كانت وجهة الملك و مرافقيه هي إقليم غلاسدين التابع لماركيز ، و يقع على بُعد ساعةٍ من العاصمة.
وقد اختار الملك هذا المكان لأنّ الأمن فيه جيّد، ولأنّه يتمتّع بازدهارٍ نسبيّ في التّجارة، ما يجعله زاخرًا بالمشاهد الممتعة.
وقبل كلّ شيء، كانت هناك إقامة ملكيّة بين الأراضي والإمبراطوريّة.
ارتدى الملك و مرافقوه عباءات طويلة تخفي هويّتهم ، و اجتازوا نقطة التّفتيش ، ثمّ واصلوا الرّكوب على الخيل لمدّةٍ طويلة.
وبعد اجتيازهم السّهول الواسعة، بدأت تظهر المنازل واحدة تلو الأخرى، ودخلوا سريعًا إلى السّوق الرّئيسي.
ومن الطّبيعي أن يلفت الملك و لي جاي أنظار المارّة.
بينما كانت لي جاي تلتفت حولها بحذرٍ و تُراقب ، كان الملك يسير بلا تردّد و كأنّه يعرف الطّريق تمامًا.
ومنذ تلك اللّحظة تحديدًا …
بدأ الملك يشتري أيّ شيءٍ تقع عليه نظرات لي جاي ، أيًّا كان.
مع أنّ تلك الأشياء لم تكن مميّزة فعلًا، فمعظم الكنوز النّادرة في القارّة ــ أو على الأقلّ في كايين ــ كانت محفوظةً في قبو العائلة الملكيّة.
لذلك، كان هذا مجرّد فعلٍ للتّسلية.
“أيتها الثعلبة.”
“نعم؟”
“خذي.”
“… شكرًا لك.”
أثناء السّير، اشترى الملك باقة وردٍ من فتاةٍ صغيرة وقدّمها إلى لي جاي.
وما إن نظرت لي جاي نظرةً سريعة إلى أحد المتاجر ، حتّى اندفع الملك مباشرةً إلى متجر المجوهرات.
“يا ثعلبتي ، أتُريدين هذا أيضًا؟”
“… نعم ، لكن ، هل يمكن ألّا تناديني بالثعلبة في مكانٍ كهذا؟”
“حسنًا. حبّتي الصغيرة”
“أنت تمازحني الآن ، أليس كذلك؟”
“آه، كُشِف أمري.”
بدأت لي جاي تتساءل عن سبب تصرّف زوجها الغريب.
حتى الفرسان الذين حملوا المجوهرات في أكياسٍ كبيرة لم يفهموا سبب ما يفعله الملك.
لكنّ الملك لم يُبدِ أيّ نيّة للتوقّف.
وكأنّه عازمٌ على تجريد الإقليم من كلّ معروضاته.
لكن في وسط هذا كلّه، لفت انتباه لي جاي شيءٌ آخر تمامًا.
“جلالتك.”
“هم؟ ماذا هناك؟”
“هل يمكننا الذّهاب إلى هناك إن لم يكن لديك مانع؟”
عندما أبدت لي جاي اهتمامًا بشيءٍ ما، استدار الملك بلطفٍ لينظر إلى حيث أشارت.
وفي تلك اللّحظة، انفجر الملك والفرسان ضاحكين في وقتٍ واحد.
فقد كانت تشير إلى ورشةٍ لمعالجة الأخشاب.
وبات الملك متأكّدًا إلى حدٍّ ما الآن.
“إذا، كان ذلك حقًّا هوايتكِ، أليس كذلك؟”
و شعر بالارتياح سرًّا. إذ ما زال يشعر بالذّنب كلّما تذكّر كم مرّة ظلّت تنحت التّماثيل بسبب توتّراته.
و فكّر: على الأقلّ ، لم يكن الأمر مكروهًا لديها.
فأومأ برأسه بإيجاز.
“حسنًا ، لنذهب. ما دامت زوجتي ترغب في ذلك ، فلابدّ أن نلبي”
دخل الملك و لي جاي الورشة برفقة قائد الفرسان و اثنين من الحرّاس فقط.
وكانت الورشة كبيرةً إلى حدٍّ ما، و كانت نشارة الخشب تتناثر في الجوّ.
وحين رأى الحرفيّون الملك وفرسانه، بدأوا يتهامسون فيما بينهم.
