الفصل 45 : أصوات الموتى ⁷

بعد وداع بعثة الأمير ، حضرت لي جاي اجتماعين رسميين.

بعد ذلك ، انزوت في غرفتها ، تكتب التعويذات بلا كلل حتى بدأت الشمس تغرب. كان يوم الحسم يقترب.

انخفض عدد الأرواح المنتقمة ، التي كان عددها في السابق حوالي اثني عشر ، إلى خمسة فقط. 

كانت تقضي عليهم ببطء و لكن بثبات. بهذه الوتيرة ، ستتمكن من نفيهم جميعًا في غضون ثلاثة أو أربعة أيام.

بعد ذلك ، خططت لإنشاء حاجز واقٍ داخل الغرفة. و لأن الموقع كان غرفة الملك ، فلن تكون مهمة سهلة. 

و لكن بعد قضاء ليالٍ لا تُحصى هناك ، درست بعناية جميع الأماكن الممكنة لإخفاء التعويذات.

خلف إطارات الصور. خلف أرفف الكتب و خزائن العرض. تحت السرير. شكل الحاجز و اتجاهه.

“يا صاحبة الجلالة ، جلالته في طريقه”

أبلغت ديبورا الخبر بإبتسامة رضا. لم تكن المسافة بعيدة ، و مع ذلك جاء الملك شخصيًا ليأخذها.

سرّعت لي جاي في وضع التعويذات في ردائها فور دخول رودريك بإبتسامة مشرقة.

“هايلي ، ماذا كنتِ تفعلين؟”

“لا شيء يُذكر”

“على الأقل يمكنكِ القول إنكِ كنتِ تنتظرينني”

ضحكت لي جاي بخفة. 

لقد رأت الملك صباحًا ، و الآن بعد الظهر ، و مع ذلك كانت لا تزال سعيدة برؤيته. بإمكانها بسهولة أن تخبره أنها كانت تنتظر.

لكن لسبب ما ، لم تستطع إجبار نفسها على قول ذلك.

ربما لأن الملك كان مرحًا مثلها تمامًا.

“سيكون هذا مجرد إجراء شكلي لا معنى له”

عندها ، انحنى رودريك ، و قد بدا عليه بعض الاستياء ، و طبع قبلة سريعة على خدها.

“إذا سألتِ أحدهم عن أحواله ، ردِّ بالمثل. إذا قبّلتِه ، ردِّها – هذه من أساسيات المجاملة ، أليس كذلك؟”

“لا أعتقد أن الجزء الثاني ينطبق”

“كما هو متوقع ، أنتِ لستِ سهلة الخداع”

ضحك رودريك و مدّ يده. 

عندما أخذتها لي جاي و نهضت ، لفّ ذراعه حول كتفيها.

بينما كانا يسيران في الردهة ، استمرّ حديثهما. بدا الملك في مزاج جيّد ، و استمتعت لي جاي بالاستماع إليه.

لكن المشكلة برزت عندما فتحا باب غرفته.

“آه … أورك”

“هايلي؟”

في غفلة تامة ، شعرت لي جاي بالغثيان فجأةً و غطّت فمها. 

ساد صمتٌ ثقيلٌ الغرفة.

حدّقت في الغرفة بتعبيرٍ مرتبك ، يكاد يكون مذعورًا.

ثم وصلت همسات من الخدم إلى مسامع الملك.

“يا إلهي … هل يمكن أن يكون كذلك؟ هل جلالتها حامل؟”

“بالفعل؟”

“ليس كذلك بالفعل ، بالنظر إلى التوقيت”

“انتظر ، متى بالضبط …؟”

استدار رودريك بوجهٍ مذهول. عندما رأى نظرات الخدم الرئيسية المفعمة بالأمل ، قاطعهم بحزم.

“لا”

“…”

“ليس كذلك”

“ليس كذلك على الإطلاق”

كالعادة ، انخرط خدم الملك و وصيفات الملكة في صراعٍ صامتٍ. 

