بعد سماع تلك القصة المؤلمة ، لم يجد كاستر بُدًا من النهوض.
“انتظري لحظة من فضلكِ. هذا ليس أمرًا يمكنني البت فيه وحدي”
كان كاستر يتحدث عن القيود المفروضة على خروج القدّيسة ، لكن روبي ظنت أنه يقصد الشق المالي من الصك.
“آه ، سيدي كاستر”
أضافت روبي و هي تلتقي بعيني الرجل الذي كان يهم بالخروج للممر: “أنا لا أشك أبدًا في عظم مشاعر سمو ولي العهد تجاه الآنسة آثا … لكن ، و هذا مجرد رأي شخصي ، ألا يجب ألا تكون هناك حدود للتعبير عن المودة؟”
عندها ، احمر وجه كاستر قليلاً و هو يفكر في كلماتها.
“حم ، حم ، سأنقل الأمر جيدًا لسموه”
***
في الغرفة الخاصة بـ أليستو بالطابق الرابع.
كان هناك من سبق كاستر لزيارة أليستو.
الأول كان الخادم لافو ؛ دخل بهدوء ، وضع وثيقة على مكتب ولي العهد ، ثم خرج بصمت.
أما الثاني فكان جيرولد ؛ دخل في اللحظة التي خرج فيها لافو ، و سأل و هو ينظر للوثيقة في يد أليستو: “ما هذا؟”
أراه أليستو الوثيقة لأخيه الفضولي: “وزير الداخلية حدد موعدًا للقاء عائلة هيرمان البارونية”
قرأ جيرولد الوثيقة ، ثم فتح فمه بحذر و تعبير غير مريح: “قد يبدو كلامي متجاوزًا … لكن قبل لقاء وزير الداخلية ، ألا يجب على زوجة أخي أن تزور منزل عائلتها مرة واحدة؟ بمجرد البدء في تحضيرات الزفاف الرسمية ، سيكون من الصعب إيجاد وقت ، و بالتأكيد هي تشتاق لوالديها حتى و إن لم تقل ذلك”
فكر أليستو للحظة.
هل تشتاق القدّيسة لوالديها حقًا؟
حسنًا.
لقد زار منزل البارون هيرمان من قبل لتوقيع عقد الزفاف مع القدّيسة ، و كان جيرولد معه.
أراد أليستو أن يسأل أخاه: ‘ألا تتذكر كيف كان والداها آنذاك؟’ لكنه تراجع.
فقد لا يدرك جيرولد غرابة موقف البارونة هيرمان ؛ لأنه ذلك الفتى الذي يزور أمه باستمرار رغم أنها تبرحه ضربًا.
نظر أليستو إلى جيرولد ؛ كان ذلك الشاب ضخم الجثة يتدلى حاجباه بحزن.
كان ما يدور في خلده واضحًا تمامًا.
‘من المؤكد أنه يشفق على القدّيسة لأنها قد لا تتمكن من رؤية والديها مستقبلاً’
يبدو أنه بدأ يشعر بالمودة تجاهها بسرعة منذ أن قبلها كزوجة لأخيه.
لم يكن ذلك مفاجئًا ؛ فجيرولد يقدس الروابط العائلية.
‘رغم كل الضرب الذي يتلقاه ، إلا أن عاطفته تجاه أهله كالعادة قوية’
يا له من ساذج.
ساذج لدرجة تجعلني مضطرًا للاعتناء به.
“سأسأل الآنسة آثا عن رغبتها في زيارة عائلة هيرمان أولاً ، ثم أقرر”
عندها ، انفرجت أسارير جيرولد الذي كان يراقب رد فعل أخيه بقلق: “أجل. إذا سألتها يا أخي ، فستسعد زوجة أخي بذلك كثيرًا”
أومأ أليستو برأسه ، و أشار إلى ملف الأوراق الذي يحمله جيرولد: “ألم تأتِ بأخبار المعبد؟”
“آه ، نعم. هذا صحيح”
وضع جيرولد الأوراق على مكتب أليستو و شرح باختصار: “تقرر تأجيل إعلان النبوءة لأجل غير مسمى. و قد وصل الخطاب الرسمي يطلب مساعدة الإمبراطورية في قضية اختفاء الكاهن الأكبر”
قرأ أليستو الوثيقة بسرعة و تأكد منها: “هل تحققت من ‘غرفة المراسيم الإمبراطورية’؟ هل تقرر أن يتولى فريق بلوسوم القضية؟ بما أنها قضية تخص المعبد ، سيحاول ‘ديوان الشؤون الدينية’ التدخل”
“نعم. ‘ديوان الشؤون الدينية’ سيبقى بعيدًا عن قضية الاختفاء هذه. قالوا إن دورهم يقتصر على التنسيق بين المعبد و القصر ، ولا يودون التدخل في شأن داخلي للمعبد”
كانت الدوائر الإمبراطورية تحاول عدم وضع يدها في هذه القضية ؛ و السبب هو تدخل “البوم” قليلاً خلف الكواليس.
لقد سلطوا الضوء على النزاع بين الكاهن ديناميك و الكاهن أيمو ، و سربوا معلومات تفيد بعدم وجود أي تحرك جاد للبحث عن الكاهن الأكبر.
جعلوا الأمر يبدو من الخارج و كأنه “عراك منزلي” بين الكهنة.
فأي شخص يراقب الوضع يدرك أن المعبد لن يتعاون ، و أن القضية ستطوى بمرور الوقت بعد انتخاب كاهن جديد.
و من الذي سيورط نفسه في قضية قذرة لن يجني منها سوى المتاعب؟ ليس هناك سوى فريق بلوسوم.
