كانت لي جاي على ضفاف البحيرة لأول مرة منذ فترة.

بصوت هادئ وواضح، كانت تقرأ شيئًا بصوت عالٍ.

“خلال حرب السنوات الثلاث ، اختفت عائلتان نبيلتان ، و استسلمت ثلاث و ساهمت في تأسيس كايين. الاثنان هما إلياس و شميدت. أما الثلاثة فهم ميلون و راسل و دنكان … عائلة دنكان لا تخطئ أبدًا”

لم تستطع إزعاج الملك في كل مرة ، لذا حفظت الجمل المهمة و دوّنتها لاحقًا.

وضعت لي جاي علامة X على العائلتين اللتين أُبيدتا – إلياس و شميدت.

على الرغم من أن ذلك حدث قبل أربعمائة عام ، إلا أنها صمتت لحظة احترام.

حسنًا ، أنا الملكة – ما الضرر في الحداد على العائلات التي وقفت يومًا ضد العائلة المالكة؟

واصلت قراءة الجملة التالية بصوت عالٍ.

قوة عائلة بليك الملكية: السيف المقدس. 

قوة إلياس: الاستدعاء. 

شميدت: الحاجز. 

ميلون: هلاك الأرواح. 

راسل: التصدي. 

دنكان: التبصر.

هذه المرة ، حَوَّرَتْ كلمة “استدعاء” عدة مرات.

قال الملك الخامس إنه في أوقات الفوضى ، ستستيقظ القوى المفقودة.

إذا كان هذا هو الوقت المناسب ، و إذا كانت هايلي متبصّرة حقًا ، فمن الطبيعي أن تستيقظ قوى أخرى أيضًا.

“إذن … هل يعني هذا أن إلياس لا يزال حيًا؟”

عَبَّدَت لي جاي حاجبيها بعمق و سطرت على اسم إلياس عدة مرات.

اكتسبت هي و الملك قناعة مماثلة من حدث وقع قبل أيام قليلة.

تعرض ملك كايين و جيشه الغربي لهجوم من الأرواح في وقت واحد.

كانت المناوشات مع مُرمِّمي ديمون تندلع غالبًا بالقرب من الحدود الغربية.

كان إلياس في يوم من الأيام بيتًا نبيلًا من إمبراطورية ديمون القديمة. أليس من الممكن إذن أن إلياس يعمل الآن مع هؤلاء المرممين؟

“هذا يبدو منطقيًا جدًا”

أومأت لي جاي لنفسها بإرتياح ، ثم تنهدت تنهيدة طويلة.

نقرت بقبضتها الصغيرة على فخذها و ركبتها و هي تتمتم: “لا أعرف. لماذا يعيش الجميع حياة معقدة كهذه؟”

عندما قابلت الملك لأول مرة ، تساءلت إن كان قد ارتكب خطيئة جسيمة ، أو إن كان البيت الملكي يحمل عبئًا كرميًا.

ظنت أن كل شيء سيُحل بتطهير الأرواح و تطهير القصر.

لكن في اللحظة التي أدركت فيها أن أحدهم يوجه إليه ضربات قاتلة عمدًا ، ازداد الوضع تعقيدًا.

و ما إن تنهدت تنهيدة طويلة أخرى ، حتى ظهر أمامها الملك الصبي.

– مرّ وقت طويل ، أليس كذلك؟

“حقًا؟”

لكن تعبير لي جاي كان متجهمًا بعض الشيء مقارنةً بالمعتاد.

لاحظ الملك الصبي ذلك ، فأطلق زفيرًا.

— ما هذا الاستقبال البارد؟

“ألم يكن بإمكانكَ على الأقل إخباري أن هايلي مُتبصّرة؟ هل هذا سرٌّ مقدس كبيرٌ لدرجة أن أشاركه معكَ؟” 

أمضت لي جاي شهورًا تُنقّب في مذكرات هايلي.

حتى أنها خاطرت بأزمةٍ زوجيةٍ و ذهبت إلى النهر الذي حاولت هايلي فيه الانتحار ذات مرة.

كانت شكواها بسيطة: إذا كانت تمرُّ بكل هذا ، ألا تستطيع على الأقل فهم تلك التلميحة؟

“معذرةً”

— ماذا؟

“أعلم أنكَ روحٌ عظيمةٌ ، لكن بصراحة … أنتَ مُتهاون جدًا” 

انفجر الملك الصبي ضاحكًا.

“أنتِ عصبيةٌ جدًا اليوم، أليس كذلك؟ كل ما فعلتُه كان لمصلحتكِ” 

“لمصلحتي؟”

— أجل. لكنكِ اكتشفتِ الأمر بنفسكِ، أليس كذلك؟ هذا هو المهم. لا ينبغي لشابة مثلكِ أن تبحث عن حلول مختصرة طوال الوقت.

لم توافق لي جاي تمامًا ، فارتسمت على وجهها ابتسامة مترددة.