بسبب الهالة و الهيبة التي كانت تحيط بهم.
دخلت لي جاي بين الحرفيّين و رفعت رأسها لتُطِلّ ، و تقدّم قائد الفرسان ليتحدّث باسم الجميع.
لم يُسمع ما قاله بالتّحديد ، لكنّ جوّ الورشة أصبح أكثر هدوءًا.
بدأت لي جاي تتجوّل بنظراتٍ أكثر راحة، وكذلك فعل الملك وهو يضع يديه على صدره.
كان في الورشة أشياء كثيرة تُثير الاهتمام أكثر مما توقّع.
من طاولاتٍ وكراسٍ إلى حليٍّ صغيرة بحجم الأصابع، كانت الورشة مزدحمة بالبضائع.
وشعر الملك بنوعٍ من الدّهشة.
فهو رجلٌ اعتاد دائمًا رؤية أرقى الحرف و الصّناعات.
وأغرب ما يملك من أعمالٍ فنّيّة هو التّمثال الذي أهدته له زوجته.
لكن حتى في نظره، كانت المصنوعات الخشبيّة هنا جيدة للغاية.
جودةً و ذوقًا.
‘هل كانت غلاسدين معروفةً بالأخشاب من قبل؟’
وعندما التفت ليتشارك ملاحظته مع لي جاي ، لاحظ أمرًا غريبًا.
فهي لم تكن تنظر إلى المصنوعات الخشبيّة.
بل كانت تحدّق بتركيزٍ شديد في يد أحد الحرفيّين و هو يستخدم أداة النّحت.
الفرسان لم يفهموا لماذا تنظر الملكة إلى هذا المشهد بعينٍ حادّة.
لكن شخصًا واحدًا فقط كان يفهمها: الملك.
فمن يد ذلك الحرفيّ كانت تنبعث طاقة غريبة.
“إنّه مختلفٌ فعلًا.”
“تراه أيضًا؟”
“نعم، أراه.”
“الطّاقة لا تظهر فقط عند الهجوم، كما تعلم.”
بعض النّاس يولدون بها، وبعضهم الآخر يطوّرها من خلال التّخصّص والمهارة العميقة.
أومأ الملك برأسه، ثمّ عانق لي جاي من الخلف.
شاهدا معًا براعة الحرفيّين لوقتٍ طويل.
ثم، بينما هو غارقٌ في التفكير ، سألها:
“لي جاي.”
“نعم؟”
“هل تريدين أن أشتري لكِ بعضًا من تلك الأدوات؟”
كان يسألها فقط تحسّبًا، فلم تكن أدوات النّحت هذه مناسبةً تمامًا ليدها النّاعمة الصّغيرة، وكانت كبيرة وخشنة.
لكنّ لي جاي لم تكن تبدو مهتمّةً بالمصنوعات النهائيّة أيضًا.
“هل تظنّ أنهم يبيعون مثلها؟”
“لابدّ أنّ لديهم أدواتٍ احتياطيّة. هل يوجد فارسٌ يملك سيفًا واحدًا فقط؟”
“حقًا؟”
“إذا، هل يعني هذا أنّ لديكِ اهتمامًا بها؟”
وما إن أومأت لي جاي برأسها، حتّى أشار الملك إلى أحد الفرسان خلفه.
وبعد وقتٍ قصير، أصبحت بيد لي جاي عدّة أدوات نحت.
أخذت تتفحّصها بعينٍ جادّة.
ثمّ ابتسمت فجأة ابتسامةً غامضة.
كان قائد الفرسان يراقبها، فاقترب من الملك و قال همسًا:
“جلالتك ، يبدو أنّها أكثر ما نال إعجابها إلى الآن”
ورغم أنّه هزّ كتفيه، فإنّ الملك وافقه تمامًا في الرّأي.
فهي بدت سعيدة بحقّ.
لكن، في الحقيقة، كانت لي جاي تُفكّر بأمرٍ غريب نوعًا ما.
‘ماذا لو نصبتُ تمثالًا خشبيًّا بحجمٍ طبيعيّ داخل القصر؟ هل سيفزع النّاس؟ لكنّه سيكون مفيدًا للأجيال القادمة … صحيح أنّ الحجم لا يعني القوّة دائمًا … لكنّ احتمال فقدانه سيكون أقل … آه ، لكن في هذا العالم ، هناك أشياء كبيرة و قويّة أيضًا …’
لم يكن الملك يدرك مطلقًا ما الذي فعله للتوّ.