كانت مستويات خبرتهم متقاربة ، لكن لم يستطع أحدٌ التفوق على ديبورا.

في النهاية ، أُجبر الجانب الخاسر – خادم القصر – على تولي دورٍ غير سار.

“جلالتك ، لا أعرف الطريقة التي استخدمتها ، لكن الاحتمالات واردة دائمًا …”

“هل تظنني طفلًا لا يفهم ذلك؟ قلتُ لك ، ليس كذلك”

لا يوجد احتمال إلا عند حدوث شيء ما بالفعل. 

لسبب ما ، بدأ رودريك يزداد انزعاجًا.

“إذا احتجتُ إليك ، سأتصل بك. الآن ، اخرج”

“…”

“قلتُ ، ليس كذلك. لذا اصمت و ارحل”

أدخل رودريك لي جاي إلى الداخل و أغلق الباب خلفهما على الفور.

“هايلي”

بدا على الملكة الذهول. 

وقفت هناك بلا تعبير ، و شعر رودريك بعدم الارتياح.

“هل تشعرين بالمرض؟”

“…”

“لماذا أصبحتِ فجأةً هكذا؟”

“…”

“هل أستدعي طبيبًا؟”

لطالما شكّ رودريك في أن لي جاي تُخفي مرضًا. 

كانت تتجنّب الفحوصات الطبية ، و كثيرًا ما تدّعي أنها لا تحتاج إلى دواء.

كما هو متوقع ، هزّت رأسها مجددًا.

“ليس الأمر كذلك”

“… هايلي”

“أنا بخير حقًا”

لكن وجهها كان شاحبًا ، و ما زالت تبدو فاقدةً للوعي تمامًا.

و بينما كان رودريك يُفكّر في استدعاء طبيب على أي حال ، تهادت نحو سرير الملك.

شعرت لي جاي بيأسٍ عارم.

لم يتبقّ سوى خمسة. كانت تعلم أنه بما أنها لم تُنشئ حاجزًا و أن الغرفة ملكٌ للملك ، يُمكن لأرواحٍ أكثر انتقامًا الدخول.

لكن هذه لم تكن مجرد زيادة طفيفة – فقد وصل عددهم إلى ما يقارب العشرين.

ما الذي يحدث بحق السماء؟

“هايلي ، هل أنتِ بخير حقًا؟”

“… نعم ، أنا بخير”

أجابت شاردة الذهن و هي تمد يدها نحو السرير.

هناك ، حدقت بصدمة في الجنرال السماوي العظيم/هايلي المتشقق بشدة و الجنرال الأرضي/لي جاي المنقسم تمامًا.

لاحظ رودريك ذلك متأخرًا بعض الشيء ، ففوجئ. 

كان هذا شيئًا يفوق توقعاته تمامًا.

لكن سرعان ما ازداد ارتباكه – امتلأت عينا لي جاي بالدموع.

“آه … لماذا تبكين؟”

“…”

“ماذا أفعل؟ أنا آسف”

حكّ رودريك ، في حيرة نادرة ، حاجبه.

هل كان هذا مهمًا لها لهذه الدرجة؟

إذا كان ثمينًا لهذه الدرجة ، فلماذا أعطته إياه بدلًا من الاحتفاظ به؟

أخذ الجنرال السماوي العظيم المتضرر من يديها برفق ، و هو يفحص الشق.

“إنه مجرد كسر صغير”

“…”

“هايلي ، ليس خطيرًا. ما زال بخير”

“…”

“حتى لو تحول إلى غبار ، سأعتز به ، فلا تنزعجي كثيرًا”

ازداد وجه لي جاي تجعدًا عند سماع كلماته.

يا جلالة الملك ، ماذا عني إذًا؟ أنا محطمة بالفعل. ماذا عليّ أن أفعل؟

بيدين مرتعشتين ، وضعت الجنرال الأرضي المحطم في راحة يده.

أومأ رودريك بتعبير غريب. 

هل انزعجت من هذا من قبل؟

لم يبدُ الأمر و كأنه سيزعجها ، لكنه تكلم على أي حال.

