3
الفصل 3 : ذِكرياتُ الليلةِ الأولى (٣)
بعد انتهاء الحفل والمأدبة، كان الملك يستريحُ في غرفة الضيوف خلف قاعة الحفل. لقد كان يحتسي كأسهُ الثانية مِن المشروب.
وأثناء إعادة ملء كأسه، سألهُ قائد الفيلق الأول:
“ما رأيكَ؟”
“لا أدري، لستُ مُتأكدًا.”
كان الناس يتحدثون عن هايلي دنكان التي أصبحت الآن الملكة.
“يجبُ أن تجعلها بجانبكَ. جلالتُكَ تمتلكُ الجاذبية اللازمة لذَلك، أليس كذلك؟”
نظر الملك إلى قائد الفيلق الأول بدهشةٍ.
“حتى لو كانت صغيرةٍ وبريئة، فهي مِن عائلة دنكان، ولن يكون ذَلك سهلاً. وبصراحةٍ، لا أعتقدُ أنها بريئةٌ تمامًا.”
هز الملك رأسهُ وأخذ يعبثُ بكأسه، وظهر عليه أنهُ غارقٌ في التفكير.
“هل تعتقدُ حقًا أن ما حدث هو مِن فعل دوق دنكان؟”
كان أنصار الملك يشكون في عائلة دنكان بعد موت النساء اللواتي كُن مرشحاتٍ للزواج مِن الملك بطريقةٍ غامضة. كانت حقيقةُ أن الدوق، بعد أن وجد نفسهُ في موقفٍ صعبٍ سياسيًا، يرغبُ في أن يُصبح والد زوجة الملك.
عدم وجود وريث كان نقطة ضعفٍ سياسيةٍ للملك، وإذا لم تمُت اثنين مِن المرشاحات فجأةً، لما كان ليصنع علاقةً قويةً مع أسرة دنكان.
إذا كانت هايلي دنكان قد دخلت إلى هَذا القصر وهي حية، فستزداد الشكوك حول عائلة دنكان.
لكن إذا ماتت، فلا يُمكن استبعاد احتمال أن يكون الجاني شخصًا آخر.
استمروا في مراقبة هايلي.
ولكن هايلي دنكان، رغم أنها سقطت في الماء، إلا أنها بقيت على قيد الحياة.
هَذا يعني أنها لم تكُن ترغبُ حقًا في أن تُصبح الملكة، حتى لو لم يكُن هَذا بفعل شخصِ آخر.
بدأ أنصار الملك الآن في التفكير في كيفية استغلال هايلي كأداة.
عندما أكمل الملك كأسه، قام كبير الخدم بصب مشروبٍ كهرماني اللون بحذر وسأله:
“جلالتُكَ، ألا تعتقد أنهُ يجبُ عليكَ الذهاب الآن؟”
ابتسم الملك بسخريةٍ وقال:
“لماذا، هل تعتقدُ بأنني سأتركُ عروسي في ليلة زفافنا بمفردها؟”
إذا لزم الأمر، كان مِن المُمكن أن يفعل ذِلك.
فالملك في مثل هَذا الموقع.
ولكن ما كانوا قلقين بشأنه حقًا لم يكُن سلوك العريس، بل حالتهُ النفسية.
رودريك فيرس بلايرك.
ازداد مرضُ الملك وأرقُه سوءًا في الفترة الأخيرة.
كان هُناك شائعاتٌ حول أنه مجنون، وحتى أقرب مُساعديه لم يعودوا قادرين على إنكار أو إخفاء تلكَ الشائعات.
كانت الليلة قد تأخرت، ومع استمرار الملك في احتساء المشروبات القوية، ازداد قلق الحضور. فتحدث قائد الفيلق الأول مرةً أخرى:
“حتى لو لم تتمكن مِن جعلها بجانبك، أرجوكَ ألا تكون قاسيًا معها. لن تستفيد أن عاديتها.”
“همم…”
“مِن ناحيةٍ أخرى، ألا تراها مسكينة؟”
كان قائد الفيلق الأول صديقًا قديمًا للملك ورفيقًا في تعلم فنون القتال عند نفس المعلم، وكان أحد أبرز أجنحة الملك. حتى هو لم يكُن يحمل مشاعر إيجابيةً تجاه عائلة دنكان.
لقد كان يتحدثُ فقط على أمل أن يكون يوم زفاف الملك أقل قلقًا.
بالطبع، لم تكُن هَذهِ الليلة ليلةً سعيدةً لأيٍّ مِن الطرفين، لكنها كانت ليلة زفافهما على أيِّ حال.
لكن رودريك رفع حاجبًا واحدًا وقال:
“…مسكينة؟ لا أعرفُ ما إذا كان هَذا التعبيرًا مُناسبًا، ولكنه بالتأكيد ليس مُتوقعًا منكَ.”
“جلالتُك، هي مُجرد فتاةٍ صغيرة. الملكة هايلي-… السيدة دنكان، قد تكون مُجرد قطعة شطرنج بالنسبك لك وللدوق.”
“لكن هايلي دنكان هي بالفعل قطعة شطرنج يستخدمها الدوق دنكان.”
