كانت النتيجة أن خزانة ملابس آثا لم يتبقَّ فيها سوى فساتين محافظة للغاية.
و رغم أن كاترينا حاولت من جانبها اختيار الفساتين التي تحتوي على الكثير من الزينة و الزخارف ، إلا أن الوضع ظل كما هو.
ففي الأصل ، لم تكن آثا ترغب في فساتين رصينة كهذه ، بل كانت تتوق لشيء أكثر جرأة و إثارة.
و بينما كانت تعابير وجه آثا تزداد استياءً و هي تتفحص غرفة الملابس ، أظلمت ملامح كاترينا الواقفة بجانبها.
“ألا تعجبكِ الفساتين التي تم تحضيرها؟”
“أجل ، لا يوجد فستان واحد يروق لي”
عندما تمتمت آثا بعبوس أنها لن تستطيع الذهاب للحفل الراقص ، شعرت روبي بالارتباك و الضيق.
كانت روبي تشعر بالاختناق و هي ترى آثا تقضي أيامها في جناح آلموند دون حراك ، و من خلال مراقبتها لها ، أدركت أن الآنسة آثا لا تملك ذرة اهتمام بالأنشطة الاجتماعية ، لدرجة تثير العجب.
و بما أن روبي اعتبرت نفسها و آثا في مركب واحد ، لم يكن بوسعها إلا القلق.
صحيح أن السيدة واتش لم تثق بها و وضعت كاترينا لمراقبتها ، لكن ذلك لم يهمها ؛ فهي تعلم أن بناء الثقة يتطلب وقتًا.
كل ما كان بوسعها فعله الآن هو محاولة جذب أختها لصف البوم ، و الاستمرار في إظهار الولاء للآنسة آثا.
رغم أنها كانت تشعر ببعض القلق ، إلا أنها طمأنت نفسها: ‘لا بأس ، فأنا أملك الصدق’
و الصدق دائما ما يصل للقلوب.
على أي حال ، كان ترسيخ مكانة آثا كإمبراطورة مستقبلاً أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لروبي.
و لكن—
مجرد التفكير في الأمر كان مرعبًا ؛ فبهذا الوضع ، حتى لو أصبحت آثا إمبراطورة ، فمن المؤكد أنها ستعاني من العزلة في المجتمع المخملي.
فالآنسة آثا لم تكن تحضر الحفلات أو الصالونات الأدبية ، ولا حتى الأسواق الخيرية الصغيرة في المتاحف.
ما الفائدة من تلقي أكثر من مائة دعوة إذا كانت لا تخرج لأي مكان؟
و بينما كانت روبي تغرق في قلقها ، سمعت آثا تقول إنها تريد الذهاب للحفل الراقص.
يا لها من أخبار سارة!
لم ترد روبي تفويت هذه الفرصة ؛ فهي تدرك أنه لو مرّ هذا اليوم دون فعل شيء ، فلا أحد يعلم متى ستفكر آثا في ترك أريكة جناح آلموند مرة أخرى.
لذا ، اقترحت روبي الخروج بحماس: “ما رأيكِ في الذهاب إلى منطقة الأسواق في المدينة؟”
فجأة ، انتصبت أذنا آثا باهتمام: “منطقة الأسواق؟”
“نعم. إذا تجولتِ في مشاغل الخياطة هناك بنفسكِ ، فستجدين بالتأكيد الفستان الذي يعجبكِ”
لحسن الحظ ، بدا أن الفكرة راقت لآثا ، لكنها لم تمنح موافقتها القاطعة فورًا.
و بينما كانت روبي تنتظر الرد.
تذكرت آثا كيف طلبت إذنًا بالخروج للذهاب للمعبد قبل فترة قوبل بالرفض.
‘بما أنه ليس المعبد ، فربما يوافق … لكنني لست متأكدة’
فمنذ دخولها القصر الإمبراطوري ، لم تطأ قدماها خارج أسواره.