“بالتأكيد ، هذا أيضًا. أليس هذا واضحًا؟”

“…”

“هايلي”

“…”

“لا يهم شكلها. المهم أنني تلقيتُ صدقكِ و دعواتك”

ضمّ التماثيل المكسورة بقوة بين يديه.

أومأت لي جاي برأسها ، و أغمضت عينيها و عضّت على شفتيها لتهدأ.

كانت تعلم ذلك أيضًا. 

يمكن نحت التماثيل مجددًا ، و يمكن القضاء على الأرواح المنتقمة مرة أخرى. فقدان رباطة جأشها سيزيد الأمر سوءًا.

لكن الشعور الطاغي بأن كل صراعاتها كانت بلا جدوى كان يصعب عليها تقبله.

لماذا يحدث هذا؟ كم عليّ أن أفعل أكثر من ذلك؟

مع رفض تعبيرها للهدوء ، ازداد رودريك قلقًا. 

أراد أن يسأل عما يمكنه فعله لتحسينه.

بعد لحظة ، فتحت لي جاي عينيها و تفقدت حالة تمثال يومرا قبل أن تعود إلى فراشها. على الأقل كان هذا التمثال سليمًا – شعور طفيف بالراحة وسط الفوضى.

“يا صاحب  الجلالة ، أنا بخير. لستُ مريضة”

كان صوتها أهدأ بكثير من ذي قبل. لكن بشرتها كانت لا تزال شاحبة ، و لم يستطع رودريك إخفاء قلقه.

“هايلي ، كوني صريحة معي. أنتِ تعلمين أنني لن أؤذيكِ أبدًا”

“…”

“هل أنتِ بخير حقًا؟”

“بالتأكيد”

ابتسمت ابتسامة خفيفة قبل أن تستلقي.

“لا بد أنني كنتُ متعبة فحسب. الناس يتأثرون بالأمور التافهة أحيانًا”

“…”

“لذا يجب أن أنام قليلًا. يجب أن ترتاح أنتَ أيضًا يا صاحب الجلالة”

راقبها رودريك في صمت طويلًا.

أكاذيب.

لكن عندما أغمضت عينيها ، لم يعد بوسعه فعل شيء. 

بقلبٍ مثقل ، استلقى بجانبها.

كان عقله مضطربًا. ظل يرى الألم على وجهها ، و كيف كافحت للحفاظ على رباطة جأشها.

بعد ما بدا و كأنه دهر ، مدّ يده و ربّت برفق على عظمة ترقوتها. لمسةٌ حذرةٌ و مطمئنة.

ارتجف شيءٌ ما بداخلها لدفء يده. كافحت الغصة المتصاعدة في حلقها ، بالكاد تحبس دموعها.

و هكذا ، انتظرت لي جاي بفارغ الصبر أن ينام أولًا.

***

في مرحلةٍ ما ، حتى انتظار نوم الملك أصبح معركةً بالنسبة لها. و في تلك المعركة ، كانت لي جاي تنتصر دائمًا دون عناء.

لا أحد يرى ما رأته و يجد السكينة في النوم.

مررت أصابعها بحذر على عيني رودريك. 

كان غارقًا في النوم ، ساكنًا. لكن أطراف أصابعها ارتجفت لا إراديًا ، فسحبت يدها بسرعة.

انسلّت لي جاي من بين ذراعيه ، و سقطت على الأرض في منتصف الغرفة. حدّقت في الأرواح المنتقمة بصمت.

بالطبع ، لم يكن من المفترض أن تكون حياتي هادئة.

لكن لماذا هو؟ لا ينبغي أن يكون العالم هكذا بالنسبة له. 

هل يلعن أحدٌ هذه الغرفة؟

ضمّت رأسها يائسةً ، ​​و أخرجت أخيرًا الدموع التي كانت تحبسها. سقطت القطرات ، واحدة تلو الأخرى ، على الأرض.

التفتت لتنظر إلى رودريك النائم.