“هل جهزت الفريق الذي سيُرسل للمعبد؟ تأكد من قائمة الأدلة المطلوبة مجددًا ، و اجعل الكهنة ، و المساعدين ، و كبار الخدم جميعًا تحت المراقبة و البحث. و عند تفتيش الغرف الخاصة ، اصطحب معك قائد ‘الفرسان المقدسين’.”
بهذه الطريقة ، لن يجرؤ أحد على الاعتراض مهما كان ما ستجده.
“أمرك. سأحرص على ألا يكون هناك ما يقلقك”
بعد انصراف جيرولد ، جاء الزائر الثالث المنتظر: كاستر.
كان يلهث و كأنه ركض طوال الطريق.
أعطاه أليستو مهلة ليلتقط أنفاسه ، ثم بدأ بالحديث عن مهامه: “هل جهزت الرسالة التي سترسل لمملكة ‘إنريكا’؟ يجب أن تنطلق قريبًا لتصل قبل سفن التجارة”
“يمكن إرسالها خلال هذا الأسبوع. لكن ، سموك—”
عندما أصبحت نبرة كاستر جادة ، وضع أليستو القلم و نظر إليه: “تحدث”
“خادمة جناح آلموند جاءت لمكتب ‘أكاليا’ ؛ القدّيسة ترغب في الخروج للتسوق في المدينة”
أفلتت من أليستو ضحكة ساخرة.
تعبيره كان جادًا جدًا لدرجة جعلته يتساءل عما سيقوله.
لا بأس في ذلك ؛ فالمعبد ليس لديه وقت للاهتمام بالقدّيسة الآن.
“أرسل معها حراسة و رافِقها”
“أمرك”
كان كاستر ينوي في الأصل قول كلمة من أجل “سلاسة العلاقة العاطفية” لسموه ، لكن الكلمات لم تخرج بسهولة.
شعر بالتردد في التدخل بين رجل و امرأة ، خاصة مع مكانة الطرفين.
تردد للحظة ، و في النهاية لم ينطق بكلمة واحدة تخص “العلاقة”.
“سأرفع النسخة النهائية من الرسالة و تشكيل الوفد صباح الغد لمراجعتها”
و عندما همّ بالخروج ، جاءه سؤال سموه من الخلف: “ما هو سبب الخروج؟”
استدار كاستر نحو سموه مجددًا ، و اختار كلماته بعناية: “سمعتُ أنه لا توجد فساتين تروق للقدّيسة في خزانة جناح آلموند”
في تلك اللحظة ، تبادر لذهن أليستو الأمر الذي أصدره سابقًا ، و حتى الفستان الذي كانت ترتديه القدّيسة ذلك اليوم.
تصلبت ملامح أليستو فورًا ، فأضاف كاستر بحذر: “الفساتين التي قد ترتديها الآنسات الشابات هذه الأيام … سموك قد أمرت بإزالتها جميعًا”
استند أليستو إلى ظهر الكرسي و كتف ذراعيه:”إذن ، هي ذاهبة لتشتري تلك الملابس التي تكشف كل ذلك الجلد الأبيض؟”
فتح كاستر فمه و أغلقه عدة مرات بذهول.
‘جلد أبيض؟’
من يسمعه يظن أنها تتجول عارية.
لو كان ابنه لضربه على قدميه ، لكنه اختار كلماته بدقة مجددًا: “نظرة سموك … محافظة بشكل مبالغ فيه. كما قلتُ لك سابقًا ، لباس القدّيسة في الحفل الراقص كان رزينًا و أنيقًا”
بالطبع ، لم تجد كلماته آذانًا صاغية لدى أليستو.
“لنلغِ موضوع الخروج”
رمش كاستر بعينيه و هو يرى سموه يمسك بالقلم مجددًا.
مرة ، مرتين.
“سموك؟”
ترك أليستو القلم فجأة و كتف ذراعيه مرة أخرى: “ماذا؟”
“القدّيسة تريد أن تبدو ‘جميلة’ في عينيك يا سمو الأمير”
ارتخى حاجبا أليستو المقطبان قليلاً. قليلاً جدًا.
“… حقًا؟”
“نعم. لكنها لا تملك ملابس تجعلها تبدو جميلة”
“……”
أصبح كاستر بارعًا في قراءة تعابير ولي العهد بعد قضاء وقت طويل بجانبه ؛ و تحديدًا ، كانت “مسايرة مزاج السمو” هي تخصصه.
و الآن؟
بدا مزاج السمو جيدًا بشكل لم يسبق له مثيل ، و كأنه على وشك التحليق في السماء.
‘إذن ، سأجعله يحلق!’
من أجل القدّيسة التي لا بد أنها تبكي من الحزن الآن!
تنهد كاستر بخفة و هو يتصنع تعبيرًا يوحي بأنه لا يعرف كيف يقول هذا. (لقد كان يملك مهارات تمثيلية بارعة حتى بين ‘البوم’.)
ثم قال بنبرة مشحونة بالأسى و كأن الأمر يؤلمه: “لقد بلغت العشرين للتو ، و هي في حالة حب ، فمن الطبيعي أن ترغب في التزين لتبدو جميلة. لكن الملابس التي في خزانتها …”
عندما سكت كاستر ، تفوه أليستو بهراء: “إنها ‘محتشمة’ و جيدة—”
قاطعه كاستر فورًا: “لو استمر ‘الاحتشام’ مرتين أخريين ، لتحولت القدّيسة إلى ‘كاهنة’.”
التعليقات لهذا الفصل " 67"