هو فقط شعر بالرّضا لمجرّد رؤيتها تبتسم.
ولو كان يعلم ما ستجلبه تلك الابتسامة من نتائج إلى داخل القصر، لربّما تردّد لثانيةٍ قبل الشّراء.
وبعد أن تحسّن مزاج لي جاي ، قضت وقتًا طويلًا تتجوّل مع الملك بين المناظر.
لكن، لم تكن المناظر التي رأوها جميعها جميلة دائمًا.
فكلاهما نظر في وقتٍ واحد إلى مكانٍ ما في الفراغ.
قال الملك و كأنّه يحدّث نفسه:
“حقًّا، الخارج يعجّ بهم.”
كانا ينظران إلى شبحٍ تائه، يبدو أنّه مات منذ زمنٍ بعيد.
القصر كان شبه خالٍ من مثل هذه الأرواح مؤخرًا.
بفضل الحاجز الذي صنعته لي جاي مع الطّاقة الملكيّة.
لكن، بعد الخروج، صارت الأشباح التّافهة تظهر من حينٍ لآخر.
لم ترَ لي جاي في هذا الشبح أيّ طاقة ضارّة أو حقدٍ مؤذٍ ، لذا نظرت إلى زوجها.
وكان هناك شيءٌ أرادت سؤاله منذ فترة.
وقد سألت، لكنّ إجابته كانت دومًا غامضة.
قرّرت أن تكرّر السّؤال: “جلالتك.”
“هم؟”
“متى تنوي إغلاق رؤيتك الرّوحيّة؟ أليست مُتعبة؟”
نظر إليها رودريك بصمت.
“و أنتِ؟ ألا تُرهقكِ؟”
“لقد عشتُ هكذا منذ صغري. ولا أملك طريقةً للتّخلّص منها على أيّ حال.”
لكنّك أنت لست كذلك – هذا ما كانت تريد قوله.
فقد كان فتح الرّؤية الرّوحيّة واحدة من الإنجازات القليلة التي نالتها من الملك الصبي.
أجاب الملك باستخفافٍ و هو يهزّ كتفيه:
“طالما أستطيع رؤيتكِ، سأظلّ أراقبكِ.”
جوابٌ يبدو جميلًا، وكان صادقًا.
لكن لي جاي أمالت رأسها قليلًا و قالت:
“لو كان هناك طيف يحمل طاقةً مؤذية حقًّا، فستشعر بها حتّى من دون أن ترى، أليس كذلك؟”
كلامها صحيح.
وقد أصاب رودريك في الصّميم، فابتسم وهو يتنهّد.
ثمّ قرّر أن يُصارحها تمامًا.
“أخشى أن يُحاول أحدهم التّقرّب منكِ.”
توقّفت لي جاي فجأة.
وبعد لحظةِ صمتٍ قصيرة، فتحت فمها.
وتسلّل من بين شفتيها إعجابٌ خالص: “… واو.”
“ما الأمر؟”
“يبدو أنّك تملك معدةً قويّةً أكثر ممّا ظننتُ.”
“ماذا؟”
“أن تقول هذا و أنت ترى تلك المناظر البشعة … كيف استطعت؟”
هزّت رأسها و هي تنظر مجدّدًا إلى الطّيف.
كان من الواضح كيف مات ، و هو منظرٌ مقزّز.
لكنّ رودريك أيضًا كان لديه ما يقوله.
وأشار إلى أمرٍ أزعجه بشدّة طوال الوقت: “ليسوا جميعهم كذلك.”
“من؟”
“الملك آرثر، مثلًا. إنّه وسيم.”
“….”
“يا حبّتي ، لقد كنتِ تحدّقين في لوحته لوقتٍ طويل عندما كنّا في البرج. أكثر بكثيرٍ من وقتكِ معي ، أليس كذلك؟”
كان رودريك أيضًا رجلاً وسيمًا لا يُستهان به.
و كان يعرف جيّدًا رأي النّاس فيه.
لكنّ آرثر كان يملك جاذبيّة فتيّة وعذبة، ومظهرًا ناعمًا جذّابًا.
وبدا أيضًا مقرّبًا من لي جاي.
رودريك، الذي أصبح مقتنعًا بأنّ زوجته تفضّل هذا النّوع، بدا وجهه مُتجهّمًا.
