نفض إيسيس ثيابه بلا مبالاة و هو يبتسم ابتسامة ساخرة.
“هل اكتشفتِ كيف تفكين ‘فخ الزمن’ أم ليس بعد؟”
ضاقت عينا آثا بغضب: “لا تغير الموضوع. لقد أخبرتكَ بوضوح ألا تتدخل ، أليس كذلك؟”
بقي على هدوئه المعتاد ، و هز كتفيه قائلاً بصوت تملؤه البراءة المصطنعة: “كان ذلك عندما كنتِ ترينه الجرو. اليوم كنتُ قطة”
هل هو فاقد للإحساس حقًا ، أم يتظاهر بذلك؟
حاولت آثا كتم غيظها و شرحت له بصبر: “لا ، النقطة ليست في كوني أريك جروًا أو قطة. النقطة هي ‘عدم التدخل’ ، هذا هو الجزء المهم”
‘يا للهول. هل عليّ حقًا شرح كل شيء بالتفصيل؟ ألا يمكنه أن يفهم من تلقاء نفسه؟’
و عندما رأته يبتسم بمكر ، أدركت الحقيقة.
آه ، لم يكن فاقدًا للإحساس … بل كان فاقدًا للضمير.
وضعت يدها على رأسها و هي تنظر إلى تعبيره الوقح: “لماذا أتيتَ اليوم؟ آه ، تذكرت ، ماذا قلتَ في المرة السابقة؟”
تظاهرت بالتفكير بعمق ثم صفقت بيديها كأنها تذكرت فجأة: “آه! ألم تقل إنك لن تأتي مرة أخرى لأن الوضع أصبح ‘مقززًا و دنيئًا’؟”
بالطبع ، لم تكن آثا تتمنى ألا يأتي للأبد.
كانت تنوي استدعاءه لو تأخر كثيرًا ، أو الذهاب للمعبد إن لزم الأمر.
لكن بما أنه جاء من تلقاء نفسه سريعًا ، شعرت برغبة في استفزازه قليلاً.
فرغم تصرفاته البغيضة اليوم ، لم تشعر بكراهية حقيقية تجاهه ، بل شعرت بنوع من الترحيب الخفي.
‘ربما لأنني أحب المشاكسة معه. لو كان لي أخ أكبر أو أصغر ، لربما كانت علاقتنا هكذا’
أما هو ، فقد تجاهل كلامها ببساطة و جلس على الأريكة يتفحص الغرفة ، حتى وقعت عيناه على كتاب فوق الطاولة.
<بداية ظهور الوحي و شجرة العالم>
التقط الكتاب و قال بصوت هادئ بشكل مريب: “قلتُ لكِ إنني جئتُ لأرى إن كنتِ تحرزين تقدمًا في فك ‘فخ الزمن’. هل قرأتِ هذا؟”
هزت آثا رأسها و هي تعيد ترتيب زهور الـستاتيس: “ليس بعد. و فوق ذلك ، أنا لا أفقه شيئًا عن فخ الزمن هذا”
تمتم الحاكم بعدم رضا: “أيتها الصغيرة ، غارقة في قصص الحب و تهملين عملكِ ، و تُعمِلين عقلكِ فقط في كيفية الحصول على قبلة”
جلست آثا مقابلة له بعد أن انتهت من ترتيب الزهر و إزالة الأوراق الجافة: “كحم. لنغلق هذا الموضوع الآن. أما بخصوص فخ الزمن ، فلديّ ما أقوله”
أغلق الحاكم الكتاب و وضعه على الطاولة و نظر إليها: “همم؟ ماذا هناك؟”
بدأت تتحدث ببطء: “قلتَ إن مدير هذا العالم في موقف محرج لأن الزمن يتكرر باستمرار ، أليس كذلك؟”
أومأ: “صحيح. موقف محرج جدًا”
سألت آثا بهدوء: “إذن ، مَن هو هذا ‘المدير’ بالضبط؟ مَن هو صاحب هذا الموقف المحرج؟”
تردد الحاكم للحظة ، ثم أشار إلى نفسه بسبابته و سأل: “… أنا؟”
هزت آثا رأسها موافقة كأنه أصاب الهدف: “بالضبط. إنه موقفك أنت أيها الحاكم”
“……” (إيسيس)
“……” (آثا)
تجنب الحاكم نظراتها محاولاً التظاهر بالجهل مجددًا ، لكنها لم تمنحه الفرصة.
“أرأيت؟ في الحقيقة ، بالنسبة لي ، لا يهم إن استمر الزمن في التكرار هكذا”
بدأ الحاكم يحرك عينيه يمنة و يسرة ، بينما واصلت آثا مراقبة عينيه بإصرار: “لقد قلتَ إن متوسط عمري كان 21 عامًا. لذا فكرتُ في الأمر ؛ بما أنني قد أموت خلال عام واحد ، فإن تكرار الزمن هو في مصلحتي. بعبارة أخرى ، إنه بمثابة تأمين للحياة الأبدية ، حتى لو متُّ سأعود للحياة مجددًا. لماذا إذن قد أرغب في فك هذا الفخ؟”
نظر الحاكم بعيدًا و قال: “… حتى لو لم يكن الأمر متعلقًا بالمدير ، فإن فك فخ الزمن هو عمل لأجل العالم بأسره. تكرار الزمن لفترة طويلة سيؤدي حتمًا لمشاكل”
“مشاكل؟”
“نعم. و فوق ذلك ، أنا لا أعرف طبيعة تلك المشاكل ، مما يعني أننا لن نستطيع الاستعداد لها”
رغم نبرته الجادة ، إلا أن كلامه لم يؤثر في آثا كثيرًا.
بصراحة ، ‘مشاكل العالم’؟ أمر لا يلامس واقعها.
