الوميض المنبعث من أطراف أصابعها لم يكن يُرى سوى من قِبل الملك ، غير أنّ أولئك الواقفين خلفها كانوا جميعًا في سكون تام.
فقد كان بإمكانهم الإحساس على الأقلّ بأنّها تبذل قصارى جهدها بكلّ إخلاص.
لكن لم يكن أحد يعرف ما هو الغرض من هذا الفعل على وجه التحديد.
أراد كبير الخدم ، و هو المعروف بعدم المبالغة في ردود أفعاله ، أن يظلّ صامتًا.
لكن مع مرور الوقت ، ازدادت حيرة الناس ، و في النهاية نطق نيابةً عن الجميع.
“لكن ، جلالة الملكة … ماذا تفعل الآن …؟”
رفع الملك حاجبه ، و بدت على وجهه علامات انزعاج طفيف.
ففي الواقع ، كان يرغب بشدّة هو الآخر في معرفة الجواب.
و ما فائدة البصيرة إن لم تفهم شيئًا؟
كانت الملكة شخصًا ذا مهارات شتّى و عجيبة.
حتى و إن نظر الجميع إلى المشهد ذاته ، إن لم تفسّر ما تفعل ، فلن يكون من السهل فهم دوافعها.
و قد كانت ديبورا هي من تحدّثت بدلًا عن الملك بكلمات قاسية.
“إن لم تكن تملك فطنة ، فليكن فمك مغلقًا على الأقلّ. كيف يعمل شخص في القصر بهذا الشكل؟”
“لكن ألا ينبغي علينا فهم نيّات من نخدمهم كي نخدمهم على نحو أفضل؟”
“لو كان أمرًا مهمًّا، لأخبرتنا بنفسها حتمًا.”
“جلالة الملكة لا تُكثر الكلام من الأساس. أعتقد أنّ هذه الأمور من واجب جناح الملكة.”
كانوا يتجادلون بأصوات خافتة كما اعتاد أهل القصر.
بالطّبع، كان الملك يسمعهم جميعًا، فاكتفى بابتسامة ساخرة.
‘ما الذي يفعلونه بحقّ السماء؟’
“أنتم الإثنان ، في هذه الأيّام …”
أغمض عينيه قليلًا ثم واصل الحديث.
“قد ينتهي بكم الأمر إلى المواعدة.”
“………”
“ألَا يبدو ذلك ممكنًا؟”
كان مَلك كايين قد سمح بحرّية زواج الخدم والخادمات.
لكن كبير الخدم وكبيرة الخادمات، رغم تقدّمهما في السن، بقيا عازبَين.
لأنّ كليهما كان مفرط الالتزام والانغماس في أداء المهام الموكولة إليهما.
نظرت ديبورا إلى الملك بوجه يملؤه الظلم ، فأومأ الملك برأسه.
“تفضّلي، قولي ما عندك.”
“جلالتك … حتى من هم مثلي من الطبقات المتدنّية … يملكون كرامة. لا أريد أن أُربط بكبير الخدم بهذا الشكل”
لم يكن من السهل على كبير الخدم التزام الصّمت بعد تصريح هجومي كهذا أمامه.
“و أنا كذلك.”
بدأ الاثنان يتبادلان الشتائم بنظرات صامتة.
و كان الملك ينظر إليهم وكأنّه يشهد أمرًا عجيبًا للغاية.
“ما هذا بحقّ الحاكم؟ أمام الملك؟! هل تظنّانني صديقكما؟”
في الحقيقة، كان الملك على علمٍ بالشائعات الغريبة التي بدأت تنتشر عن هذين الاثنين بعد حفل التوديع.
يبدو أنّ شرارة تلك الشائعة كانت منديلاً ما.
أخبر الملك خاصّته المقرّبين من الملكة بتلك الأحاديث بلغة أهل القصر، ليكونوا على دراية بما يُقال.
لكن ما يراه الآن أنّ الاثنين لم يكونا يجهلان الشائعات ، بل كانا يتصرّفان وكأنّهما يعرفان تمامًا ما يُقال عنهما.
ولأنّهما على علم، ويصرّان على هذا السلوك، كان الناس كثيرو الكلام يثرثرون أكثر فأكثر.
فلم يعد الملك يرغب في التدخّل ، و اكتفى بابتسامة خفيفة و قال: “لا بأس، لا داعي للاعتذار. أيتها السيدة ، اذهبي و اسألي الملكة عن موعد الانتهاء. لا تستعجليها ، فقط استفسري”
“نعم ، لا تقلق. سأحسن سؤالها”
انحنت كبيرة الخادمات قليلًا، ثم اقتربت من لي جاي.
في الواقع، لم يكن في هذا المكان أحد يعجز عن الانتظار لبضع ساعات إضافية.
فكلّ من كان هنا قد اعتاد على مواجهة الصّعاب داخل القصر.
لكن الملكة كانت مختلفة تمامًا عنهم.
نادراً ما ترى أحدًا يقضي يومًا كاملاً في ممارسة طقوس التأمل دون أن يحقّق نتيجة ملموسة.