إذا حدث له مكروه …

لن أؤذيك أبدًا. 

جلالتك ، لهذا السبب طلبتُ منكَ ألا تكون لطيفًا معي.

في الحقيقة ، أنت الوحيد الذي تكلم معي بهذا القدر …

لكن إذا حدث لك مكروه ، فماذا عليّ أن أفعل؟ كيف لي أن أقف مكتوفة الأيدي و أشاهد؟

انهارت لي جاي على الأرض تبكي.

هل قالت يومًا إنها تريد أن تتجول حيثما تقودها قدماها ، أينما يشتهي قلبها؟

لكنها كانت مسافرة منذ زمن طويل ، تسير في دربٍ مهجور.

المتجول الذي يعبر الصحراء بحثًا عن الماء سيغرق حالما يجد بحيرة. كانت تعلم كم تبدو مثيرة للشفقة ، عطشى و متوسلة لشيء لا ينبغي لها الحصول عليه. كانت تعلم أن هذا أمرٌ خطير.

حذّرها عقلها – هذا سراب. توقفي هنا. 

تقدمي أكثر ، و ستموتين.

و مع ذلك ، لم تستطع منع قلبها من التعلق بالملك.

بكت طويلًا بين يديها ثم مسحت دموعها بظهر يدها ، و نهضت.

كان الفجر يقترب ، و لم يعد رودريك ذلك الرجل المحروم من النوم الذي كان عليه.

لم يعد هناك وقتٌ يُضيع.

اقتربت لي جاي من السرير و أمسكت بالشمعدان. 

و الدموع تنهمر على وجهها ، أحرقت عدة تعويذات ثم حدقت في الأرواح المنتقمة بعزمٍ شديد.

“حتى خطوة جريئة كفيلة بتجنّب الأشباح و الأرواح”

“قرروا بحزم ما يجب فعله ، و دعوا كل الشرور تتراجع”

مسحت دموع عينيها الرطبتين قبل أن تُردد الهتافات مرة أخرى.

“لم تُهزم في مئة معركة ، صامدة لا تلين”

“قلبٌ لا يتزعزع ، لا ينهار”

و قلبي.

أخذت نفسًا عميقًا ، و مدّت يديها على اتساعهما و استجمعت طاقتها.

لم تكن هذه تعويذة لقهر شبح واحد قوي ، بل لتطهير حشد من الأشباح الأصغر.

“قد يلتوي الجدول و يدور مراتٍ لا تُحصى ، لكنه سيلتقي بالبحر حتمًا”

حتى لو ثقل ظلامك علينا ، فإن نظام السماوات مطلق ، و لن تركع البشرية أمام الهاوية.

ما زالت أطراف أصابعها تحمل بقايا قوة ، لكنها سعلت بعنف و اضطرت لسحبها.

في ذهول ، تأملت الأرواح. هل هزمتُ خمسة؟ ستة؟

كادت أن تعيد التوازن إلى حالته الأصلية ، لكن مجرد الوقوف كان مُرهقًا. انهارت على الأرض.

“ها … ها …”

بينما سعلت ، و جسدها يهتز ، أطلقت شهقة مكتومة. 

تناثرت دموعها على الأرض الباردة.

في محاولة يائسة لمحو آثار حزنها ، فركت البقع الرطبة بكفها مرارًا و تكرارًا.

لا يمكن مسح الحزن و اليأس بسهولة ، لكنها ظلت تهمس في نفسها.

“لا شيء. لست طفلة. لديّ ما يكفي من القوة. لن أبكي”

زحفت ببطء نحو السرير ، ممسكةً بإطاره بيديها المرتعشتين.

و أخيرًا ، وصلت إلى جانبه ، و لمست وجه رودريك ، بصوتٍ بالكاد يُسمع.

“أنتَ بخير ، صحيح؟ يجب أن تكون بخير”

ثم ، و كأنها تنهار ، استلقت بجانبه ، حاميةً إياه من الأرواح بجسدها.

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: سورا