كنتُ أحفر قبري طوال هذا الوقت. لقد تحملتُ الكثير لأبدو جيدًا أمامكِ”

انفجرت لي جاي ضاحكة. 

حتى لو لم تفعل ذلك ، كنتُ سأحبكَ بما فيه الكفاية.

“لكن لماذا تسأل؟ ألم ترَ سجل المقابلات؟ شعرتُ اليوم أن هناك أشخاصًا مختبئين داخل القاعة”

“لماذا أقرأ ذلك السجل؟ يمكنني سؤالكِ مباشرة. أم أنه مزعج؟”

“لا ، ليس مزعجًا بالنسبة لجلالتك” ، ابتسمت و تحدثت. 

حتى لو كان مزعجًا ، سيكون من الخيانة قول ذلك لزوج لطيف يقرأ لها كل ليلة.

“جلالة الملك.”

“نعم، ماذا؟”

“الدوق حقًا مثل الأفعى. أعتقد أنني لا أستطيع التعامل مع الثعابين”

ضحك رودريك ، و هو يهز كتفيه ، لكن لي جاي شعرت بهزيمة خفية.

“بعض الناس يتحدثون أحيانًا بكلام لا يُفهم. عادةً من لديهم الكثير ليخفوه”

نظرت عيناه الزرقاوان إليها بثبات.

ضحك بنبرة متفاجئة ، كأنه مندهش.

كانت زوجته أيضًا تتحدث بالألغاز الآن.

“أعتذر عن هذا ، لكن هل يمكنني قول شيء؟”

“نعم ، قُل”

“أنتِ تفعلين ذلك أحيانًا أيضًا”

انفجرت لي جاي ضاحكة مرة أخرى.

في الحقيقة ، كانت تعترف بذلك في قرارة نفسها.

كان الحديث المبهم عادة مهنية شائعة في مجتمع الشامان.

كان هناك سبب مقنع ، و هو أن تسريب الأسرار السماوية له ثمن باهظ ، لكن ربما كان مجرد تهرب من المسؤولية.

ابتسمت لي جاي و قالت للملك:

“جلالة الملك ، فكرتُ بشيء أثناء حديثي مع الدوق”

“نعم.”

“التعاليم التي تحذر من الثقة بعائلة دنكان”

“نعم ، و ماذا بها؟”

“ربما تحمل معنى مختلفًا”

أومأ رودريك ، مشجعًا إياها على المتابعة.

“عادةً، لا يتصرف الأشخاص الذين يرون المستقبل وفقًا لمبادئ عظيمة. لا أعتقد أن هذا بالضرورة سيء. من يريد السير في طريق مليء بالأشواك و هو يعلم ذلك؟”

كان الدوق قد سألها ذات مرة عن مصير حركة إعادة بناء ديمون.

كانت هذه الأسئلة مألوفة لـ لي جاي ، التي نشأت تحت إشراف السيدة يونسان.

في حياتها السابقة ، عاشت بهذه الطريقة.

تعتمد على نصائح الآخرين ، و تتجنب المتاعب.

لكن ، منذ فترة ، بدأت لي جاي تفكر بشكل مختلف.

بدلاً من التساؤل عن من سيفوز ، ربما كان يجب أن تسأل نفسها مرة واحدة على الأقل: من الذي تريد الوقوف إلى جانبه؟

و الشخص الذي يمكنه الإجابة على هذا السؤال ليس عرّافًا أو متبصّرًا ، بل هي نفسها.

قلبها الذي لا يمكن إنكاره.

“ما أعنيه هو أن التعاليم ربما تقصد: لا تفترض أن عائلة دنكان ستتحرك وفق الشرف. حسنًا ، ربما هي نفس الفكرة بطريقة أخرى”

عندما ضحكت لي جاي بحرج و نظرت إلى الملك ، كان يحدق بها أيضًا. تنهد كمن استعاد وعيه متأخرًا.

“أرأيتِ؟ أنتِ تتحدثين بهذه الطريقة أيضًا. أعتذر عن مقارنتكِ بالدوق ، لكنني أعتقد أنكِ أسوأ”

“ربما هذا ما يسمونه رابطة الدم”

“قلتُ لا تمزحي بهذا!”

“على أي حال ، جلالتك تفهم كل ما أقوله ، أليس كذلك؟”

“هذا صحيح”

ضحكا معًا ، و واصلا الحديث العابر ، و انتقدا الدوق مجددًا.

تحدثا عن ما حدث في قاعة المقابلات ، و شاركا ما جرى في قاعة الاجتماعات. 

كانا يبدوان سعيدين.

توقف أحدهما عن الضحك عندما بدأت الأطباق تظهر واحدًا تلو الآخر. 

أصبح وجه لي جاي متجهمًا تدريجيًا ، بينما كان رودريك يضحك بنبرة خفيفة و هو يراقبها.

عندما لاحظت ضحكته متأخرًا ، أدركت لي جاي من هو الجاني.

“جلالة الملك ، ما هذا كله؟”

“ما هذا؟ أليس طعامًا؟”

“لا تمزح بالطعام”

عندما بدأت تحدق به ، أجاب رودريك و هو يهز كتفيه:

“هذه أطعِمة مفيدة للجسم”

“هذه؟”

نظرت لي جاي إلى المائدة بتعبير متشكك. 

كانت الأطباق مليئة بأطعمة تبدو ككائنات غريبة.

لكن موكب الأطعمة المغذية استمر دون توقف.

أعطاها رودريك شوكة بنفسه.

“إنها مفيدة للصحة ، فكلي”

“لماذا يجب أن آكل هذا؟”

“لأنكِ تُرهقين جسدكِ بإستمرار ، و الأطباء لم يفيدوا. أردتُ أن أفعل شيئًا. ألم تُعدي لي الدواء بنفس السبب؟”

لم تستطع رفض ذلك.

لكن يدها لم تتحرك.

حتى المكونات المغذية في الغرب … كبيرة جدًا. 

لكن هل كان عليهم الإبقاء على أشكالها الأصلية؟

“ألا يمكنني أن أعدَّ الدواء وأتناوله بدلاً من هذا؟”

“سؤال جيد. سأحضره لاحقًا أيضًا”

بعد أن حفرت قبرها وأخذت لحظة صمت، سألت لي جاي:

“لماذا هناك كل هذه الأنواع؟ لا يمكنني أكل كل هذا”

“أعرف. لم أقل إن عليكِ أكل كل شيء. فقط جربي لقمة من كل واحد”

“….” 

“للعلم، هذه أشياء يصعب حتى رؤيتها في عائلة الدوق”

لكن لي جاي ظلّت عابسة.

كتم رودريك ضحكته ، و هو يعض شفتيه.

كان واضحًا أنها لا ترغب في هذا ، خاصة مع تملصها المستمر.

“جلالة الملك ، لماذا كل هذا أمامي أنا فقط؟”

“ما فائدة أكل هذا بالنسبة لي؟ أنا لستُ ضعيفًا مثلكِ”