‘هل سينجح الأمر؟’
بينما كانت تتردد ، اقتربت روبي منها و همست: “هل هناك شيء يقلقكِ؟”
بمجرد رؤية وجه روبي ، خطرت لآثا فكرة جيدة.
بدلاً من أن أذهب لطلب الإذن بنفسي ، سأجعل روبي تذهب و تأتي بالموافقة!
كانت آثا تملك ثقة غريبة في روبي ؛ شعور بأنها قادرة على حل أي مشكلة تواجهها.
و لم يكن هذا الشعور من فراغ ؛ فقد ساعدتها روبي عندما كانت محبوسة في الجناح ، و جهزت لها أدوات تنسيق الزهور ، و أحضرت العربة للمكتبة ، بل و ثبتت لها أريكة مريحة كسرير تحت شجرة الدردار!
بما أنها تنفذ كل ما يُطلب منها ببراعة ، كان من الطبيعي الاعتماد عليها.
و مع ذلك ، لم يكن بإمكانها إخبار روبي عن “اتفاقية الحجز” التي وقعتها مع أليستو ؛ فبالرغم من عدم وجود بند يمنع الإفصاح ، إلا أنها شعرت بضرورة إبقاء الأمر سرًا بينهما.
إذن—كيف تجعلها تحصل على إذن الخروج مع إخفاء تفاصيل العقد؟
بعد ترتيب أفكارها ، قالت آثا ببطء: “روبي. اذهبي إلى ‘أكاليا’ (مكتب ولي العهد) ، و أخبريهم أنني أريد الخروج لاختيار فستان بنفسي ، و أحضري لي صكًّا ماليًا”
ما فكرت فيه آثا هو “الصك المالي” ؛ فإذا وافقوا على منحها الصك بعد معرفة سبب الاستخدام ، فسيعتبر ذلك إذنًا ضمنيًا بالخروج.
انحنت روبي بخفة: “أمركِ ، آنسة آثا”
أضافت آثا قبل أن تنطلق روبي: “أحضري مبلغًا كبيرًا. أريد صكاً بلا حدود كي أتمكن من التسوق كما يحلو لي”
و بمنتهى الدقة ، طلبت آثا أن يكون الصك غير محدود حتى لا يتمكن المساعدون من البت في الأمر بأنفسهم و يضطروا لرفعه لجهات عليا.
ترددت روبي قليلاً ؛ فمن الطبيعي أن يُمنح للآنسة آثا مبلغ سخي للتسوق ، و لم تظن أن أي مبلغ سيُعطى لها سيكون قليلًا.
و لكن—
أن تطلب صكًا بلا حدود؟
كان هذا الطلب ثقيلاً على كاهل روبي.
قد تظن أي خادمة طائشة أن الأمر مجرد نقل رسالة ، فلا داعي للقلق ؛ فإذا رفض أكاليا الطلب بعد نقله فليس باليد حيلة.
لكن روبي كانت ترى نفسها مختلفة عن هؤلاء الخادمات ؛ فبما أن آثا طلبت إحضاره ، فعليها إحضاره ، حتى لو كان الطرف الآخر هو سمو ولي العهد.
لذا ، احتاجت روبي لذريعة قوية لتقولها في مكتب أكاليا: “آنسة آثا. هل تسمحين لي بتقدير سبب التسوق وفق رؤيتي الخاصة؟ و ذلك لضمان الحصول على صك غير محدود”
وافقت آثا بترحيب ؛ فهي تتذكر كيف نجحت روبي سابقًا في فك حجزها بمجرد بكائها.
‘يبدو أنها تملك خطة بارعة هذه المرة أيضًا’
“افعلي ما ترينه مناسبًا ، المهم هو تحقيق الهدف”
“أمركِ ، آنسة آثا”
و هكذا ، توجهت روبي للقاء كاستر ، مساعد و سكرتير ولي العهد.
“ما الأمر؟” ، سأل كاستر.
وقفت روبي بأدب و قالت بهدوء: “أحتاج إلى صك مالي. الآنسة آثا ترغب في الذهاب للتسوق في المدينة”
اهتزت حدقتا كاستر قليلاً: “تسوق … تقصدين؟”
“نعم. الآنسة آثا لا تملك فستانًا ترتديه”
مال كاستر برأسه متعجبًا: “لا تملك فساتين؟”
بدا مستغربًا تمامًا ؛ فمن المستحيل أن يكون ذلك صحيحًا.
عندما رأت تعبيره ، أوضحت روبي بدقة أكثر: “أقصد أنه لا يوجد فستان في جناح آلموند يروق لذوق الآنسة آثا”
رغم توضيح روبي ، إلا أن كاستر لم يستوعب الأمر ؛ فهناك مئات الفساتين في جناح آلموند ، فكيف لا يعجبها واحد منها؟ هل هذا يعقل؟
بالطبع ، و بغض النظر عن قناعته الشخصية ، أنه إذا أرادت آثا شراء فساتين فيجب السماح لها ؛ فزوجته و ابنته تتسوقان لأسباب أتفه من ذلك بكثير.
بالنسبة له ، التسوق للمرأة يشبه تناول الطعام ؛ فعل يجب القيام به دوريًا دون الحاجة لسبب وجيه.
و مع ذلك ، لم يستطع كاستر الموافقة بسهولة.
‘لقد وضع السمو و الآنسة آثا قيودًا على الخروج بينهما’
و بعد تفكير قصير ، قدم حلاً وسطًا: “ما رأيكِ باستدعاء مصممي الأزياء إلى القصر الإمبراطوري؟”
كان رد روبي حازمًا: “كم مصممًا يمكنه المجيء في يوم واحد؟ و كم سيستغرق تفصيل الفستان من أيام؟ بينما لو خرجت الآنسة للمدينة ، فستجد المشغل الذي يناسب ذوقها بسرعة ، و سينتهي القياس و التفصيل في وقت قياسي”
كان هذا شرحًا موضوعيًا لسبب الحاجة للخروج ، لكن “الحاجة” وحدها لا تكفي.
فعندما تريد الحصول على شيء من الطرف الآخر ، يجب أن تلمس مشاعره ؛ هكذا كانت تفكر روبي.
تخلت عن حزمها ، و استبدلته بنبرة عاطفية رقيقة: “أرجو أن تقدر مشاعر الآنسة آثا التي ترغب في أن تبدو “جميلة” في عيني سمو ولي العهد أليستو. لا أدري ماذا حدث بينهما ليلة أمس ، لكنها كانت تحاول اختيار فستان لتبدو أكثر جمالاً في لقائهما القادم … و هي الآن في غاية الحزن لأنه لم يعجبها أي شيء”
أصغى كاستر لكلمات روبي و فهم الموقف تمامًا.
أو بالأحرى ، ظن أنه فهمه ، لكنه في الواقع “أخطأ الفهم”.
‘يبدو أن هذه الخادمة تظن أن شيئًا ما قد حدث بين السمو و القدّيسة ليلة أمس’
لكنه كان يعلم يقينًا. أنه لم يحدث شيء على الإطلاق.
‘لحظة … هل هذه هي المشكلة؟ لأنه لم يحدث شيء؟’
و إلا ، فما الداعي لأن تبحث في خزانتها فجأة في اليوم التالي لرغبتها في أن تبدو جميلة؟
و بالمناسبة ، هل سبب عدم إعجابها بالفساتين هو تدخل السمو في غرفة ملابسها بعد الحفل الراقص الأخير؟
حينها أمر السمو بملء خزانتها بفساتين مغلقة و محتشمة تمامًا.
يا إلهي.
المعروف أنه عند التعامل مع امرأة ، يجب إظهار المودة و التقدير مع القليل من الدلال ، لا الاكتفاء بالحرص الزائد فقط.
بدا له أن القدّيسة تعاني من مرارة العيش مع سمو الأمير الذي لا يفقه شيئًا في أمور العشق.
حقًا ، لقد مر وقت طويل منذ بدأا في المواعدة ، و مع ذلك …
التعليقات لهذا الفصل " 66"