اقتربت ديبورا من الملكة ، و خاطبتها بلطف:
“جلالة الملكة ، أعذريني. ما زال الوقت مبكرًا ، لكن في أيّ ساعة ترغبين أن نُعدّ لكِ الغداء؟”
“آه، لا بدّ أنّكم انتظرتم طويلًا. لقد أنهيتُ كلّ شيء”
نفضت لي جاي راحتيها المغطّاتين بالرّماد،
فأسرعت ديبورا بحمل الوعاء المجوّف الممتلئ بالماء الذي كان عند قدمي الملكة.
راقب الملك لي جاي و هي تسير مع كبيرة الخادمات، وبسط يده لها بمودّة.
“هل انتهيتِ ممّا كنتِ تفعلينه؟”
“نعم. ماذا كنتَ تفعل؟”
“لا شيء. فقط كنت أراقبكِ.”
“آسفة. لا بدّ أنّك شعرت بالملل.”
“الغريب في الأمر … لماذا لا أشعر بالملل حين أراقبك؟ أخبريني”
ضحكت لي جاي ، لكنّه نظر إلى ملامح وجهها خلسة.
في الحقيقة، كان الملك وعدد من الأشخاص القلائل يراقبون تصرّفات لي جاي اليوم عن كثب.
فاليوم، رسميًّا، هو عيد ميلاد الملكة.
أو، بدقّة أكثر، عيد ميلاد “هايلي”.
فجميع من يدخل القصر كان يعلم أنّ الملكة صاحبة قدرات روحيّة.
لكن القلّة فقط ، و منهم جايد و ديبورا ، كانوا يعرفون أنّها ليست هايلي حقًا.
أولئك الذين كانوا على علم بالأمر شعروا ببعض الحرج.
إن لم يحتفلوا، فقد يُعدّ ذلك تقليلًا من شأن الملكة، وإن احتفلوا، فاليوم ليس يوم ميلادها الحقيقي.
فكروا طويلاً في طريقة تخرجهم من هذا الموقف بسلاسة ،
و في تلك اللحظة ، أعلنت الملكة فجأة عن رغبتها في الخروج.
وكان ذلك أفضل حلّ ممكن، إذ استطاعت بذلك أن تمنع سيل التهاني والمجاملات التي كان سيكيلها النبلاء الذين سيحضرون دون دعوة.
لكن المشكلة كانت في المكان الذي اختارته الملكة لزيارتها: ضفاف النهر.
نفس المكان الذي ألقت فيه “هايلي” بنفسها.
“عزيزتي ، هل نجلس قليلاً؟ نتناول شيئًا هنا قبل أن نعود.”
“حسنًا، لا بأس.”
خلع رودريك رداءه، و فرشه على الأرض لتجلس عليه لي جاي.
ثمّ جلس خلفها واحتضن جسدها، متشابكًا معها، وأخذ الاثنان يتأملان سيل الماء الهادئ بعد طول غياب.
أسند الملك ذقنه على رأسها و سألها:
“عزيزتي، هل منظر الماء يُعجبك مجدّدًا؟”
“نعم، يبدو ذلك.”
“أظنّ أنّ الوقت قد حان حقًا. سأحفر لكِ بحيرة في جناح الملكة عمّا قريب.”
ابتسمت في هدوء، وشعر رودريك بذبذبة تلك الابتسامة دون صوت، فسأل بحذر: “هل أتيتِ إلى هنا اليوم لأنّه عيد ميلاد هايلي؟”
“نعم. أردتُ أن أهنّئها وأرثيها في الوقت ذاته.”
“………”
“لكن يبدو أنّها لم تأتِ رغم مناداتي لها.”
“هل بإمكانك فعل أشياء من هذا القبيل؟”
أومأت لي جاي برأسها.
فقد كانت تُحرق التعويذات منذ الفجر ، محاولةً إقامة طقس استحضار الأرواح.
أيّ رسالة، أيّ نداء، كانت تأمل أن يصلها، مهما كان بسيطًا.
“عادةً ما تكون إشاراتي مجرّد دعوة، والاستجابة تعود للروح ذاتها. ويبدو أنّ تلك الفتاة تفضّل أن تنعم بالراحة في صمت.”
عادةً ما تبقى الأرواح التي تحمل حقدًا في هذا العالم.
وكان من المؤكّد أنّ هايلي قد خلّفت و لو ذرّة من التعلّق.
لكنّ عدم استجابتها كان نابعًا من شيء واحد: احترامها لأحياء هذا العالم.
لا تريد أن تحجب عنهم المستقبل بظلّها.
لأنّها أحبّت الناس أكثر من اللازم.
“ربّما يكون هذا الطقس ضربًا من الأنانيّة، وسيلةً نرضي بها قلوبنا نحن الأحياء. نوعًا من الإشباع الذاتي.”
“………”
“لكن رغم ذلك، كان يمكنها أن تُظهر شيئًا. لماذا كانت طيّبة القلب إلى هذا الحدّ؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 123"