“أن الناس يعتبرونها شخصًا ضعيفًا.”
لقد سمع الملك بالفعل هَذهِ التقارير والشائعات.
لكن قد أضاق عيناه وكأنهُ يُفكر في شيءٍ ما.
ثم بدأ يُحرك كأسهُ على الطاولة وابتسم بسخرية.
“لستُ مُتأكدًا. لم تبدو لي ضعيفةً أبدًا. رغم أنها كانت ترتجفُ بشدة، لكنها قد قالت كُل ما أرادت قوله.”
“…على أيِّ حال، أعتقدُ أنكَ لن تخسر شيئًا إذا كُنتَ لطيفًا معها.”
نقر رودريك على لسانه ودفع الكأس جانبًا ونهض مِن مقعده.
“لقد ثرثرتِ كثيرًا اليوم. هي مِن عائلة دنكان. ضعوا حراسًا في قصر الملكة، ولا تتوقفوا عن مُراقبتها.”
“نعم، جلالتُك. لا تقلق بشأن ذَلك.”
“سأذهب. لا تتبعني، فأن المكان قريبٌ بالفعل.”
حنى قائد الفيلق الأول رأسهُ احترامًا.
ظهرُ الملك وهو يغادر الغرفة كان مستقيمًا، وبدت أفكارهُ واضحة.
لم يبدو عليهِ أنهُ في حالةٍ نفسية سيئة.
بل، في الواقع، ربما كان أفضل مِن المعتاد.
ربما لم يكُن هَذا الزواج هو الأسوأ بالنسبة له، فقد كانت هايلي دنكان جميلة.
لكن الناس كانوا يتساءلون ما إذا كانت تلكَ الحوادث المأساوية التي حدثت للنساء، و شائعات جنونه، كانت تتسبب في تشوه سمعة العائلة المالكة.
في النهاية، تنفس الضيوف المتبقون براحة.
ولكن في أحدى الرَدْه المُظلمة، بدأت هالة سوداء تتجمع خلف الملك.
بدأ يُصبح مضطربًا مرةً أخرى.
تنهدت كانغ-إي-جاي بصوت مُنخفض. بطريقة ما، وجدت نفسها مُتزوجة.
وقد ارتدت التاج كما طلب منها الملك.
لكن حتى بعد انتهاء حفل الزفاف والمأدبة، كانت الخادمات ما زلن مشغولات بتجهيزها.
لأن هُناك إجراءًا مهمًا آخر لم يكُن أقل أهمية من حفل الزفاف. كانت ليلة العروسين الأولى.
أثناء تزيين إي-جاي، كانت رئيسة الخدم تراقبها باستمرار.
كانت هايلي دنكان فتاة في الواحد والعشرين مِن عمرها قد ظهرت حديثًا في المجتمع الأرستقراطي.
ومع ذَلك، كانت شخصيةً معروفة إلى حد ما.
وذَلك لأن عائلة دنكان، التي يعود أصلها إلى قومٍ مُهاجرين مِن مكانٍ بعيد، كانت معروفةً بإخراجها لرجال ونساء ذويّ مظهر جميل.
كما أنها كانت مشهورةً أيضًا بشخصيتها البريئة والنقية.
أولئك الذيأرادوا التقليل من شأنها اطلقوا عليها لقب “الجميلة الغبية.”
ومع ذَلك، بدت هايلي اليوم هادئةً للغاية لدرجة أنها بدت حزينة.
فكر الآخرون بداخلهم:
‘يبدو أن الشائعات عن قفزها في النهر وإصابتها بالإنفلونزا كانت حقيقية.’
“سأنتظر بالخارج. إذا احتجتِ إلى شيءٍ ما، يمكنكِ مُناداتي. ولكن يا جلالتكِ، الملك سيأتي قريبًا.”
“نعم، فهمت.”
“أعتذر، ولكن يا جلالتكِ، سمو الملكة، لا يجب أن تتحدثي معنا بإحترام بعد الآن.”
شعرت إي-جاي بالذنب لأنها تحدثت بشكلٍ غير مناسب مع سيدة كبيرة.
ولكن يبدو أن ذَلك لم يكُن غريبًا، لقد كانت رئيسة الخدم تنتظر ردها بكُل احترام.
“سأحاول… سأبذل جهدي.”
بعد أن انحنت رئيسة الخدم وغادرت، تنهدت إي-جاي بعمق ووقفت أمام المرآة.
في الواقع، كانت تشعر ببعض الحيرة.
لكن ذَلك كان لسببٍ مُختلفٍ عما اعتقدته رئيسة الخدم.
كانت ملابسها تُنبِئ بقوة بما قد يحدُث لاحقًا.
“هل تُعتبر هَذهِ ملابس؟ أنها أقرب إلى العري.”
كانت تتأمل ثوبها الذي كان شفافًا لدرجة بروز تضاريس جسدها بوضوح، تأملت نفسها مرةً أخرى وتتنهد.
كانت إي-جاي تبلغ مِن العمر خمسة وعشرين عامًا، ولم يكُن لديها أيُّ خبرةٍ في هَذهِ الأمور.