“كل ما أملكه هو هذه القوة البغيضة. و قد دمرت حياتي لسنوات. ألا تعتقد أنني أستحق بعض الامتيازات في المقابل؟”

— أنتِ حقًا تشعرين بالمرارة اليوم. هل تشاجرتِ أنتِ و رودريك مجددًا؟

“ليس هذا هو السبب. جلالته دائمًا ما يمنحني أي شيء أطلبه. لا يوجد ما يُثير الشجار تقريبًا. إنه في الواقع … لطيف جدًا”

على عكس من يُشاركه نفس الدم …

أطلقت لي جاي نظرة خاطفة على الملك الصبي ، ثم ابتلعت كلماتها بسرعة و تراجعت.

التقطت غصنًا و بدأت تخربش على التراب ، و ارتسمت على وجهها نظرة قلق.

في الآونة الأخيرة ، كان أكبر همّ لي جاي هو ما يجب فعله تاليًا.

لم تعد قائمة أمنياتها تحمل الكثير من المعنى.

كانت بحاجة ماسة للمساعدة ، لكن الشخص الوحيد القادر على المساعدة كان -مرة أخرى- يتهرب من المسؤولية.

مع ذلك ، عرفت من تجربة مريرة أن التوسل أو الغضب لن يجدي نفعًا.

ماذا أفعل؟ … ظلت لي جاي تفكر ، ترسم خطوطًا في التراب بلا هدف.

بعد صمت طويل ، تكلمت فجأة.

“فكرت في شيء عليّ فعله”

—ما هو؟

“أعتقد أنني بحاجة إلى سلاح جديد. شيء مصنوع خصيصًا”

عندما لم يأتِ أي رد حتى بعد انتظار طويل ، رفعت لي جاي نظرها.

كان الملك الصبي يضحك، وكتفيه ترتجفان، كما لو كان يحاول كبت شيء ما.

تنهدت ، ثم نهضت.

“لا أعرف ما المضحك في الأمر ، لكن تفضل و اضحك. لدى بعضنا طريق طويل ، لذا سأكمل طريقي”

مع انحناءة مهذبة للغاية، استدارت لي جاي و سارت نحو ديبورا.

***

انتشر خبر أن الملكة تنحت شيئًا غريبًا مرة أخرى بسرعة في جميع أنحاء القصر.

و لسبب وجيه – هذه المرة ، كان الحجم الهائل للخشب غير عادي.

الملكة التي كانت تلعب عادةً بجذوع لا يزيد سمكها عن ساعدها طلبت الآن قطعة بحجم جذعها.

فكر معظمهم ، يا لها من هواية غريبة لديها ، و لكن كان هناك شخص واحد لم يكن يبتسم على الإطلاق: الملك.

“لي جاي … ماذا تفعلين هذه المرة؟”

كلما رأى زوجته تنحت الخشب طوال الليل ، كان القلق دائمًا محفورًا على وجهه.

لكن مع هذا القلق ، ازداد الفضول.

“ألن تخبري حتى زوجك؟ على الأقل أود أن أعرف قبل أن يعرف أحد”

“جلالتك ، هل يمكنني أن أقول شيئًا بصراحة؟”

عندما أومأ رودريك ، ابتسمت لي جاي ساخرة.

“أحيانًا ، عندما تشعر بالفضول هكذا … يجعلني ذلك لا أرغب في إخبارك بالمزيد. لا أعرف لماذا أتصرف كطفلة مدللة”

“يا لها من هواية صغيرة سيئة اكتسبتِها! ثعلبتي ، أنتِ بالتأكيد تزدادين شقاوة يومًا بعد يوم”

“حقًا؟”

“أمزح فقط. لو أصبحت شخصيتك ألطف ، لكانت هذه مشكلة. لا يُفترض أن يكون أفراد العائلة المالكة سهلي الانقياد”

“يا لها من فكرة مريحة. جلالتك، أنت حقًا حنون للغاية”

تدريجيًا ، بدأ الناس يكتشفون ما تنحته الملكة.

أول من أدرك ذلك هم الفرسان.  

رغم أن الشكل كان غير عادي ، إلا أنه كان واضحًا جليًا.

كان الملك و مجموعة صغيرة من مساعديه المقربين قد تجمعوا في حديقة الملكة الخاصة ، في انتظارها.

و بينما كانوا يستكشفون المكان الغريب ، ارتسمت على وجوه كل منهم تعبيرٌ يوحي بأن: لديّ الكثير لأقوله.

قال قائد الفرسان ، صاحب السلطة الأكبر بينهم ، للملك بحذر:

“يا صاحب الجلالة ، يبدو أن الجو في القصر … يزداد غرابةً يومًا بعد يوم”

“همم…”

لم يستطع جايد الجزم صراحةً بأن هوايات الملكة غريبة، فاختار كلماته بعناية.