فالمشاكل التي تفوق قدرة الخيال على الاستيعاب غالبًا ما يصعب تقبلها.
“حقًا؟ إذن لديّ الآن خياران ؛ إما فك فخ الزمن و الاستمتاع بالراحة الأبدية كالبقية ، أو عدم فكه و تكرار حياتي للأبد حتى يتدمر العالم و أختفي معه”
من يرى تعبير وجهها و هي تقول ذلك ، سيتوقع حتمًا أنها ستختار الخيار الثاني.
هنا ، التفت الحاكم نحوها فجأة و فتح فمه بذهول: “أنتِ حقًا …”
هزت آثا كتفيها: “ذكية ، أليس كذلك؟”
تقطب جبينه بشدة: “لم تخيبي ظني أبدًا في أنانيتكِ. أنتِ حقًا القمة”
‘إنه عمل لأجل العالم ، لكن رغبتكِ في عدم تصحيح الخطأ لأجل مصالحكِ الشخصية هي صفة تشبهكِ تمامًا’
ردت آثا ببرود على توبيخه العلني: “البشر أنانيون بطبعهم”
‘… هناك بشر ليسوا أنانيين أيتها الفتاة’
كتم الحاكم الكلمات التي كادت تخرج من حنجرته ، و انتقل للنقطة التالية: “حسنًا. فهمتُ موقفكِ و تفكيركِ. لكن ، ساعديني”
نظرت إليه آثا دون إجابة ، و كانت عيناها تسألان بوضوح: “و لماذا عليّ فعل ذلك؟”
شرح إيسيس بهدوء: “في هذا العالم يلقبونني بالحاكم ، لكنني في الحقيقة أشبه بموظف حكومي يدير منطقته”
أومأت آثا: “توقعتُ ذلك منذ أن قلتَ إنك مدير”
“الآن ، و بما أن المدة قصيرة ، فأنا أقوم ببعض التمويه ، لكن إذا استمر فخ الزمن طويلاً ، فسيُكتشف أنني لا أدير المنطقة بشكل جيد. و حينها سأفقد وظيفتي”
“يمكنك البحث عن وظيفة أخرى إذن”
“فقدان الكيان الذي يدير العالم لوظيفته يعني ‘الزوال’.”
صمتت آثا أخيرًا و توقفت عن الردود الحادة ، ثم أطلقت تنهيدة عميقة.
شعرت بنوع من الألفة تجاهه و رغبت في مساعدته ، لكن من ناحية أخرى ، تساءلت إن كان ذلك ضروريًا حقًا.
بما أن هذا ‘كتاب’ ، فربما لن يحدث أمر مثل الزوال بسبب إهمال الإدارة.
و أيضًا …
رغم أنها قالت إن لديها خيارين ، إلا أن أحدًا لا يضمن صحة تلك الخيارات.
مَن يدري إن كانت ‘آثا’ التي سيقابلها هذا الحاكم في المرة القادمة هي أنا ، أم شخص آخر تم نقله إلى هنا؟
لكن ، هناك سبب آخر لرفضها.
هي لا تريد إضاعة وقتها في فك فخ الزمن ؛ فهي مشغولة بمواعدة أليستو و الاسترخاء و الراحة.
و بينما كانت تفكر في هذا ، قال مجددًا: “أعرف لماذا تترددين”
أول ما خطر ببال آثا هو ‘مستحيل أن يعرف’.
لكنها سألت تحسبًا: “أتعرف حقًا؟”
كان وجهها يفيض بالشك ، فرفع إيسيس كتفيه مؤكدًا: “أعرف”
فكرت آثا و هي تراه يهز كتفيه: ‘إذا كان حقًا يعرف سبب ترددي ، و أعطاني تأكيدًا بأن هذا المكان ليس مجرد كتاب …’
‘… فحينها ، لن يكون باليد حيلة ، سأبذل قصارى جهدي لفك فخ الزمن’
“لماذا أتردد إذن؟”
و هنا ، و بشكل مفاجئ—
فرك إيسيس ذقنه و قال ببساطة: “لأنكِ لستِ متأكدة إن كان هذا المكان ‘داخل كتاب’ أم واقعًا حقيقيًا”
قشعر بدن آثا فور سماع جوابه ؛ فقد كان دقيقًا جدًا.
بدأ يفرك عينيه و هو يتمتم: “لأنه التساؤل الذي كان يراودكِ دائما في كل مرة يتكرر فيها الزمن”
‘لم تتوقفي يومًا عن الشك. و كأنكِ عشتِ حياتكِ كلها مخدوعة ؛ شكوككِ مقيتة ، و تفكيركِ عميق جدًا’
‘آه ، مجرد التفكير في ذلك الوقت يجعلني أشعر بالتعب مجددًا’
“… و ما هي طريقتك لإزالة شكوكي؟”
ارتجف صوت آثا قليلاً ، فنظر إليها الحاكم مباشرة.
و ناداها باسمها.
اسمها الحقيقي.
“جو يون سو”
“… ها”
تجمد عقلها في تلك اللحظة.
لو كان هذا مجرد كتاب ، فمن المستحيل أن يعرف الحاكم اسمها الحقيقي.
بدأ صوتها يرتجف بشدة كصوت ماعز حديث الولادة: “هذا الاسم … كيف تعرفه؟”
بينما بقي صوت الحاكم هادئًا كما كان: “أتعتقدين أنني أعرف الاسم فقط؟”
‘كيف عشتِ ، ماذا فعلتِ ، مَن اشتقتِ إليه ، و كيف متِّ …’
‘لا يوجد شيء لا أعرفه عنكِ’
‘ما رأيكِ الآن؟ هل صدقتِ؟’
التعليقات لهذا الفصل " 77"