لكنّ لي جاي شعرت أنّ هذا جنون حقًّا.
‘هل يمكن أن يكون شخصٌ ما غريبًا في هذا الاتّجاه أيضًا؟’
“لم أنظر إليه لهذا السّبب، حقًّا. كيف وصلت إلى هذا التّحليل العجيب؟”
هزّت رأسها مؤكّدة.
ثمّ أضافت بلهجةٍ حاسمة، لكنّها كانت عبارة لا يجب قولها إطلاقًا: “جلالتك، أنا أكره الاتّصال الرّوحيّ مع الأرواح.”
كان وجه رودريك خاليًا من التّعبير وهو ينظر إليها.
لأنّه كان غارقًا في التّفكير.
هدوءٌ أشبه ما يكون بما قبل العاصفة.
‘هل قالَت ما أظنّه؟ هل سمعتُها بشكلٍ صحيح؟’
وحين رأى حاجبه يرتفع شيئًا فشيئًا، أشاحت لي جاي ببصرها محرجة.
“يا زوجتي، ما الّذي قلته لتوّكِ؟”
“لم أقل شيئًا، حقًّا.”
“هل كنتِ تعنين علاقةً … حميميّة؟”
“………”
“هل هذا ممكن حقًّا؟”
“………”
“حقًّا؟”
حين طال صمتها، فهم رودريك أنّها تعني نعم.
و انفجر غاضبًا على الفور.
“كيف تقولين هذا لزوجكِ الآن فقط؟!”
“………”
“هل تجرّأ أحدهم و قال لكِ هذا الهراء؟ من هو؟!”
شعر و كأنّ دمَه يغلي.
ولو حاول أحدهم التّقرّب منها، لكان حطّم المكان كلّه.
لكنّ لي جاي لم تستطع أن تعترف بأنّ قائل ذلك هو أحد أجداده ، فاكتفت بتبريرٍ باهت: “لماذا توقّفتَ عن الاستماع للنّهاية؟”
“………”
“قلتُ إنّي أكره ذلك!”
“لا أعلم … ربّما ما عدتُ أسمع من الغيظ”
نظر رودريك إلى السّماء و تنهد بعمق.
سألته لي جاي بحذر: “هل … هل أنت غاضب؟”
“نعم.”
“كنت فقط قلقة من أنّ بقاء رؤيتكَ مفتوحة سيتعبكَ ، لذا بدأتُ الحديث.”
“كنت لا أنوي إغلاقها أصلًا، لكن الآن، أرفض تمامًا. لقد أقنعتِني تمامًا”
نظرت لي جاي إليه نظرةً مشكّكة.
شعرت أنّه يهدر قوّةً عظيمة لأجل أمرٍ تافه.
فسألته: لو اقتربت منك روح فتاةٍ جميلة، هل ستنجذب إليها؟”
وفي تلك اللّحظة تغيّر وجه الملك.
“لي جاي، أكره هذا النّوع من المزاح.”
“أي نوع؟”
“لماذا ألتفت إلى غيركِ؟”
بدت لي جاي غير راضية، فقد شعرت أنّه لا يُدرك الأمر من زاويتها.
فقالت بوجهٍ متجهّم:
“هل هذا يعني أنّي أكذب؟ أنا أيضًا ليس في قلبي غيرك”
سكت الملك.
ثمّ نظر إلى السّماء و تنهد عدّة مرّات.
أدرك أنّه بالغ في ردّة فعله لأنّه صُدم بحقيقةٍ جديدة.
شعر أنّه حفر حفرةً أخرى لنفسه.
لكنّه أراد توضيح أمرٍ واحد.
فغيرته و خوفه لم يكونا من نفس المصدر.
“هل تظنين أني غرت لأنّي لا أثق بكِ؟ هناك حمقى كُثُر لا يفهمون معنى الرّفض، وهذا ما يُقلقني”
“………”
“إذًا، يا زوجتي، قولي إنّك تحبّينني قبل أن أغار في المرّة القادمة، رجاءً.”
سكتت لي جاي بدورها.
ولم تعرف من منهما الغريب في منطقه.
ضحكت ، غير مصدّقة لما يحدث.
على الأقلّ، بدا أنّها لم تعد تقلق بشأن رؤية زوجها الروحيّة.
فهو يُجيد استخدامها أفضل حتى من أولئك الذين وُلِدوا بها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 124"