في الحادية و العشرين من عمرها ، وُلدت من سلالة نبيلة و مكانة مرموقة ، كان “ملعب” الملكة أكثر غرابة من أي وقت مضى.

في إحدى المناطق، كانت الأعشاب التي زرعتها تجف تحت أشعة الشمس.

وفي الجوار، كانت جميع أنواع الأدوات والأباريق لتحضير الخلطات الطبية.

في زاوية أخرى، تراكمت كومة من أخشاب النحت، وعلى الحائط عُلّق هدف غامض لم يستطع أحد تخمين غرضه.

بدأ جايد أيضًا يتفق مع رأي الملك:

“أي نوع من التربية تلقّتها في عائلة دنكان؟ معظم الناس لا يستطيعون حتى ممارسة هواية واحدة – كيف لها أن تمارسها جميعًا؟”

حكّ الملك طرف جبينه ضاحكًا.

كان يعرف القصة كاملةً بالطبع ، لكن شرحها كان صعبًا.

والآن وقد وجد نفسه في هذا الموقف ، ندم على وصفها بالكذب.

في الواقع ، حاول شرح كل شيء بأفضل ما في وسعه – ضمن حدود المنطق السليم.

بينما كان الفرسان لا يزالون يحاولون فهم المشهد الغريب أمامهم ، ظهرت الملكة أخيرًا في الحديقة.

كانت برفقتها ديبورا و فارس واحد فقط.

“جلالتك ، هل وصلتَ مبكرًا؟”

بينما كانت تسير بإبتسامة دافئة ، تقدم رودريك بسرعة و وضع يده على خديها.

“آه ، كنت قلقًا للغاية لدرجة أنني أتيتُ بعد انتهاء الاجتماع مباشرةً”

“أخبرتك ، لا داعي للقلق”

“أنتِ تصنعين سلاحًا. كيف لي ألا أقلق؟ إذا طار السهم بحبيبتي الصغيرة ، فسأضطر للركض خلفكِ و إعادتكِ”

ضحكت لي جاي ضحكة غير مصدقة.

هزت رأسها ، و بدأت تُرتب جعبتها.

انحنى الملك بجانبها و راقبها بهدوء.

لكل شامان سلاح خاص به – أدوات طقسية.

استخدم بعضهم سكاكين مقدسة أو برع في استخدام التعويذات؛ واعتمد آخرون على أعلام ملونة أو أجراس؛ بينما فضل آخرون أدوات الطقوس.

كان من يستخدمون السكاكين المقدسة أو التعويذات عادةً طاردي أرواح شريرة ، يطردون الأرواح الشريرة.

ومن يستخدمون الأعلام والأجراس كانوا عرّافين، قادرين على استشراف المستقبل.

ومن يفضلون الأدوات الطقسية كانوا متخصصين في مواساة الموتى ، و إرشاد النفوس القلقة إلى السلام.

بينما كانت الجدة يونسان أعظم شامان في عصرها، وكانت تجيد استخدام جميع الأدوات تقريبًا، لم تكن لي جاي كذلك.

كانت أدواتها بسيطة: سوار من الخرز و قوس.

لطالما احتاجت إلى المزيد من الأدوات ، لكنها ترددت في الحديث عن القوس.

بينما قد يتسامح الناس في القصر مع الأساور و التعاويذ المنحوتة ، فإن القوس سيثير الدهشة بالتأكيد.

ولكن الآن وقد عرف الملك كل شيء و فهمها ، لم يعد هناك سبب للتردد.

“لكن مهلاً … هل أنتِ متأكدة من قدرتكِ على التعامل مع هذا حقًا؟”

“لماذا؟ هل أبدو حقًا و كأنني سأطير مع السهم؟”

“…”

“أوه؟ ألا يمكنكَ حتى الإجابة على هذا السؤال؟”  

حكّ الملك حاجبيه بحرج.

و خلفه، أومأ الفرسان الملكيون بصمت متفهمين.

والأهم من ذلك كله، بدا القوس أكبر من أن يتناسب مع قوامها النحيل.

من الواضح أنها نحتته بنفسها ليناسب حجمها ، و مع ذلك ، بدت لي جاي أصغر و أخف من أن يحمله.

بإبتسامة ساخرة ، سحبت وتر القوس برفق – تت ، تت. 

ثم قالت: “يا صاحب الجلالة، هناك مقولة تعجبني كثيرًا”

“ما هي؟”

“الشيء الوحيد الذي يرتجف هو قلبك”

غرّت سهمًا و سحبت الوتر بكل قوتها.

عندما رأى الملك ذلك، تراجع غريزيًا، والقلق ظاهر على وجهه.

ازدادت حدة عيناها.

“الهدف ثابت ، أليس كذلك؟”

“لذا ، إذا كنتُ ثابتة ، إذا لم أتردد … فسأصيبه”

و في تلك اللحظة ، ضغطت شفتاها بقوة على بعضها البعض ، و أفلتت لي جاي الوتر المشدود.