لم يكُن لديها أيُّ علاقةٍ جادة مع رجل مِن قبل.
لأنها كانت تنتقل مِن قرية إلى أخرى مع جدتها، التي كانت ترعاها، في المناطق النائية، فلم تكُن هُناك فرصة لتجربة شيء كهَذا.
حتى لو عاشت في مدينة كبيرة، ربما كانت ستبقى كما هي.
ما حدث لها يُسمى بالـ “الموت النبيل”.
ومع ذَلك، لم يكُن لديها أيُّ شعورٍ بالرفض تجاه هَذهِ العلاقة، بل كان لديها نوعٌ مِن الترقب.
ولكن ذَلك الترقب كان لأسبابٍ مُختلفة تمامًا عن الرغبة الجسدية، فقد كانت تؤمن أن روح العذراء سوف تحمل ألمًا شديدًا في عالم الأرواح.
كانت إي-جاي تتساءل أحيانًا:
“ما مدى أهمية هَذا الجزء في حياتنا حيثُ يتعينُ على الشخص الأعزب أن يُعاني حتى بعد موته؟”
ما الذنب الذي ارتكبه ليكون تعيسًا بعد الموت؟
كانت تُفكر في أنها ستكون مُستعدةً لتجربة ذَلك مرةً أو مرتين قبل أن تموت، مِن أجل حياة أفضل بعد الموت.
[ت.م: تفكير غبي]
لكن إي-جاي تنهدت مرةً أخرى.
“هَذا… لن يجعلني مُرتاحة.”
كانت حياتها مليئةً بالمصاعب منذُ البداية.
لكن منذ وصولها إلى هُنا، بدا أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا.
كُل شيء كان يسير بشكلٍ غير منتظم.
“كيف وصلتُ إلى هَذهِ المرحلة؟”
لفترةٍ وجيزة، شعرت بموجةٍ مِن الاستياء تجاه مصيرها، لكنها حاولت استعادة رباطة جأشها وهي تنظر إلى وجهها الغريب في المرآة.
لكن تلكَ المُحاولة قد باءت بالفشل بسرعة.
فتحت إي-جاي فمها مُندهشةً ونظرت نحو الباب.
كان الملك مُتكئًا على الباب بزاويةٍ مائلة، وكان يبدو في حالةٍ غير طبيعية للغاية، رغم أنهُ بدا جيدًا في حفل الزفاف.
دخل الملك إلى الغرفة مصطحبًا عدد هائل مِن الأرواح الشريرة.
كان العدد أكبر بكثير مما رأته عندما زار قصر دنكان.
‘كيف حدث هَذا مرةً أخرى…’
ماذا فعلتَ ليتمسك بكَ هِذا الكم مِن الأرواح الشريرة؟
هل عاد للتو مِن ساحة معركة؟
أو هل زار مقبرةً بمفرده في الليل؟
حاولت إي-جاي، التي كانت تشعرُ بالصدمة، التركيز على وجه الملك كما فعلت سابقًا، وحاولت التفكير في أشياء إيجابية.
رائع، لقد ولد بملامحٍ جيدة. أنفهُ وذقنه يبدوان رائعين.
جسدهُ الرئع يوحي بأنه قويٌ جدًا. أنه ملك هَذا البلد، لذا مِن المؤكد انهُ يملك الكثير مِن المال.
ترتيب الدوق لهَذا الزواج ربما ليس شيئًا سيئًا تمامًا…
“حسنًا، أنتِ الملكة الآن.”
“…..”
“قد بذل الدوق جهدهُ حقًا لـ بيع ابنته.”
مِن الأفضل عدم وجود مثل هَذا الأب.
كانت عينا الملك الزرقاء الفاتحة تُحدق في إي-جاي بحدة وهو يترنح باتجاه السرير، واضعًا يدهُ على جبهته وكأنهُ يُعاني مِن صداعٍ شديد.
إي-جاي، التي كانت تقف مُرتبكةً أمام المرآة، أدارت رأسها بسرعة ونظرت نحو الباب. كانت تعابير وجه الخادمات مليئةً بالقلق مِن خلال الباب المفتوح.
ترددت إي-جاي للحظة.
هل مِن الأفضل إبقاء الباب مفتوحًا لمنع أيّ حوادث محتمل، أم يجب إغلاقه للحفاظ على السرية؟
لكن قبل أن تتمكن من اتخاذ قرار، أغلقت الخادمة ذات الوجه الشاحب الباب بهدوء.
‘أليس هَذا قاسيًا؟’
كان الملك يحملُ سيفًا.
حتى بالنسبة للأشخاص الذين لا يعرفون شيئًا، لم يكُن يبدو في حالةٍ عقليةٍ جيدة.
شعرت إي-جاي بالقلق وواصلت النظر إلى الباب لفترة طويلة.
وعندما نظرت مرةً أخرى نحو السرير، بدا الملك في حالةٍ أكثر اضطرابًا مما كان عليه قبل لحظات.
بخطواتٍ مُترددة، توجهت نحو السرير وجلست بجانبه على بعد ثلاثة أشبار.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة