بعد انتهائه من شؤون الحكم ، زار رودريك حديقة قصر الملكة لفترة وجيزة.
كانت هذه الحديقة، التي كانت لي جاي تستخدمها في السابق لتحضير الأعشاب أو ممارسة الرماية بالقوس ، قد تحولت منذ فترة طويلة إلى ملعب لليو.
راقب رودريك ابنه من بعيد، مقطّبًا جبينه.
كان ليو يتشبّث بعمود خشبي أطول من قامته، يصدر أصوات جهد.
“ابني ، ماذا تفعل الآن؟”
“أمم ، هذا …”
عندما سأل رودريك بنبرة حائرة ، تردّد جايد و تلعثم.
لم يكن يعرف من أين يبدأ الشرح.
في تلك اللحظة ، انطلق صوت قوي من فم الأمير الصغير:
“ركلة الساق!”
عبس رودريك أكثر و نظر إلى العمود.
ركلة الساق؟
“ليس له ساق ، فكيف يركله؟”
سعل جايد بتصنّع ، ثمّ شرح متأخرًا ما حدث.
“حسنًا، جلالة الملكة قبل يومين …”
“ماذا عن لي جاي؟”
“أثناء لعبها مع سمو الأمير، علّمته فنًا قتاليًا تقليديًا من موطنها.”
“…”
“يبدو أنّه استمتع به كثيرًا ، لكن لا أعرف لمَ يفعل هذا بالتمثال …”
ضحك رودريك بدهشة ، ثمّ تابع بحرص حركات ابنه ، مركزًا على توازنه و تدفّق قوته.
عند النظر عن كثب، بدا الأمر مشابهًا لحركة استخدمتها لي جاي ضده يومًا ما.
تذكّر كيف هجمت عليه صارخة “واه!” ، فردّ عليها برد فعل فوري.
“إذن، كان ذلك فنًا قتاليًا.”
لكن ، هل تم تحريفه؟ كيف يمكن إسقاط خصم بهذه الطريقة؟
في عيني رودريك ، كانا لي جاي و ابنه الصغير مثل حبّتي فاصولياء ، و مهما حاولا ، لم يظنّ أنّ العمود سيتزحزح.
في تلك اللحظة:
“دفعة قوية!”
“ماذا؟”
ما هذا؟ تحدّى العمود التوقعات و بدأ يهتزّ ، فرفع رودريك حاجبًا.
امتلأت أعين الفرسان المحيطين بالحديقة بالإعجاب والدهشة.
“يا إلهي …”
كان العمود مدفونًا بعمق في الأرض.
هل كان ذلك بسبب قوة ليو، أم براعة التقنية، أم بسبب إصراره الطويل على مضايقة العمود؟ بدأ العمود الشامخ يميل نحو الأرض.
بفضل مراقبته الدقيقة ، تمكّن رودريك من الإمساك بمؤخرة عنق ليو قبل أن يتدحرج على الأرض.
“أمسكتك”
نظر ليو المذعور بعيون واسعة ، ثمّ عندما رأى وجه والده ، عانق رقبته بحماس.
“أبي!”
“نعم ، والدك. أيّها المشاغب”
“متى جئت؟”
“كنت هنا منذ قليل”
أنزل رودريك ابنه إلى الأرض، وفرك شعره بعنف بعاطفة خشنة. ثمّ تحوّلت نظرته إلى العمود المطروح أرضًا.
كان العمود، الذي كان قبيحًا أصلًا، قد أصبح أكثر قبحًا بعد ضربات الزمن. حتّى عينا رودريك، الذي لم يتغلّب تمامًا على نفوره من العمود، بدتا مترددتين.
لكن هذا العمود كان نوعًا من الهديّة التي أعدّتها لي جاي لرودريك، تحفة فنيّة.
كانت تعيد نحته بسكين كلّما بدأت الكتابة تتلاشى ، لذا ظلّ اسماهما محفورين بوضوح عند القاعدة.
نظر رودريك إلى ابنه ، كأنّه يقول: أنت في ورطة الآن.
“ماذا ستفعل؟ هذا أحد أغراض أمك المفضّلة”
ارتجف ليو ، و دارت عيناه الكبيرتان بخوف واضح من توبيخ أمه.
لم تكن لي جاي لتعنّف ليو بشدّة على مثل هذا الأمر ، لكن رودريك، راغبًا في مداعبته، اتّخذ تعبيرًا أكثر جديّة.
تمسّك ليو بساقه، متوسلًا:
“لا تخبر أمي ، من فضلك ، أبي …”
“حسنًا، سأفكّر في الأمر.”
“سأعيده إلى مكانه، حسنًا؟”
بدأ الطفل يحاول رفع العمود الخشبي، الذي كان أطول من قامته.
ضحك رودريك، ممسكًا جبهته، ثمّ أمر الفرسان: “ساعدوا الأمير.”
“حاضر، جلالتك.”
“افعلوا ذلك بحذر. الفاصولياء الصغيرة سريعة البديهة.”
على دراية بحدة ملاحظة الملكة ، اقترب الفرسان بحذر شديد.
أعادوا دفن العمود في مكانه بدقّة تامّة ، و حتّى اهتموا بتسوية لون التربة الخارجيّة و الداخليّة ليبدو الأمر و كأنّه جريمة كاملة.
***
بعد قضاء بعض الوقت مع ابنه المشاغب ، توجه رودريك إلى غرفة الاستقبال.
كانت لي جاي قد أنهت جدولها اليوميّ ، لكنّها بقيت في الغرفة ، منغمسة في تأمّل أو صلاة.
حاولت ديبورا إعلامها بقدوم الملك ، لكنّه أشار لها بالتوقّف و راقبها من بعيد. كانت مركّزة جدًا ، حيث كانت هالتها المميّزة تتصاعد حولها.
بعد سبع سنوات من تلقّيه قدرة غير متوقّعة من الملك الأوّل ، أحبّ رودريك بصريته الروحيّة بصدق.
كان يستمتع برؤية الضوء الدافئ الذي يحيط بها.
لمن تُصلّي من أجل السلام و السعادة هذه المرّة ، لتكون الأجواء مشرقة و مريحة إلى هذا الحد؟
كان شعورًا مؤثّرًا مليئًا بالحنان.
في تلك اللحظة، شعرت لي جاي بطاقة مختلفة، ففتحت عينيها ببطء.
عندما ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهها، ناداها رودريك، متلهفًا دون سبب:
“لي جاي”
يا ثعلبتي الخوخيّة ، يا فاصوليائي اللطيفة. كم أنتِ محبوبة.
اندفع نحوها وقبّل جبهتها المستديرة.
“متى جئتَ؟”
فكّر رودريك كيف أنّ سؤالها يشبه سؤال ابنهما ، فأجاب بطريقة مشابهة: “كنت هنا منذ قليل. لكن ، لمَ تُصلّين طويلًا هكذا؟”
“حسنًا ، أدعو من أجل سلام الجميع ، و يبدو أنّ الأمر يطول أكثر فأكثر …”
ضحك رودريك عندما تحدّثت لي جاي بوجه يبدو كأنّه بلغ التحرّر.
تبعته بابتسامة، ثمّ تذكّرت فجأة و سألت عن ابنها:
“بالمناسبة، ماذا يفعل ليو؟ هل زرته؟”
“نعم، كان يلعب في الحديقة، ثمّ أخذته إلى درسه. لكن …”
كان جواب رودريك عاديًا كالعادة، لكنّه ترك نبرة متردّدة.
على الرغم من أنّه أمر بجريمة كاملة، كان يعلم أنّ ذلك مستحيل.
لم يكن التمثال في الحديقة مجرّد قطعة فنيّة، بل كان نوعًا من الحاجز الذي صمّمته لي جاي بطاقتها.
كان من المسألة وقت فقط حتّى تلاحظ اضطراب طاقته.
“هل حدث شيء؟”
“نعم، كان هناك حادث. لكن، لا شيء كبير.”
نظر رودريك إلى عينيها بحذر، آملًا أن يبدو الأمر تافهًا لها، وتابع: “ليو … اقتلع التمثال.”
“ماذا؟”
“أعني، ذلك التمثال الخشبيّ في الحديقة. ذلك القبيح … على أيّ حال.”
“ماذا؟”
“لكن، لا أعرف إن كان اقتلعه بالقوة أم أنّه سقط بسبب قدمه. ربّما كان مدفونًا بشكل ضحل من البداية.”
لم تفهم لي جاي على الفور، فسألت مرارًا، ثمّ نهضت من كرسيها. كانت عيناها مليئتين بالذهول.
“كيف اقتلعه … هل أصيب ليو؟”
“لا، ليو بخير تمامًا.”
“…”
“ابني لا يبكي حتّى لو سقط. ويبدو أنّه لم يعد يتفاجأ حتّى”
عندما تحدّث رودريك بنبرة هادئة بل و غير مبالية ، ألقت لي جاي نظرة غاضبة. لكن كلامه كان صحيحًا.
كان ابنهما، الذي كان حلمه استثنائيًا منذ البداية، يكبر ليصبح مشاغبًا قويًا بشكل استثنائيّ.
من الألعاب الصغيرة إلى الخزف الثمين، كلّ شيء يمرّ بيده يتحطّم. كان يتأذّى كثيرًا أثناء قفزاته ، لكن ليو نادرًا ما يبكي حتّى لو كانت ركبتاه تنزفان.
لكن لي جاي كانت منزعجة جدًا من أنّ ركبتي طفلها البالغ ستّ سنوات لا تكادان تسلمان يومًا.
لم تكن كلمات الآخرين بأنّ الأطفال يتأذّون هكذا أثناء نموّهم تُريحها. على العكس ، كانت تبدو غريبة.
مهما حاولت تذكّر، لم تكن هي كذلك في سنّ ليو.
“كنتُ هادئة جدًا عندما كنتُ صغيرة …”
نظر إليها رودريك بعمق، متعجبًا من عودتها إلى الماضي البعيد.
“أنتِ لا تزالين هادئة.”
“لكن لمَ يفعل ليو هذا … من ورث هذا؟”
تمتمت لي جاي بحيرة ، ملقية نظرة جانبيّة إلى رودريك.
أدرك متأخرًا أنّ السهم موجّه نحوه ، فرفع حاجبًا.
“مهلاً، أنا قويّ، لكنني لم أكن مشاغبًا.”
“…”
“أقسم، كنتُ فقط أقوى من الآخرين.”
لكن صوت رودريك افتقر إلى الثقة المعتادة.
حتّى هو كان يعتقد أنّ ابنه لا يمكن أن يكون قد ورث هذا الشغب من لي جاي.
كانت الفجوة بين زوجته، التي تهوى التأمّل، وابنهما الذي يحطّم كلّ شيء، كبيرة.
و بما أنّ ليو ابنهما ، إذا لم يكن من لي جاي ، فالسبب …
“حسنًا ، أنا”
“…”
“لنقل إنّه ورث ذلك عنّي”
على الرغم من شعوره بالظلم ، اعترف رودريك لعدم وجود مفرّ.
ضحكت لي جاي لفترة طويلة من تعبيره المتجهّم ، ثمّ عبّرت عن شكرها بصدق.
كانت ممتنة لأنّ ابنها يكبر قويًا مثله ، و كان كلّ يوم مليئًا بالسعادة.
التعليقات لهذا الفصل " 135"